زيارة ابن سلمان تثير الغضب في أميركا.. تريليون دولار وتطبيع وتجاهل ملف خاشقجي

شدوى الصلاح | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في تجاهل أميركيٍ للانتهاكات الحقوقية كافة في السعودية وتطبيعٍ للقمع، وسعي لإغلاق ملف اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، وتمرير للتطبيع السعودي الإسرائيلي، وتبيض لسمعة المملكة واستنزاف أموالها، استقبل الرئيس الأميركي ولي العهد السعودي في أول زيارة له منذ 7 سنوات.

واستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 استقبالا حافلا، وتم إطلاق 21 طلقة مدفعية، فيما حلقت طائرات حربية في سماء البيت الأبيض لحظة الاستقبال. بالإضافة إلى استعراض حرس الشرف.

وقال ابن سلمان بُعَيد الاستقبال الرسمي في تصريحات له من البيت الأبيض: إنه يريد المضي نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل وإرساء "حل الدولتين". مضيفا: "نرغب في أن نكون جزءًا من الاتفاقات الإبراهيمية.. لكننا نريد التأكد من أن الطريق نحو حلّ الدولتين مرسوم بوضوح".

وأضاف أنه أجرى "مناقشة بنّاءة" بشأن هذا الملف مع ترامب. مؤكّدا: "سنعمل على ذلك لضمان تهيئة الظروف المناسبة في أقرب وقت ممكن لتحقيق هذا الهدف".

وأعلن ولي العهد عن نية المملكة رفع استثماراتها في الولايات المتحدة إلى تريليون دولار، بعدما كان تعهد سابقا برفعها إلى 600 مليار خلال زيارة ترامب للسعودية في 2017، دون تحديد خطة زمنية أو تفاصيل إضافية.

واستهل ترامب اللقاء في البيت الأبيض بترويج لصورة معاكسة لما تشهده المملكة من قمع وانتهاكات وملف حقوقي سيئ السمعة أثبتته ووثقته المنظمات الحقوقية في تقاريرها؛ إذ أشاد بسجل الأمير "المذهل" في مجال حقوق الإنسان.

ودافع ترامب عن ضيفه حين تطرقت إحدى الصحفيات إلى مقتل الصحفي السعودي بصحفية واشنطن جمال خاشقجي الذي اغتيل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018 على أيدي رجال مخابرات سعوديين، وأثبت تقرير صادر عن الاستخبارات الأميركية موافقة ولي العهد على اغتياله.

وبرر قائلا: "الكثير من الناس لم يعجبهم ذلك الرجل الذي تتحدثون عنه -في إشارة إلى خاشقجي-، سواء أحببتموه أم لا.. وقعت أمور لكنه لم يكن يعلم عنها شيئا- متحدثا عن ابن سلمان- ويمكننا أن نترك الأمر عند هذا الحد".

وزعم ابن سلمان أنه شعر بـ"ألم" عند سماع مقتل خاشقجي، مؤكدا أن المملكة "اتخذت جميع الإجراءات اللازمة للتحقيق". وأضاف: "لقد حسنا نظامنا لضمان عدم حدوث أي شيء كهذا. إنه لأمر مؤلم وخطأ فادح".

وامتدح ترامب ولي العهد ووصف جهوده في مجال حقوق الإنسان بـ"المذهلة"، وانتقد الصحفية التي سألته عن خاشقجي، ورأى أنها "أحرجت الضيف" دون الخوض في تفاصيل إضافية.

وأعلن أن بلاده تعترف بالمملكة العربية السعودية "حليفا رئيسا من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)"، وأن البلدين وقّعا "اتفاقية دفاع إستراتيجي" بينهما.

وأفاد ترامب بأن السعودية ستشتري من الولايات المتحدة أسلحة وذخائر وخدمات دفاعية بقيمة تقارب 140 مليار دولار. مشيرا إلى أن ذلك سيوفر الآلاف من فرص العمل للأميركيين.

وأضاف أن صفقات شراء الأسلحة بمليارات الدولارات “ستُرسّخ دور المملكة كقوة أساسية للاستقرار والأمن في الشرق الأوسط”.

وانتقد ناشطون وأعضاء بالكونغرس الأميركي زيارة ابن سلمان، واستنكروا تقليل ترامب من شأن جريمة اغتيال خاشقجي بقوله: إن "أشياء من هذا النوع تحدث". معربين عن غضبهم من هجومه عليه وزعمه أنه كان مثيرا للجدل، ودفاعه عن ابن سلمان ورفض إحراجه داخل البيت الأبيض.

وأشاروا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #محمد_بن_سلمان، #ترامب، #البيت_الأبيض، وغيرها، إلى أن الزيارة كلها تمحورت حول المال وكم سيحصل ترامب الذي وصفوه بالمُرابي والجَشِع من المملكة التي نعتوها بـ"البقرة الحلوب".

واستنكر ناشطون الاستقبال الاستثنائي الذي حظي به ولي العهد في البيت الأبيض وتحليق الطائرات المقاتلة وإطلاق المدفعيات الترحيبية، وتجاهل الانتهاكات الحقوقية في السعودية، منددين بإعلان ابن سلمان رغبته في أن يكون جزءا من الاتفاقات الإبراهيمية وعدوها تمهيدا للتطبيع العلني.

استقبال إمبراطوري

وعن الحفاوة الأميركية بولي العهد ودفاع الرئيس الأميركي عنه في جريمة اغتيال خاشقجي ورفض إحراجه، وصف عمر خاطر ما حدث بأنه "استقبال إمبراطوري للبقرة الحلوب من قِبل تاجر الخردة الأميركي". مشيرا إلى أن ترامب يفتح يديه للمليارات ويحتقر صاحبها.

وتساءل: "لماذا يفتخر أجلاف السعودية باستقبال غير مسبوق لصبي الملكية لديهم مبس -ابن سلمان- الأوّل؟!!"، مجيبا: "لأنّهم ناقصون لا كرامة لهم أمام أُشَيْقر الروم الذي أتى بأحقرهم لمزيد من الإذلال".

وأضاف خاطر: "أيضا هنالك من أشار لمعتوه البيت الأبيض بأنّ بعران الصحراء من الأعراب يحبّون هذا النوع من الامتيازات.. وكلّما زاد الاستقبال زاد الحلب.. وهذا ما حصل بالضبط.. فقد ارتفعت الجزية من ٦٠٠ مليار دولار إلى ترليون دولار برمْشَة عين". 

وتابع: "عادي والسعودية نفسها تعاني عجزا ماليا كبيرا بل وتقترض من البنوك لسدّه.. حتى لا أقول إنّ هذه الأموال يمكن أن تطعم جياع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وتزيد".

وأوضح خاطر، أن السبب الثاني للاستقبال غير المسبوق لابن سلمان، هو قرب تتويج هذا الفرخ الشيطاني -في إشارة إلى ولي العهد- ملكا على ٢٥ مليون متسعود لا همَّ لهم غير إشباع كروشهم وفروجهم حتى لو كان ذلك بأموال الحج والعمرة". 

وأردف: "لذلك أقولها وأعيدها هذه المرّة أيضا: يجب التوقف عن الذهاب للحج حتى لا توضع أموالكم بين أيدي هؤلاء حتى تكف أسلحتهم عن قتل أطفال المسلمين.. فالذهاب للحج في مثل هذه الظروف حرام شرعا".

وسلط المحلل السياسي ياسر الزعاترة الضوء على احتفاء ترامب الاستثنائي بولي العهد السعودي، وانشغال "الكيان" بنتائج الزيارة. مشيرا إلى أن الاحتفاء كان واضحا، لكن الاهتمام الصهيوني المحموم بالزيارة لا يعرفه غير من يتابع وسائل إعلام "الكيان" على نحو يومي.

ودعا لتذكر ما لهذه المنطقة من أهمية بالغة في مرحلة انتقال تاريخية في موازين القوى. مشيرا إلى أنها مرحلة سمحت للرياض أن تستقبل سلف ترامب (بايدن) ببرود، مقابل احتفاء استثنائي بالرئيس الصيني.

وتوقع الزعاترة، أن يُقال: إن ترامب تاجر، لكن الحقيقة أن أي رئيس مكانه لم يكن بوسعه غير ذلك، ربما مع خلاف في التعامل مع "الكيان"؛ لأن الصين تجلس على الطاولة وتراقب الفرص، وهي ماضية في صعودها دون توقف، وكذلك روسيا.

وأكد أن لهذه المنطقة أهميّة استثنائية في الصراع الدولي الراهن، وهي أهميّة يمكن استثمارها في احتلال موقع كبير في الوضع الدولي لو أمكن لقواها أن تتفاهم على حد أدنى من السياسات وترتيب صائب للأولويات، بدل الصراعات التي تستنزف الجميع من دون جدوى.

وأضاف الزعاترة، أنها معادلة تحتاج بالضرورة إلى مصالحات داخلية في كل الدول؛ لأن الخطر ما يزال كبيرا، والطامحون بـ"صهيْنة" المنطقة يعملون ليل نهار لتحقيق مُرادهم.

وأعربت عضو الكونغرس الأميركي عن مقاطعة كولومبيا إليانور هولمز نورتون، عن انزعاجها من تحليق ترامب تكريما لابن سلمان المسؤول عن مقتل صحفي واشنطن بوست، كونها مدافعة عن حرية الصحافة، وعضوة في الكونغرس، ورئيسة مشاركة في تجمع "السماوات الهادئة".

وقالت عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية واشنطن السيناتور باتي موراي: "إنه لأمرٌ مُخزٍ للغاية أن نرى رئيس الولايات المتحدة يفرش السجادة الحمراء لديكتاتور أجنبي أمر بقتل صحفي من صحيفة واشنطن بوست".

واستنكر الكاتب جون فافرو دفاع ترامب عن ابن سلمان، قائلا: "تخيل أن صديقك أو أحد أفراد عائلتك قُتل بوحشية على يد حكومة أجنبية، وتسمع رئيس الولايات المتحدة يقول كلامًا كهذا وهو يجلس بجانب الجاني ويشيد به".

وعرضت مراسلة السي إن إن جيمي جانجيل، تقرير الاستخبارات الأميركية حول اغتيال خاشقجي المعنون بعبارة "ولي العهد السعودي مسؤول عن مقتل خاشقجي". قائلة: "بينما قال الرئيس ترامب اليوم إن محمد بن سلمان لم يكن يعلم شيئًا عن مقتل خاشقجي.. هذا من تقرير استخبارات أميركي لعام 2021".

اتفاقات أبراهام

وتعقيبا على إعلان ولي العهد السعودي رغبته في أن يكون جزءا من اتفاقات أبراهام، رأى زكرياء مصلح، أن معالم التطبيع تلوح في سماء كثير من الدول العربية والإسلامية. قائلا: "إن شاء الله غير ميكونش اللي في بالي".

وأعاد أحد المدونين نشر تصريح ابن سلمان، قائلا: “عرفت الآن سبب سجن العلماء والدعاة في السعودية، وسبب تجريم تيارات وجماعات إسلامية ووضعها على قوائم الإرهاب؟”

وأكد أن هذا كله كان تمهيدا لـ"اتفاقات أبراهام" أي التطبيع الشامل مع اليهود.

وأشار محمد تاج الدين إلى قول وزير الطاقة الصهيوني إيلي كوهين: "(إذا كان ثمن التطبيع إقامة دولة فلسطينية تهدد أمننا فأنا أتخلى عنه)"، وعده بيان بأن ابن سلمان سيعلن التطبيع دون أي حديث عن دولة فلسطينية، وهي غاية الإذلال والخضوع لنزوات ترامب وفريقه اليهودي.

وأكد أن الدولة الفلسطينية مرحلة (دعائية) ستتجاوزها الدول العربية لتعلن نهائيا موت القضية الفلسطينية ووجود (دولة يهودية) ولا وجود لشيء اسمه الشعب الفلسطيني، والدولة الفلسطينية، وبذلك يكون وجود الدول العربية نفسها مؤقتا، ومجرد وضع سابق؛ لأن الدولة اليهودية توسعية، ولا حدود لها إلا بعدما تلتهم دول الجوار.

وأوضح تاج الدين، أن "هذا السيناريو كان مهيئا قبل عقود، ولم تمنع تحققه إلا المقاومة، وهي وحدها اليوم ضمانة بقاء الكيان منكمشا على الأقل..!". مضيفا: "خذل الله تعالى كل من خذل المقاومة".

وقال إياد كانون: إن ثمن التطبيع السعودي الإسرائيلي شراء طائرات f35 أقل جودة من التي بيد إسرائيل.

ترليون دولار

واستعراضا لما جاء في زيارة ابن سلمان للسعودية وتحليلا لنتائجها وما رافقها من أحداث وتصريحات، قال أبو محمد الغراوي: إن الزيارة كانت تهدف لحصول السعودية على اتفاقية أمنية تشبه الاتفاقيات مع اليابان وكوريا الجنوبية للسعودية، والتزام أمني أميركي دائم غير مرتبط بشخص الرئيس ومزاجه كما هو الحال مع قطر، هذا من جانب السعودية.

وأضاف: أما من جانب إدارة ترامب فالمطلب الأكثر أهمية هو دخول السعودية في ملف التطبيع (الاتفاقيات الإبراهيمية) مع تزامن الزيارة مع قرار مجلس الأمن الذي أعطى دفعة للموضوع ولكن يبدو أن لا السعودية حصلت على الاتفاقية الأمنية التي ترغب فيها ولا ترامب حصل على قرار حاسم بشأن التطبيع.

وتابع الغراوي: "ما حصل هو سيل من المدائح الكاذبة من ترامب لمحمد بن سلمان بخصوص ملف حقوق الإنسان وغلق لملف خاشقجي وصفقة طائرات وصفقة في مجال الذكاء الاصطناعي ووعد بزيادة الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة الأميركية إلى 600 مليار دولار ومطالبة بجعلها تقترب من ترليون دولار وموافقة مبدئية من ابن سلمان على ذلك".

وذكر الكاتب أحمد دعدوش، بأن خاشقجي عندما قتل وقُطع بالمنشار أثناء ولاية ترامب الأولى، انتقد بايدن علنًا جرائم محمد بن سلمان، وعندما وصل بايدن للسلطة أصر على تمسكه بأولوية حقوق الإنسان (حسب قوله) وعدّ السعودية دولة منبوذة.

وأشار إلى أنه في 2022 اضطر بايدن للذهاب إلى جدة من أجل المصالح الأميركية وتحريك ملف التطبيع، وحينئذ استقبله ابن سلمان استقبالا باردا وبادَرَ بمدّ قبضته إلى بايدن بدلا من المصافحة، وكانت هذه التحية ما زالت شائعة ومقبولة منذ وباء كورونا.

ولفت دعدوش إلى أن الذباب ضجّ بمشهد العزة والكرامة الذي جسدته قبضة سمو سيدهم عندما رفض مصافحة رئيس أقوى دولة في العالم، بل عدّها البعض لحظة تاريخية تخرج فيها المملكة من عباءة أميركا. مذكرا بأن ترامب التقط الصورة وأعاد تفسيرها على طريقته.

واستحضر سخرية ترامب في لقاء جماهيري أمام أنصاره، من بايدن كعادته ووصفه له بأنه متعجرف إلى درجة أنه لا يريد مصافحة الأمير العظيم، مضيفا: "المشكلة أن بايدن كان يترفع دائما عن الرد، وما زال ترامب مقتنعا بفكرته".

وأشار دعدوش إلى أن ترامب استغل زيارة ابن سلمان للبيت الأبيض كي يقول مجددا أمام الصحفيين وبدون أي مناسبة: إن بايدن كان قبل سنوات قد قطع آلاف الأميال إلى السعودية ثم لم يقبل بمصافحة الأمير الذي يجلس أمامه وهو الملك المستقبلي لمملكة عظيمة.

ورأى أنه من الطريف أن ترامب يعتقد أن هذه المجاملة الرخيصة هي جزء من فن الصفقات الذي يتقنه، وأنها ستكون مفيدة لإتمام صفقة الترليون دولار، لكن ابن سلمان كان مُحرجا للغاية من هذه الكذبة أمام الكاميرات وتهرب من التعليق.

وأكد وائل المبيض، أن التريليون دولار التي دفعها ابن سلمان كانت ثمنا للكرسي الذي سيجلس عليه في المملكة. 

وقال: إن زيارة ابن سلمان للبيت الأبيض أخذت شو إعلامي وضجة كبيرة، لكن في الحقيقة فإن العائد من خلف الزيارة يمكن عدّه أشياء ثانوية، فصفقة الطائرات ما زالت تحتاج لموافقات داخلية من الكونجرس وحتى لو تمت الموافقة فأول طائرة لن تصل المملكة قبل 6 سنوات. 

وأضاف أن الاتفاقية الأمنية أقل من تحالف دفاعي رسمي، ولا تشبه تلك الاتفاقية الأمنية التي تم توقيعها مع قطر، وفوق كل ذلك لم يتم إحراز أي تقدم في موضوع التطبيع، فما زال مرهونا بإقامة دولة فلسطينية وهو أمر غير وارد حاليا.

وتهكم روبير مشعلاني قائلا: إن ابن سلمان على حق في رفع قيمة استثمار نظامه في أميركا من ٦٠٠ إلى ألف مليار دولار، فصِحّة نظامه من صحة نظام أميركا.. فماذا ينفع الإنسان لو خلص نفسه وقتل معلمه؟ الأكثر أهمية أنه يستثمر بشفافية وبدون وسطاء بلا فساد".

وأضاف: "أما ترامب فهو على حق فخاشقجي تمنى أن ينتحر في السفارة ونال ما تمناه.. لكن يؤسفني أن أصارح آل سعود بأن جهودهم تذهب سدى، فلا شيء، لا شيء، عاد قادرا على إنقاذ الاقتصاد الأميركي وبالتالي السعودي".