"إدراج حزب الله والحوثيين على لائحة الإرهاب" في العراق.. من يقف وراء العاصفة؟

رئيس الوزراء العراقي أكد أن ما حصل هو خطأ موظف في اللجنة المعنية
في خطوة أحدثت زلزالا سياسيا في العراق، نشرت جريدة الوقائع الرسمية قرارًا يقضي بتصنيف "حزب الله اللبناني" وجماعة الحوثي اليمنية على لائحة الإرهاب، قبل أن يتراجع البنك المركزي العراقي مبرّرًا ذلك بأنه "خطأ غير مقصود".
وبالتوازي مع ذلك، وجّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بإجراء تحقيق عاجل ومحاسبة المسؤولين عن الخطأ في قرار لجنة تجميد الأموال. مؤكدًا أن الحكومة ثابتة على مواقفها السياسية والإنسانية تجاه العدوان على أهلنا في لبنان وفلسطين.
وخلال مقابلة تلفزيونية في 7 ديسمبر/كانون الثاني 2025، أوضح السوداني أن "اللجنة تصرّفت بناءً على ما وصلها من الجانب الدولي، وكان خطأ موظف لم يدقق القرار". مشددًا على أن حكومته لم تُصدر أي قرار بتصنيف أي من الجهتين على لائحة الإرهاب، وأن القضية جرت مبالغتها واستغلالها لأغراض التسقيط السياسي.
هجوم حاد
على الرغم من أن تصنيف "حزب الله اللبناني" و"جماعة الحوثي" نُشر في صحيفة "الوقائع" العراقية الرسمية بتاريخ 17 نوفمبر، فإن القرار كان قد صدر فعليًا عن اللجنة المختصة في 28 أكتوبر، غير أن الجدل الواسع الذي أثاره الموضوع لم ينفجر إلا في 4 ديسمبر، بعد إعادة تداوله بكثافة في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي العراقية.
وترتبط اللجنة المذكورة بالأمانة العامة لمجلس الوزراء، وتضم 13 وزارة ومؤسسة أمنية واستخبارية، من أبرزها جهازا المخابرات والأمن القومي، ووزارات الداخلية والخارجية والعدل والمالية، ويرأسها وكيل البنك المركزي العراقي. وتُعدّ قرارات اللجنة نهائية وملزمة لجميع مؤسسات الدولة.
ويمثل نشر القرار في صحيفة "الوقائع" الرسمية دخوله حيّز التنفيذ فور صدوره، على الأقل بالنسبة للجهات المالية والمؤسسات التي تتعامل مع المنافذ الحدودية، مثل البنوك والمصارف والجمارك وجهاز السيطرة النوعية.
وجاء التصنيف ضمن قرار رسمي أصدرته لجنة تجميد أموال الإرهابيين، يقضي بـ"تجميد أصول الإرهابيين" لـ24 كيانًا تم إدراجها على لائحة الإرهاب، من بينها حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية، بتهمة "المشاركة في ارتكاب عمل إرهابي".
وقد تلقفت شخصيات سياسية محسوبة على قوى الإطار التنسيقي الشيعي القرار ووجّهت انتقادات حادة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني؛ إذ وصل الأمر ببعضهم إلى المطالبة بـ"قص أذنه" عقابًا له على صدور هذا التصنيف.
كما جرى – وفق ما كشفه عقيل الفتلاوي، المتحدث باسم ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي – إزالة السوداني من جميع مجموعات "الواتساب" التابعة للإطار التنسيقي، كإجراء عقابي على خلفية القضية نفسها، وذلك خلال مقابلة تلفزيونية في 5 ديسمبر.
وكان أوّل المعلّقين على القضية النائب عن الإطار التنسيقي مصطفى سند، الذي قال بوضوح: إن "العراق صنّف الحوثيين وحزب الله كمنظمات إرهابية". واصفًا ذلك القرار بأنه "عار" و"موقف مخزٍ". كما استحضر سند تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام بدعم –على حدّ قوله– من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وكشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريحات صحفية نُشرت في الأول من ديسمبر، أن رئيس الوزراء العراقي دعم ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام. وقد عدّ الموالون لإيران هذا الموقف "خيانة لدماء" قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، اللذين قُتلا بضربة أميركية بأمر من ترامب مطلع يناير/كانون الثاني 2020.
من جهته، هاجم حسين مؤنس، رئيس حركة "حقوق" التابعة لكتائب حزب الله العراقية، حكومة السوداني بشدة، واصفًا إياها بأنها "سلطة مرتجفة وتابعة". وأضاف في تدوينة نشرها على منصة "إكس" بتاريخ 4 ديسمبر، أنها “لا تملك الحد الأدنى من الكرامة”، مؤكدًا أنها “ليست حكومة ذات سيادة ولا شجاعة”.
وفي السياق نفسه، كتب رئيس الكتلة البرلمانية لحركة "حقوق"، سعود الساعدي، في تدوينة على "فيسبوك" أن "حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن يقدّمون اليوم دروسًا للعالم في المبادئ الإنسانية والكرامة والشرف والسيادة والاستقلال، وفي الدفاع عن الأمة وكرامتها. في المقابل، يذهب الجبناء والمتخاذلون إلى إدراجهم على لائحة (المنظمات الإرهابية)، في خطوة تعكس مسارًا تنازليًا مخزيًا وبداية لمرحلة خطيرة من الرضوخ".
قرار ملزم
وفي ما يتعلق بتداعيات تراجع العراق عن قرار تصنيف "حزب الله" اللبناني و"جماعة الحوثي" اليمنية، قال الباحث في الشأن العراقي حامد العبيدي: إن "تجميد القرار أو إلغاءه لا يعدو كونه محاولة لإيهام الرأي العام وامتصاص غضب الشارع الموالي لإيران في العراق".
وأوضح العبيدي لـ"الاستقلال" أن "القرار يبقى ملزما للمؤسسات المالية العراقية، وأن سحبه من الجريدة الرسمية لا يعني التوقف عن العمل به؛ لأن البنك المركزي العراقي مهدد بالتعرض لعقوبات دولية، فهذه المنظمات مدرجة على لوائح دولية، وبالتالي فإن العراق مُلزَم بالتعاطي معها".
ولفت الباحث إلى أن "إثارة القضية داخليا تهدف بالأساس إلى ضرب مساعي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للحصول على ولاية ثانية، ودفع إيران لوضع فيتو على ترشيحه، عبر إظهاره بمظهر المنحاز إلى المعسكر الأميركي ضد المحور الإيراني في الشرق الأوسط".
من جانبه، علّق الكاتب والمحلل السياسي العراقي فراس إلياس على ما نشرته صحيفة "الوقائع"، قائلاً: إن ذلك "لا يعني بالضرورة أن العراق صنّف الحوثيين أو حزب الله كمنظمات إرهابية بقرار وطني مستقل أو بتوجه سياسي، بل إن المسألة ترتبط إجرائيا ولوجستيا بقرارات تجميد أموال الإرهابيين وفق القوائم الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة".
وأوضح إلياس في تدوينة على منصة "إكس" بتاريخ 4 ديسمبر أن "العراق لا يصدر حكما سياسيا يصف هؤلاء بأنهم إرهابيون، بل ينفّذ التزامات مالية دولية تتعلق بتجميد أصول أفراد أو كيانات وردت على قوائم الأمم المتحدة".
وأشار إلى أن العراق ملزم قانونيا، بموجب قرارات مجلس الأمن، بحظر أو تجميد أموال أي شخص أو كيان مدرج دوليا، بغض النظر عن موقفه السياسي منه.
وأكد إلياس أن العراق لم يُجرِ تصنيفا سياسيا لهذه الكيانات كتنظيمات إرهابية عبر قرار داخلي، كما فعلت كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.
وفي السياق ذاته، قال عضو البرلمان العراقي عن "الإطار التنسيقي" يوسف الكلابي: إنّ "ما يُنشر في جريدة الوقائع العراقية يُعدّ نهائيًا، ولا يمكن حذفه أو تعديله إلا بموجب قرار أو قانون رسمي".
ولفت الكلابي، في بيان نقلته صحيفة "المراقب" العراقية بتاريخ 4 ديسمبر، إلى أن "القرار المنشور بشأن تجميد أموال أنصار الله (الحوثيين في اليمن) وحزب الله اللبناني في الوقائع العراقية هو قرار نافذ ونهائي، وأن الحديث عن التراجع عنه لا يتجاوز كونه محاولة للتهدئة الإعلامية لا أكثر".

إحباط أميركي
وعلى خلفية الجدل الدائر، أعرب متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عن إحباط واشنطن من تراجع العراق عن قرار تجميد أصول "حزب الله" اللبناني و"جماعة الحوثي" اليمنية. محذرا من أن الجماعتين تشكلان "خطرا" على الشرق الأوسط في ظل تصاعد التوترات.
ونقلت شبكة "رووداو" العراقية في 6 ديسمبر، عن المتحدث الأميركي (لم تسمّه)، أن الولايات المتحدة تتوقع من بغداد اتخاذ "خطوات عملية" ضد الجماعات المسلحة الموالية لإيران، بما في ذلك تلك التي تنشط داخل الأراضي العراقية.
وأضاف: "إننا محبطون من تراجع العراق عن قرار تجميد أصول حزب الله والحوثيين". مؤكدا أنهما يمثلان تهديدا للمنطقة والعالم، وأنه "يجب على جميع الدول ضمان عدم استخدام أراضيها من قبل هؤلاء أو من قبل وكلاء إيران الآخرين لأغراض التدريب أو جمع الأموال أو الحصول على الأسلحة أو شن الهجمات".
وأكد المتحدث أن واشنطن "ستواصل الضغط على العراق" للحد من أنشطة الجماعات التابعة لإيران والتي تشكل خطرا على "المصالح الأميركية والعراقية". مشيرا إلى أن الولايات المتحدة طالما دعت بغداد إلى تنفيذ الإجراءات المالية المطلوبة وكبح جماح الفصائل المسلحة، خصوصا بعد سلسلة الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ التي استهدفت في عام 2024 قواعد تضم قوات أميركية داخل العراق.
وفي المقابل، أعلنت رئاسة الجمهورية العراقية أنها لم تصادق على قرار عدّ "حزب الله" و"جماعة الحوثي" جماعات إرهابية، نافية علمها المسبق به.
وقالت الرئاسة في بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية "واع" في 5 ديسمبر: إنها "تنفي علمها أو مصادقتها" على القرار المتعلق بتجميد الأصول والأموال العائدة للجهتين المذكورتين.
وأوضحت أن "مثل هذه القرارات لا تُرسل إلى رئاسة الجمهورية"، وأن ما يُحال إليها يقتصر على "القوانين التي يصوت عليها مجلس النواب والمراسيم الجمهورية" لغرض التدقيق والمصادقة والنشر.
وأضاف البيان أن "قرارات مجلس الوزراء، وقرارات لجنة تجميد أموال الإرهابيين، وقرارات لجنة غسيل الأموال، والتعليمات الصادرة عن أي جهة، لا تُرسل إلى رئاسة الجمهورية".
واختتمت الرئاسة بيانها بالتأكيد أنها لم تطّلع على القرار إلا من خلال ما نُشر في وسائل التواصل الاجتماعي.
المصادر
- رئاسة جمهورية العراق: علمنا بقرار "تصنيف الحوثيين وحزب الله" عبر مواقع التواصل
- بعد إدراج "حزب الله" والحوثيين على قائمة الإرهاب.. العراق يتراجع ويصدر توضيحا عاجلا (صورة)
- ما الدروس المستخلصة من أزمة تصنيف "حزب الله" و"أنصار الله" كجهات إرهابية؟
- الخارجية الأميركية لرووداو: محبطون من إلغاء العراق لقرار تجميد أصول حزب الله والحوثيين
- نائب يؤكد ان التراجع عن قرار تجميد المقاومة يحتاج الى قانون
















