ذكرى إسقاط الأسد.. السوريون يوثقون على المنصات لحظة التحول ويجددون الأمل بالمستقبل

ذكرى العملية العسكرية التي أطلقتها فصائل المعارضة السورية في مثل هذا اليوم قبل عام
تفاؤل بالمستقبل، وأمل في التغيير، وفرح وابتهاج، وشعور متجدد بالوحدة الوطنية… مشاعر عديدة برزت في تغريدات وتدوينات الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي خلال تفاعلهم مع ذكرى العملية العسكرية التي أطلقتها فصائل المعارضة السورية في مثل هذا اليوم قبل عام، وأسفرت عن إسقاط نظام بشار الأسد.
ففي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أعلنت فصائل المعارضة السورية المسلحة بدء عملية "ردع العدوان" بقيادة الرئيس السوري أحمد الشرع، وهي العملية التي انتهت بإسقاط نظام الأسد بعد 24 عاما من الحكم، وشكّلت نقطة تحول مفصلية في تاريخ البلاد.
وكان بشار الأسد قد تولّى حكم سوريا بين عامي 2000 و2024 خلفا لوالده حافظ الأسد الذي استولى على السلطة إثر انقلاب عسكري عام 1970 عندما كان يشغل منصب وزير الدفاع.
وتمكّنت الفصائل السورية خلال العملية من تحقيق إنجازات واسعة؛ إذ سيطرت على معظم المناطق التي كانت تخضع لسيطرة قوات النظام، مما أحدث تغيرا جوهريا في المشهدين السياسي والعسكري في سوريا. ولأجل هذه العملية، شكّلت الفصائل "إدارة العمليات العسكرية" التي أعلنت أن هدفها الرئيس هو توجيه "ضربة استباقية" لقوات النظام السوري، في أول اختراق فعلي لخطوط التماس بين الطرفين في محافظة إدلب منذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين تركيا وروسيا في مارس/آذار 2020.
وجاء إطلاق العملية في فترة كانت تشهد تصعيدا عسكريا لافتا؛ إذ اندلعت اشتباكات عنيفة في ريف حلب الغربي بين الجيش السوري والمليشيات الإيرانية من جهة، وفصائل المعارضة السورية من جهة أخرى، في ظل تكثيف النظام قصفه للمناطق المدنية في الشمال السوري.
وفي اليوم الثاني عشر من المعركة، أعلنت المعارضة السورية سيطرتها الكاملة على العاصمة دمشق، لتُنهي بذلك حكم عائلة الأسد المستمر لأكثر من نصف قرن. وأفادت تقارير صحفية غربية حينها بأن بشار الأسد غادر البلاد مع أسرته قبيل دخول قوات المعارضة إلى العاصمة.
وأوضح الناطق باسم "غرفة عمليات الفتح المبين" حسن عبد الغني، أن أهداف العملية تتجلى في "كسر مخططات العدو عبر ضربة استباقية مدروسة لمواقع مليشياته". إضافة إلى حماية المدنيين من تهديدات حشود النظام العسكرية التي كانت تستهدف أمن المناطق المحررة. كما أكد أن العملية تهدف إلى إعادة المهجّرين إلى مناطقهم، وإبعاد قوات النظام والمليشيات المتحالفة معه عن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غربي سوريا، وتقليل القصف المدفعي والصاروخي الذي تتعرَّض له هذه المناطق بشكل متكرر.
وعلى منصات "إكس" و"فيسبوك" وعدة وسوم أبرزها #ردع_العدوان، #معركة_ردع_العدوان، #سوريا، أعاد الناشطون نشر خطاب عبد الغني وتداوله على نطاق واسع، كما شاركوا صورًا ومقاطع فيديو توثق تفاصيل العملية العسكرية التي انتهت بإسقاط نظام الأسد.
وأعرب الناشطون في منشوراتهم عن سعادتهم بقدرة فصائل المعارضة على إسقاط النظام في فترة زمنية قصيرة، عادّين ذلك دليلا على ما وصل إليه النظام وجيشه من ترهل وإنهاك. كما استعادوا التسلسل الزمني لأحداث المعركة، ولحظات إعلان الفصائل السيطرة على دمشق ودرعا ودير الزور وغيرها، في مشاهد وصفوها بأنها ستبقى محفورة في الذاكرة السورية.
يوم عظيم
وإحياء لذكرى المعركة، أوضح مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ والجمارك في سوريا مازن علوش، أنه في مثل هذا الصباح من العام الماضي أنجزتُ أول خريطة لمعركة ردع العدوان، تلك الخريطة التي سرعان ما انتشرت على مختلف المنصات وتحوّلت إلى مرجع يومي للمتابعين.
وقال: "على مدى أحد عشر يوما متواصلة لم نعرف فيها طعم الراحة، واصلنا العمل ليلا ونهارا، نرصد التطورات لحظةً بلحظة، ونحدّث خريطة السيطرة مع كل تقدّم ميداني، حتى اكتست الجغرافيا السورية كلّها بلونٍ واحد… لون الأرض وأصحابها".
ووصف محافظ ريف دمشق عامر الشيخ، هذا اليوم بأنه من الأيام العظام التي تجلّت فيها العزيمة وبركة الاجتماع ووحدة الصف، قائلا: "نستعيد ذكرى يومٍ وقف فيه الرجال صفا واحدا لأجل كرامة شعبنا ووطننا. مستبشرين بقوله تعالى: "ولَقد سَبَقَت كَلِمَتُنَا لِعِبادِنا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُم لَهمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون".
ولفت الكاتب السياسي محمد عطري إلى أن معركة ردع العدوان التاريخية غيّرت مجرى التاريخ في سوريا وتعد أهم تاريخ وذكرى عظيمة في تاريخ سوريا الحديث.
وعد اليوم ذكرى الخلاص من أعتى عصابة احتلت سوريا لمدة 60 عاما قُدمت في سبيله ملايين الشهداء والمعتقلين والمهجرين والمختفيين قسرا للتحول سوريا إلى مقبرة جماعية للأكثرية وللأمة (السنة).
وذكر الصحفي سمير العركي، بأن في مثل هذا اليوم قبل عام أعلن العقيد حسن عبد الغني (الذي عرف لاحقا متحدثا باسم إدارة العمليات العسكرية) انطلاق عملية ردع العدوان، لدحر قوات النظام البعثي وحلفائه من الإيرانيين ومليشياتها، وكف عدوانهم عن الشعب السوري.
وأشار إلى أنه لم يكن أحد يتوقع يومها ذلك الانهيار الكبير في صفوف قوات الأسد والمليشيات الإيرانية، وأن العملية التي بدأت وأقصى أمانيها السيطرة على حلب ينتهي بها الحال بعد 11 يوما في دمشق.
وأكد العركي، أن قيادة العمليات بقيادة أبو محمد الجولاني (الرئيس الشرع لاحقا) أجادت في قراءة المشهد الإقليمي بدقة، بعد استعداد استمر لسنوات، فكان قرارها الشجاع ببدء العملية، ليعيدوا كتابة تاريخ المنطقة، مباركا للشعب السوري.
وقالت الإعلامية صبا ياسر مدور: إن مثل هذا الفجر قبل عام، انبثق ضوء الفلق يشق ليل سوريا، وكان يحمله رجال تحت الشمس.
معركة الخلاص
وسرد ناشطون تفاصيل الانتصار وانتقاله من منطقة إلى أخرى؛ إذ بدأت معركة ردع العدوان في محافظة حلب شمالا، وصولا إلى العاصمة دمشق، التي دخلها المقاتلون فجر 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024. معلنين الإطاحة بنظام الأسد، بينما فر رئيسه إلى موسكو.
وأصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، قبل أسابيع، مرسوما حدد فيه 8 ديسمبر/كانون الأول عطلة رسمية وعيدا وطنيا يحتفل فيه السوريون في كل عام بإسقاط نظام الأسد.
ولفت الصحفي أحمد كمال إلى أن في مثل هذه الساعات المباركة من الصباح قبل عام بالضبط، سمع الله نداء السنة السوريين، واستجاب دعاهم، وبدأت معركة خلاصهم من استعباد دام ٥٤ عاما.
وأشار إلى أن المعركة بدأت في ريف حلب الغربي (الأسهم)؛ حيث وجه أبطال قادمون من إدلب ضربة صاعقة للنظام الطائفي الأبشع في التاريخ البشري. قائلا: "لن تقوم له بعدها قائمة أبدا".
ودعا كمال لمشاهدة "موجز أخبار ذلك اليوم العظيم، الذي لم ندرك يومها أبعاده، ولم نفرح به كما يجب حينها. وربما يأتي يوم وندرك أن فرحنا به الآن، ما زال أقل مما يجب".
وأوضح الصحفي غسان إبراهيم، أنه في صباح السابع والعشرين من نوفمبر 2024، وفي أجواء باردة غائمة، استيقظ الأهالي في المحرر ليجدوا المطبات كافة في الطرق الرئيسة قد أزيلت ليلاً، وقُسّم الأوتوستراد إلى نصف عسكري للإمداد والأرتال والإسعاف، وآخر للمدنيين.
وأشار إلى أن شبكات الإنترنت أصبحت مفتوحة مجانا، والوحدات العسكرية تهرع أفواجًا للتوغل في مناطق العدو، عارضا صورة التقطت صباح يوم المعركة، تظهر نزوح المدنيين على الأوتوستراد الرئيس قرب حزانو، وانتشار مقاتلي إدارة العمليات العسكرية على الدوارات الرئيسة.
وروى قاسم، أنه في مثل هذا الوقت آخر الليل قبل سنة بدأت إزالة المطبات على الطرقات الرئيسة للإمداد والأرتال والإسعاف بالمناطق المحررة، وكانت التحركات العسكرية مختلفة عن أي وقت، والجميع كان ينتظر يسمع أول قذيفة على نظام الأسد الذي كان قد ارتكب مجزرة قبل بساعات.
وواصل: "كنا نجهز نفسنا لأيام صعبة من القصف الذي راح يصير علينا بإدلب ومشاعر بين الخوف على الأهل من الانتقام والفرح على اقتراب بدء عملية عسكرية على نظام الأسد".
وتابع قاسم: "للأمانة كانت أحلامنا ريف حلب ومدينة حلب حتى يخف القصف علينا وتتوسع الرقعة الجغرافية حتى يصير في أماكن توسعنا".
وقال إبراهيم حميدي: إنه في هذا اليوم قبل سنة، بدأ أحمد الشرع مفاجأته من حلب لـ "يفتح" دمشق بعد 11 يوما، وفي هذا اليوم، وصل بشار الأسد لموسكو لحضور تخرج ابنه، ليعود إليها بعد 11 يوما.
وأضاف أن بعد سنة الشرع في دمشق رئيسا والأسد لاجئا في موسكو، مؤكدا أن قليلين جدا في سوريا وخارجها، كانوا يتوقعون قبل سنة، هذه النتيجة.
وأشار عبدالله المحيسني إلى أن العملية أسقطت أكبر نظامٍ إجرامي عرفه التاريخ الحديث وأزالت حقبة عائلة الأسد الدموية. مذكرا بأنه في مثل هذا اليوم ومثل هذه الساعات انطلقت جحافل المجاهدين والثوار.
وعرض أحد المغردين مقطع فيديو يوثق لحظة دخول مناطق النصيرية في حمص عقب سقوط نظام الأسد.
وحمد أحد المغردين الله أن أتم "ردع عدوان" آل الأسد إلى الأبد، وفتح حلب ثم حماة ثم حمص فدمشق الفيحاء. واصفا دمشق بأنها "التاريخ والياسمين والشام".
وأشار إلى توالي انفراط عقد نظام الإجرام الأسدي في درعا والقنيطرة والسويداء ودير الزور واللاذقية وطرطوس، قائلا: "فالله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله وبحمده بكرةً وأصيلاً.. والحمد لله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده".
حلم كبير
وقال الباحث عبيدة عامر غضبان: إنه في مثل هذه الأوقات قبل عام من اليوم، كانت هناك "فئة قليلة" في منطقة منسية من العالم، تخاذل عنهم القريب والبعيد، وصار دم أبنائهم مستباحا، وأعاد السفهاء "النظر" حتى بحق قضيتهم، لكنهم كانوا، مثلما كانوا، لسنوات خمسة خلت غير معنيين ولا مبالين.
وأشار إلى أن أفراد هذه الفئة كانوا مشغولين بالإعداد، بحفر الخنادق وإعداد العقول والقلوب، والتخطيط الدؤوب لحلم أكبر من كلمات عابرة وأبعد من خرائط السيطرة وتوازنات النفوذ.
وأضاف غضبان: "قد يبدو هذا اليوم ضربا من المجاز، لكنني سأذكر - بعد أن تشرفت بمعرفة من عرفت منهم - كيف كان هذا الإعداد مكلفا لهم، حين كانوا يعيشون دوما مرارة الهزيمة وضريبة الخذلان وخوف خسارة ما تبقى من أرض قليلة نذروا لها دمهم، بين الغارات المتكررة كل حين والتقدمات البطيئة كل فترة".
ولفت إلى أنهم باتوا لا يرون أهلهم إلا سويعات كل شهر، ولا ينامون إلا ساعات كل يوم، وهم يعيدون النظر ويخططون ويجربون وينجحون ويفشلون، بينما كنا ننّظر وننتقد.
في مثل هذا اليوم كانوا يضعون اللمسات الأخيرة، فاتحين كل جبهات الأرض وكل احتمالات التاريخ.
وأوضح أن أفراد هذه الفئة فعلوا ذلك بكل ما يحملون من خوف وأمل وعنفوان الرجال وثقتهم بالله، فكان هناك ستة رجال يتحركون خلف الخطوط في جبهة الشيخ عقيل، بينما كان آخرون يعملون على تهيئة المخيمات للنزوح، لنزوح أهلهم وأبنائهم، لكن لطف الله بعباده المتوكلين الآخذين بالأسباب كان أكبر، فكانت ردع العدوان، وكانت سوريا، وكنّا.
وقال أحمد السيد: إنه في مثل هذا اليوم انطلقت الجحافل التي أسقط الله بها طاغية من أسوأ الطغاة الذين مروا على الأمة منذ قرون طويلة، وكسر بها قيود أبشع سجون عرفتها البشرية منذ محاكم التفتيش وربما فاقتها، فتوقفت المجازر، وأُغلقت المسالخ، ورجع المهجّرون، وصدق الله وعده، وخذل الطغاة وحده، فلا شيء بعده.
وأضاف: "ثم ها قد مر عام كامل على ذلك النصر والفتح انتقلت فيه مادة الاختبار من مرحلة: (استعينوا بالله واصبروا) إلى مرحلة: (فينظر كيف تعملون) ومن مرحلة (تخافون أن يتخطفكم الناس) إلى مرحلة (فآواكم وأيدكم بنصره)، ولا يجتاز هذه المراحل كلها بنجاح إلا الصادقون، فمن كان مع الله صادقا فإن الله يثبته في كل الأحوال، فلا تغيره المناصب والرسوم والأشكال؛ لأن مراده وغايته ثابتة سامية عالية: "وجه الله ورضاه".
وكتبت ليلى الرفاعي: "عامٌ على أول يومٍ من أيام الله، شهدنا فيه بعثتنا من رماد الاستيئاس حينَ كانت عصبة، بل عصائب، معتصمة بحبل الله، تتطلّع للمستحيل وتقودنا إليه بالسلاسل مترا مترا بلدة بلدة، فتحا ونصرا.. يومٌ من جنون يليق بالمنفيين المنسيين على جغرافيا هذه البلاد، جنونٌ بَهِيّ تتكسر عند واقعيته".
مباركة للشهداء
وبرز تداول صور للشهداء الذين ارتقوا في الساعات الأولى من معركة ردع العدوان، بعد أن شقّوا الصفوف الأولى وتقدّموا بثباتٍ، متداولين التهاني والتبريكات لذويهم بنيل أبنائهم الشهداء في سبيل تحرير وطنهم.
العدالة الانتقالية
وتحذيرا من الأخطار التي تحاوط سوريا، قالت الصحفية آسيا هشام: "بعد عامٍ كامل، نعم… لدينا خلاف عميق مع هذه السلطة إذا استمر أداء بعض الوزارات بالشكل الحالي، لدينا ملاحظات أيديولوجيا وسياسيا كذلك معها وعلى مستويات كثيرة أخرى أهمها مسار العدالة الانتقالية".
وأضافت أن "ما اتّضح أكثر خلال هذا العام هو أن أخطر ما يواجهه البلد ليس السلطة التي استجابت لنا في عدة مواقف وبدأت في المحاسبة والمراجعة ومع ذلك مازلنا مختلفين معها، الخطر هو رعاة المشاريع الفاشية الذين يخونون ويتوعدون كل من له رأي مخالف، وكل منهم يريد اقتطاع جزءٍ لنفسه ولو كان على حساب سوريا، أو يريد بناء نفوذٍ على حساب الثورة التي بدأت وانتهت بعيدا عن أصحاب هذه المشاريع كلها".
وتابعت هشام: "هنا فقط نقول: هذه بلد… ونجاحها يبدأ من نبذ أصحاب هذه المشاريع أولا؛ لأنهم خطرٌ مباشر على الناس وعلى معنى الدولة. أمّا السلطة، فخلافنا معها معروف وليس سراً، ولكنه تحت سقف المعقول والمتاح والممكن، لا تحت سقف نتنياهو ولا تحت سقف زعران قنديل وإيران".













