بعد كازينوهات القمار.. لماذا رخصت الإمارات المراهنات رسميا؟

إسماعيل يوسف | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

من المفارقات أن الولايات المتحدة تفرض قيودا على مواقع القمار والمراهنات، وتمنع الإعلان عنها على نطاق واسع، أما الإمارات فتسارع الخطى لترخيص القمار والمراهنات الرياضية وغيرها، وتدشين مواقع إلكترونية متخصصة له.

آخر هذه الخطوات التي تخالف الشريعة وتهدف لجذب كل أنواع المال وغسيل الأموال، إطلاق أبو ظبي يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2025، موقعا إلكترونيا مرخصا للمراهنات الرياضية والألعاب الإلكترونية.

وقبلها كشفت وكالة "بلومبيرغ" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024 أن شركة "وين ريزورتس" حصلت على أول ترخيص لافتتاح صالة قمار تجارية رسمية في الإمارات، بالمخالفة للشريعة الإسلامية التي تدعي أبو ظبي أنها المصدر الأساسي للتشريع.

وتقوم سياسة الإمارات على معادلة اقتصاد منفتح بلا سقف لجب كل أنواع المال والثروات، مقابل خطاب أخلاقي محافظ يُستخدم فقط كغطاء قانوني وسياسي لعقاب المخالفين داخليا.

لماذا إباحة المراهنات؟

يرى خبراء رياضية ومال أن أحد أبرز الأسباب التي تدفع الإمارات لترخيص القمار والمراهنات الرياضية وغيرها هي فتح الأبواب أمام تدفق أي أموال للبلاد سواء كانت من مال حلال أم حرام، مثل المخدرات وغسيل الأموال وغيرها.

فرغم عدم التزام الغرب بقوانين أخلاقية أو دينية فيما يخص المراهنات إلا أن بلدانا عدة، منها الولايات المتحدة تضع قيودا وتمنع المراهنات في العديد من الولايات، ولم يتم السماح بتخفيف هذه القيود إلا بصعوبة.

إلا أن الإمارات تسارع لتغيير قوانينها وفتح الباب رسميا أما إباحة المراهنات غير الشرعية والقمار كي تجذب إليها شركات المراهنات والأموال من كل دول العالم.

ويفسر خبير اقتصادي مصري هذا التوجه الإماراتي إلى ما يقول إنها فلسفة تقوم عليها الإمارات هي أنها "مول تجاري"، أو "سوق مالية" بدون تدفق الأموال عليه سوف يغلق أبوابه.

الخبير الاقتصادي الذي فضل عدم ذكر اسمه، أوضح لـ"الاستقلال" أن أبو ظبي تعد البحث عن المال "فرصة" كي تستمر عجلاتها في الدوران والتنافس في المنطقة بصفتها الأفضل اقتصاديا لجذب الأموال، وتبحث عن عوائد ضخمة موجودة في الرهانات والقمار وغسيل الأموال.

أشار إلى أن شهية جذب الأموال والأجانب، وتحويل الإمارات إلى مركز مالي، ارتبطت بتحويلها أيضا لمركز جذب ترفيهي يحاول تقديم نموذج لـ"اقتصاد المتعة والترفيه" المقترن بإزالة كل القيود الاجتماعية والشرعية.

وتشير تقارير أجنبية إلى أن الإمارات سمحت بذلك الآن، لعدة أسباب أبرزها "تنويع الاقتصاد وجذب الإيرادات"، أي تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط عبر تطوير قطاعات جديدة، تشمل: السياحة والترفيه والرياضة والرياضات الإلكترونية والمنصات الرقمية والمدفوعات عبر الإنترنت.

وأخيرا المراهنات الرياضية كجزء من هذه الإستراتيجية لكسب إيرادات إضافية، حسبما يقول موقع "ذا إمارات تايمز"، في 15 ديسمبر 2025. 

فالأهداف الاقتصادية والإستراتيجية من هذا التحول، هي جذب رؤوس الأموال والاستثمارات، ووجود سوق مراهنات قانونية مرخصة تزيد من الإقبال على الاستثمار في هذه الأنشطة وتحفيز شركات العاب الرياضة العالمية على العمل في أبو ظبي.

ويقول موقع "صناعة القمار العالمي" SCCG، في 28 نوفمبر 2025، إن فتح الإمارات مجالات المراهنات بعد كازينوهات القمار يشير إلى "عصر جديد من المنافسة، وأن القواعد القديمة لم تعد سارية"، ما يعني منافسة الموجودة في سنغافورة وموناكو ومالطا.

توقع أن تصبح الإمارات "ساحة المنافسة الأشد في العالم"، في مجال منح التراخيص للمراهنات والقمار وأن تُصبح السوق جذابة للغاية لشركات الألعاب العالمية العملاقة.

أوضح أكبر الشركات المشغلة والموردة في العالم للقمار المراهنات من لاس فيغاس إلى موناكو إلى لندن، تراقب الآن الإمارات بمزيج من الانبهار والإلحاح.

لكن الموقع يشير إلى "الحواجز الثقافية وحواجز الثقة"، مؤكدا أن "توجه الإمارات نحو تنظيم الألعاب لن يمحو عقودا من المقاومة الثقافية بين عشية وضحاها".

أميركا تمنع والإمارات تبيح

ظل القانون الفيدرالي الأميركي يمنع المراهنات الرياضية فترة طويلة حتى سمح أخيرا لكل ولاية لتشريع ما تراه مناسبا، بسبب أضرار المراهنات الاجتماعية.

وتاريخيا، كان هذا النشاط غير قانوني في الولايات المتحدة، بموجب اللوائح الفيدرالية، وقد أكد قانون حماية الرياضات الاحترافية والهواة لعام 1992 (PASPA) ذلك، حيث قيد إنشاء شركات مراهنات رياضية قانونية في البلاد.

ومنع قانون حماية الرياضيين المحترفين والهواة (PASPA) حكومات الولايات من فرض ضرائب على المراهنات الرياضية، رغم أن هذا كان سيجلب ملايين الدولارات من الإيرادات لو كانت المراهنات الرياضية قانونية، وسعت ولايتا أوهايو وبنسلفانيا لفرض قيود جديدة على المراهنات.

وبحسب بموقع "فورتيس ميديا" الرياضي، في 9 فبراير 2025، يبلغ عدد الولايات التي تسمح بالمراهنات 37 ولاية، لكن لا تزال المراهنات الرياضية ممنوعة قانونا في 12 ولاية أخرى، وكل ولاية تضع قيود في كل الأحوال.

ففي الولايات التي سُمح فيها بالمراهنات، تم سن قانون "لحماية المراهنين من مخاطر الإدمان"، ومنها مجلس شيوخ ولاية نيويورك الذي أقر مشروع قانون ينص على إلزام إعلانات المراهنات الرياضية بتوعية الناس بالآثار الضارة للمقامرة.

وعلى النقيض منحت الهيئة العامة لتنظيم الألعاب التجارية في الإمارات ترخيصها الأول لموقع (منصة) مراهنات وألعاب رياضية عبر الإنترنت، يوم 15 ديسمبر 2025، بحسب موقع "خليج تايمز".

المنصة التي حملت اسم Play971 حصلت على ترخيص رسمي من الهيئة العامة لتنظيم الألعاب التجارية (GCGRA)، الجهة الاتحادية المشرفة على هذا القطاع.

وأصبحت منصة Play971، التي تديرها شركة Coin Technology Projects LLC، أول جهة تحصل على ترخيص رسمي لتقديم خدمات المراهنات الرياضية والألعاب الإلكترونية ضمن هذا الإطار القانوني الجديد.

ويقوم بهذه المراهنات، موقع "بلاي 971"، الذي يعمل بواسطة "شركة مشاريع تكنولوجيا العملة"، وهي شركة ذات مسؤولية محدودة مسجلة في أبو ظبي، مع مقرها الرئيس للأعمال في "توفور 54"، مركز ياس الإبداعي.

وتم إدراج شركة مشاريع تكنولوجيا العملة ذات المسؤولية المحدودة رسمياً كمرخصة تحت فئتي "الألعاب عبر الإنترنت" و"المراهنات الرياضية" على موقع الهيئة العامة لتنظيم الألعاب التجارية.

وهذا هو الترخيص رقم 19 الذي تصدره "الهيئة العامة لتنظيم الألعاب التجارية" منذ إنشائها في سبتمبر 2023، حيث أصدرت تراخيص، لشركات - مثل "ذا غيم"- لليانصيب الإماراتي.

ومنحت ترخيصا لشركة الكازينو “وين ريزورتس” التي يقع مقرها في لاس فيغاس، لإنشاء منتجع فاخر في جزيرة "المرجان" في رأس الخيمة لألعاب القمار بالتعاون مع شركة "راك هوسبيتاليتي القابضة" الإماراتية.

ونشأت "الهيئة العامة لتنظيم الألعاب التجارية"، يوم 3 سبتمبر/أيلول 2023، لتكون الجهة المختصة بتنظيم قطاع اليانصيب والألعاب الرقمية والمراهنات الرياضية، وعينت قدامى العاملين في الصناعة الأميركية لقيادتها، وفقا لوكالة أنباء الإمارات "وام".

وكانت المراهنات بجميع أشكالها محظورة في الإمارات قبل عام 2024، استنادًا إلى نصوص قانون العقوبات الاتحادي.

وهذا الحظر شمل الألعاب الإلكترونية والمراهنات عبر الإنترنت، حتى لو كانت منصاتها خارج الدولة، لكن صدرت قوانين جديدة تُبيح هذه المُحرمات.

وسبق أن كشفت وكالة "بلومبيرغ"، في 7 أكتوبر 2024 أن شركة "وين ريزورتس" حصلت على أول ترخيص لافتتاح صالة قمار تجارية رسمية في الإمارات، بالمخالفة للشريعة الإسلامية التي تدعي أبو ظبي إنها المصدر الأساسي للتشريع.

كما منحت الإمارات رخصا لأندية القمار العالمية وبناء مدن كاملة للميسر، بدعاوى وادعاءات معلنة بجذب السياح والأموال والاستثمارات، ولكن لأهداف آخري سرية تتعلق بغسيل الأموال أو جذب ثروات العصابات والمافيا.

وسبق أن أطلقت "هيئة اليانصيب"، الوحيدة المرخصة في الإمارات، منصتين للمراهنات عبر الإنترنت تقدمان كلا من "الكازينو عبر الإنترنت" و"المراهنات الرياضية للعملاء"، بحسب وكالة "أرابيان جلف بيزنس إنسايتس"، 30 نوفمبر 2025.

والمنصات - التي تحمل اسمي "ترو وين" و"دريم آيلاند" - متاحة حاليًا وتقدم رهانات على رياضات مثل كرة القدم والتنس والكريكيت وكرة السلة بالإضافة إلى ألعاب الموزع المباشر والبوكر والروليت والفتحات.

ويقول موقع "خليج تايمز": إن منح ترخيص مراهنات رياضية، يؤكد اتجاه الإمارات نحو "تنظيم الأنشطة الحساسة عوضا عن تركها في المنطقة الرمادية أو السوق غير المشروع".

كما أن وجود جهة اتحادية متخصصة للإشراف على القطاع يعني "إعادة هندسة قانونية لهذا القطاع".

وفي حكم شرعي لدار الإفتاء المصرية حول "حكم القمار والرهان في بعض الألعاب الرياضية"، قالت: إن "الرهان المعروف الآن سواء أكان رهانًا على سباق الخيل أم غيره من القمار، محرم شرعًا وليس هناك نصوص تبيحه".

أضافت: "دلت النصوص الشرعية على حرمته، لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة، فقد أفضى إلى ضياع أموال كثير من المتراهنين، وخراب بيوتهم، وحمل الكثير من المقامرين على ارتكاب شتى الجرائم من السرقة والاختلاس".

نوادي قمار

وقبل تدشين أول منصات للمراهنات الرياضية، دشنت أبو ظبي سلسلة من نوادي القمار، لجذب الأموال والثروات دون أدني مراعاة لمخالفة ذلك الدين الإسلامي وتقاليد الشعب الإماراتي.

كان أولها يوم 4 أكتوبر 2024 حين أعلنت شركة وين ريزورتس (WYNN.O) المشغلة للفنادق وكازينوهات القمار فتح أول وأضخم صالة قمار، لتنضم لسلسلة قرارات تستهدف محو هويتهم الإسلامية.

قالت في بيان: إنها حصلت على أول ترخيص لفتح كازينو قمار ضخم في دولة الإمارات من قبل ما يُسمي "الهيئة العامة لتنظيم الألعاب التجارية" التي أنشأتها الإمارات خصيصا لتنظيم ألعاب الميسر في البلاد.

ووفقا لوكالة "بلومبيرغ إنتليجنس"، ستبني هذه الشركة منتجعًا متكاملًا لكازينوهات بقيمة 3.9 مليارات دولار في رأس الخيمة من المقرر افتتاحه في عام 2027، ستكون "منطقة قمار" ما يعني تقنين القمار على أراض الإمارات رسميا.

وقد زادت شركة "وين" ميزانية مشروع الكازينو الخاص بها في الإمارات يوم 9 أكتوبر 2024 إلى 5.1 مليارات دولار، أي أعلى بمقدار 1.2 مليار دولار من التقديرات السابقة، وفق موقع "موجز ألعاب القمار الآسيوية" 9 أكتوبر 2024.

وقدرت "بلومبيرغ" عائدات الإمارات من القمار بما يعادل 1.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات.

وبتقديرات تصل إلى 6.6 مليارات دولار تقريبا، وهو ما يتجاوز العائدات المسجلة في كازينوهات قمار سنغافورة التي تسعى الإمارات للتفوق عليها في التحول كمركز للمقامرة.

ويتوقع أن يدر منتجع القمار ما بين 450 و600 مليون دولار من التدفقات النقدية سنويًا، بحسب موقع "ميدل إيست إيكونومي" 28 أبريل/نيسان 2023.

وبجانب كازينو القمار الضخم الذي يجرى بناؤه في جزيرة المرجان الصناعية في رأس الخيمة، ومتوقع الانتهاء بالكامل عام 2027، كشف موقع القمار "casino beats" في 3 سبتمبر 2023 أن ترخيص آخر لكازينو قمار بالقرب من شاطئ جميرا في دبي سيجرى ترخيصه في المستقبل القريب. 

وسبق هذا في 29 يوليو/تموز 2024 منح الإمارات ترخيصا لتنظيم اليانصيب للمرة الأولى، كخطوة نحو إضفاء الشرعية على الكازينوهات وأنواع أخرى من الألعاب؛ حيث أعلنت الهيئة العامة لتنظيم الألعاب التجارية في الإمارات أن شركة تدعى The Game LLC ستعمل تحت مظلة "يانصيب الإمارات".

وقالت: إن الشركة هي "شركة تشغيل ألعاب تجارية متخصصة في تطوير الألعاب وعمليات اليانصيب والمحتوى المرتبط بالألعاب"، وفق موقع قناة "العربية" بالإنجليزية.

وفي عام 2018، افتُتحت السفينة البريطانية الشهيرة “Queen Elizabeth 2” كفندق في دبي بعد إصلاحات كلفت أكثر من 100 مليون دولار، وعلى متنها لا تزال موجودة ماكينات القمار.

وفي العام نفسه افتتح فندق Caesars الذي يقيم نوادي للقمار، فرعا في دبي، وحاليا تتواصل أعمال البناء في مشاريع لشركات كازينوهات مختلفة في الإمارات.

تعد أندية وكازينوهات القمار مكان لأنشطة عديدة مشبوهة أبرزها غسيل الأموال والصفقات الفاسدة والدعارة والخمور، لذا يثير إقدام الإمارات على افتتاح كازينوهات قمار ومنصات مراهنات رياضية تساؤلات حول الهدف الحقيقي منه.

خاصة أن هناك تقارير ومنظمات دولية اتهمت أبو ظبي بأنها باتت أشهر أماكن غسيل الأموال في العالم، والقمار والمراهنات ليست بهدف التسلية فقط واجتذاب السياح وإنما لغسيل الأموال القذرة للمافيا الروسية والعالمية.

ويوم 2 يونيو/حزيران 2022، نقل موقع "يورونيوز" عن مايرا مارتيني مديرة شؤون مكافحة غسل الأموال في منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية، أن الكازينوهات تفضل غالبا "غض الطرف" عن مصادر أموال الزبائن مع ما ينطوي عليه هذا الأمر من مخاطر تسهيل اقتصاد الظل.

وأوضحت كيف يتم غسل الأموال في كازينو القمار والمراهنات؛ حيث يصل زبون إلى كازينو وبحوزته أموال "قذرة"، أي ناجمة عن أنشطة مخالفة للقانون على غرار الاتجار بالمخدرات أو بالبشر، ولن يطرح عليه أحد في المؤسسة أي أسئلة.

وبدءا من اللحظة التي يبدأ فيها الزبون الاشتراك في الألعاب والربح والخسارة، تصبح الأموال مغسولة لأنه يمكنه بالتالي أن يعلن رسميا ما هو مصدرها؛ إذ يصبح لها مصدر محدد.

وسبق أن ذكرت وكالة "أسوشيتدبرس" في 4 سبتمبر/آب 2023 أن لجوء الإمارات لشرعنة القمار يرجع إلى ما هو معروف منذ مدة طويلة من أن الكازينوهات واليانصيب وسيلة لجمع الأموال في الإمارات ويجرى استغلالها لتعزيز قطاع السياحة، خاصة في دبي.

وتتفق "أسوشيتدبرس" و"بلومبيرغ" على أن الكازينوهات والمبالغ النقدية الكبيرة التي تدرها الإمارات تزيد من عمليات غسيل الأموال.