قبول أميركي.. هل تترك دول الخليج الساحة لتركيا وقطر في غزة؟

تُظهر قطر وتركيا رغبة أكبر بالانخراط في التطورات المتعلقة بالقطاع
حذر معهد إسرائيلي من ازدياد نفوذ قطر وتركيا في قطاع غزة على حساب السعودية والإمارات، وذلك بسبب تردد الأخيرتين في دعم الخطط الدولية لمرحلة ما بعد الحرب (2023 - 2025).
وقال معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، في مقال للباحثين يوئيل جوزانسكي، وعوفر جوترمان، جاليا ليندا شتراوس: "هناك سؤال مُلِحّ يتعلق بمدى استعداد دول الخليج لإرسال قواتها لتحقيق الاستقرار في قطاع غزة وإعادة إعماره".

حسم مستقبل غزة
"فالسعودية والإمارات اللتان تمتلكان نفوذا اقتصاديا ودبلوماسيا كبيرا، وضعتا شروطا صارمة لمشاركتهما، تشمل نزع سلاح (حركة المقاومة الإسلامية) حماس ونقل صلاحياتها إلى السلطة الفلسطينية، إضافةً إلى مطالبة أبوظبي بإصلاح جوهري" في الأخيرة.
وقد تعكس هذه الشروط وفق المعهد غياب الرغبة الحقيقية، وإدراكا بأن نزع سلاح حماس صعب التحقيق، والقلق من احتمال عدهما متعاونتين مع إسرائيل في حال عدم وجود أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية.
في المقابل، تُظهر قطر وتركيا رغبة أكبر بالانخراط في التطورات المتعلقة بالقطاع دون شروط واضحة، ما يشير إلى احتمال نمو نفوذهما هناك على حساب السعودية والإمارات. بحسب تقييم الباحثين.
وأضاف المعهد: "سيُحسم مستقبل القطاع ليس فقط في إسرائيل أو داخل غزة نفسها، بل أيضا في الرياض وأبوظبي وأنقرة والدوحة".
فمنذ تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، تدرس هذه الدول إمكانية المشاركة في رسم ملامح غزة ما بعد الحرب.
ورغم ترحيب السعودية والإمارات بوقف إطلاق النار وإبداء أملهما في الاستقرار، فلا تزالان متشككتين في جدوى تطبيق إطار إنهاء الحرب كما صاغته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتترددان في أداء دور فاعل في تحقيق خطة نزع السلاح من القطاع.
وقد وضعت الدولتان شروطا مسبقة صارمة للمشاركة في عمليات إعادة الإعمار، وهي وقف إطلاق نار مستقر ودائم، وانسحاب إسرائيلي تدريجي، ونزع سلاح حماس، على الأقل الهجومية منها، ونقل حكم القطاع إلى السلطة الفلسطينية أو أي هيئة دولية أخرى تتمتع بالشرعية.
ومن وجهة نظرهما، تُعدّ إعادة إعمار غزة جزءا من عملية إعادة تشكيل أوسع للساحة الفلسطينية، يجري في إطارها تعزيز القوى المعتدلة وكبح جماح الحركات الإسلامية. وفق وصف المعهد.
وذكر أن الإمارات تتردد بالمشاركة في قوة أمنية متعددة الجنسيات تتمركز في غزة، جزئيا بسبب المخاوف من تعرض قواتها لهجوم أو أن يُنظر إليها على أنها تحارب جنبا إلى جنب مع إسرائيل.
وعلى أي حال، تنظر الدول العربية إلى هذه القوة، بمجرد إنشائها، على أنها قوة شرطية أكثر منها قتالية.
في المقابل، أفادت التقارير بأن قطر وتركيا مستعدتان لبدء جهود إعادة الإعمار فورا، مع سعيهما للحفاظ على حماس كفاعل في غزة ما بعد الحرب.
وأضاف المعهد: "عمليا، تعمل الدوحة على توازن دقيق بين إظهار الولاء للولايات المتحدة وتقديم نفسها كداعم للقضية الفلسطينية، خصوصا من خلال دعمها حماس".
وتابع: على مرّ السنين، استفادت قطر وحماس من بعضهما البعض، فقد منحت الدوحة الحركة الشرعية والتمويل، بينما منحت الأخيرة الدولة الخليجية موطئ قدم ونفوذا في القطاع.
"ويُعتقد أن قطر دعمت إطار ترامب الذي تضمن بندا حول نزع السلاح في القطاع، لضمان استمرار نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة من خلال الحفاظ على سلطة حماس". وفق تقديره.
وأضاف: “من منظور أميركي، تعد قطر الآن شريكا موثوقا ساعد في الضغط على حماس للقبول بالهدنة”.
لذلك، فإن "أي محاولة إسرائيلية للتصرف ضد مشاركتها في القطاع ستعد إضرارا بالمصالح الأميركية وتقويضا لإمكانية تنفيذ خطة الإدارة".

تنافس إقليمي
"في المقابل، تجد الرياض وأبوظبي صعوبة في قبول الدور المركزي الذي منحته الولايات المتحدة لكل من قطر وتركيا، وترى فيهما منافسين مباشرين في تشكيل مستقبل غزة".
ومن وجهة نظر المعهد، طالما أن قطر تواصل تقديم المساعدات غير المشروطة للقطاع وتحافظ على نفوذها على حماس، فسيكون من الصعب تحقيق الاستقرار هناك أو إنشاء سلطة جديدة لتحل محل الحركة.
وأشار إلى أن "الولايات المتحدة ترى أيضا أن تركيا لاعب بناء في جهود استقرار غزة؛ إذ ضغطت على حماس لقبول اتفاق ترامب".
ويعد دعم تركيا العلني لحماس أكثر وضوحا من قطر؛ فقد أكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرارا أنها ليست منظمة إرهابية بل "حركة تحرر وطني".
كما عينت تركيا "منسقا للمساعدات الإنسانية لفلسطين"، وكان يشغل سابقا منصب رئيس هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية. وأفادت وكالة الأناضول بأن نحو 20 منظمة تركية حكومية وغير حكومية قدمت مساعدات لغزة منذ اندلاع الحرب، وبعضها استأنف عملياته بالفعل هناك.
ومع ذلك، تسعى تركيا، مثل مصر، للاستفادة من الأرباح المتوقعة لإعادة إعمار غزة دون المشاركة في تمويلها، كما تُعد تبرعاتها الخيرية المستقلة أداة نفوذ في القطاع.
وترى تركيا نفسها ضامنة لأمن الفلسطينيين، ويُفترض أنها وعدت حماس بالحفاظ على وضعها الآمن (حتى لو أصبح نفوذها أكثر خلف الكواليس) لتشجيع الحركة على قبول إطار ترامب. بحسب المعهد.
وقال: "لسنوات، زعمت تركيا أن علاقتها مع حماس تهدف إلى تحقيق الاعتدال وأنه لا ينبغي انتقادها، وهي تؤكد الآن أن نفوذها سيحقق تغييرا إيجابيا".
ومن منظور تل أبيب أدت السياسة التركية الحازمة إلى جانب سلسلة من الإجراءات ضدها، كان أبرزها إعلان المقاطعة التجارية الكاملة في مايو/أيار 2024، إلى دفع إسرائيل لمحاولة استبعاد تركيا من جهود الوساطة لإنهاء الحرب.
"ومع ذلك، فإن دور تركيا في إقناع حماس بالموافقة على إطار إنهاء الحرب يجعل من الصعب تهميشها عن المشاركة في قطاع غزة، رغم أن إسرائيل أكدت معارضتها لإدراج القوات التركية ضمن قوة الاستقرار متعددة الجنسيات المخطط لها".
وقال المعهد: "رسميا، وبالنظر إلى البند الذي يتطلب نزع سلاح حماس، فإن الولايات المتحدة حاليا أقرب إلى مواقف الإمارات والسعودية. ومع ذلك، قد تدفع التطورات الميدانية واشنطن إلى إظهار مرونة وتفهم أكبر تجاه المطالب القطرية والتركية".
"كما قد يدفع الضغط الأميركي السعودية والإمارات إلى التعاون والمساهمة ماليا في إعادة الإعمار، وإن بحذر، وعلى نطاق محدود، وفي إطار صفقة أوسع نطاقا؛ أي في سياق مفاوضاتهما الأوسع مع الولايات المتحدة التي تشمل قضايا أخرى".
وأوضح المعهد أن هذه الدول تتحرك بحذر، فربما تربط السعودية مدى مشاركتها في غزة بالتزامات الولايات المتحدة بتزويدها بأسلحة متطورة، وتعزيز التعاون النووي، وتقديم ضمانات أمنية.
وبينما قد تزيد هذه "الحوافز" من دافعية السعودية لأداء دور أكثر فاعلية في غزة، فإن تقديمها المسبق قد يُضعف، في المقابل، حافز الرياض للسعي إلى التطبيع مع إسرائيل، ما لم تربط الإدارة الأميركية القضايا معا بشكل صريح.
وأوضح المعهد أن "التداعيات الرئيسة التي تترتب على إسرائيل من هذه الصورة هي تفاقم مأزقها الإستراتيجي بشأن تشكيل اليوم التالي في قطاع غزة، بل وفي الساحة الفلسطينية برُمّتها".
وأكد على أنه "ما دامت إسرائيل تعارض منح السلطة الفلسطينية سيطرة فعلية على القطاع، وترفض الانخراط في دفع مسار مستدام نحو إقامة دولة منزوعة السلاح -كما تطالب الإمارات والسعودية- فستصبح قطر وتركيا اللاعبين الرئيسين في إعادة إعمار غزة، وستضمنان استمرار بقاء حماس".













