“تثمين" العمل المنزلي في المغرب.. لماذا يفتح ساحة صراع بين الحكومة والمجتمع؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

نقاش حاد في المغرب بعد تصريحات حكومية حول ما سمته "تثمين" العمل المنزلي، حيث حذرت أصوات متعددة من مخاطر هذا التوجه على التماسك الأسري في البلاد.

تصريحات وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، نعيمة بن يحيى، جاء خلال جلسة لمجلس المستشارين في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2025، حيث أكدت على “أهمية تثمين العمل المنزلي وإعطائه المكانة التي يستحقها”.

خطوة أساسية

وأعلنت بن يحيى أن الحكومة بصدد دراسة إجراءات عملية مستلهمة من تجارب دولية رائدة في هذا المجال. مشيرة إلى أن النساء في المغرب يتحملن العبء الأكبر من الأعمال المنزلية غير المؤدى عنها، من تنظيف ورعاية الأسرة والطبخ وترتيب البيت وغيرها.

وقالت: إنه استنادا إلى معطيات "المندوبية السامية للتخطيط" (رسمية)، فإن المرأة المغربية تخصص 18.5 بالمئة من وقتها لهذه المهام مقابل 3 بالمئة فقط للرجال، وأن الأعمال المنزلية تستحوذ على 90 بالمئة من الوقت اليومي المخصص لمختلف الأنشطة.

ورأت الوزيرة أن الاعتراف بالعمل المنزلي غير المؤدى عنه “يمثل خطوة أساسية لرد التقدير لربات البيوت”، داعية إلى "تمكينهن من الحماية الاجتماعية، وإدراج ساعات العمل المنزلي ضمن المؤشرات الوطنية للشغل".

وتابعت: "مع منح معاش للنساء بدون دخل مأجور، فضلا عن احتساب سنوات رعاية الأطفال في التقاعد، وتخصيص تقاعد جزئي لمن يتوقف عن العمل للتفرغ للأسرة".

كلام وزيرة الأسرة أعاد التذكير بتصريح سابق لوزير العدل عبد اللطيف وهبي، دعا فيه إلى الاعتراف بالعمل المنزلي ضمن سياق مراجعة مدونة (قانون) الأسرة المغربية.

وأكد وهبي أن هذا التثمين "لا يعدّ فقط ضرورة قانونية، بل هو أيضا التزام دستوري وأخلاقي، يندرج في صلب التزامات المغرب الدولية، لا سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والاتفاقيات ذات الصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية".

وشدد خلال ندوة مشتركة لوزارته مع الاتحاد الأوروبي في 15 أبريل/نيسان 2025، على أن وزارة العدل "واعية بأن إقرار المساواة الفعلية لا يمر فقط عبر النصوص، بل أيضا عبر إعادة التقدير للعمل غير المرئي الذي تقوم به ملايين النساء في بيوتهن". 

دعوة تخريبية

في قراءته لهذه الدعوات، قال الباحث في العلوم الشرعية وفقه المقاصد، محمد عوام: إن "تثمين العمل المنزلي منقصة للمرأة، حيث تصبح بموجبه ذات صفتين؛ أجيرة بالنهار وزوجة بالليل، وهذا لا يليق بالزواج، لأن الزواج مبني على المكارمة والبيع مبني على المشاكسة".

وأضاف عوام لـ"الاستقلال" أنه "إذا انقلب الزواج من المكارمة إلى المشاكسة والمناكفة، فذاك الخراب بعينه، يفضي إلى العزوف عن الزواج، وتلك معضلة أخرى".

ورأى أن "معظم اللواتي يطالبن بتثمين العمل المنزلي، لا يقمن به ولا يتقنه، وإنما يستعن بالخادمات، فيُشغلنهن من غير الحقوق التي نصت عليها مدونة الشغل".

واسترسل: “فكيف يطالب هؤلاء من الأزواج بتثمين العمل المنزلي، وفي الوقت ذاته يشغلن خادمات بلا حقوق، أو حقوق مهضومة ومنقوصة؟ أليس هذا كيلا بمكيالين وازدواجية معايير وموازين؟”

ونبه عوام إلى أن "تثمين العمل المنزلي يعني أننا أمام وضع جديد، يقتضي إبرام عقد التثمين عند بداية الزواج، بحيث يكون مرفقا مباشرة بعقد النكاح، وحتى لا يكون فيه غبن وإجحاف، لأن العقود تبنى على الوضوح التام، لا غبن ولا ضرر ولا تدليس".

وتابع: "وهذا يعني أنه ينبغي تحديد وقت العمل المنزلي وأجرته، وعطله وتأمينه وصندوق ضمانهن مما يعني أننا أصبحنا أمام مدونتين: مدونة الأسرة التي تعنى بالزواج، ومدونة الشغل الخاصة بالعمال والمشغلين، ولم يجتمعا قط إلا في التثمين".

وتحدى عوام الداعيّات إلى هذا التوجه بالخروج للشارع المغربي وشرح ما يطالبن به، مؤكدا أنهن "لن يجدن سوى السخرية والازدراء لهذه الأفكار السخيفة والسقيمة التي تسهم في انحطاط المرأة وتشييئها".

وأردف، "وقد فتحت حوارا مع كثير من النساء، فرفضن التثمين، حتى قلن: نحن زوجات ولسنا خادمات، وما نقوم به إنما هو لحسن المعاشرة الزوجية، ومن أجل أبنائنا وأسرنا".

من جانب آخر، شدد عوام على أن "مشكلة المرأة ليس مع أسرتها، وأن معاناتها ليس مع التثمين، إنما مشكلة المرأة وأسرتها مع الهشاشة وغلاء المعيشة، ومع الفقر والتعليم والطب والأجرة الهزيلة، والاستغلال الفاحش في المصانع والضيعات الفلاحية، ومع الفساد والاستبداد وغيرهما".

ونبه عوام إلى أن "المرأة المغربية عليها أن تدرك خطورة ما يراد بها، من التشتيت والتمزيق والتفسيق والتغريب، ولا تلتفت لمن لا أسرة لهن، ولا يصلحن أن يكن زوجات ابتداء، ممن حرفتهن المتاجرة في الأسواق الدولية بمعاناة النساء".

دعم برلماني

أبرز الأصوات الداعمة بالبرلمان لما صرحت به وزيرة الأسرة ورد على لسان المستشار عن حزب "الأصالة والمعاصرة" لحسن أيت اصحا، والذي دعا إلى ضرورة إرساء إطار قانوني ومؤسساتي يعترف بالعمل المنزلي الذي تقوم به النساء المغربيات.

وخلال جلسة برلمانية في 9 ديسمبر، قال أيت اصحا، المنتمي لحزب وزير العدل، إن "تثمين العمل المنزلي يمكن اعتباره رافعة مهمة لدعم مسار بناء الدولة الاجتماعية وتعزيز مبادئ العدالة والمساواة".

وأفاد بأن "هذا التوجه لا يندرج فقط ضمن المطالب الحقوقية، بل يمثل خيارا مجتمعيا يستهدف إعادة التوازن إلى الأدوار داخل الأسرة والاعتراف بالقيمة الاقتصادية لهذا العمل غير المرئي".

وأبرز المستشار البرلماني أن التقارير الرسمية تؤكد أن المرأة المغربية تقضي يوميا ما معدله 4 ساعات و46 دقيقة في أداء أعمال منزلية غير مؤدى عنها، بقيمة اقتصادية سنوية تقدّر بـ513 مليار درهم –حوالي 50 مليار دولار-.

ورأى أن غياب الاعتراف المؤسسي بهذه المساهمة يسهم في تكريس أشكال من العنف البنيوي الصامت، ويحد من تمكين النساء داخل المجتمع.

وفي إطار هذا التوجه، نظم مجلس النواب يوما دراسيا بشراكة مع وزارة الأسرة وصندوق الأمم المتحدة للسكان وبدعم من الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية، في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، حول موضوع: "تثمين العمل المنزلي للنساء بالمغرب: من الاعتراف إلى التمكين".

ويرى رئيس المجلس بالمناسبة، رشيد الطالبي العلمي، أن “تثمين العمل المنزلي للنساء موضوع مجتمعي يقع في صميم اهتمام المؤسسة البرلمانية، والتزامها الراسخ للنهوض بحقوق المرأة، وتكريس المساواة والمناصفة بين الجنسين”.

وذكر الطالبي العلمي أن "السير قدما نحو تحقيق المساواة والمناصفة بين الجنسين إنما يمر بالضرورة عبر الاعتراف بالعمل المنزلي للمرأة وتقديره".

وأكد أن "ترجمة الاعتراف بالعمل المنزلي إلى واقع ملموس يستلزم تبني سياسات وبرامج مندمجة وفاعلة، تحفز على تقدير المسؤوليات الأسرية وأعباء الرعاية".

تفاعلات مجتمعية

لم تمر كلمات وزيرة الأسرة في الأوساط المجتمعية والسياسية مرور الكرام؛ حيث ارتفعت أصوات مراقبين وفاعلين تحذر من نتائجها السلبية والكارثية على الأسرة المغربية.

وفي هذا الصدد، قال الباحث في العلوم السياسية والتواصل السياسي عبد الصمد بنعباد، إن توجه الوزيرة لاقتطاع تعويضات من جيب الأزواج لفائدة النساء ربات البيوت، هي جريمة في حق الأسر والأزواج والأطفال.

وذكر بنعباد في تدوينة عبر فيسبوك في 9 ديسمبر، أن "هذه الحكومة منحت الملايين من أموال الشعب، للوبيات السطو على المال العام، في مختلف القطاعات والتخصصات، كان بإمكانها أن تقترح قانونا تخصص بموجبه الدولة تعويضات مالية من الميزانية العامة للنساء ربات البيوت، وليس من جيب الأزواج". 

ودعا المجتمع إلى أن “يحمي نفسه من هذه العصابات”. وفق تعبيره.

بدوره، قال عضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب السابق، المحامي نجيب البقالي، إن ما تتحدث عنه وزيرة الأسرة "هو الخراب بنفسه".

وأوضح البقالي في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك في 10 ديسمبر، أن "50 بالمئة من الأسر المغربية تعيش بأقل من 5000 درهم شهريا –حوالي 450 دولارا- ثم تتحدث الوزيرة عن تعويض الأزواج للزوجات عن العمل المنزلي".

هذه المستجدات أعادت التذكير بما صرح به رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بن كيران في يناير/كانون الثاني 2025، من أن تثمين العمل المنزلي للمرأة يطرح إشكاليات عملية ومخاوف حقيقية من تحويل فضاء الأسرة القائم على التراحم والتعاون إلى فضاء للحسابات والنزاعات.

وشدد بن كيران على رفض حزبه "العدالة والتنمية" لكل المقترحات والأفكار التي يدعو لها البعض من أجل عد عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية.

وأكد أن "ما تقوم به المرأة في المنزل من عمل لا يمكن تقديره ماليا، فضلا أن أجرها بالأساس عند المولى تعالى".

حصان طروادة

وقال الباحث السياسي حسن حمورو، إن موضوع "تثمين" العمل المنزلي للمرأة هو محور من محاور الجدل بين المدافعين عن المرجعية الدينية والقيمية والثقافية للمجتمع المغربي، وبين الأقلية المسيطرة على بعض مواقع القرار.

وأضاف حمورو لـ"الاستقلال"، أن “هذه الأقلية المسيطرة تسعى إلى تفكيك البنية الثقافية للمجتمع، وفرض تغييرات وتعديلات وراثية في العلاقات والمؤسسات داخله، وعلى رأسها مؤسسة الأسرة”.

ولفت إلى أنه "منذ مدة تُسجل تصريحات وأنشطة ومبادرات تستهدف التأثير التدريجي في قناعات الرأي العام الرافض للتعديلات المعلنة بشأن مدونة الأسرة، من خلال إثارة القضايا الخلافية وترويج مقترحات مرفوضة على أنها توصيات أو اجتهادات محسومة”.

ورأى حمورو أن "هذا المخطط الذي يبدو ممنهجا، يساهم فيه في كل مرة (عرّاب الإفساد) الوزير الثرثار عبد اللطيف وهبي، الذي يستغل كل مناسبة للتحرش بالمسار الذي رسمه ملك البلاد لإصلاح مدونة الأسرة، والذي أكد التزامه بالشريعة الإسلامية بخصوصها". 

وشدد على أن “وزير العدل يستدرك في كل مرة بأسلوب مستفز على هذا المسار، وهو ما أكدته تصريحات عدة بالبرلمان وبغيره، والتي يتلاعب فيها بالكلمات ويسعى إلى التدليس على الرأي العام”.

ونبه المتحدث ذاته إلى أن “توصيات اليوم الدراسي الأخير بمجلس النواب بخصوص تثمين العمل المنزلي ليس له من وسيلة للتنزيل سوى عبر مدونة الأسرة، وهو ما يجب الانتباه له”.

كما دعا حمورو إلى “الانتباه بشأن استغلال الجهات النافذة لخطب الجمعة في تمرير بعض الأفكار في هذا الصدد، حيث إن هناك أربع خطب على الأقل منذ يوليو/تموز 2025، تم تخصيصها لموضوع المرأة، تحتوي على رسائل ذات علاقة بالنقاش الدائر حول مدونة الأسرة”.

ويرى أن "موضوع الأسرة سيبقى محورا من محاور الصراع، وذلك عبر آليات سياسية وقانونية"، مؤكدا أن "ربح المساحات فيه خاضع لتغير موازين القوى السياسية، والذي يخضع بدورة للقدرة على توجيه الرأي العام".

وختم حمورو بالقول: "لذلك، على المدافعين عن المرجعية الدينية والقيمية للمجتمع المغربي، أن يرفعوا مستوى الرصد ويبقوا على اليقظة في درجة عالية، لأن معركة مدونة الأسرة مستمرة، وما لم يتم فرضه بالنقاش العمومي وخلف الأبواب المغلقة، يمكن أن يتم تمريره داخل حصان طروادة".