"فلسطين مقابل تايوان".. ورقة بكين الجيوسياسية للضغط على الغرب

"المبادرة الصينية كشفت من جديد هشاشة إسرائيل أمام الرأي العام العالمي وأعادتها إلى دائرة الاتهام"
في 24 يوليو/ تموز 2025، وبينما كانت إسرائيل تعيش توترا شديدا وسط إبادة مستمرة في غزة، بادر النائبان بوعاز توبوروفسكي من حزب "المستقبل" وأوهاد تال من حزب "الصهيونية الدينية" بإصدار بيان أثار غضب الصين.
تناول موقع "سوهو" الصيني تفاصيل البيان الذي أصدره 13 نائبا إسرائيليا، مستعرضا تداعياته على العلاقات بين بكين وتل أبيب، وتأثيره المحتمل على مستوى انخراط الصين في القضية الفلسطينية وملفات الشرق الأوسط بشكل عام.

نقطة ضعف
وقال الموقع: "شهدت الساحة السياسية في إسرائيل مغامرة مدروسة راهن خلالها عدد من النواب حول مستقبلهم السياسي عبر الانخراط المفاجئ في ملف حساس يخص شرق آسيا: قضية تايوان".
ويقدر أن تلك الخطوة "جاءت في إطار مساع لكسب رضا الولايات المتحدة، والحصول على دعم مالي وسياسي منها في ملف غزة، إلى جانب ارتباطها بحسابات داخلية إسرائيلية".
وانتقد التقرير تلك الخطوة قائلا: "اعتقد النواب أن إعلانهم دعم انضمام تايوان بصفة مراقب إلى منظمة الصحة العالمية لن يثير سوى ردود دبلوماسية محدودة من الصين، غير أن حساباتهم انقلبت عليهم".
وتابع: "فقد جاء الرد الصيني غير متوقع، إذ تجاهلت بكين التصعيد حول تايوان، وبدلا من ذلك، وجهت انتقاداتها الحادة نحو نقطة الضعف الإسرائيلية: القضية الفلسطينية".
وتطرق الموقع للحديث عن أسباب إطلاق تال وتوبوروفسكي هذا البيان، إذ يعتقد أن هذا البيان يأتي في سياق التعاون العسكري المتنامي بين تايوان وإسرائيل.
وقال: "يمثل تال التيار اليميني المتطرف الداعي إلى توسيع المستوطنات في الضفة الغربية والتشدد تجاه الفلسطينيين".
وأضاف: "بينما ينتمي توبوروفسكي إلى تيار وسطي معارض شكليا، لكنه يتقاطع مع الحكومة في قضايا الأمن والسياسة الخارجية".
وأردف: "تبنى توبوروفسكي موقفا براغماتيا، حيث أدرك أن سوق السلاح والتكنولوجيا التايواني يمثل فرصة اقتصادية مربحة لإسرائيل، حيث أصبحت تايوان ثاني أكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية بعد الهند، ما يمثل سوق تصدير حيوية للأسلحة والتكنولوجيا الإسرائيلية".
ويقدر الموقع أنه "من خلال هذا البيان الداعم لتايوان، سعى توبوروفسكي وآخرون إلى ترسيخ وتوسيع التعاون في مجال الأسلحة مع تايوان، مع تحقيق مكاسب سياسية أكبر، لا سيما في ظل الضغوط المالية الناجمة عن حرب غزة".
أما الدافع الثالث وراء هذه الخطوة، فيكمن في الانقسام الداخلي الحاد الذي تعيشه إسرائيل نتيجة حرب غزة وأزمة الرهائن والتدهور الاقتصادي، مما أدى إلى تراجع شعبية حكومة نتنياهو".
ويرى أنه "في محاولة للهروب من الأزمات الداخلية، لجأ بعض السياسيين إلى إثارة ملفات خارجية، معتقدين أن دعم قضية تايوان سيكسبهم رضا واشنطن ويعزز صورتهم كقادة (صارمين)، دون أن يدركوا أن هذه المناورة ستكلف إسرائيل ثمنا دبلوماسيا باهظا".
رد سريع
"كان رد الصين سريعا وحازما، ومخالفا لتوقعاتهم تماما"، يقول الموقع التابع لحكومة بكين.
ويكمل: "فبدلا من الانخراط في نقاش دبلوماسي مطول مع إسرائيل حول قضية تايوان، حولت الصين تركيزها مباشرة إلى القضية الأكثر حساسية بالنسبة لإسرائيل، القضية الفلسطينية، من خلال سلسلة من الخطوات السريعة والحاسمة".
ففي غضون ثلاث ساعات فقط من إصدار البيان، أصدرت السفارة الصينية في تل أبيب بيانا شديد اللهجة ردا على إعلان النواب الإسرائيليين، وطرحت فيه ثلاثة تساؤلات مباشرة: هل تهدف هذه الخطوة إلى التحالف مع قوى "الانفصال التايوانية"؟ وهل تسعى إلى التشويش على مبدأ "الصين الواحدة"؟ وهل تتعمد دفع العلاقات الصينية-الإسرائيلية نحو مسار خطير؟
هذه الأسئلة، بحسب التقرير، "حملت تشكيكا واضحا في النوايا السياسية الإسرائيلية، وتحذيرا من العواقب المحتملة".
علاوة على ذلك، أشار الموقع إلى أنه "بعد أقل من 24 ساعة، أعلنت وزارة الخارجية الصينية أنها ستعمل بنشاط على دعم انضمام فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة، كما دعت إلى عقد مؤتمر دولي موسع لدفع حل الدولتين قدما".
كما أكدت بكين ضرورة محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وعقّب التقرير على تلك الخطوات الصينية قائلا: "هذه التحركات الدبلوماسية حملت رسالة واضحة: إذا تجرأت إسرائيل على المساس بمصالح الصين الجوهرية في تايوان، فإن الصين سترد بالمثل عبر الضغط على أكثر الملفات تعقيدا في السياسة الخارجية الإسرائيلية؛ القضية الفلسطينية".
واستطرد: "فقضية تايوان تمثل لب الأمن القومي الصيني، بينما تشكل القضية الفلسطينية المعضلة الأكبر في الدبلوماسية الإسرائيلية".

كيان هش
ويرى الموقع الصيني أن "المبادرة الصينية كشفت من جديد هشاشة إسرائيل أمام الرأي العام العالمي وأعادتها إلى دائرة الاتهام".
في هذا السياق، يقدر الموقع أن الصين "نجحت في تغيير مسار النقاش الدولي، ودفعه نحو معالجة جوهر القضية الفلسطينية، وليس مجرد التهدئة".
"مما اضطر إسرائيل، تحت وطأة هذا الضغط، إلى تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات"، حسب قوله.
وهكذا، خلص الموقع إلى أن "مغامرة النواب الإسرائيليين الثلاثة عشر -الذين أرادوا استغلال الصراع الصيني الأميركي لتحقيق مكاسب سياسية- تحولت إلى عبء سياسي ثقيل على تل أبيب".
وتابع موضحا: "فقد خسرت إسرائيل الحياد النسبي الذي كانت تتمتع به الصين في قضايا الشرق الأوسط، بينما أظهرت بكين من خلال هذا الرد قدرتها المتزايدة على المبادرة الدبلوماسية وصلابة موقفها من تايوان".
في نهاية المطاف، يرى التقرير أن "هذه الأزمة التي أشعلها بعض الساسة الإسرائيليين لم تُحدث أي تغيير في واقع قضية تايوان، لكنها دفعت الصين إلى تبني إستراتيجية دبلوماسية أكثر استباقية وجرأة تجاه قضايا الشرق الأوسط، مُغيرة بذلك حساباتها السياسية تماما".
















