سياسي سوداني: مصر وليبيا والجزائر ليست بمنأى عن مخططات الدعم السريع (خاص)

"تحاول إسرائيل تفكيك بنية الدولة السودانية"
قال محمد الواثق أبوزيد، أمين العلاقات الخارجية بحركة المستقبل للإصلاح والتنمية بالسودان، إن استئصال مليشيا الدعم السريع من الواقع السوداني أصبح هدفا لكل مُخلص للسودان لأن الشعب بات يعي أن ما مورس في الفاشر يمكن أن يمارس بمناطق سودانية أخرى.
وأضاف أبو زيد في حوار مع “الاستقلال” أن داعمي المليشيا يأملون في أن تكون الفاشر نقطة أساسية للدعم اللوجستي في شن حروب على مناطق أخرى في السودان والإقليم، مشددا على أن مصر وليبيا والجزائر ليست بمنأى عن ذلك.
وعن الوضع الإنساني قال أبو زيد: “نحن الآن أمام أكبر أزمة إنسانية من ناحية اللجوء والنزوح في العالم، لكن ما يتلقاه السودان من دعم لا يفي سوى بـ 10 بالمئة من الاحتياجات”.
كما شدد على أن “كل ما تنفقه الإمارات من مليارات في توفير المال والسلاح والمرتزقة لمليشيا الدعم السريع سينقلب وبالاً عليها ولم تعد قادرة الآن على تجميل صورتها”.
وأبو زيد (46 عامًا) سياسي سوداني مَعْنِيّ بالتجديد في الفكر الإسلامي وصاحب رؤية منفتحة على أهمية التخصص والتكنوقراط في إدارة السودان، حاصل على بكالوريوس العلوم السياسية وماجستير العلاقات الدولية، ومهتم بقضايا النظم وبنية المؤسسات.
وحركة المستقبل للإصلاح والتنمية بالسودان هي حزب سياسي وطني يهدف لإحداث إصلاح شامل في الحياة السياسية السودانية.

مأساة الفاشر
- برأيكم ما الذي قلب الطاولة بهذا الشكل في الفاشر وماذا يعني انتقال المعارك إلى شمال كردفان؟
الفاشر لها أهمية مركبة ولديها تاريخ حضاري كبير. هي مدينة قديمة بجانب أنها ملتقى طرق عديدة، الطريق إلى ليبيا والطريق إلى غرب إفريقيا عبر تشاد والنيجر ومالي، وكانت محطة مهمة جدًا في طريق الحجيج من غرب إفريقيا إلى مكة.
وكما هو معلوم كانت ترتبط بالدولة العثمانية بشكل كبير بعد فترة السلطان علي دينار في الفاشر.
وفي السودان لديها أهمية كذلك جغرافية وديمغرافية كبيرة، جغرافياً هي ترتبط كذلك بقلب كردفان مدينة الأبيض بالطريق الغربي في السودان الذي يمتد من أم درمان إلى الأبيض إلى الفاشر، هو طريق يربط حاضرة إقليم دارفور مع حاضرة أم درمان التي هي جزء من العاصمة المثلثة الخرطوم الكبيرة.
الفاشر بها تداخل سكاني كبير؛ إذ تقع في دار قبيلة كبيرة اسمها قبيلة البرقي وتخوم مناطق قبيلة الفور بجانب أرض قبيلة الزغاوة وهي قبيلة متداخلة مع تشاد ولكن غالبية سكانها من السودان.
إذن يتضح أن أهمية الفاشر الجيوسياسية والجيوإستراتيجية كبيرة جدا لأي طرف في السودان.
وفي الحرب الحالية السعي لإسقاط الفاشر كان قبل عامين أو أكثر من عامين؛ حيث كانت محاصرة وكانت مليشيا الدعم السريع لديها وجود كبير في المنطقة الجنوبية الشرقية، لديها معسكر استولوا عليه بعد عام 2019، كانوا موجودين بشراكة أو بعلم الدولة؛ مما صعب الأمور خلال الحرب الحالية بتقدير أنهم كانوا يعرفون الفاشر من قبل جيدا.
ومع ذلك فإن الفاشر سقطت في المعركة رقم 268، يعني 267 معركة هُزمت فيها الدعم السريع، بالرغم من أنها كانت محاصرة حصاراً مطبقاً، لوجود مضادات للطيران كانت منصوبة حولها، حتى الإسقاط الجوي في الفاشر كان يواجه كثيراً من الإشكاليات، وعلى ذلك تم تجويع الفاشر ووقع قتل شديد بها.
وكان القتل على الهوية وكذلك القتل لمن يحاول إدخال المؤن للمواطنين المدنيين في مدينة الفاشر، وتم قطع المياه عنها مرتين من خزان رئيس يغذي هذه المدينة يدعى خزان جولو. هذه هي الصورة فيما يخص الفاشر.

- هل ترون أن التطورات الأخيرة ستكون بمثابة نقطة تحول في مسار الواقع السوداني عموما أم هي مجرد جولة في المعارك؟
أقول: إن هذه التطورات هي نقطة تحول وفي ذات الوقت هي جولة من المعارك.
هي نقطة تحول لأن الداعمين للمليشيا لديهم أهداف يعني واحدة من هذه الأهداف هو فصل إقليم دارفور، ومن الصعب الحديث عن فصل دارفور مع عدم السيطرة على حاضرة الإقليم.
وكذلك هناك جهات تسعى لتطبيق السيناريو الليبي كمرحلة أولى لتقسيم أو إيجاد حكومتين في دولة واحدة.
ولذلك فالأحداث الأخيرة في مخيلة الداعمين للمليشيا يمكن أن تكون تطورا يعبر عن تحول كبير في مسار الواقع السوداني.
ولكن هناك تحولات يمكن أن تجعلها مجرد جولة في المعارك، منها أن الفاشر وحّد وجدان المقاومة السودانية، هناك الجيش السوداني والقوات المشتركة ومعظم هذه القوات من دارفور من القوات التي كانت تقاتل الدولة في دارفور وانضمت لمسيرة السلام وأصبحت مساندة للقوات المسلحة، وهي الأكثر معرفة بالجغرافيا وطبوغرافيا الإقليم وحتى بطريقة حرب المليشيات التي تعتمد على الحركة السريعة، ولديهم ثأر مع هذه المليشيا التي تعدت عليهم في فترات كثيرة.
والمكونات الأساسية التي انضمت لهذه المليشيا بالأساس تنظر إلى هذه القوات بوصفها قوات منافسة لها في الإقليم، والمجموعات التي تقاتل الآن بجانب الجيش السوداني وارتضت بأن تكون جزءا منها لن تختفي بنهاية هذه المعركة.
فالروح الكبيرة التي تكونت داخل الشارع السوداني بسبب جرائم هذه المليشيا التي دمرت المستشفيات والبنى التحتية واستهدفت الأطفال والنساء في الفاشر وما حولها، كل هذا جعل الإصرار أكبر على استرداد الأراضي وعلى هزيمة هذه المليشيا وألا تكون هذه المليشيا جزءاً من المشهد السوداني خلال الفترات المقبلة على المستوى العسكري أو على المستوى السياسي.
لأن لهذه الممارسات ممارسات شبيهة في الجزيرة وفي كردفان وفي بعض المناطق التي ارتكبت فيها مذابح على يد هذه المليشيا.
لذلك هي تحول في مسار الواقع السوداني بتقدير أن الصراع انفتح بشكل كبير على مخططات من يقفون خلف هذه المليشيا.
يعني استئصال هذه المليشيا من الواقع السوداني أصبح هدفا لكل مُخلص للسودان؛ لأن ما مورس في الفاشر يمكن أن يمارس في مناطق أخرى حتى خارجيًا يعني ما حدث في الفاشر يمكن أن يصيب كثيراً من دول الجوار بخاصة ليبيا في المنطقة الغربية.
وللعلم معظم السلاح الذي استخدم في هذه المعركة دخل عبر الكفرة بدعم من حكومة حفتر في بنغازي، وهنالك تهديد من هذه المنطقة إلى وسط منطقة الصحراء وخاصة الجزائر التي تستهدف كذلك عبر نفس الجهات الداعمة للمليشيا.
وإلى حد كبير يمكن أن نقرأ تصريحات هذه الجهات التي تكشف عن العداء للسودان، هذه الجهات الداعمة كانت تستبطن العداء لكنها الآن تظهره بشكل واضح ضد مصر، وهذا الإقليم له حدود مع مصر ومع ليبيا وقريب جدًا من الجنوب الجزائري وفضاء الصحراء الغربية.
علاوة على ذلك هنالك محاولات كبيرة للتغيير الديموغرافي في هذه المنطقة باستجلاب أعداد كبيرة من مكونات اجتماعية من خارج السودان، وإحلالهم أو تسكينهم في هذه المنطقة بما فيها مدينة الفاشر واتخاذها نقطة دعم لوجستي.
والفاشر بها مطار كبير مثلما أن هنالك مطاراً في جنوب دارفور في مدينة نيالا استخدم خلال الأشهر الماضية لدعم المليشيا، عبر تسيير رحلات من الإمارات موثقة عبر بعض المطارات في المنطقة، سواء كان في أرض الصومال في بوصاصو أو في تشاد أو بعض الأماكن الأخرى .
وداعمو المليشيا يأملون في أن تكون الفاشر نقطة أساسية للدعم اللوجستي في شن حروب على مناطق أخرى في السودان، خاصة أن جزءاً من هذا السلاح دخل عبر معبر أدرية الذي هو معبر قريب من تشاد.

الإمارات ونوايا التفكيك
- هل تتوقعون مزيدا من الدعم من الإمارات للمليشيا أم ربما تتراجع بعض الشيء في ظل فضائح المذابح؟
الإمارات أنفقت مليارات على هذه المليشيا بدعمها بالسلاح والأموال، واستخدمت هذه المليشيا من قبل في اليمن.
وهذه واحدة من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها النظام السابق في السودان بإدخال هذه المليشيا في علاقة مع الإمارات.
وتوسعت المليشيا بدعم من الإمارات من عشرين ألفاً إلى مائة وعشرين ألفاً، والآن الأعداد فاقت هذا العدد، وهي أرقام مهولة إذا علمنا أن بعض الجيوش في المنطقة في النيجر ومالي وغيرها لا تتعدى الـ10 آلاف مقاتل.
أنفقت الإمارات أموالا ونتوقع أنها لن تكف عن إنفاق هذه الأموال لأنها تراهن على هذه المليشيا للسيطرة على السودان، وتراهن عليها كجيش بديل، مع أن هذه المليشيا فقدت تقريبًا الرقم الأساسي من المقاتلين.
الإحصائيات الآن تتحدث عن قرابة 120,000 قتيل في هذه المعركة من المليشيا الذين تم استنفارهم وحشدهم من دول الجوار والالتزام بجانب القوات الأساسية الموجودة.
وما زالت الإمارات تجند الكثير من المرتزقة من كولومبيا كما أثبتت التقارير ومن مناطق أخرى.
ولم توقف الإمارات دعمها ولكنها تخسر يوميًا، تخسر على الأرض كما حدث خلال العامين الماضيين وتخسر الصورة التي تحاول أن تنفق عليها كذلك مليارات بتجميل صورتها في الرياضة وفي مجالات عديدة خاصة في دول الغرب الحليفة لها.
والآن العالم يلتفت إلى هذه الدويلة بسلوكها وبفعلها وبإنفاق الأموال على تهديد الأمن والقتل والإبادات الجماعية في كثير من البلدان وعلى رأسها السودان.
وأعتقد أن ما تنفقه الإمارات على تجميل صورتها وعلى هذه المليشيا سينقلب عليها وبالاً خاصة أنها سياسيًا تدعي أنها تحاول أن تقر حكمًا مدنيًا في السودان وديمقراطيًا، ولا يمكن لعاقل أن يتحدث مثل هذا الحديث، ومعلوم أنه لا يمكن أن تدعو إلى تطبيق ديمقراطية وعمل مدني من خلال دولة أصلا تفتقر إلى هذا الأمر.
إذن هذه التطورات نقرأ معها تراجع بعض البلدان في دعم خط الإمارات، حيث شعروا بالتهديد بأن هذه النيران التي تشتعل في السودان يمكن أن تلحق بأطرافهم، حاولوا أيضا مع جنوب السودان، وهنالك انقسام كبير في هذا الخط، هنالك تحولات في تشاد وضغط كبير على السلطة الموجودة هناك الآن لإيقاف الدعم.
نعم هو لم يتوقف حتى الآن ولكن هناك ضغوطات في هذا الاتجاه.
حدث ذلك في الصومال وحدث كذلك في كينيا، حين تستخدم الإمارات المطارات الكينية والطيارين لإيصال ونقل الأسلحة إلى السودان فإن هذا استغلال واضح لمقدرات دول أخرى هذه الدول تعاني الآن من تحالفها مع الإمارات في دعم الحرب في السودان، لذلك كل ما تنفقه الإمارات في هذه الحرب نحن نتوقع أن يكون وبالاً عليها.
- بعض الجهات الأممية حذرت أخيرا من تفكك السودان تحت وطأة الحرب والمجاعة والمذابح.. كيف ترون هذا الرأي؟
دعنا نسلط الضوء على أن هناك جهات تتوقع تفكك السودان بالفعل وتنتظر ذلك، وقد راهنت كثيرًا على عدة أمور أولها المجاعة.
لكن لم يشهد السودان مجاعة طيلة سنوات الحرب وأقول بأن الإنتاج الزراعي من الحبوب على قلته لكنه تضاعف خلال عام 2024 ولم يتعرض السودان إلى نقص في الغذاء.
هنالك مشاكل في توزيع الغذاء في السودان نعم، لكننا الآن ندخل في أكثر من عامين ونصف العام من الحرب لكنني أرى أن الدولة متماسكة في الأجهزة الأساسية، ومن يراهنون على تقسيم السودان هم من يعملون على هذا الهدف (التخلي عن الجيش).
والذين احتفلوا بسقوط الفاشر كانوا هم الداعمين لفرضية انفصال أو تقسيم السودان، نحن نراهن على الأصدقاء نراهن على الحلفاء نراهن على الجيش السوداني، من قبل ذلك على الشعب السوداني وعزيمة الشعب السوداني.
والآن معلوم من الذي ارتكب هذه المذابح يجب أن يدان ويجب أن يعاقَب ويحاسب كل من ارتكب هذه المذابح على أسس عرقية وعلى أسس عنصرية.
يعني كل العالم شهد وشهدت المليشيا على نفسها وتفاخروا كذلك بتوثيقهم لهذه الجرائم وشاهدنا كيف يجعلون الناس يحفرون قبورهم بأيديهم ليدفنوا والذين يُقتَلون؛ لأنهم يوصلون الطعام للجوعى في المدن.
ورأينا الآلاف قُتلوا لمجرد الاشتباه رجالا ونساء اليوم فقط هنالك أكثر من 50 امرأة وطفلا قتلوا في منطقة بمسيّرة بالقرب من الأُبيّض، واليوم كذلك تم استهداف مستشفى للأطفال في منطقة في شمال دارفور، تم قتل الأطفال داخل المستشفى، تم نسفهم بمسيرات ويشغّل هذه المسيرات مرتزقة من عدة دول تأتي بهم الإمارات لمساندة هذه المليشيا في السودان.

- ما مصادر الدعم التي يعتمد عليها الجيش السوداني الآن سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي؟
السودان اعتمد على الداخل خلال الأشهر الأولى ولكن هنالك بعض الأصدقاء الآن يستشعرون المظالم التي وقعت على السودان بسبب دعم الكثير من الجهات الخارجية لهذا التمرد وبمحاولة استعمار السودان بآليات جديدة عبر مليشيا الدعم السريع، وعبر التخويف وعبر تدمير مؤسسات الدولة، من يستشعرون هذا الظلم وقفوا مع السودان ولدينا الآن تطلع أكبر يعني تجاه المسلمين كما ذكر الرئيس أردوغان أخيرا مثلا. وتجاه الجيران وتجاه الأحرار من العالم الذين وقفوا وقفات جيدة.
نحن نعلم أن كثيرا من المرتزقة أتوا من كولومبيا لدعم المليشيا مثلا، ولكن الدولة الكولومبية لديها مواقف إيجابية الآن تجاهنا مع أنها في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، ولكن بدافع الأخلاق وبدافع الوقوف مع الحق هنالك دعم للسودان ونتطلع لدعم أكبر لكشف هذه المؤامرات على السودان.
هذه الحرب لم تكن منذ اللحظة الأولى حربًا أهلية إنها تدخّل واضح بغرض تفكيك الدولة السودانية وتدمير قواه الحية وتدمير مؤسساته.
وهذا حدث خلال هذه الحرب بالتفصيل، عندما تستهدف مؤسسات الدولة إذن أنت لا تريد أن تكون هذه الدولة قائمة أصلا فكيف تدعي بعد ذلك أنك تريد مصلحة السودان؟!
هذا فضلا عن القتل ومحاولات كسر عزيمة هذا الشعب لاستعماره وتجريده من كل ما يملك من الحقوق.
نحن الآن أمام أكبر أزمة إنسانية من ناحية اللجوء ومن ناحية النزوح في العالم، يعني ما يتلقاه السودان الآن من دعم إنساني لا يفي بـ 10بالمئة من الاحتياجات الإنسانية، أزمات أقل من هذه بكثير في العالم ينفتح عليها العالم.
ولكن نظل نقول: إن الأحرار سيقفون مع السودان ونتطلع للفت انتباه العالم لهذه المؤامرة بشكل أكبر.
نتوقع اصطفاف كثير من الدول وكثير من المجتمعات مع الشعب السوداني ومع الدولة السودانية، هذا الحق واضح، وقد حدثت تحولات خلال الأيام الماضية في كثير من مواقف القوى السياسية في العالم والمجتمعات التي طالبت بقطع التسليح للمليشيا من خلال الضغط على الإمارات وداعمي هذه الحرب بصورة مباشرة.
مليارات الدولارات تصرف شهريًا من الطيران الذي يأتي بالسلاح لهذه المليشيا تحت بصر العالم، رغم وجود تقارير مستقلة ودولية توضح انتهاكات المليشيا هي ومن يدعمها، فكيف يقف العالم متفرجا؟!
وفي هذا الإطار أذكر العرقلة التي تنفذها بريطانيا التي دعت قبل أيام لاجتماع لمجلس الأمن ثم عرقلت كثيرا من الخطوات التي كانت ستنعكس إيجابا على السودان داخل مجلس الأمن.
هذه واحدة من المخازي وداخل المجتمع البريطاني الآن كثير من النواب وكثير من الجهات الحية وغيرها تضغط على الحكومة البريطانية لتغيير هذا الموقف المشين في حق السودان، يعني دول الجوار التي كان بعضها أسهم أو هيأ له أن هذه المليشيا يمكن أن تستلم الحكم في السودان هذه الدول الآن تحاول إعادة قراءة المشهد، ونتوقع بأن كثيرا من المواقف سيتغير، وقد آن لبريطانيا وغيرها أن يغيروا موقفهم.
- هل ترون أي يد لإسرائيل فيما يحدث في السودان من دفع نحو تأجيج الحرب ومزيد من الخلافات؟
إسرائيل تدخلت في السودان منذ القدم، تمرد جنوب السودان الذي أدى إلى نشوء "أنانيا ون" هذه الحركة التي كانت أساس التمرد في جنوب السودان خلال فترة حكم جولدمايير ودعم التمرد الثاني في 83 واستهدفت إسرائيل الكثير من المنشآت، ولديها اعتقاد بأن السودان من الدول المعادية بشكل كبير والداعمة لمصر والداعمة للمقاومة في فلسطين.
مع أن الدولة السودانية كانت جزءاً من المبادرة العربية في العام 2012 ولكن إسرائيل كانت تعتقد بأن هذه واحدة من الدول التي لا بد من تحجيمها خاصة بوجود السودان على البحر الأحمر، تأثير السودان على أمن البحر الأحمر ودعمه لمصر في عام 67 وفي 73.
كذلك الروح العامة التي تنتشر في السودان والتي تعادي الظلم بشكل كبير وتعادي ما تقوم به إسرائيل من مجازر ومذابح ومن ظلم للإخوة الفلسطينيين. كل هذا دفع إسرائيل للتدخل في السودان منذ عقود.
بخصوص الدعم السريع وإسرائيل، يوجد دعم وتوجد علاقة طبعا بين الطرفين، هنالك زيارات من قائد بمليشيا الدعم السريع لإسرائيل تحصلت منها المليشيا على منظومات تجسس إبان وجودها في الشراكة في الحكم ما بعد العام 2019 وإلى قيام هذه الحرب، منظومات التجسس التي كانت تستخدمها هذه المليشيا لصالح إسرائيل كانت إسرائيلية وجزء من التسليح إسرائيلي.
ونحن نعلم أن أهداف إسرائيل في المنطقة هي تفكيك وشَرْذَمة هذه البلدان، إسرائيل على علاقة بما يحدث الآن في السودان من دعم هذه المليشيا والتدخلات الكبيرة لصالح هذه المليشيا، حتى بعد أن وافق وارتضى قائد الجيش السوداني بأن يكون جزءًا من الاتفاقية الإبراهيمية في المنطقة، ولكن هناك مقاومة شعبية كبيرة لهذا الاتجاه، لذلك تحاول إسرائيل تفكيك بنية الدولة.

دور المنظمات الأممية ومسار التفاوض
- ما الدور المطلوب من المنظمات الأممية والعالمية في هذه المرحلة تجاه السودان؟
ما نطلبه من المنظمات الأممية أولاً تصنيف هذه المليشيا بوصفها مليشيا إرهابية لأنها تقوم بكل الأفعال التي تستدعي ذلك التصنيف.
هذا بالإضافة إلى تكثيف دورها في تقديم العون للاجئين والنازحين الذين شردوا بسبب هذه الحرب، بعيدًا عما يحدث من مؤامرات، تم فتح معبر بين السودان وتشاد لإدخال المعونات وتم اكتشاف أن جزءاً كبيراً من هذه المعونات كان تسليحاً للمليشيا! وحدث هذا في مشروع كبير في السودان في فترة الثمانينيات بمشروع سُمي شريان الحياة، هذا المشروع أعطى قبلة الحياة للتمرد في جنوب السودان وقتها والآن بعض المنظمات تقوم بهذه الأدوار للأسف مرة ثانية.
نحن نتطلع إلى أن تقدم المنظمات الأممية خاصة في العالم الإسلامي والإقليمية والقريبة من وجدان الشعوب الحرة يد العون للاجئين والنازحين.
الشعب السوداني تم تدمير ممتلكاته حتى الممتلكات الشخصية! تم تدمير المصانع والمتاجر وملايين من الشعب السوداني فقدوا وظائفهم وتم تهجير الملايين من المهنيين من الأطباء والمهندسين، ونتطلع كذلك لدور في إعادة الإعمار، هذه القطاعات والمتاحف السودانية التي تم نهبها بالكامل، حتى السيارات بعشرات الآلاف تم حرقها، نتطلع لدعم حقيقي من هذه المجموعات أو هذه المنظمات الأممية، هذه المحنة الكبيرة التي تسببت فيها الإمارات وداعميها للحرب من الخارج.
- كيف ترون تأثر المسار التفاوضي بالمستجدات التي وقعت أخيرا في الفاشر والمعارك عموما؟ هل سنرى تنازلات من جانب الجيش؟
بخصوص التفاوض، لا ننسى أنه بعد نشوب هذه الحرب بأقل من شهر كان هناك منبر جدة برعاية أميركية سعودية وتم التوقيع على اتفاقية جدة التي نصّت على أن تخرج المليشيا من الأعيان المدنية، ولم تلتزم المليشيا بذلك.
لذلك نقول إنه من الصعب أن يقتنع الشعب السوداني بأن هذه المليشيا يمكن أن يكون لها أدوار إيجابية أو أن تلتزم بمسار تفاوضي واضح.
وبعد ما حدث من مذابح لا يمكن التصالح مع هذه المليشيا بكل هذه الوحشية والتصالح مع كل من تسببوا في كل هذا الدمار.
لا بد أن يحاسب كل من ارتكب جرما في هذه الحرب. بالتالي المسار التفاوضي صعب أن يكون له اتجاه إيجابي حاليا وطبعا سيتأثر سلبا بما حدث في الفاشر بل من الطبيعي أن يتجمد.
- هناك منافذ تصل من خلالها الأسلحة والدعم إلى مليشيا الدعم السريع.. كيف يمكن سد هذه الثغرات ومنع وصول الدعم الذي يصل إلى المليشيا من ممولين معروفين؟
نعم، معروف من أين يأتي السلاح، معظم الأسلحة إماراتية، معلوم من أين تأتي لهذه المليشيا، هنالك تقارير دولية معروضة والعالم يغض الطرف عن ممارسات الإمارات وداعمي هذه المليشيا.
هذه الأسلحة تأتي عبر ليبيا (حفتر) وكذلك تشاد وبعض المجموعات داخل جنوب السودان، كينيا كانت متورطة في هذا العمل وبعض المجموعات في أوغندا وفي أرض الصومال وبعض الدول الأوربية، وكذلك بعض الأسلحة الأميركية وُجدت ورُصدت في هذه الحرب.
العالم يعرف من أين يأتي السلاح، رحلات الطيران التي تأتي بهذا السلاح معلومة، كل هذا معلوم حتى الصحافة تعلم ذلك، لكن نحن نتحدث عن إرادة العالم في إيقاف هذه الحرب وفي لجم مساعدي هذه الحرب.
ونحن نعلم أن نهاية هذه الحرب بالنصر للجيش السوداني وللشعب السوداني، ونحن على يقين من أن من أشعلوا هذه الحرب سيكتوون بنارها عاجلاً أو آجلاً، ولن تكسر عزيمة الشعب السوداني ومن الأحرار في العالم الذين يصطفون خلف الحق ويعملون على إنصاف هذه الحرب الذين قتلوا واغتصبوا بفعل هذه المليشيا الإرهابية.
الذي يمكن أن يوقف انهمار هذه الأسلحة للمليشيا هو المجتمع الدولي ويجب أن يتحرك؛ لأنهم يعلمون جيدا من يورد هذه الأسلحة ويدخلها إلى السودان.














