ابن سلمان في واشنطن بين تطبيع أبراهام وصفقة إف-35.. أيهما أكثر أهمية؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم صراخ وسائل الإعلام الإسرائيلية حول خطورة حصول السعودية على صفقة طائرات إف-35 الأميركية خلال زيارة ولي العهد محمد بن سلمان إلى واشنطن، تشير تقارير إلى أن التطبيع الإبراهيمي أهم لإسرائيل من صفقة الطائرات نفسها.

فالمحللون العسكريون الإسرائيليون والغربيون يرون أن تل أبيب ليست قلقة من تزويد الرياض بهذه الطائرات المتقدمة بقدر ما تحتاج إلى التطبيع، الذي يعد الهدية التي تزيل عن سُمعة دولة الاحتلال تهمة "إبادة غزة" وتمنحها مكاسب سياسية هامة.

ويرجع سبب عدم انزعاج إسرائيل من صفقة إف-35 لأسباب تقنية، تتعلق ببيع نسخ أقل تطورًا من تلك التي تمتلكها إسرائيل، مع وجود آليات تحكم تسمح لواشنطن بتعطيل عمل الطائرة في حال استُهدفت إسرائيل أو أي هدف غير مرغوب فيه؛ حيث تم الكشف عن "مفاتيح إيقاف" مشفرة لهذا الغرض.

زار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان واشنطن في 17 نوفمبر 2025، بعد غياب سبع سنوات بسبب فضيحة مقتل الصحفي جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين عام 2018، وسط تساؤلات حول أهداف الزيارة وتوقعات نتائجها.

وتتمثل الأهداف السعودية في الحصول على ضمانات أمنية لحماية البلاد والنظام، وشراء طائرات إف-35 المتقدمة، بينما يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى دفع المملكة نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

التطبيع صعب... ولكن!

لم ينقطع الحديث في واشنطن، قبل وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبعده، عن مطالبة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانضمام المملكة إلى اتفاقات أبراهام للتطبيع مع إسرائيل.

ورغم التحفظات السعودية التي تؤجل هذا الطلب الأميركي، مشددة على ضرورة وجود ترتيبات تفضي إلى قيام دولة فلسطينية، حاول ترامب التذرع بأنه أوقف حرب غزة، وطرح مشروع قرار في مجلس الأمن يتحدث لأول مرة عن "دولة فلسطينية".

وأبلغ ترامب ولي العهد السعودي خلال مكالمة هاتفية في أكتوبر 2025، أنه مع انتهاء حرب غزة يتوقع تحرك المملكة نحو التطبيع مع إسرائيل، حسبما ذكر موقع "أكسيوس" في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.

وقال ترامب في 15 نوفمبر: إن "الاتفاقيات الإبراهيمية ستكون جزءا من نقاشنا مع السعوديين، وآمل أن تنضم السعودية لها قريبا".

ونقلت صحيفة "أكسيوس" في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 عن مسؤولين أميركيين أن "الرئيس ترامب أبلغ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال مكالمة هاتفية في أكتوبر 2025، أنه مع اقتراب نهاية حرب غزة يتوقع أن تمضي السعودية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل".

لكن من غير المرجح أن توافق المملكة على التطبيع في هذه المرحلة؛ إذ حدد الأمير أولوية تتمثل في انتزاع ضمانات أمنية أميركية أكثر صرامة، خاصة بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قطر في سبتمبر، الحليف القوي للولايات المتحدة. بحسب توقع وكالة الأنباء الفرنسية في 14 نوفمبر 2025.

وتتمثل الفجوة الرئيسة في مطلب السعودية بأن يلتزم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"مسار موثوق، لا رجعة فيه، ومحدد زمنيا" لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما رفض نتنياهو حتى الآن.

لذا، لا تبدو الرياض مستعدة حاليا للمضي قدما في هذا المسار، لا سيما أنها تقود مسعى دوليا لإقامة دولة فلسطينية، وهو شرطها المعلن لتطبيع العلاقات. وفق تقارير غربية.

وذكرت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في 16 نوفمبر 2025 أن ترامب يحاول إقناع الأمير محمد بأن خطة السلام الأميركية المكونة من 20 نقطة بشأن غزة توفر مثل هذا المسار.

ونقلت عن مسؤول أميركي قوله: إن أفضل نتيجة ممكنة لمحادثات هذا الملف هي أن يعترف السعوديون بأن خطة ترامب تمثّل نقطة انطلاق نحو إقامة دولة فلسطينية، وأن يوافقوا علنا على "دراسة" الانضمام إلى اتفاقات أبراهام في المستقبل.

وسبق أن حاولت إدارة ترامب الأولى، ثم إدارة بايدن التي خلّفتها، إقناع السعودية بالانضمام إلى اتفاقات أبراهام، لكن تلك الجهود اصطدمت أولاً بمعارضة الملك سلمان خلال ولاية ترامب الأولى، ثم بمعارضة ولي العهد محمد بن سلمان بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر 2023 ضد إسرائيل، التي أشعلت حرب غزة وما تبعها من مآسٍ للسكان.

الطائرات مقابل التطبيع

فور الكشف عن احتمال موافقة الولايات المتحدة على بيع طائرات الشبح المتطورة من طراز F-35 للسعودية، عبّرت إذاعة "كان" التابعة لهيئة البث الإسرائيلية الرسمية الجديدة، في 16 نوفمبر 2025، عن معارضة إسرائيل الشديدة للصفقة.

وكانت الحجة الأساسية أن إسرائيل تخشى أن يؤدي حصول السعودية على هذه الطائرات المتقدمة إلى تقويض تفوقها الجوي النوعي في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى خطر تسرب تقنيات الطائرات الحساسة إلى روسيا أو الصين، اللتين تربطهما علاقات متنامية بالسعودية.

وبحسب ما أوردته القناة 12 الإسرائيلية، فإن تل أبيب هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك مقاتلات "إف-35" اليوم، وأن توريد هذه المقاتلات إلى السعودية سيغير ميزان القوى الإقليمي ويؤثر على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.

وكان الكونغرس قد أقر عام 2008 قانونا يلزم الولايات المتحدة بصون التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، وهناك تفاهم واسع حول ذلك بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

مع ذلك، بدأ بعض المحللين الإسرائيليين يخففون من حدة المعارضة، من زاويتين: الأولى أن ترامب قد يبرم الصفقة بدون موافقة إسرائيل، وأن قلق تل أبيب لا محل له لأن ما ستسلمه واشنطن للسعودية ليس النسخة المتطورة التي تمتلكها إسرائيل، وأن هناك آليات تقنية تسمح لواشنطن بتعطيل الطائرات إذا استُخدمت ضد حلفاء.

أما الثانية، فهي استغلال الصفقة كمقابل للتطبيع، أي رهن الولايات المتحدة حصول السعودية على طائرات الشبح بالتقدم في ملف التطبيع مع إسرائيل.

وقد توقع المحلل الإسرائيلي عاموس هارئيل، في تحليل بصحيفة "هآرتس" بتاريخ 17 نوفمبر 2025، أن "السعوديين قد يحصلون على طائرات إف-35 دون تطبيع مع إسرائيل، خصوصا مع تراجع نفوذ نتنياهو على ترامب".

وقال: إن علاقات إدارة ترامب مع العائلة المالكة في السعودية قوية للغاية، "لدرجة أن ترامب قد يمنح الرياض هذه الهدية دون أن يطلب مقابلا ذا علاقة بإسرائيل".

وأضاف: "في نهاية ولايته الأولى، كان ترامب ينوي ربط اتفاقيات أبراهام بصفقة بيع طائرات إف-35 للإمارات، لكنه الآن يعد هذه الصفقة ركنا أساسيا في سياسته الخارجية الجديدة، متجاهلا السياسة التقليدية للحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في الشرق الأوسط".

لذا، فإن السيناريو الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لإسرائيل ليس مجرد احتمال حصول السعودية على مقاتلات إف-35، بل احتمال حدوث ذلك دون اتفاق يتضمن تطبيعا إسرائيليا سعوديا ونوعا من الاعتراف الإسرائيلي الغامض برؤية الدولة الفلسطينية. وفق المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس".

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 16 نوفمبر 2025 عن مصدر عسكري رفيع أن "نتنياهو مستعد للتخلي عن جزء كبير من التفوق النوعي لسلاح الجو الإسرائيلي، فقط من أجل تحقيق التطبيع، دون أن يُعطي أي كلمة بشأن حل الدولتين".

وربما لهذا أبلغت إسرائيل الولايات المتحدة أنها لا تعارض بيع مقاتلات من طراز "إف-35" للسعودية، لكنها طلبت أن تتم الصفقة مقابل موافقة الرياض على تطبيع العلاقات معها، حسبما ذكرت القناة 12 الإسرائيلية وموقع "أكسيوس" الأميركي في 15 نوفمبر 2025.

ونقل مراسل "أكسيوس" عن مسؤولين إسرائيليين قولهم: إن تل أبيب "لا تعارض بيع الولايات المتحدة طائرات إف-35 للسعودية، لكنها تشترط تطبيع المملكة لعلاقاتها مع الدولة اليهودية".

وقال مسؤول إسرائيلي: "أبلغنا إدارة ترامب أن توريد طائرات إف-35 للسعودية يجب أن يكون خاضعا للتطبيع السعودي مع إسرائيل".

من المرجح أن تطلب إسرائيل ضمانات أمنية مماثلة من الولايات المتحدة في حال إبرام صفقة طائرات إف-35 مع السعودية، مثل عدم نشر هذه الطائرات في القواعد الجوية السعودية الواقعة في الأجزاء الغربية من البلاد.

وتخشى إسرائيل ليس فقط فقدان التفوق الجوي، ولكن احتمال اتجاه السعودية نحو امتلاك السلاح النووي تحت رعاية الاتفاقات مع ترامب، بحسب "القناة 12" الإسرائيلية في 16 نوفمبر 2025.

وأعربت وزارة الحرب الإسرائيلية عن قلقها من احتمال سماح الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية بشراء طائرات إف-35، إضافة إلى خشيتها من السماح للسعوديين بامتلاك الطاقة النووية المدنية.

البنتاغون يعطل طائرات السعودية!

قبول إسرائيل ببيع واشنطن طائرات إف-35 للسعودية، سواء مقابل التطبيع أو حتى بدونه، لم يكن تنازلا من تل أبيب؛ إذ أكد محللون وخبراء عسكريون أن "لجام" هذه الطائرات سيظل بيد البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية).

فقد زوّدت واشنطن الطائرات بتقنيات تسمح لها بإعطاب الطائرات السعودية في حال استخدامها ضد إسرائيل أو أي أهداف أخرى لا تريدها الولايات المتحدة.

وكتب المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، أن الأميركيين أدخلوا في برنامج تشغيل الطائرة مفاتيح ورموزا تمكن البنتاغون من رصد الهدف من تحليق الطائرة وأماكن تحركها في أي وقت.

وفي حال تبين أن الطائرة ستهاجم هدفا يمسّ المصالح الأميركية، مثل إسرائيل، فإن هذه الأجهزة تتيح لواشنطن تعطيل الطائرة عبر ما يعرف بـ"مفتاح القتل" (Kill Switch)، ما يجعل الطائرات غير قادرة على التحرك أو تنفيذ مهامها.

وأوضح بن يشاي أن القلق الأميركي من تسرب التقنيات الحديثة والأجهزة التي تمّ إدخالها على الطائرة إلى جهات أخرى، لا سيما دول غير مستقرة في الشرق الأوسط تشتري الطائرات بما يخالف المصالح الأميركية وضد حلفائها، دفع واشنطن لوضع تقنيات تعطل مهمة في هذه الطائرات.

وكشف أن الطائرات من طراز إف-35 التي ستحصل عليها السعودية لن تتضمن التحسينات والتجهيزات وأجهزة الرقابة الإلكترونية التي أدخلتها إسرائيل على طائراتها من نفس الطراز، والتي تمكن الطائرات الإسرائيلية من استهداف نظيراتها السعودية حتى على الأرض.

وأشار إلى أنه حتى لو كانت الطائرات التي ستتسلمها السعودية من طراز Block 4 الأكثر تطورا، فإنها لن تشمل تلك التحسينات التي تطلق عليها إسرائيل اسم "أدير" (هائل).

وأفاد بأن هذا هو السبب وراء رفض الإمارات في عام 2021 صفقة مماثلة لطائرات إف-35؛ حيث أبلغت الأميركيين بـ"لا شكرًا"، رغم كونها مكافأة لانضمامها إلى اتفاقيات التطبيع.

ووفقا لـ بن يشاي، تخشى الولايات المتحدة أن تلجأ السعودية لشراء طائرات صينية مشابهة من طراز J-20، ولذلك تفضل بيع طائراتها للحفاظ على سيطرتها على استخدام طائرات إف-35.

وأضاف أن تركيا تطور طائرة شبحية مشابهة، وهي مهتمة ببيعها للسعودية.

كما أوضح محللون عسكريون إسرائيليون أن تل أبيب ستطلب ضمانات أمنية أميركية، مثل عدم تمركز الطائرات السعودية في المطارات الغربية القريبة من الحدود الإسرائيلية، بالإضافة إلى شروط أخرى تحمي التفوق الجوي الإسرائيلي.

ضمانات حماية المملكة

بينما استبعدت السعودية الانضمام إلى دول التطبيع واتفاقات أبراهام في الوقت الراهن، ركزت بشكل رئيس على الحصول على ضمانات أمنية واضحة، أو اتفاقية حماية مع الولايات المتحدة، تحمي المملكة من أي هجوم إسرائيلي أو إيراني محتمل.

كما تمثل هذه الضمانات حماية لنظام ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يترقب تتويجه ملكا للمملكة بعد وفاة والده، ويريد أن يؤمن غطاءً أميركيا قويا في هذا المسار.

وكان لافتا أن ترتيبات استقبال ابن سلمان في واشنطن جاءت أشبه بمراسم تتويج ملكي، ما قد يحمل رسالة ضمنية بالالتزام بحمايته، حسبما أشارت وكالة "رويترز" في 17 نوفمبر 2025.

مقابل هذه الضمانات، أنفق ابن سلمان مليارات الدولارات خلال زيارته على صفقات اقتصادية وعسكرية مع إدارة ترامب، من بينها صفقة شراء طائرات حربية متطورة.

ورأت صحيفة "واشنطن بوست"- التي كان يعمل فيها الصحفي المغدور جمال خاشقجي- استضافة ترامب للأمير السعودي في عشاء رسمي "خطوة دراماتيكية لإعادة تأهيل رجل كان سابقا منبوذا"، مع الإشارة إلى التأكيدات الاستخباراتية الأميركية حول تورط ابن سلمان في قضية قتل خاشقجي.

أما أكثر الضمانات الأمنية أهمية فتلك التي يطالب بها ابن سلمان، وهي "اتفاقية أمنية ثنائية" تتعهد فيها الولايات المتحدة بالدفاع عن السعودية حال تعرضها لأي هجوم، وفق مسؤول مطلع نقلته صحيفة "بوليتيكو" في 17 نوفمبر 2025.

وستكون هذه الاتفاقية الثانية من نوعها على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) مع حليف خليجي، بعد الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب في سبتمبر/أيلول للدفاع عن قطر.

ورغم هذه التحركات، انتقدت صحف مثل "بوليتيكو" و"ريسبونسيبل ستات كرافت" نشاط ترامب في علاقاته الخارجية مع السعودية وقضايا غزة وقطر وسوريا، وترى أنه يخاطر بأمن الولايات المتحدة والمنطقة من أجل تقوية العلاقات مع السعودية، متهمين إياه بالتودد للمملكة على حساب المصلحة الوطنية.

في مايو/أيار 2025، أعلن ترامب وابن سلمان نيتهما توقيع حزمة عقود عسكرية بقيمة 142 مليار دولار، ما يعد الأكبر في تاريخ صفقات السلاح الأميركية، إضافة إلى استثمارات متعددة في مجالات الطيران والبنية التحتية والطاقة، لتصل القيمة الإجمالية إلى نحو 600 مليار دولار.

ومن أبرز هذه الاتفاقيات، التزام شركة "بوينغ" الأميركية بتوريد طائرات ركاب من طراز 737-8 لشركة الطيران السعودية بقيمة 4.8 مليارات دولار، إضافة إلى استثمارات سعودية لبناء مراكز بيانات وبنية تحتية للطاقة داخل الولايات المتحدة.

وفي تعليق له، قال الباحث في "معهد دول الخليج العربية" بواشنطن، عزيز الغشيان: إن "هدف الزيارة السعودي ثلاثي: تعزيز التعاون الأمني والدفاعي، وتوطيده، وتسهيله."

بينما أشار الكاتب والمعلق السعودي علي الشهابي في "واشنطن بوست" إلى أنّ ولي العهد السعودي يسعى للحصول على ضمانات أمنية أميركية أكثر صرامة. وأضاف: "لقد تطورت العلاقة بين واشنطن والرياض من ترتيب بسيط قائم على 'الأمن مقابل النفط' إلى شراكة أوسع تشمل مكافحة الإرهاب، واستقرار أسواق الطاقة، وجهود تهميش التطرف، وتعزيز الاستقرار في العالم العربي".