الاحتلال يقلص شحنات الغذاء ويغرق غزة بالحلويات.. كيف تحوّلت المساعدات إلى أداة حصار؟

حسن عبود | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

لا يزال الشاب الفلسطيني رائد فارس عاجزًا عن توفير غذاء صحي لأطفاله رغم إعلان وقف إطلاق النار في غزة، وذلك لعدم التزام الاحتلال الإسرائيلي بما نص عليه البروتوكول الإنساني في الاتفاق الأخير.

فإلى جانب تقليصه عدد الشاحنات المسموح بدخولها إلى القطاع مقارنة بالمطلوب لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، يتعمد الاحتلال إدخال سلع غير أساسية مثل ألواح الشوكولاتة والعصائر، بدل المواد الغذائية الضرورية.

وبذلك، تجد مئات آلاف العائلات نفسها بلا مصادر حقيقية للتغذية، في وقت يفترض أن يخفف فيه اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، من حدّة الأزمة الإنسانية المتصاعدة في القطاع.

منتجات غير مغذية

 وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: إن الاحتلال يمنع إدخال مواد غذائية رئيسة، من بينها: بيض المائدة، واللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك والأجبان ومشتقات الألبان والخضراوات والمكملات الغذائية، وعشرات الأصناف التي تحتاجها السيدات الحوامل والمرضى وذوو المناعة الضعيفة.

وتابع خلال بيان في 6 نوفمبر/تشرين الثاني: "في المقابل، يسمح الاحتلال بدخول كميات أكبر من سلع عديمة القيمة الغذائية مثل المشروبات الغازية والشوكولاتة والوجبات المصنعة، والتي تصل إلى الأسواق بأسعار تفوق قيمتها الحقيقية بأكثر من 15 ضعفا نتيجة تحكم الاحتلال بسلاسل الإمداد".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، يوضح فارس (38 عاما) وهو أب لثلاثة أطفال أن "الاحتلال أغرق الأسواق بأنواع كثيرة من السكريات والشوكولاتات والعصائر المعبأة بعلب كرتونية ومثيلاتها من المنتجات غير الضرورية".

وأردف: "أدخل الاحتلال كميات قليلة جدا من الدجاج المثلج وبيعت بأسعار جنونية، حيث بلغ سعر الواحدة 100 دولار، كما لا يزال يمنع دخول اللحوم الحمراء والبيض وغيرها من البروتينات الحيوانية المطلوبة".

ورأى أن ما يدخل من شاحنات طعام يوحي بأنها تضم ما يحتاجه سكان القطاع من أطعمة ذات قيمة غذائية بعد حرمان لمدة عامين، "لكن الحقيقة أنها تحتوي على منتجات سكرية بلا فائدة".

وتابع: "يفترض أن نُطعم أطفالنا الأطعمة التي تحتوي على فيتامينات وبروتينات لتقوي أجسادهم التي أكلها الجوع على مدار سنتين، لكننا نجد أنفسنا أمام نفس الواقع: معلبات بمواد حافظة ومواد سكرية ضارة نشتريها لهم ويفرحوا بها وتنسيهم قليلا ما يجب أن يأكلوه في الواقع".

وبدوره، يؤكد الأربعيني عاطف خليل وهو أب لـ 7 أطفال أن "الاحتلال يضلل العالم" ويتحايل على اتفاق وقف إطلاق النار. مبينا أن مضمون الشاحنات هو ما يجب التركيز عليه.

وأردف لـ"الاستقلال": "مع الأسف، لا يكترث العالم بحرماننا من اللحوم لأكثر من عامين، ويجرى تضليل الوسطاء بأن هناك شاحنات تدخل يوميا، لكن تتضمن نفس الأصناف: شوكولاتة وبسكويت وعصائر وبعض المعلبات".

وشدد على أنه منذ وقف إطلاق النار "لم يتغير الكثير على صعيد المساعدات الغذائية وكأن الحرب ما تزال مستمرة"، متسائلا: “لماذا يمنع الاحتلال الدجاج واللحوم الحمراء والبيض؟”

وتابع مجيبا: "الاحتلال الذي كان يحسب السعرات الحرارية لأكثر من مليوني غزي خلال عامين من الحرب ويفرج عن المساعدات الغذائية وفقا لذلك، لا يتصرف عبثا".

وواصل القول: "جعل الاحتلال أهالي القطاع في حالة هزل جسماني شديد بسبب سوء التغذية ومنع الأطعمة المغذية، واليوم يواصل الأسلوب نفسه ويتعمد إمراض هذا الشعب وإرهاقه".

وتتفاقم الأوضاع سوءا مع منع الاحتلال إدخال الأعلاف واللقاحات والبذور والأسمدة وقطع الغيار ومستلزمات الري والطاقة، ما أصاب قطاع الزراعة والإنتاج النباتي بحالة شلل شبه كاملة.

وقال الخبير الزراعي في غزة نزار الوحيدي في تصريحات صحفية: إن “هذا المنع أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار الغذاء، وخروج مئات المزارع من دائرة الإنتاج، وتفاقم أوضاع الفقر وسوء التغذية بين الأسر”، وفق ما نقلت صحيفة فلسطين اليومية في 10 نوفمبر.

وشدد على أن “المساعدات الغذائية وحدها ليست حلاً؛ لأنها مؤقتة ولا تعيد بناء القدرة الإنتاجية للمجتمع”، مطالبا بالتحول من "الإغاثة" إلى إعادة الإعمار الزراعي عبر دعم إعادة تأهيل البيوت البلاستيكية المتضررة، وإصلاح الآبار، وتوفير المواد الأساسية لبدء موسم زراعي جديد.

عدد الشاحنات

ومنذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار حتى 6 نوفمبر، سمح الاحتلال بدخول 4453 شاحنة فقط من أصل 15600 كان يفترض دخولها، وفق ما قال المكتب الإعلامي الحكومي.

وأوضح المكتب خلال بيانه السابق الإشارة إليه أن نسبة الشاحنات التي دخلت لا تتجاوز 28 بالمئة من العدد المتفق عليه في ترتيبات وقف إطلاق النار والتفاهمات الإنسانية المصاحبة له.

تضمنت هذه القوافل 31 شاحنة محمّلة بغاز الطهي، و84 شاحنة من مادة السولار المخصصة لتشغيل المخابز والمستشفيات والمولدات والقطاعات الحيوية، رغم النقص الحاد والمستمر في هذه المواد الضرورية لحياة السكان اليومية.

ويبلغ متوسط عدد الشاحنات التي تدخل يوميا منذ بدء تنفيذ وقف إطلاق النار 171 شاحنة فقط، من أصل 600 يُفترض دخولها يومياً وفق البروتوكول الإنساني، بحسب البيان.

وتأتي أرقام المكتب الإعلامي الحكومي لتكذب مزاعم "مركز التنسيق المدني العسكري الأميركي"، الذي أظهرت بياناته أن واشنطن وتل أبيب تنقلان نحو 674 شاحنة مساعدات يوميا إلى القطاع منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار.

هذا المركز أسسته القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) ويقع مقره الرئيس في مدينة كريات غات جنوب إسرائيل، وقد افتتح في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2025 بهدف متابعة تنفيذ اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وأظهرت بيانات المركز التي نشرت في 9 نوفمبر، أنه جرى تزويد قطاع غزة بأكثر من 15 ألف حمولة من السلع التجارية والأدوية منذ بدء الاتفاق، وهي أرقام تكذبها الوقائع على الأرض وبيانات المكتب الإعلامي الحكومي وشهادات الغزيين.

وأكد المكتب الحكومي أن "الاحتلال لا يزال يمارس سياسة الخنق والتجويع والضغط الإنساني والابتزاز السياسي بحق أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة".

وبين أن هذه الكميات المحدودة لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية والطبية والمعيشية، وأن القطاع المحاصر يحتاج بصورة عاجلة إلى تدفق منتظم لما لا يقل عن 600 شاحنة يومياً تشمل الغذاء والدواء والوقود وغاز الطهي ومستلزمات القطاع الصحي.

ويحرم الاحتلال في إطار سياسة تضييق التجويع، السكان المدنيين في قطاع غزة من أكثر من 350 صنفاً من الأغذية الأساسية التي يحتاجها الأطفال والمرضى والجرحى والفئات الضعيفة.

وهو ما يؤكد اعتماده سياسة هندسة التجويع والتحكم بالأمن الغذائي واستهداف حياة المدنيين بشكل مباشر، وفق المكتب.

أسعار جنونية

وعن الأسعار، أكد فارس وخليل أنها لم تنخفض على الرغم من وقف إطلاق النار، مؤكدين أن الاحتلال وبعض التجار الفاسدين والمحتكرين يتحكمون بها.

وتثير قضية عدم انخفاض الأسعار تفاعلا مستمرا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ينشر فلسطينيون صورا للمنتجات المتوافرة وأثمانها “الجنونية”.

وغرد إبراهيم الحاج على إكس قائلا: “حتى الآن لم يمتلك الناس في قطاع غزة أي موارد لتخزينها، ولم تنخفض أسعار البضائع ومجمل ظروف الحرب وآثارها المتعلقة بالمعيشة لم تتغير”.

وطالب الغزي غازي المجدولاي بإغلاق جميع مطاعم الشاورما في قطاع غزة حتى تتراجع أسعار الدجاج، حيث أعيد افتتاح هذه المطاعم مع دخول الدواجن المجمدة.

وعن هذا الأمر، قال رائد فارس لـ"الاستقلال": إنه دفع 100 دولار من أجل شراء 5 سندويتشات شاورما، مبينا أن الأسعار جنونية “لكنني اضطررت لذلك لأننا لم نعرف طعم اللحم منذ عامين”.

أما زكريا الكحلوت فقد غرد قائلا: "صرنا في غزة لما ييجي يوم الجمعة، ترتفع أسعار السلع الغذائية في الأسواق وكأنها تنافس البورصة العالمية ...
وتجار الحرام يظهرون السلع التي لا يمكن الاستغناء عنها".

وكشف رئيس اتحاد الغرف التجارية في غزة عائد أبو رمضان أن التضخم بالقطاع وصل خلال صيف 2025 إلى 330 بالمئة، أي أن الأسعار ارتفعت 33 ضعفًا عن معدلاتها قبل الحرب، لكنها انخفضت أخيرًا إلى 300 بالمئة بفضل دخول بعض البضائع.

وقال خلال جلسة استماع عقدتها غرفة تجارة وصناعة وزراعة غزة بالتعاون مع جمعية رؤية لتنمية القدرات: إنه "حتى مع انخفاض الأسعار نسبيًا، فإن أكثر من 90 بالمئة من سكان غزة لا يستطيعون الشراء، فقد فقدوا وظائفهم ومنازلهم وأصولهم، ويعتمدون كليًا على المساعدات الإنسانية”.

وأكد أن الاحتلال الإسرائيلي هو السبب الرئيس للفوضى الاقتصادية عبر سياساته الهادفة لتجويع الفلسطينيين وإشاعة الفساد والاحتكار.

وأوضح أن الاحتلال يسمح لقلة من “مصّاصي الدماء” بالاستيراد عبر التنسيقات، ويمنع الغالبية من التجار، مما يرفع الأسعار بشكل جنوني. وفق تعبيره.

وتابع أن "هناك تجارا يدفعون مئات آلاف الشواكل لإدخال شاحنة واحدة من البضائع. هذا يخلق سوقًا سوداء واحتكارًا قاسيًا يرهق المواطن الذي فقد كل مقومات الحياة”.

وأشار إلى أن الحل يكمن في فتح المعابر التجارية دون قيود، وتوفير دعم دولي للقطاع الخاص المحلي ليستعيد قدرته على الاستيراد والتوزيع، إلى جانب تعزيز الرقابة المشتركة بين الحكومة والغرف التجارية والمجتمع المدني.