بين الثوابت والمتغيرات.. مستقبل العلاقات التركية–القبرصية في ظل رئاسة إرهورمان

رمضان بورصا | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في الانتخابات التي جرت يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2025، انتُخب طوفان إرهورمان، رئيس الحزب الجمهوري التركي ورئيس الوزراء الأسبق، رئيسًا جديدًا لجمهورية شمال قبرص التركية.

ويُذكر أن فشل مفاوضات عام 2017 مع إدارة قبرص اليونانية دفع أنقرة وجمهورية شمال قبرص إلى التحول من دعم خيار الاتحاد الفيدرالي إلى تبني سياسة "الحل القائم على دولتين". إذ رأت أنقرة وقبرص التركية أن الجانب اليوناني لا يتحلى بالصدق في سعيه نحو تسوية دائمة تضمن المساواة في الحقوق بين القبارصة الأتراك واليونانيين، ما جعل استمرار المفاوضات الفيدرالية بلا جدوى.

منذ ذلك الحين، تبنت تركيا وشمال قبرص نهجًا يقوم على إقامة دولتين مستقلتين ترتبطان بعلاقات جيدة، بدلًا من السعي لدمجهما في كيان اتحادي.

وخلال حملته الانتخابية الأخيرة، أثار إرهورمان جدلًا واسعًا بإعلانه إمكانية العودة إلى طاولة التفاوض مع القبارصة اليونانيين لمناقشة خيار الاتحاد الفيدرالي، وهو ما قوبل بانتقادات شديدة داخل تركيا.

ويُشار إلى أن هذه التصريحات تزامنت مع تعزيز إسرائيل لعلاقاتها مع إدارة قبرص اليونانية، بما في ذلك صفقات شراء أصول واسعة النطاق، وتزويدها بأنظمة دفاع جوي، مما رفع من حساسية أنقرة تجاه التحركات في الجزيرة.

هذا التداخل بين الخطاب الانتخابي لإرهورمان والتطورات الجيوسياسية الإسرائيلية-القبرصية أثار قلقًا في تركيا، وأجج المخاوف من احتمال التراجع عن سياسة الدولتين.

رسالة إرهورمان

مباشرة بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية، أجرى طوفان إرهورمان مقابلة قصيرة مع وكالة الأناضول الرسمية التركية، وجه خلالها رسائل واضحة بشأن مستقبل العلاقات مع أنقرة.

وقال إرهورمان: "لم يحدث حتى اليوم أن حُددت سياسات قبرص الخارجية دون التشاور الوثيق مع الجمهورية التركية، ولن يحدث ذلك أبداً خلال ولايتي".

وأشار إلى أن التواصل مع أنقرة والتشاور معها في السياسة الخارجية هو تقليد راسخ لجمهورية شمال قبرص التركية.

وتجدر الإشارة إلى أن إرهورمان أشار خلال حملته الانتخابية إلى إمكانية بدء مفاوضات مع الإدارة القبرصية اليونانية بشأن الحل الفيدرالي، لكنه أكد بعد فوزه: "لم يُجر أي من رؤسائنا السابقين أي مفاوضات، أو عقد اجتماعات، أو وضع مسار للسياسة الخارجية دون التشاور مع الجمهورية التركية. هذا ما جرت عليه تقاليد دولتنا، وسيستمر كذلك".

وهذا يعني تأكيد أنه لا يمكن إجراء مفاوضات مع الإدارة القبرصية اليونانية دون التشاور مع أنقرة.

ورد إرهورمان بوضوح على مزاعم انخراطه في دعاية معادية لتركيا خلال الانتخابات، قائلاً: "شُنَّت حملات دعائية سوداء واسعة حول هذه القضية، وفي الواقع فإن مسؤولي الجمهورية التركية يعرفونني جيداً".

وأدلى أيضاً بالتصريحات التالية: 

“العلاقات مع جمهورية تركيا بالنسبة لنا بالغة الأهمية والحيوية. لطالما أكدت ذلك في كل مناسبة، وكما ذكرت سابقاً، لم يحدث قط أن حُددت سياسات قبرص الخارجية أو نوقشت قضايا تتعلق بالقضية القبرصية دون التشاور مع تركيا. وأنا على ثقة بأن العلاقات الجيدة جداً، المبنية على أسس متينة، ستستمر في التطور مع الجمهورية التركية. وأعتبر هذه المهمة مسؤولية شخصية تقع على عاتقي. وأعبر عن خالص حبي واحترامي للشعب التركي.”.

تهنئة أردوغان

بعد انتخابه رئيسًا، كان أول من اتصل بطوفان إرهورمان هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث تواصل معه مساء يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2025 فور اتضاح نتائج الانتخابات لتهنئته.

ونشر أردوغان عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي رسالة تهنئة قال فيها: 

“أهنئ السيد طوفان إرهورمان الذي انتُخب رئيسًا للجمهورية وفق النتائج غير الرسمية للانتخابات التي جرت اليوم في جمهورية شمال قبرص التركية.”.

في تصريحات أدلى بها الرئيس أردوغان للصحفيين على متن الطائرة عقب جولته الخليجية التي شملت قطر والكويت وعمان، قال: "لا يمكننا أن ننظر إلى شمال قبرص نظرة جانبية، فلم نبذل كل هذه الجهود عبثًا". وأعلن أنه دعا طوفان إرهورمان إلى أنقرة.

وحسب تقاليد جمهورية شمال قبرص التركية، يقوم الرئيس المنتخب حديثًا بأول زيارة خارجية له إلى أنقرة. وبالمثل، ووفقًا لتقاليد الدولة في تركيا، يقوم الرئيس المنتخب حديثًا بأول زيارة خارجية له إلى جمهورية شمال قبرص التركية، فيما تكون الزيارة الخارجية الثانية إلى أذربيجان.

القبارصة اليونانيون

في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، أدى رئيس جمهورية شمال قبرص التركية، طوفان إرهورمان، اليمين الدستورية رسميًا في البرلمان القبرصي، وتولى مهامه بشكل رسمي. 

وشارك في حفل أداء اليمين والمراسم الرسمية في القصر الرئاسي نائب رئيس الجمهورية التركية، جودت يلماز، ممثلاً عن تركيا، والذي يتولى مهمة التنسيق بين تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية.

بعد تسلمه مهامه، أدلى إرهورمان بتصريحات تعكس السياسة التركية حيال المفاوضات مع القبارصة اليونانيين. 

فقال: "الجمهورية التركية هي الضامن للجزيرة بأكملها"، وأضاف: "أصبح الضمان التركي أكثر أهمية في الظروف الحالية، لأن شعورنا بالأمان يتراجع يومًا بعد يوم".

وأشار إلى الدروس المستخلصة من المفاوضات السابقة مع الإدارة القبرصية اليونانية، مؤكدًا أن القبارصة اليونانيين يترددون بشدة في تحقيق المساواة السياسية بين الأتراك والقبارصة اليونانيين، موضحًا أن "المساواة السياسية خط أحمر وغير قابلة للتفاوض".

وأكد إرهورمان أنه "سيجلس على طاولة التفاوض مع القبارصة اليونانيين لإيجاد حل"، لكنه شدد على أن "الجلوس على الطاولة من أجل التفاوض فقط لا معنى له ولا طائل من ورائه"، مضيفًا أن "المساواة السياسية ليست موضوعًا للتفاوض".

مصير مسترك

وتُعد العلاقات بين جمهورية شمال قبرص التركية وتركيا في مجالات مهمة مثل الأمن والاقتصاد علاقات ذات أهمية حيوية. 

ومن ناحية أخرى، تُعتبر جمهورية شمال قبرص التركية قضية وطنية بالنسبة لتركيا، كما تمثل عنصرًا رئيسا في مجالات الأمن القومي والسياسات الإقليمية، خاصة في شرق البحر الأبيض المتوسط.

لقد حكمت تركيا قبرص فعليًا لمدة 307 سنوات منذ استيلائها عليها من البنادقة عام 1571، وعلى الرغم من تسليمها لبريطانيا عام 1878 بشرط بقاء حق السيادة للدولة العثمانية، فإن تركيا لم تتخلَّ عن الجزيرة. 

وفي عام 1960، ومع تأسيس "جمهورية قبرص"، خرجت الجزيرة من سيطرة بريطانيا، وحصلت تركيا وبريطانيا واليونان على صفة الدول الضامنة في القضية القبرصية.

ومنذ عام 1968 حتى عام 2017، جرت مفاوضات عديدة بين الأتراك والقبارصة اليونانيين، لكنها لم تُفضِ إلى أي نتيجة حاسمة. 

ومؤخرًا، خلال فترة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، أُعدت خطة عرفت باسم "خطة عنان"، وعُرضت على استفتاء شعبي، حيث صوت القبارصة الأتراك بـ"نعم"، بينما رفضها القبارصة اليونانيون بـ"لا"، فلم تُنفذ الخطة.

خلال كل هذه العمليات، كانت تركيا مشاركة بصفتها دولة ضامنة، محددة للسياسات بما يخدم مصالحها ومصالح القبارصة الأتراك في الجزيرة.

وبالتالي، تفرض مصالح وأمن تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية تشابك العلاقات بين البلدين وضرورة التعاون الوثيق بين أنقرة ولـفكوشا بشأن قبرص وشرق البحر المتوسط.

وأخيرًا، يمكن القول إن انتخاب طوفان إرهورمان، الذي لم تحظَ دعمه من أنقرة خلال الانتخابات، رئيسًا لجمهورية شمال قبرص التركية، لن يخلق بيئة تؤثر سلبًا على التعاون بين تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية، ولن يُحدث تغييرًا في النهج الأساسي للطرفين، لا سيما لن يؤجج الصراعات بينهما.