سيطرة "مليشيات" إيران على قطاع الاتصالات في العراق.. ما التداعيات؟

يوسف العلي | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أطلقت الصحافة الغربية تحذيرات بشأن تمدد المليشيات الموالية لإيران في العراق على قطاع الاتصالات، ما قد يؤدي إلى سيطرتها على قاعدة البيانات الوطنية. ويأتي ذلك بعد منح شركة "المهندس" التابعة للحشد الشعبي عقودا لإنشاء وصيانة هذا القطاع الحيوي.  

وأثارت هذه التحذيرات تساؤلات حول مدى تحوّل الاتصالات إلى ساحة نفوذ سياسي وأمني للقوى الموالية لإيران، وما إذا كان التعامل الرسمي مع كيانات مُعاقبة أميركيا قد يعرض القطاع لعُزْلة دولية، خصوصا في حال التعاون مع شركات تكنولوجية غربية.  

كشف المستور

وفي تطور يهدد العراق بالعودة إلى المربع الأول، كشفت مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية عن توقيع وزارة الاتصالات العراقية عقودا مباشرة مع هيئة الحشد الشعبي وشركة "المهندس" العامة، تشمل صيانة شبكة الألياف الضوئية وبناء شبكة بديلة جديدة.

وقالت المجلة في تقرير نشرته في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2025: إن هذه العقود التي لم يُكشف عنها سابقا، تمنح المليشيات ما طالما رغبت فيه؛ السيطرة على شبكة البيانات العراقية.  

ونقل التقرير عن مسؤولين عراقيين وعاملين في قطاع الاتصالات، لم تكشف هويتهم، أن هذه العقود مثيرة للقلق، ليس فقط لما توفره من فرص لتحقيق مكاسب غير مشروعة، وإنما أيضا بسبب مخاوف تتعلق بالأمن؛ إذ يمكن للمليشيات أو من تدعمهم طهران استخدام سيطرتهم على الشبكة لمراقبة أي شخص في العراق.

وفي سياق مماثل، كشفت المجلة أن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حاول أخيرا تمرير عقد حصري لشبكة الهاتف المحمول من الجيل الخامس لصالح ائتلاف مرتبط بالحشد الشعبي، لكن أحد قضاة المحكمة العليا أعاق تنفيذه، مبررًا أن العقد يثير تساؤلات تتعلق بالأمن القومي، وقد لا يتمكن من الاستمرار في تعليقه إلى أجل غير مسمى".  

ووصف التقرير العراق بأنه الحليف الأخير لإيران في الشرق الأوسط، وأن بغداد تحولت إلى "شريان حياة" لطهران، بعد منح وزارة الاتصالات العراقية عقدا لشركة "المهندس" لصيانة شبكة الألياف البصرية وإنشاء شبكة بديلة جديدة في البلاد.  

واتهم التقرير رئيس الوزراء العراقي باحتضان هذه المليشيات وتقديم الدعم المالي لها؛ حيث جرى توزيع العقود الحكومية بوتيرة متسارعة، كما أنشأ شركة مملوكة للدولة باسم "شركة المهندس العامة"، التي فرضت عليها وزارة الخزانة الأميركية عقوبات بصفتها واجهة لجماعات "إرهابية".  

ولفتت المجلة إلى أن "السوداني يقدم نفسه كبراغماتي، وأن العراق يشترك بحدود طويلة مع إيران، ولهذا يتعين على رئيس الوزراء العراقي موازنة مصالح هذا الجار القوي مع مصالح شريك أقوى في واشنطن".  

وشدّدت المجلة على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يمنح العراق اهتمامًا كبيرًا منذ عودته إلى البيت الأبيض مطلع عام 2025، غير أن قرار وزارة الخزانة الأميركية الأخير بفرض عقوبات على شركة "المهندس" وغيرها أثار قلقًا بين أوساط الفاسدين في بغداد.  

وفي 9 أكتوبر، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على "شركة المهندس"، الذراع الاقتصادي للحشد الشعبي، في خطوة تهدف إلى "تفكيك شبكات الفساد وغسل الأموال التي تمكّن الجماعات المسلحة من العمل داخل العراق وخارجه".  

وأوضحت الوزارة في بيان أن "كتائب حزب الله"، أحد أبرز فصائل الحشد الشعبي، أنشأت شركة المهندس العامة للمقاولات والزراعة والصناعة لتكون غطاءً اقتصاديًا لأنشطتها.  

وبيّنت أن الشركة يسيطر عليها القيادي في الكتائب عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك)، رئيس أركان الحشد الشعبي الذي "استغل عقودًا حكومية لتحويل الأموال من مؤسسات الدولة إلى واجهات تجارية، بهدف تمويل أنشطة المليشيات وعمليات تهريب السلاح بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني".  

إقرار رسمي 

على الصعيد الرسمي العراقي، ردّت وزارة الاتصالات على تقرير المجلة الأميركية بأن شركة "المهندس" حكومية تابعة للحشد الشعبي، ولها الحق في المشاركة في المناقصات والتعاقد على المشاريع، مشيرة إلى أن "تشكيلات الوزارة لها الحق في التعاقد مع جميع الشركات الحكومية".  

وقالت الوزارة في بيان أصدرته في 31 أكتوبر: إن التعاقد مع شركة "المهندس" تمّ وفقًا لتعليمات تنفيذ العقود الحكومية، بعد توجيه دعوات لها ولعدد من الشركات من وزارة الإسكان والإعمار ووزارة الصناعة، بخصوص صيانة مسارات الكابل الضوئي وحفر ومد مسارات أخرى.  

وأوضحت الوزارة أن ما قامت به الشركة "لا يتعلق بأي حال من الأحوال بإدارة الاتصالات في العراق، إذ إن إدارة وتشغيل أجهزة الاتصالات الخاصة بشبكة الألياف الضوئية تقع حصريًا على عاتق موظفي الوزارة".  

يأتي تفجر هذه القضية بالتزامن مع تقارير عن إغلاق عدد من الناشطين العراقيين حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، واختفاء أثرهم، أو نشر اعتذارات موجهة للمليشيات الإيرانية بالدرجة الأولى، أو لبعض الشخصيات السياسية والدينية، حسبما ذكر الصحفي العراقي عثمان المختار. 


وأضاف المختار في تدوينة له على منصة "إكس" بتاريخ 29 أكتوبر، أن "الجهات الولائية في العراق (الموالية لإيران) باتت تتحكم في مفاصل مهمة بوزارة الاتصالات، وهيئة الإعلام والاتصالات، والأمن الوطني، وصولا إلى شركات تزويد خدمة الإنترنت المحلية".  

وشدّد على ضرورة عدم الاستهانة بالإمكانات السيبرانية التي وصلت إليها هذه الجهات، سواء عبر اختراق المؤسسات العراقية أو من خلال مكاتبها التي تتعقب وتلاحق الناشطين والمعارضين.  

وأشار إلى أن تطور قدرات هذه الجهات بدأ بعد فبراير 2023، عندما أُرسل عدد كبير من عناصرها إلى موسكو للخضوع لدورات تدريبية مكلفة لدى شركات تقنية روسية، وهم الآن يمتلكون فرقًا متقدمة من "الهاكرز" المختصين بالتتبع والاختراق.  

وأوضح المختار أن من أبرز الطرق التي يمكن عبرها كشف مواقع وهوية الناشطين، هي إرسال طلبات إلى شركتي "ميتا" و"أكس"، مصحوبة بنسخ قضائية أو قرارات أمنية حكومية.  

وتابع المختار: استجابت "ميتا" أخيرًا لعدد من هذه الطلبات، ضمن بروتوكول الشركة في التعاون مع الجهات الحكومية والأمنية في مختلف الدول، حيث تمنحهم سجلات الاتصال (IP) ورقم الهاتف والبريد الإلكتروني المسجل للحساب.  

أما الطريقة الثانية، بحسب المختار، فهي تتم من خلال أدوات وتطبيقات خاصة تسمح بالدخول إلى الحساب وتحليل البيانات، وأخطر ما فيها الصور الخاصة التي يلتقطها صاحب الحساب بنفسه عبر هاتفه؛ إذ تمنح هذه الصور بيانات (EXIF / GPS) أو دلائل ضمن الصورة نفسها.  

وخاطب المختار الناشطين العراقيين قائلا: ضرورة استخدام تطبيق "VPN" (تغيير الموقع) في كل مرة تستخدم فيها حسابك إذا كان يحتوي على رأي معارض أو رافض للمليشيات وإيران، وعدم التحدث بأي معلومات شخصية في حسابك النشط، لأن الناس غير معنية بذلك، ما يهم هو الموقف والرأي والمعلومة الصادقة.  

"حرب تسريبات"

عن مدى تراجع السلطات العراقية عن منح عقد لشركة "المهندس" تجنبًا للعزلة الدولية في قطاع الاتصالات، قال الباحث في الشأن العراقي حامد العبيدي: "لو لم تكشف الصحافة الغربية، لكانت الأمور سارت بشكل طبيعي وسيطرت المليشيات التابعة لإيران، لكن الكشف الآن يحرج الحكومة العراقية".  

وأوضح العبيدي لـ"الاستقلال" أن "الحكومة الحالية انتهت ولايتها، والحكومة الجديدة التي ستتشكل بعد الانتخابات البرلمانية في 11 نوفمبر معنية بالأمر، وأعتقد أنها حتمًا ستلغي العقد؛ لأن واشنطن ستكون صاحبة الكلمة الفصل في اختيار رئيس الوزراء، الذي سيكون قريبًا منها".  

وأكد الباحث أن "الحكومة العراقية المقبلة لن ترفض طلبًا لواشنطن، خصوصًا فيما يتعلق بالقوى والمليشيات المفروضة عليها عقوبات، لذلك من المتوقع إبعادها عن المشهد السياسي والاقتصادي خلال المرحلة المقبلة، خوفًا من إغضاب الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب".  

ولفت العبيدي إلى أن "محاولة السيطرة على الاتصالات جاءت بعد حرب التسريبات بين القوى السياسية الشيعية تحديدًا؛ حيث جرى استهداف تلك القوى فيما بينها، واتهام رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني بتشكيل شبكة تجسس ضدهم".  

وشدد الباحث على أن "المليشيات الموالية لإيران تستخدم السيطرة على الاتصالات للتجسس واستقطاب المعارضين لها، من خلال تسريب مكالمات وتتبع ناشطين وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تنشر فضائحهم بأسماء وهمية".  

وفي 20 أغسطس/آب 2024، أعلنت السلطات القضائية العراقية اعتقال محمد جوحي، معاون مدير عام الدائرة الإدارية في مكتب رئيس الوزراء، بتهمة ترؤس "شبكة التجسس"، كما قدمت أطراف من قوى الإطار التنسيقي (الشيعي) شكاوى ضده لكونه كان يراقب اتصالاتهم.  

من جهة أخرى، اشتدت التسريبات التي تخص مسؤولين ومستشارين في الحكومة العراقية، المتعلقة بصفقات فساد وأخذ عمولات مقابل تسهيل عقود استثمار في الوزارات، ووصل الحديث إلى وجود حصص منها لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني.  

ومن أبرز التسريبات، مقطع صوتي تداوله عراقيون نهاية نوفمبر 2024، يُنسب إلى يزن مشعان الجبوري، مستشار رئيس الوزراء، يطالب فيه بعمولة مقابل توقيع الأخير على عقد في وزارة الكهرباء، مع وجود "حصة" للسوداني و"تيار الفراتين" الذي يرأسه.  

انتشر تسريب آخر – أحدث هزة في الأوساط الشعبية والسياسية – منسوب إلى السياسي العراقي خميس الخنجر، يشكو فيه إلى رئيس الوزراء السوداني بعض التصرفات في دائرة استثمار أموال الوقف السُني، خاصة بيع بعض العقارات فيها.  

ويتهم الخنجر في التسجيل الذي تداولته وسائل إعلام عراقية ومواقع التواصل الاجتماعي في 11 نوفمبر 2024، عبد الصمد نجل رئيس البرلمان الحالي محمود المشهداني، بالسعي للسيطرة على دائرة استثمارات أموال الوقف السني، مما يفتح الباب أمام عمليات سرقة واسعة وفضيحة كبرى.  

وقبله بثلاثة أيام، انتشر تسجيل صوتي منسوب إلى رئيس هيئة المستشارين في مجلس الوزراء، عبد الكريم الفيصل، يعبر فيه عن امتعاضه من تلقيه مليون دولار فقط عن أحد المشاريع الاستثمارية، رغم أنه كان المسؤول عن تسهيل الموافقات، بينما ذهبت بقية الملايين إلى أحد الوزراء (لم يُذكر اسمه).