الدرون أقوى من الدبابة.. كيف غيرت حرب إيران وإسرائيل القواعد التقليدية؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

توقع مركز دراسات تركي أن تؤدي حرب الـ 12 يوما الأخيرة بين إيران وإسرائيل إلى بدء سباق تسلح دولي جديد، مسلطا الضوء على اتخاذ تركيا خطوات متقدمة في هذا المجال عبر صناعاتها الدفاعية.

وقال مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا": إن "العالم يشهد منذ سنوات طويلة تصاعداً مستمراً في الإنفاق العسكري وتطوراً متسارعاً في تقنيات التسلح".

إلا أن الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط، لا سيما الهجمات الإسرائيلية على إيران في يونيو/حزيران 2025، تشير إلى بداية مرحلة جديدة من سباق التسلح في المنطقة.

مرحلة جديدة

وبين الكاتب التركي مراد أصلان أن هذا التصعيد العسكري لا يعكس فقط التوترات السياسية، بل يعيد تشكيل أولويات الدول الإقليمية فيما يتعلق بالأمن والدفاع.

واستدرك أن أحد أبرز الملامح الجديدة في النزاعات المعاصرة هو الاستخدام المكثف والفعّال للطائرات المسيّرة المسلحة، والتي أصبحت عنصراً محوريا في ساحات المعارك الحديثة. 

فكما أظهرت تجارب سابقة في أوكرانيا وروسيا، فإن هذه الطائرات بدون طيار تُستخدم الآن على نطاق واسع وبتأثير ملحوظ، ما يعكس تسارعاً في سباق تسلح تقني جديد يركّز بشكل خاص على الأنظمة غير المأهولة.

وتوقع أن تُسفر هذه التطورات عن تغييرات إستراتيجية في دول الشرق الأوسط، التي تتابع عن كثب مجريات الحرب وتستخلص منها دروساً حيوية تتعلق بقدراتها الدفاعية. 

أحد هذه الدروس يتمثل في ضرورة امتلاك أنظمة تسليح متقدمة وعالية الجودة، إلى جانب تأمين كميات كبيرة من الأسلحة لردع التهديدات المحتملة.

 ومن هذا المنطلق، فإن الصراع القائم قد يشعل سباقاً إقليمياً نحو التسلح، بحيث لا يقتصر على العدد بل يمتد إلى نوعية التكنولوجيا المستخدمة.

في هذا السياق، يرى أستاذ السياسة الدولية "توم ساور"، من قسم السياسة بجامعة أنتويرب في بلجيكا، أن تركيا تبرز كفاعل محوري في الصناعات الدفاعية الإقليمية.

إذ أحرزت تقدماً كبيراً في تطوير أنظمة تسليح متطورة، وباتت تصدّر هذه المنتجات إلى العديد من الدول.

ولفت إلى أن الطائرات المسيّرة التركية، التي أثبتت كفاءتها في ميادين عدة، تُعدّ مثالاً واضحاً على هذا التقدّم، وقد شكّلت عامل قوة مهماً في ميزان الصناعات العسكرية.

أما على الصعيد السياسي، فيرى "ساور" أن تركيا تنتهج سياسة خارجية واقعية ومتوازنة، تنظر في آنٍ واحد إلى الشرق والغرب، وتُعرف بسياسة "الاحتضان". 

وتعد هذه السياسة ذكية لأنها تبقي جميع الخيارات مفتوحة، وتحاول إقامة علاقات مع جميع الدول بما في ذلك تلك التي لا تحبها. ويرى أيضاً أنَّ تركيا تنفذ ذلك بشكل جيد.

ولفت الكاتب إلى هذا النهج يوفّر لأنقرة مرونة استراتيجية كبيرة في التعامل مع التحولات الإقليمية والدولية، ويعزز من موقعها الجيوسياسي كدولة مؤثرة في توازنات القوة.

الدروس المستفادة 

واستدرك: الحروب الأخيرة تفرز خبرات جديدة تدفع الدول إلى مراجعة منظوماتها الدفاعية باستمرار، سعياً للتكيف مع التهديدات المتزايدة والمتغيرة.

ولفت الكاتب إلى أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران، والتي اعتمدت بشكل كبير على الوسائط الجوية، شكّلت نقطة تحوّل في التفكير الدفاعي. 

فبينما كانت برامج الدفاع في منطقة البلطيق تركز على التهديد الروسي، أدت المواجهة بين إسرائيل وإيران إلى خلق سابقة جديدة دفعت الدول لإعادة النظر في منظوماتها الدفاعية.

وأضاف أن ساحات المعارك الحديثة بدأت تشهد تراجعاً للأنظمة التقليدية لصالح الأنظمة المتطورة، مشيراً إلى أن المنصات الجوية، من طائرات حربية ومسيرات وصواريخ، أصبحت في مقدمة الأولويات الدفاعية.

 لذلك، باتت الدول تسعى لتحقيق اكتفاء ذاتي في مجالات التكنولوجيا الدفاعية، وزيادة قدراتها بما يتناسب مع حجم التهديدات الجديدة.

وأشار الكاتب إلى أن إيران لم تتمكن من الرد الجوي الفعّال على الهجمات الإسرائيلية، في الوقت الذي أظهرت فيه الولايات المتحدة قدرتها على تنفيذ ضربات دقيقة من مسافات بعيدة، وهو ما أظهر أهمية امتلاك أنظمة دفاع جوي فعالة ومتكاملة. 

وهذا الواقع سيدفع الدول إلى تطوير أنظمة دفاع جوي أكثر اندماجا وتكاملاً، لتشكّل درعاً موحداً في مواجهة التهديدات الجوية.

ولفت إلى أن أنقرة تتمتع بأفضلية ملحوظة في مجال الدفاع الجوي، إذ كانت قد بدأت مشاريعها بهذا الخصوص قبل اشتداد التوترات الإقليمية. 

فتركيا تمتلك موقعاً متقدماً من حيث مشاريع أنظمة الدفاع الجوي، وهو ما يمنحها تفوقاً على العديد من الدول.

كما شدّد الكاتب على التقدم الكبير الذي أحرزته تركيا في مجال الطائرات بدون طيار، ما جعلها تسبق أوروبا.

فما تمتلكه أنقرة اليوم في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار لا تمتلكه غالبية دول أوروبا، بحسب تقديره.

ضرورة إستراتيجية 

وأردف الكاتب: في ظل التطورات المتسارعة في تقنيات الحروب، لم يعد امتلاك الأسلحة التقليدية كافياً لتحقيق الردع أو التفوق في ميادين القتال. 

وبين أن الحروب المعاصرة، خاصة ما كشفت عنه التجارب في أوكرانيا، تبيّن بوضوح أن الأنظمة القتالية القديمة أصبحت عاجزة عن مجاراة التهديدات الحديثة، مما يفرض على الدول إعادة النظر في ترساناتها العسكرية والعمل على تحديثها بشكل جذري.

 فواحدة من أبرز الأمثلة على فشل الأنظمة القديمة تجلّت خلال الحرب الروسية الأوكرانية، حيث استخدمت روسيا دبابات من طراز T-62 وT-64 وT-72، وهي معدات تعود إلى الحقبة السوفييتية. 

ورغم كثرة هذه الدبابات، فقد كانت فريسة سهلة في ساحة المعركة. وأظهرت التجربة أن هذه المدرعات لم تكن قادرة على حماية نفسها، وعانت من أعطال متكررة أثناء الهجمات، مما أدى إلى التخلي عنها في الطرقات. 

الرسالة هنا واضحة: الكمية وحدها لا تصنع النصر، بل النوعية والتحديث هما الأساس. فامتلاك دبابة متطورة ومدفعية حديثة يعد أكثر أهمية بكثير من حيازة أعداد ضخمة من العتاد المتقادم.

وأشار الكاتب إلى أن تركيا تدرك هذه الحقيقة جيداً، وقد بدأت منذ سنوات بتنفيذ مشاريع طموحة لتحديث أنظمتها الدفاعية، سواء في مجال الدبابات والمدفعية أو غيرها من المعدات الحيوية. 

وهذه المشاريع تعكس وعياً إستراتيجياً بأهمية مجاراة العصر، وتهيئة القوات المسلحة لمجابهة أي تهديد محتمل بكفاءة عالية. إلى جانب ذلك، فإن كل صراع مسلح في منطقة ما يُعدّ بمثابة مرآة لبقية الدول.

لى سبيل المثال، فإنّ أي نزاع محتمل في منطقة الخليج العربي من شأنه أن يسلّط الضوء على الحاجة إلى تطوير القدرات البحرية، تماماً كما فعلت الهجمات الجوية في النزاع الإيراني الإسرائيلي مع أنظمة الدفاع الجوي.

 فكل حرب تحمل دروساً جديدة وتفرض متطلبات جديدة على الدول الساعية لحماية سيادتها ومصالحها.

في ضوء ما سبق، بات من الواضح أن تحديث الأسلحة ليس خياراً بل ضرورة ملحّة، وأن الدول التي تُهمل هذا الجانب تُعرّض أمنها القومي للخطر، وفق الكاتب.

ولفت إلى أن "المستقبل لن يكون للأكثر تسليحاً، بل للأكثر تطوراً، والأقدر على التكيّف مع معطيات المعركة الحديثة".