زيارة الشيباني المرتقبة لبكين.. بداية تحول في علاقات دمشق مع الصين؟

منذ ١١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

يستعد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لإجراء زيارة رسمية إلى بكين مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2025، إلا أن هذه الزيارة “لا تبدو كتحرك دبلوماسي اعتيادي، بل أقرب إلى حالة طارئة تستدعي تدخلا عاجلا”. وفق وصف موقع "سوهو" الصيني.

ويرى أن "سوريا، بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب، باتت تعاني من كم هائل من الفوضى، فهي أشبه بسيارة قديمة دمرتها القذائف، لا تعمل ولا يمكن إصلاحها بسهولة، وتلجأ حاليا إلى الصين لإصلاح ما تبقى منها".

وبالتالي، يبدو أن "الرسالة التي يحملها الشيباني واضحة: سوريا تحتاج إلى مساعدة الصين، ليس مساعدة رمزية أو معنوية، بل دعما حقيقيا ملموسا يتضمن استثمارات وموارد فعلية".

مع ذلك، لفت الموقع إلى أن “هناك العديد من التحديات المعقدة والخطوات التي يتعين على دمشق القيام بها، قبل انخراط الصين في دعم المسار السياسي والاقتصادي في سوريا”.

رهان مزدوج 

واستهل الموقع حديثه واصفا الوضع الراهن في سوريا بأنه "مثقل بالجراح"، مشيرا إلى أن "فاتورة إعادة الإعمار تبدأ من 400 مليار دولار، ومع الأخذ في الحسبان التضخم وتكاليف الأمن، فإن الرقم مرشح للارتفاع أكثر".

ومن هنا، فإن "المهمة الأساسية للشيباني في هذه الزيارة هي جذب الشركات الصينية ورؤوس الأموال للمشاركة في إعادة بناء ما دمرته الحرب".

وأشار الموقع إلى أن "هذا التوجه ليس جديدا، ففي عام 2022 وقعت سوريا مذكرة تفاهم للانضمام إلى مبادرة (الحزام والطريق)، آملة في إعادة إحياء علاقاتها الاقتصادية مع العالم، لكن تلك الخطوة بقيت حبرا على ورق، إذ لم تترجم إلى مشاريع فعلية على الأرض".

ويقدر التقرير أن "الوضع اليوم لم يتغير كثيرا، رغم توقف القتال". 

ولفت إلى أن "سوريا لا تزال تعاني من الانقسامات الداخلية، حيث تستمر الفصائل في الشمال في تحدي سلطة الحكومة المركزية، بينما يسيطر أمراء الحرب المحليون على مناطق متفرقة، مما يجعل قبضة دمشق على البلاد شبه معدومة في بعض المناطق".

بعبارة أخرى، يرى الموقع أن "بيئة الاستثمار لا تزال محفوفة بالمخاطر وتفتقر إلى الاستقرار".

وشدد على أن "الدعم الصيني ليس مجرد موقف رمزي، بل أصبح عنصرا حاسما لتمكين سوريا على النهوض مجددا".

من هذا المنطلق، خلص إلى أن زيارة الشيباني "تمثل رهانا مزدوجا، فهو من جهة يسعى للحصول على مساعدات اقتصادية ملموسة، ومن جهة أخرى، يرغب في فتح نافذة دبلوماسية واسعة عبر الصين".

ووفق الموقع، فإن "كلا الهدفين لا يمكن تحقيق أحدهما دون الآخر".

وعلى الجانب الآخر، يرى الموقع أن "تقرب سوريا من الصين يمثل فرصة جيوسياسية لا يمكن تجاهلها".

وأردف: "في ظل تراجع النفوذ الأميركي والروسي في الشرق الأوسط بسبب انشغالهما في قضايا أخرى، فإن أي طرف يتمكن من ترسيخ وجوده في سوريا سيحظى بموقع قوي في المنطقة، وسيصبح قوة مؤثرة في قضايا الإقليم".

واستطرد: "من منظور إستراتيجي أوسع، فإن مشاركة الصين في إعادة إعمار سوريا يمكن أن تفتح لها طريقا مباشرا نحو البحر المتوسط، وتعزز دورها كقوة مؤثرة في قضايا الإقليم".

كما أن الموقع الجغرافي لسوريا، عند نقطة التقاء آسيا بأوروبا، يجعلها حلقة محورية في المسار الغربي من مبادرة "الحزام والطريق".

واستدرك التقرير: "لكن خلف هذه الفرصة تختبئ مجموعة من التعقيدات التي لا يُستهان بها، فالهواجس الصينية تجاه التعاون مع سوريا تبدأ أولا وقبل كل شيء من ملف الأمن".

وذكر أنه "من بين أبرز الهواجس الصينية، وجود شخصيات ذات خلفيات مرتبطة بـ(تركستان الشرقية) في مناصب عسكرية رفيعة داخل الحكومة السورية، وهو ما تعده بكين خطا أحمر لا يمكن تجاوزه".

اليقين السياسي

وقال الموقع: إن "ما يزيد من تردد الصين هو السرعة اللافتة التي غيرت بها حكومة أحمد الشرع ملامحها".

وتابع: "فقد انتقل هذا الرجل إلى شخصية تتصدر المشهد الدبلوماسي كضيف شرف في المحافل الدولية".

ففي مايو/ أيار 2025، التقى الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر وساطة سعودية.

وقدر التقرير أن “هذا الانفتاح الصريح على واشنطن دفع البعض في بكين للتساؤل: هل نحن أمام نظام يتبع من يدفع أكثر؟ وإذا استثمرت الصين بكثافة الآن، فهل تخاطر بأن تجد نفسها لاحقا خاسرة في مقامرة دبلوماسية غير محسوبة؟”

وأضاف: "الصين ليست جديدة على التعامل مع البيئات المعقدة، ففي العراق وجنوب السودان وغيرهما، اعتادت الشركات الصينية تنفيذ مشاريع ضخمة وسط أوضاع أمنية هشة".

غير أن التقرير  رأى أن "الحالة السورية أعقد من ذلك بكثير، فالمسألة لا تتعلق بالأمن فقط، بل بعدم اليقين السياسي أيضا".

وتابع موضحا مقصده: "فإذا غير نظام الشرع اتجاهه مستقبلا ومال إلى المعسكر الغربي، فإن الاستثمارات الصينية ومجمل خططها في سوريا قد تتبدد بالكامل".

وأردف: "لهذا تبدو المعايير الصينية واضحة، التعاون ممكن، لكنه يجب أن يقوم على التزامات سياسية مستقرة، وبيئة استثمارية آمنة، وتوازن واضح في تبادل المصالح".

واستطرد: "أما في غياب هذه العناصر، فلن يكون أمام الصين سوى تبني موقف (المراقب)".

خطوات عملية

رغم كل هذه التحديات، يعتقد "سوهو" أنه "لا تزال هناك مساحة للتعاون بين الصين وسوريا، لكن ذلك يتطلب الانتقال من الأقوال إلى الأفعال".

ويرى أنه "إذا كانت هناك نية حقيقية من الجانب السوري للحصول على دعم صيني، فلا بد من اتخاذ خطوات ملموسة في ملفات أساسية، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب وإعادة بناء منظومة الأمن".

في هذا السياق، يقترح الموقع على حكومة دمشق "نظاما قانونيا وضريبيا موحدا، واستعادة السيطرة الفعلية على كامل الأراضي السورية، إذ إن ذلك سيجعل الشركات الصينية أكثر استعدادا للدخول للسوق السوري".

كما أن تقديم الحكومة السورية "حوافز مثل الإعفاءات الضريبية، وحماية الاستثمارات، وآليات تحكيم واضحة لحل النزاعات، سيساعد في ترسيخ أرضية متينة للتعاون الاقتصادي"، وفق تقييمه.

وفي الوقت الحالي، يقدر الموقع أن بكين "تفضل البدء بخطوات صغيرة مثل إطلاق مشاريع محدودة في مجالات إنسانية أقل حساسية مثل الإغاثة، والصحة، والتعليم، لبناء الثقة وتراكم الخبرات، ثم التوسع لاحقا إلى قطاعات أكثر إستراتيجية مثل البنية التحتية، والطاقة، والاتصالات".

وأشاد "سوهو" بهذا النهج الصيني التدريجي، فهو وفق رأيه "لا يقتصر على تقليص المخاطر، بل يتيح أيضا لمختلف الأطراف داخل سوريا أن تلمس مساهمة بكين الفعلية، مما يعزز شعورها بالحاجة إلى الشراكة ويزيد من رغبتها في التعاون".

ويرى أنه "في الوقت الراهن، لا تزال واشنطن تتبنى موقفا صارما تجاه الملف السوري، خصوصا بعد إعادة انتخاب الرئيس ترامب، حيث اتجهت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط نحو مزيد من التشدد، ما يقلل من احتمالية تخليها عن النفوذ في سوريا ما بعد الحرب".

في ظل هذه المعطيات، أوضح التقرير أن الصين "قد تلجأ إلى أساليب غير مباشرة في تنفيذ استثماراتها، مثل العمل عبر شركات طرف ثالث، أو صناديق تمويل، أو منصات تعاون دولية، لتقليل التعرض المباشر للمخاطر".

وتابع: "ورغم أن هذا النموذج قد يكون أقل كفاءة من حيث السرعة والنتائج، إلا أنه يعد الخيار الأكثر واقعية في ظل الظروف الحالية".

في المحصلة، يرى الموقع أن "زيارة الشيباني إلى الصين لا يمكن اختزالها في إطار زيارة دبلوماسية تقليدية، بل تبدو أقرب إلى محاولة لكسر الجمود وإعادة تشكيل المشهد".

وأضاف: "فسوريا تسعى من خلالها إلى الخروج من أزمتها المركبة داخليا وخارجيا، بينما تدرس الصين ما إذا كانت هذه الشراكة تمثل فرصة إستراتيجية أم فخا دبلوماسيا، حيث قد يكون الفارق بين النجاح والفشل مجرد تفصيل صغير قادر على قلب الموازين".

بالنسبة لسوريا، شدد التقرير على أن "طلب المساعدة لا يكفي، بل يجب أن تظهر أنها تبذل جهدا حقيقيا في ترتيب بيتها الداخلي".

واستطرد: "أما الصين، فهي لا تمانع في مد يد العون، لكن ذلك مرهون بمدى جدوى التعاون، واستقراره، وقدرتها على التحكم في مخرجاته". 

واختتم الموقع قائلا: "مستقبل هذه العلاقة سيحدد بناء على ما إذا كانت سوريا قادرة على تقديم التزامات واضحة وخطوات عملية تعكس نواياها الحقيقية أم لا".