مشروع بلا حاضنة.. لماذا يواجه طرح حكمت الهجري الانفصالي طريقًا مسدودًا؟

"الهجري يعمل على رفع معنويات عناصر وضباط فلول الأسد المنخرطة في مشروعه"
لطالما اتسم المشهد السوري بتداخل وتشابك العلاقات بين مكوناته الاجتماعية، لا سيما بين بعض الأقليات، غير أن هذا التقارب لم يكن يومًا تعبيرًا عن موقف وطني جامع أو رؤية موحدة، بل جرى في كثير من الأحيان توظيفه سياسيا من قبل أطراف محدودة سعت إلى استثماره لخدمة أجنداتها الخاصة.
ويظهر ذلك بوضوح في محاولات رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء، الشيخ حكمت الهجري، الدفع باتجاه تحريض مكونات أخرى على تبني مطالب ذات طابع انفصالي، وهي الطروحات التي يروّج لها منذ يوليو/تموز 2025.

تحريض على الانفصال
وفي خطاب قائم على استدعاء روابط الأقليات، حرّض الشيخ حكمت الهجري، الذي يروّج لطرح انفصالي، أبناء الطائفة العلوية على الانفصال عن سوريا، مؤكدا ما وصفه بـ«دعمه لحقهم في تقرير المصير».
ودعا الهجري، في كلمة مصورة جديدة بثّت في 12 ديسمبر/كانون الأول 2025، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر، الشيخ غزال غزال، إلى العمل على ما أسماه «تقرير مصيرهم» في منطقة الساحل السوري.
وشهدت عدة مناطق في الساحل السوري، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، مظاهرات طالبت بتطبيق اللامركزية والإفراج عن الموقوفين من عناصر وضباط نظام بشار الأسد المخلوع، المتورطين بدماء السوريين.
وجاءت هذه التحركات استجابة لدعوة أطلقها الشيخ غزال غزال، رئيس “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر”، المقيم خارج البلاد.
وخلال الفترة الأخيرة، كرّر حكمت الهجري دعوته إلى استقلال المنطقة الجنوبية من سوريا. مؤكداً أن هذا الخيار بات، بحسب تعبيره، المطلب الوحيد المطروح للتفاوض مع دمشق.
وتزامنت دعوة الهجري الأخيرة الموجهة إلى أبناء الطائفة العلوية في الساحل، مع تصويت مجلس النواب الأميركي بالأغلبية لصالح إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر”، الذي أُقر عام 2019 لمعاقبة نظام الأسد المخلوع على الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري خلال سنوات الثورة.
في المقابل، دعا رئيس المجلس العلوي الأعلى، غزال غزال، إلى إضراب عام وشامل، مطالباً العلويين بالبقاء في منازلهم لمدة خمسة أيام، بدءاً من 8 ديسمبر/كانون الأول 2025، وذلك في بيان مصور نُشر على صفحة المجلس في فيسبوك. كما هاجم الحكومة السورية، مدعيا أنها تجبر المواطنين على الاحتفال قسرا بذكرى سقوط نظام بشار الأسد.
غير أن هذه الدعوات لم تلقَ استجابة تُذكر في المحافظات التي يتركز فيها أبناء الطائفة العلوية، لا سيما في حماة وحمص وطرطوس واللاذقية.
ويرى مراقبون أن التوزع الجغرافي لأبناء الطائفة العلوية، المقيمين في قرى متباعدة ومحافظات متعددة، يجعل من مشاريع الانفصال غير واقعية؛ إذ إن طرح إقامة إقليم منفصل يضم الساحل السوري ومدينتي حمص وحماة وأريافهما، يصطدم بالواقع الديمغرافي المتنوع لتلك المناطق؛ حيث تتداخل مكونات سكانية مختلفة من علويين وسنة ومسيحيين وإسماعيليين ومرشديين.
وفي هذا السياق، أكد الرئيس السوري أحمد الشرع، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، خلال مشاركته عبر تقنية الفيديو في اجتماع موسع ضم فعاليات شعبية ورسمية في محافظة اللاذقية لتعزيز السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي، أن “الجغرافيا السورية مترابطة، ويستحيل أن تكون للساحل سلطة قائمة بذاتها ومعزولة عن بقية البلاد”.
وأضاف الشرع أن “الساحل السوري يمثل أولوية للدولة، لكونه يطل على ممرات تجارية عالمية”. مشيراً إلى أنه “يتفهم المطالب المحقة للناس، إلا أن بعضها مسيّس”.

"حالة استعصاء"
في هذا السياق، بدأت ملامح التراجع التدريجي لتيار حكمت الهجري بالظهور بوضوح داخل محافظة السويداء، لا سيما عقب حملة الاعتقالات التي نُفذت أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2025 بحق معارضين لمشاريعه، وعلى رأسها الدعوة إلى فصل السويداء جغرافيًا عن سوريا، وتأسيس كيان سياسي جديد تحت حماية إسرائيلية.
وخلال تلك الحملة أُعلن عن مقتل الشيخ رائد المتني والشيخ ماهر فلحوط، بعد تعرضهما للتعذيب أثناء احتجازهما لدى مليشيا “الحرس الوطني”، التي شكّلها الهجري في 23 أغسطس/آب 2025.
ووجّهت جماعة الهجري اتهامات للمتني وفلحوط بـ“الخيانة” والتواصل مع الحكومة السورية، وفق بيان صادر عن مليشيا “الحرس الوطني”، زعمت فيه كشف “مؤامرة” تهدف إلى تنفيذ خرق أمني داخلي “خطير” يمهّد لهجوم وصفته بـ“البربري” يستهدف السويداء وأهلها، مقابل مبالغ مالية “ملوثة بالخيانة”. بحسب تعبير البيان.
وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه محافظة السويداء مظاهرات رُفعت خلالها أعلام الاحتلال الإسرائيلي، وصدرت فيها مطالبات بـ“الاستقلال” عن سوريا وفتح معبر نحو الأراضي المحتلة.
وكان ناشطون في السويداء قد أطلقوا، منتصف سبتمبر/أيلول 2025، حملة بعنوان “حق تقرير المصير”، هدفت إلى جمع توقيعات خطية من سكان القرى والبلدات للمطالبة بما وصفوه بحق أبناء السويداء في تقرير مصيرهم.
وسبق ذلك إعلان حكمت الهجري، في 25 أغسطس/آب 2025، مطالبته بإقليم “منفصل”، تزامنًا مع مساعيه لتوحيد الفصائل المسلحة في المحافظة ضمن تشكيل واحد.
غير أن فشل المشروع الانفصالي في السويداء، إلى جانب تأكيد الولايات المتحدة والدول العربية وتركيا على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، دفع الهجري إلى مزيد من تأزيم الأوضاع داخل المحافظة.
ويُضاف إلى ذلك رفض الهجري المتكرر لجميع الدعوات الرامية إلى الدخول في مفاوضات جادة مع دمشق، للتوصل إلى تسوية سياسية تسمح بعودة مؤسسات الدولة السورية إلى السويداء.
ويأتي هذا الرفض رغم إعلان الحكومة السورية، في 16 سبتمبر/أيلول 2025، خارطة طريق بدعم من الولايات المتحدة والأردن، تهدف إلى إرساء المصالحة في المحافظة، وهي الخارطة التي لا تزال جماعة حكمت الهجري ترفضها، وتواصل الدعوة إلى فصل السويداء عن سوريا.
وفي مؤشر واضح على استمرار تصلب موقف الهجري تجاه الانخراط في الدولة السورية الجديدة، رفضت ما تُعرف بـ“اللجنة القانونية العليا في السويداء”، التي شكّلها الهجري، خارطة الطريق لحل أزمة السويداء التي أعلنتها وزارة الخارجية السورية.
وبناءً على هذه المعطيات، يرى مراقبون أن المشروع الذي يقوده الشيخ حكمت الهجري للانفصال عن سوريا يواجه حالة استعصاء حقيقية، كونه يفتقر أولاً إلى غطاء إقليمي أو دولي كافٍ يضمن استمراريته، فضلًا عن تراجع التأييد الشعبي له داخل المجتمع المحلي في السويداء، التي تعيش أوضاعا معيشية صعبة في ظل التوترات الأمنية المتواصلة.

مشروع “الهجري”
في هذا السياق، أكد العميد عبد الله الأسعد، رئيس مركز “رصد” السوري للدراسات الإستراتيجية، في حديث لـ“الاستقلال”، أن المشهد السوري عرف تاريخيًا علاقات تقارب بين بعض الأقليات. مشيرًا إلى أن أبناء جبل العرب وسكان الساحل من الطائفة العلوية اعتادوا، عبر محطات متعددة، شدّ أزر بعضهم البعض في ظروف مختلفة.
وأضاف الأسعد أن هذا الواقع التاريخي “لا يعكس بالضرورة موقف هذه المكونات بأكملها”. موضحًا أنه في كل مرحلة تبرز شخصيات محدودة تحاول استغلال عامل التقارب بين الأقليات، واللعب على هذا الوتر لتحقيق أهداف سياسية أو شخصية.
وأشار إلى أن حكمت الهجري “لا يمثل سوى شريحة ضيقة جدًا داخل السويداء”. لافتًا إلى محاولاته الاستقواء ببعض الأوساط العلوية، إضافة إلى قوات “قسد”، بهدف تأليب الرأي العام وتوظيف خطاب المظلومية وكسب التعاطف، في وقت تستعيد فيه دمشق زمام المبادرة سياسيًا ودبلوماسيًا.
وأوضح الأسعد أن المعطيات تشير إلى وجود ضباط من فلول نظام بشار الأسد المخلوع، ينحدرون من الساحل ومن الطائفة الأسدية، يتمركزون حاليًا في السويداء، ويخضعون لإمرة حكمت الهجري ومليشياته، ويشاركون إلى جانبه في القتال.
وبحسب الأسعد، فإن الهجري يعمل على إثارة ملف “تقرير المصير” للعلويين في الساحل، في محاولة لرفع معنويات عناصر وضباط فلول النظام المنخرطين معه، والحفاظ على ولائهم ومنع تخليهم عنه، في مؤشر على سعيه لحماية مشروعه من أي صدام داخلي محتمل.
وأضاف أن هذه المحاولات تتقاطع مع سلوك قوات “قسد” في المرحلة الراهنة التي تلعب على عامل الوقت، مترقبة ما ستؤول إليه التطورات في السويداء، في ظل حديث متزايد عن وجود تنسيق قائم بينها وبين الهجري.
وختم الأسعد بالقول: إن العلاقات بين بعض الأقليات في سوريا ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها تاريخيًا، “غير أن ذلك لا يعني أن جميع أبناء الطائفتين الدرزية والعلوية يقفون في صف واحد”. مؤكدًا أن هذه الأطراف “لا تمثل سوى شرذمة محدودة تحاول فرض نفسها كلاعب في مشهد بالغ التعقيد، يتزامن مع ولادة سوريا الجديدة”.















