مراكز التفكير الإسرائيلية.. لماذا تتنبأ بموجة ثالثة من الربيع العربي؟

إسماعيل يوسف | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور عقد على اندلاع ثورات الربيع العربي، لا تزال مظاهر الفزع في إسرائيل مستمرة، خشية اندلاع موجة ثالثة بعد موجتي (2011/2010) في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، و2019. في السودان والجزائر.

العديد من مراكز التفكير الصهيونية، مثل "بيغن السادات"، و"الأمن القومي"، وغيرهما بدأت تنظم مؤتمرات عن مستقبل "الربيع العربي"، مؤكدة أن موجات الربيع العربي القادمة "حتمية وستكون أكبر قوة مما حدث نهاية 2010، وأن مصلحة إسرائيل كانت وما زالت مع بقاء الأنظمة الحالية".

إسرائيل ترى، عبر مراكز الأبحاث والتفكير الصهيونية، في الطغاة العرب كنزا إستراتيجيا لها، وأن التخلص منهم وتحول الدول العربية إلى الديمقراطية هو أكبر تهديد وجودي يمكن أن تتعرض له، لأن الشعوب ستعاديها وتقاطعها ولن تُطبع معها.

موجات جديدة

توقُّع الاستخبارات الإسرائيلية، حدوث موجات جديدة من الثورات العربية يأتي بسبب "استمرار وجود العديد من الأسباب التي تدفع إلى تفجر ثورة شعبية جديدة قريبا". 

ونقل موقع "والاه" الإسرائيلي، يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2020. عن مصادر استخبارية في "تل أبيب"، قولها: "إن انعدام الاستقرار الإقليمي وتعاظم تأثير مواقع التواصل وتطور التضامن الجماعي، من شأنها أن تمهد لانفجار حركات احتجاجية شعبية واسعة النطاق وبقوة كبيرة في العالم العربي".

وأضافت المصادر الاستخبارية: "ورغم تمكن أنظمة الحكم من احتواء الكثير من الثورات والهبّات، فإن العوامل التي تساعد على انفجارها من جديد ما زالت قائمة"، وفق الموقع.

المعلق العسكري "أمير بوحبوط"، يقول للموقع: "هناك شبه إجماع في الأوساط الاستخبارية الإسرائيلية على أن الربيع العربي تراجع لكنه ما زال قائما، وأن الثورات من شأنها أن تندلع بشكل مفاجئ وبقوة وزخم أكبر بكثير مما كانت عليه الأمور في نهاية 2010، بسبب شيوع حالة انعدام الرضا في أوساط الجماهير العربية إزاء أداء أنظمة الحكم".

ينقل "بوحبوط" عن بعض مسؤولي المؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية قولها: "إن أهم عاملين يدفعان نحو انفجار ثورات الربيع العربي مستقبلا، يتمثلان في الزيادة السكانية الكبيرة مقابل عجز نُظم الحكم عن توفير الخدمات والوفاء بمتطلبات الجماهير العربية، متوقعة تكرار تجربة "ميدان التحرير" في القاهرة.

أحد القيادات الاستخبارية الإسرائيلية قال: إن الجماهير العربية لم تعد تقبل المعادلة القائلة إن العيش "في ظل الديكتاتوريات أفضل من الفوضى"، وأن انتشار وباء كورونا أسهم في توفير الظروف التي قد تسمح في المستقبل في تفجر الثورات على اعتبار أنه دلّ على "الفروق التي تسود في العالم العربي بين الجماهير والقيادة".

وتفضل إسرائيل، "وفق الموقع"، بقاء نظم الحكم "الديكتاتورية" للحفاظ على استقرار المنطقة، على اعتبار أن من مصلحة "تل أبيب" أن يكون هناك "عنوان واحد يمكن إجراء التفاوض معه ونقل الرسائل إليه".

10 سنوات

لم تهتم مراكز البحث الإسرائيلية بدراسة قضيةٍ ما قدر اهتمامها بدراسة الثورات العربية، فحللتها واستشرفت مستقبلها منذ اندلاعها أواخر 2010. وحتى الآن، وقدمت توصيات لدوائر صنع القرار، من أجل تقليص التداعيات السلبية للربيع العربي على إسرائيل.

تولى هذا الأمر باحثون يجمعون بين المكانة الأكاديمية، والخبرة، في مواقع مهمة دبلوماسية وأمنية واستخباراتية وعسكرية، وركز الجميع على ضرورة إحباط التحول الديمقراطي في مصر الذي ظهر عقب ثورة يناير 2011، وتوظيف العلاقة الخاصة مع قيادة العسكر (السيسي)، وتوظيف العامل الاقتصادي لخنق حكومات الإسلاميين عقب "الربيع العربي" حتى لا تنتقل تجربة نجاحهم للدول الأخرى، وهو ما نجحوا فيه بالثورات المضادة.

يرى "مايكل ميلستين" رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز "موشيه دايان للأبحاث الشرق الأوسطية والإفريقية"، في دراسة نشرت 27 أكتوبر/تشرين الأول 2020، بمناسبة مرور عقد على ثورات الربيع العربي، "أن موجة ثالثة من الربيع العربي قادمة لا محالة في دول الربيع الأول مثل مصر، ودول جديدة مثل الأردن وفلسطين ولبنان".

يؤكد أنه "رغم انشغال العالم العربي بفيروس كورونا خلال العام الماضي، لا تزال هذه الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية الأعمق تصيب جيل الشباب في جميع أنحاء المنطقة، ومن الممكن أن تتجسد في موجة ثالثة من الربيع العربي".

مضيفا: "موجة قد تتطور في عدة مواقع مختلفة، وربما تتجدد في دول سبق أن شهدتها، وفي طليعة هذه الفئة مصر التي يُعتبر وضعها الاقتصادي الحساس على شفير الانهيار دائما، ولبنان مرشح آخر، فهو اليوم أشبه ببركان قد يثور في أي لحظة".

قد تنشب الاضطرابات في أماكن جديدة لم تختبرها حتى الآن، وأبرز منطقة مرشحة هنا هي الأردن، بحسب الباحث بمركز ديان، حيث يمكن أن يصبح الوضع الاجتماعي والاقتصادي مقرونا بالنقد العلني المتزايد للنظام الملكي نموذجا لاحتجاجات داخلية حادة. 

ثمة أيضا الساحة الفلسطينية "حيث تتعرض السلطة في غزة ورام الله لضغوط شديدة، من أجل التجاوب بشكل حقيقي مع المشاكل الأساسية لشبابه، وليس واضحا حتى متى سينجح كلا النظامين في إبعاد الاحتجاجات الداخلية عنه من خلال تحويل محور الإحباط والغضب الشعبيَّين نحو العدو الإسرائيلي"، وفق الباحث.

وحول تأثير هذا على إسرائيل، يعتبر الباحث الإسرائيلي أن "هذا التقلب في غالبية العالم العربي، وخصوصا في الدول المجاورة، يثير قلق إسرائيل، لكنها لا تملك إلا القليل من الأدوات الفعالة التي تستطيع من خلالها ممارسة أي تأثير كبير في تلك الساحات".

استشراف المآلات

في 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، عقد "مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية" مؤتمرا ناقش مرور عقد على تفجر الربيع العربي، وهناك مراكز تفكير إسرائيلية أخرى يرجح أن تصدر دراسات حول القضية أيضا خلال الأيام المقبلة.

وعن تحديات الأمن القومي الإسرائيلي، نقل كتاب "العقل الإستراتيجي الإسرائيلي: قراءة في الثورات العربية واستشراف لمآلاتها" عن الخبراء الإسرائيليين قولهم: إن "المنطقة لم تشهد حدثا يحمل طاقة كامنة للتأثير على الأمن القومي لإسرائيل كما فعلت الثورات العربية".

مضيفا: أن "أهم المخاطر كانت الخوف من تراجع مصر والأردن عن مواصلة الالتزام باتفاقيتي "كامب ديفيد ووادي عربة"، وأن أي حملة إسرائيلية على غزة أو لبنان قد تواجه بردة فعل عربية قوية وغير معهودة"، وهو ما تم التغلب عليه بانقلاب السيسي في مصر.

وأشار الكتاب إلى أن خبراء الأبحاث الإسرائيلية يرون أن جانبا من حماية أمنها القومي يتمثل في "توثيق التحالفات مع الأقليات في البلدان العربية، وتخويفها من تعاظم المد الإسلامي".

رصد الباحث في الشؤون الإسرائيلية "صالح النعامي" على حسابه بتويتر ترجمة عن العبرية لآراء وانطباعات الصهاينة عن الربيع العربي بعد 10 سنوات وعن الثورات المضادة.

كل الآراء كانت تصب في خانة اعتبار الثورات المضادة في صالح إسرائيل، وأن الربيع العربي أكبر تحد إستراتيجي لها، وأن "إسرائيل ترى في التخلص من الطغاة والتحول الديمقراطي في العالم العربي أكبر تهديد وجودي يمكن أن تتعرض له".

المستشرق الإسرائيلي "إيال زيسير" قال: "إن إفشال ثورة 25 يناير في مصر مثل مصلحة إستراتيجية لنا، لأنه أوقف تحقق سيناريو الرعب الذي بشر به الربيع العربي".

وأكد وزير الحرب الصهيوني السابق "ابن إليعازر" أن "احتفاظ العسكر في مصر بمعظم الصلاحيات يمثل مصلحة قومية لنا، وإضعافهم يضر بنا".

أما صحيفة "مكور رشون" الصهيونية فأكدت أنه "بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي اتجهت إسرائيل لزيادة الإنفاق العسكري بخمسة مليارات دولار كدفعة أولى، لأنها انطلقت من افتراض مفاده: أن هذا التحول يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقة مع مصر، وأن انقلاب السيسي أعفاهم من تطبيق المخطط ووفر 5 مليارات دولار".

وكتب الجنرال الإسرائيلي "عاموس جلبوع" مقالا في موقع (nrg) تحت عنوان: "الثورة في الإسلام" يقول: إن "الثورات العربية أعادت إسرائيل إلى الواقع الذي تلا حرب 48، من حيث رفض شرعيتها".

وعلق المستشرق الصهيوني "يهودا هليفي" على أول بيان تصدره لجنة "الشؤون العربية" في أول برلمان للثورة في مصر (تم حله من قبل المحكمة الدستورية بطلب من المجلس العسكري)، والذي اعتبر نوابه أن إسرائيل هي التهديد الأبرز على مصر، حيث قال: "الصدام مع مصر بات حتميا، ويتوجب الاستعداد لكل ما هو فظيع".

وقالت دراسة إسرائيلية بعد خلع مبارك: إن "التحولات في المنطقة قد تفضي إلى مواجهة إسرائيل الجيشين المصري والتركي معا، في ظروف صعبة لإسرائيل".

كابوس الثورات

شكلت الثورات العربية كابوسا للصهاينة، لأنهم رأوا في اجتثاث الاستبداد مقدمة لحكم ديمقراطي يعبر عن إرادة الأمة الحقيقية المعادية للصهاينة، وتحول هذه الإرادة لمعيار في مقاربة العلاقة مع هذا الكيان الصهيوني.

لهذا ظل العقل الإستراتيجي الإسرائيلي، كما عبرت عنه مراكز الأبحاث يعتبر "الربيع العربي" خطرا على الوجود الصهيوني ويدعو للتدخل لدعم الطغاة العرب وبقائهم في الحكم.

من أهم الدراسات التي نشرت عقب الربيع العربي دراسة "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي في 11 يوليو/تموز 2013، بعنوان "الثورة في مصر توصيات لإسرائيل".

الدراسة قدمت توصيات للقادة الصهاينة تنصحهم بـ: "تقديم كافة أشكال الدعم لحكم العسكر في مصر، كي لا يعود الإسلاميون للواجهة مرة أخرى فيهددوا أمن إسرائيل".

وطلبت منهم "تعميق التعاون مع الحكم الانقلابي الجديد الذي يقوده صفوة من العلمانيين والمحسوبين على النظام السابق"، كما طلبت منهم "دعم حكومة الببلاوي العلمانية، وفتح حوار فوري مع القوى الليبرالية والعلمانية".

وأوصى التقرير الصهيوني دول الخليج بدعم انقلاب السيسي، وإعادة إحياء محور الاعتدال ضد المقاومة الإسلامية"، وأكد الاستمرار في تعزيز "العلاقات الخاصة" مع الجيش المصري التي تشكل عنصرا مركزيا ومرساة في الحفاظ على علاقات السلام بين الدولتين"، بحسب قول التقرير.

ما أوصى به التقرير، هو ما حدث بعد 10 سنوات من الربيع العربي، حيث دعمت الإمارات والسعودية الانقلاب في مصر، وتدخلت في تونس واليمن وليبيا من أجل محاربة التيارات الإسلامية التي برزت عقب "الربيع العربي".

توصيات تقرير مركز الأمن القومي الإسرائيلي الموجهة لقادة الدولة الصهيونية، ركزت على أن "مصلحة إسرائيل الخاصة هي في تثبيت حكم علماني وليبرالي مسؤول يؤدي وظائفه بكفاءة في مصر وفي منطقة سيناء".

التقرير دعا أيضا إلى "دعم حكومة الانقلاب ماليا من دول الخليج والغرب، والسعي إلى ضرب الإسلاميين في العالم العربي"، وهو ما حدث خلال السنوات العشر الماضية.

وفق خبراء، فإن مظاهر الفزع التي ألمت بإسرائيل عند تفجر الربيع العربي، كما رصدته مراكز التفكير الصهيونية، لا تزال كما هي، بل وأصبح دفاع "تل أبيب" عن الأنظمة القمعية العربية علنيا وبوابة قبول هذه الأنظمة لدى أميركا وأوروبا، وهو ما يفسر موجات الهرولة للتطبيع أملا في الحصول على دعم إسرائيل في الحفاظ على مقاعد الطغاة الجدد.