لحظة الحسم تقترب.. إلى أين يتجه الصراع الخفي بين السعودية والإمارات في حضرموت؟

وصول فد سعودي رفيع لإيقاف سيطرة أذرع الإمارات على حضرموت
على وقع سيطرة مليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني المدعوم من الإمارات على مدينة سيئون، كبرى حواضر وادي حضرموت شرق البلاد، أوفدت السعودية وفدا رفيع المستوى برئاسة اللواء محمد بن عبيد القحطاني في محاولة لـ خفض التصعيد في المحافظة الغنية بالنفط.
وجاءت هذه السيطرة في 3 ديسمبر/كانون الثاني 2025 بعد مواجهات محدودة بين مليشيا المجلس الانتقالي وقوات المنطقة العسكرية الأولى التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة الشرعية، تركزت في محيط القصر الجمهوري ومطار سيئون الدولي، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.
ويأتي هذا التطور الميداني بعد يومين من تصريح رئيس حلف قبائل حضرموت، عمرو بن حبريش، الذي أكد أن محافظة حضرموت تتعرض لـ غزو قبلي مسلح قادم من محافظتي الضالع ولحج، مشيرا إلى أن تلك القوات تتبع للمجلس الانتقالي الجنوبي.

تهدئة سعودية
وفي ضوء هذه التطورات، وصل وفد سعودي برئاسة اللواء محمد بن عبيد القحطاني إلى محافظة حضرموت؛ حيث عقد اجتماعًا موسعًا في مقر السلطة المحلية بمدينة المكلا، بحضور محافظ حضرموت سالم أحمد الخنبشي، وممثلي المكونات الحضرمية إلى جانب قيادات السلطة المحلية.
وبحسب تدوينة لوزير الإعلام اليمني معمر الإرياني على منصة "إكس" بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول، فإن هذه الاجتماعات تهدف إلى توحيد الرؤى وتعزيز جهود التهدئة، إضافة إلى مناقشة الملفات الأمنية والإدارية، بما يضمن استقرار المحافظة وترتيب أولويات المرحلة المقبلة.
وفي مساء اليوم نفسه، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن و"حلف قبائل حضرموت" التوصل إلى اتفاق لخفض التوتر والتصعيد الأمني، وذلك برعاية لجنة سعودية أشرفت على سير المشاورات بين الجانبين في المحافظة الغنية بالنفط.
وأوضح المكتب الإعلامي لمحافظة حضرموت، في بيان رسمي، أن الاتفاق وقّعه محافظ حضرموت سالم أحمد الخنبشي والشيخ عمرو بن علي بن حبريش، وكيل أول المحافظة ورئيس "حلف قبائل حضرموت".
ووفق البيان، نص الاتفاق على الوقف الفوري لأشكال التصعيد العسكري والأمني والإعلامي والتحريضي كافة، إلى جانب استمرار الهدنة بين الطرفين حتى تستكمل لجنة الوساطة أعمالها وتصل إلى اتفاق شامل ونهائي.
كما أقرّ الاتفاق انسحاب قوات الحلف وقوات حماية حضرموت التابعة لابن حبريش إلى المحيط الخارجي لشركة "بترو مسيلة" الحكومية. وفي المقابل، تعود قوات حماية الشركات إلى مواقعها السابقة مع استئناف موظفي الشركة لنشاطهم في الإنتاج والاستكشاف. وحدد الاتفاق بدء الانسحاب في الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي لتوقيعه.
وتضمّن الاتفاق أيضا انسحاب القوات المساندة لـ"النخبة الحضرمية" المدعومة إماراتياً إلى مسافة ثلاثة كيلومترات من مواقعها الحالية، مع منع استقدام أي تعزيزات عسكرية من أي طرف خلال فترة تنفيذ الترتيبات.
من جانبها، قالت قيادة "حلف قبائل حضرموت" في بيان مقتضب: إنها جاهزة للبدء بتنفيذ بنود الاتفاق وفق آلية التنفيذ المتَّفق عليها.
وأكدت مصادر محلية وقبلية أن الطرفين اتفقا على استمرار وجود اللجنة السعودية في المحافظة إلى حين استكمال تنفيذ جميع البنود، فيما ستلعب السعودية دور الضامن الرئيس لتنفيذ الاتفاق. وفق ما نقلته وكالة "رويترز" في 3 ديسمبر.
اعتصام مفتوح
رغم الإعلان عن التوصل إلى تهدئة في حضرموت، أعلنت قوات موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، في 4 ديسمبر/ كانون الأول، سيطرتها على مواقع تابعة للشركات النفطية في منطقة المسيلة بمحافظة حضرموت. وجاء هذا التطور عقب انتشار عسكري واسع شمل الحقول النفطية ومحيط المنشآت وطرق الإمداد.
وفي 6 ديسمبر، صعّد المجلس الانتقالي خطواته الميدانية بإعلان اعتصام مفتوح في محافظة حضرموت، بهدف الضغط لدعم خيار الانفصال والمطالبة بـ"الدولة الجنوبية". وقال محمد عبد الملك الزبيدي، رئيس فرع المجلس الانتقالي في وادي وصحراء حضرموت، في كلمة مصورة: إنه تقرر إطلاق اعتصام كبير على مدار الساعة ابتداء من فجر يوم الأحد في مدينة سيئون.
وأوضح الزبيدي أن الهدف من الاعتصام هو "استكمال تطلعات شعب الجنوب بشكل عام، وحضرموت بشكل خاص، لإعلان دولة الجنوب العربي". مضيفا أن التحرك يستهدف مخاطبة دول الإقليم، وفي مقدمتها السعودية، والدول الأعضاء في التحالف العربي، والمجتمع الدولي والأمم المتحدة، من أجل "احترام إرادة شعب الجنوب في الحرية ونيل الاستقلال". وشدد على أن الاعتصام سيبقى قائما "على مدار الساعة حتى تحقيق هذه المطالب".
وفي بيان منفصل، أعلن المجلس الانتقالي إقامة اعتصام متزامن في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، داعيا أنصاره للمشاركة الواسعة وفق الشعارات والمطالب ذاتها.
وتزامنا مع التطورات الميدانية، غادر رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، العاصمة المؤقتة عدن متوجها إلى المملكة العربية السعودية لإجراء مشاورات مع الفاعلين الإقليميين والدوليين بشأن مستجدات الأوضاع، وعلى رأسها ما يجرى في المحافظات الشرقية.
وأكد رئيس مجلس القيادة، في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) في 5 ديسمبر، التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية لاستكمال مهام المرحلة الانتقالية وفق مرجعياتها المتفق عليها، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.
وشدد العليمي على أن مسؤولية حماية مؤسسات الدولة وصون مصالح المواطنين والحفاظ على وحدة القرار السيادي هي اختصاص أصيل للدولة وحدها، رافضا أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، أو الإضرار بالأمن والاستقرار، أو تعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي.
كما أكد أن "معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب مليشيات الحوثي الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية"، محذراً من أن الانشغال بصراعات جانبية لا يخدم سوى "المشروع الإيراني وأدواته التخريبية".
وأشاد العليمي بجهود المملكة العربية السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود بما يخدم استقرار المحافظة، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن والمنطقة.

"مشروع إماراتي"
وفي معرض حديثه عن قدرة السعودية على الحدّ من تمدد النفوذ الإماراتي وأذرعها في حضرموت، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني عبد الباقي شمسان أن ما يجري في اليمن هو جزء من صراع إقليمي متعدد الأبعاد، تتداخل فيه حسابات الرياض وأبوظبي ومسقط، إضافة إلى نفوذ إيران الذي يعبر – كما يقول – من خلال مشروع ذي طابع مذهبي.
وأوضح شمسان لـ"الاستقلال" أن "العلاقة بين السعودية والإمارات تبدو تحالفية على المستوى العلني، لكنها تخفي خلف الكواليس صراعا واضحا على النفوذ داخل اليمن؛ حيث تتحرك كل دولة وفق مصالحها الخاصة. وينطبق الأمر ذاته على سلطنة عُمان التي تتموضع – بحسب رؤيته – في تقاطع مصالح مع إيران على حساب بقية دول الخليج".
ويشير إلى أن الرياض كانت تحاول، في مراحل سابقة، إيجاد مساحات للتفاهم مع أبوظبي بشأن الجنوب اليمني، باستثناء محافظة حضرموت، التي كانت تُعدّ – في الحسابات السعودية – منطقة لا تقبل المساومة بحكم ارتباطها الجيوسياسي والأمني والاقتصادي بالمملكة.
لكن التحولات الأخيرة، كما يقول شمسان، تكشف أن الإمارات باتت تسعى إلى السيطرة الكاملة على الجغرافيا الجنوبية، أو على الأقل على حضرموت، من أجل تعزيز موقعها التفاوضي والحصول على أكبر قدر من المكاسب. الأمر الذي يجعل الوضع "بالغ التعقيد" في المرحلة الراهنة.
ويضيف شمسان أن حماية المصالح السعودية تتطلب "إعلانا واضحا بأن الرياض هي صاحبة القرار الأول في الجغرافيا اليمنية"، مستحضرا دعوة الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي للتدخل العسكري عام 2014، والتي وُجهت للسعودية وحدها دون الإمارات. وبموجب ميثاق الأمم المتحدة، فإن دخول أبوظبي في التحالف العربي جاء بدعوة سعودية، وبالتالي – وفق شمسان – لا تملك الإمارات أساسا قانونيا يمنح شرعية دائمة لتدخلها في اليمن.
ويرى الخبير اليمني أن أبوظبي تتحرك في اليمن بدافع ما يسميه "فائض القيمة"؛ إذ تسعى عبر السيطرة على المواقع الإستراتيجية، كالموانئ والممرات البحرية والجزر الحيوية إلى دمج أمن إسرائيل ضمن منظومتها الإقليمية. ويرى أن هذه التحركات تتم في إطار تنسيق عميق يهدف إلى تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي عبر مشروع إماراتي واسع.
ويذهب شمسان إلى أن الإمارات تسعى لفرض واقع جديد على الأرض يقسم اليمن إلى كيانين: جنوبي وشمالي، وترى أن هذا السيناريو يخدم مصالحها ومصالح إسرائيل والولايات المتحدة، بغض النظر عن القرارات الدولية المتعلقة بوحدة اليمن.
أما السعودية – بحسب شمسان – فهي ليست مع مشروع التقسيم الثنائي الذي تطرحه أبوظبي، لكنها قد تميل إلى صيغة "ثلاثة أقاليم"، يكون فيها حضرموت إقليما مستقلا عن الجنوب والشمال. ويرجّح أن هذا الاحتمال هو ما دفع الإمارات إلى التحرك بوتيرة متسارعة للسيطرة على كامل الجغرافيا الجنوبية، ومن ثم فصلها عن الشمال.

مدينة إستراتيجية
تقع محافظة حضرموت شرقي اليمن، وتعد من أهم مناطق الصراع على النفوذ؛ فهي أكبر محافظات البلاد مساحةً؛ إذ تشكل نحو 36 بالمئة من إجمالي مساحة اليمن، كما تتمتع بثروات طبيعية ضخمة وفي مقدمتها النفط والغاز. وتنتج المحافظة ما يقارب 80 بالمئة من النفط اليمني، إضافة إلى امتلاكها شريطاً ساحليا طويلا على البحر العربي يبلغ نحو 360 كيلومتراً.
ويبلغ عدد سكان حضرموت أكثر من 1.8 مليون نسمة، وتمتد مساحتها إلى 193,032 كيلومتراً مربعاً. وتحدّها من الشمال السعودية، ومن الجنوب البحر العربي، ومن الشرق محافظة المهرة الحدودية مع عُمان، ومن الشمال الغربي محافظتا مأرب والجوف، ومن الغرب محافظة شبوة التي تُعد مركزا رئيسا لإنتاج الغاز في اليمن.
وتتكون حضرموت من منطقتين رئيستين: حضرموت الساحل وعاصمتها المكلا، وحضرموت الوادي وعاصمتها سيئون، وفي الأخيرة تتركز الثروة النفطية. ويُعد حوض المسيلة في قطاع (14) المكتشف عام 1993 أبرز تلك الحقول النفطية.
ويعد قطاع المسيلة واحدا من أكبر الحقول في اليمن؛ إذ يساهم بأكثر من 39 بالمئة من إجمالي الإنتاج النفطي، ويحتل المرتبة الأولى بين القطاعات، بطاقة إنتاجية قدّرتها وزارة النفط عام 2006 بحوالي 51.7 مليون برميل. ويقع القطاع على مساحة تُقدر بـ1,257 كيلومتراً مربعاً، وتشكل قطاعات المسيلة المختلفة – ولا سيما 14 و10 و51 و32 و53 – العمود الفقري لإنتاج الخام في البلاد.
وتتولى شركة بترومسيلة الوطنية تشغيل هذا القطاع منذ عام 2011 بعد تسلمه من شركة "كنديان نكسن" الكندية، مع خطط لتطوير الآبار وحفر أخرى استكشافية، إضافة إلى أعمال الصيانة وإجراء المسوحات الجيوفيزيائية.
وتضم حضرموت مطارين دوليين هما مطار الريان في المكلا ومطار سيئون في الوادي، إلى جانب عدة موانئ بحرية تشمل: ميناء المكلا، وميناء الشحر، وميناء الضبة النفطي.
كما تمتلك المحافظة منفذا بريا إستراتيجيا مع السعودية هو منفذ الوديعة، الذي يمثل أحد أهم الشرايين التجارية والإنسانية بين البلدين، ويُعد من أبرز منافذ الإيرادات للدولة، ما يجعله محورا أساسيا في اهتمام الرياض بحضرموت.
المصادر
- رئيس مجلس القيادة يغادر عدن لإجراء مشاورات حول تطورات الأوضاع الوطنية
- قوات «الانتقالي» تفرض سيطرتها على مدينة سيئون ووادي حضرموت
- اليمن.. الانتقالي الجنوبي يعلن اعتصاما مفتوحا في حضرموت للمطالبة بالانفصال
- اليمن.. "الانتقالي" يسيطر على أبرز حقول النفط والمناطق الحيوية بحضرموت
- حضرموت اليمنية... خريطة التشكيلات العسكرية والثروة وصراع النفوذ
- برعاية سعودية.. اتفاق لخفض التصعيد العسكري في حضرموت باليمن
- اشتباكات حضرموت اليمينة: صراع نفوذ جديد بين السعودية والإمارات؟
















