استثمارات شركات النفط في ليبيا.. خطوة نحو التعافي أم عودة للصراع السياسي؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد أكثر من عقد على سقوط نظام معمر القذافي، لا تزال ليبيا منطقة مضطربة تتقاطع فيها مصالح الفاعلين المحليين والقوى الخارجية.

ورغم أن اهتمام وسائل الإعلام يتركز على الصراع المستمر بين حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها أمميا ومليشيا الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، إلا أن الأسباب الجوهرية للأزمة ترتبط إلى حد كبير بالصراع على السيطرة على موارد الطاقة، وفقا لما ذكره موقع "مجلس الشؤون الدولية" الروسي.

وحسب التقرير، تمتلك ليبيا احتياطيات نفطية تقدر بنحو 48 مليار برميل، وهي الأكبر ليس فقط في شمال إفريقيا، بل على مستوى القارة بأكملها. 

وحتى عام 2011، كانت عمليات الإنتاج تخضع لتنظيم مركزي عبر المؤسسة الوطنية للنفط التي تأسست عام 1970.

غير أن الموقع الروسي يرى أن "التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أدى إلى فقدان الدولة السيطرة على الحقول النفطية، مما تسبب في تفكك القطاع، وانخفاض حاد في الإنتاج، وتنامي نشاط السوق السوداء".

ورغم أن الحرب بين معسكر الشرق والغرب انتهت رسميا بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين حكومة الوحدة الوطنية ومليشيا حفتر في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، إلا أن حالة عدم الاستقرار لا تزال قائمة، إلى جانب استمرار التنافس على السيطرة على الموارد الإستراتيجية.

وأشار التقرير إلى أن "هناك نوعا آخر من الحروب غير الرسمية، تتنافس فيها الشركات النفطية متعددة الجنسيات، المدعومة من دولها، على الوصول إلى الأصول النفطية".

وذكر أن "هذا الصراع يتجلى من خلال تمويل سري لجماعات مسلحة، ومشاركة شركات عسكرية خاصة، وعمليات تخريب للبنية التحتية النفطية".

خلافات جيوسياسية

وسلط الموقع الضوء على واقع القطاع النفطي في البلاد بأنه منذ عام 2011، حافظت شركات مثل (إيني) الإيطالية، و(توتال إنرجيز) الفرنسية، و(بي بي) البريطانية، و(إكسون موبيل) و(كونوكو فيليبس) الأميركيتين، على اهتمامها بالقطاع النفطي الليبي.

ولفت إلى أنه "رغم توقيع اتفاقيات رسمية مع حكومة طرابلس، فإن هذه الشركات تتعامل أيضا مع حكومة حفتر في الشرق، ومع جماعات جنوبية تسيطر على حقول رئيسة".

ووفقا للموقع، "يعد التنافس بين (إيني) و(توتال إنرجيز) مثالا واضحا على التنافس الجيوسياسي المستمر بين إيطاليا وفرنسا، اللتين تنافستا تاريخيا على النفوذ، بل وحتى على المستعمرات في شمال إفريقيا".

وتابع: "فشركة (إيني) ترتبط بعلاقات وثيقة مع حكومة الوحدة الوطنية، بينما تتعاون (توتال إنرجيز) بنشاط مع إدارة حفتر".

وبحسب الموقع، "يعكس هذا التباين كيف تمتد المصالح الاقتصادية والمؤسسية لتجسد خلافات جيوسياسية أوسع داخل الاتحاد الأوروبي وصراعا حول رؤية الأمن الطاقي".

أما الشركات الأميركية، فأوضح التقرير أنها "تتبع نهجا أكثر تحفظا، لكنها لا تزال تحتفظ بحصص في الحقول النفطية".

ونوه إلى أن بعض المصادر تشير إلى أن شركات أمنية خاصة مثل "بلاك ووتر" (التي أصبحت تُعرف باسم "كونستيليس") تشارك في حماية المنشآت النفطية الأميركية، ما يدل على وجود تنسيق غير معلن بين الشركات النفطية وشركات الأمن والجماعات المحلية.

ورغم جهود السلطات الليبية لتعزيز السيطرة، قال التقرير: إن "المعطيات تدل على أن القطاع النفطي يظل ساحة للصفقات غير الرسمية، حيث يتم تبادل الأمن مقابل الوصول إلى الموارد".

نشاط متجدد

وهكذا، تعود ليبيا لتلعب دورا مهما في سوق الطاقة العالمي، فبعد سنوات من الحرب الأهلية، وتفكك الإدارة، والمشاكل البنيوية في قطاع النفط، يشهد هذا القطاع نشاطا متجددا.

“إلا أن هذه العودة إلى الساحة الدولية قد ترتد سلبا على ليبيا”. وفق الموقع.

وأوضح أن "حروب النفط بين الشركات لا تزال مستمرة، حيث تعود الشركات الدولية الكبرى، ومعها تعود المخاطر المرتبطة بالانقسام السياسي والتجارة غير القانونية وتدخل الشركات الأمنية الأجنبية".

من زاوية أخرى، قال التقرير: إن "الأرقام تدل على تعافي قطاع النفط في ليبيا، ففي عام 2025، سجلت المؤسسة الوطنية للنفط ارتفاعا في الإنتاج ليصل إلى ما بين 1.3 و1.4 مليون برميل يوميا، مع هدف مستقبلي يبلغ 1.6 مليون برميل يوميا في حال تحقق الاستقرار السياسي". 

وأضاف: "شكل إعلان أول مناقصة لتطوير الحقول النفطية منذ 17 عاما حدثا بارزا، إذ أثار اهتمام 37 شركة دولية، من بينها (توتال إنرجيز)، و(إيني)، و(شيفرون)، و(إكسون موبيل)، و(أو إم في)، و(ريبسول)، وغيرها، ومن المتوقع توقيع العقود قبل نهاية عام 2025".

وتابع: "ومن المبادرات الأخرى التي حدثت خلال الفترة الماضية وتثبت تعافي قطاع النفط الليبي، توقيع شركة (إكسون موبيل) مذكرة تفاهم لمدة عشر سنوات لتنفيذ أعمال الاستكشاف الجيولوجي في أربعة مواقع بحرية".

إضافة إلى "توسيع شركة (توتال إنرجيز) عمليات الاستخراج في حقول الواحة والشرارة، وكذلك تنفيذ أعمال استكشاف في أحواض سرت ومرزق".

كما أطلقت شركة (إيني) مشروعا ضخما لإنتاج الغاز في المنطقة "D" قبالة الساحل الليبي، حيث يُتوقع بدء الإنتاج عام 2026 بمعدل يصل إلى 750 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز يوميا.

وتعقيبا على ما سبق، قال التقرير: إن "هذه الخطوات لا تعكس فقط تنامي الاهتمام بالسوق الليبي، بل تعكس أيضا التوجه الإستراتيجي لأوروبا نحو تنويع مصادر الطاقة، في ظل القيود المفروضة على واردات الطاقة من روسيا".

عدم الاستقرار 

“إلا أن هذا الزخم العالمي بالاستثمار في ليبيا يصطدم ببعض مظاهر عدم الاستقرار، فلا تزال البلاد تعاني من وجود حكومتين متنافستين، ما يعيق الإدارة الفعالة للثروات النفطية ويحول دون توزيع عادل للعائدات”. بحسب الموقع.

علاوة على ذلك، أشار إلى "استمرار الخلافات حول السيطرة على البنك المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط، وآليات صرف رواتب الموظفين الحكوميين".

ولفت إلى أنه "من أبرز مظاهر اللامركزية ظهور شركة (أركينو أويل) الخاصة، المرتبطة بنجل حفتر، والتي تقوم بتصدير النفط خارج إطار المؤسسة الوطنية للنفط".

إلى جانب ذلك، "لا تزال البلاد تواجه عدة معوقات أخرى مثل عمليات تهريب النفط والصفقات التبادلية، والصادرات غير المصرح بها، وسيطرة جماعات مسلحة على البنية التحتية خصوصا في مناطق (فزان) وعلى حدود مناطق النفوذ بين حكومة الوحدة وجيش الشرق، ووجود شركات أمنية خاصة تتولى حماية المنشآت وتؤثر على توزيع الموارد".

وشدد التقرير على أن "هذا الواقع المرتبط بأهم مورد اقتصادي في البلاد لا يخدم حماية السيادة الوطنية، فبينما تسعى الإدارة الليبية عبر المؤسسة الوطنية للنفط إلى فرض رقابة مركزية على الموارد، تظل غالبية الحقول تحت سيطرة شركات خاصة أو جماعات محلية".

وهو ما يعني "بقاء المخاطر القانونية والمالية والبنية التحتية مرتفعة، إذ تُجرى المفاوضات في بيئة سياسية غير مستقرة، حيث يمكن إلغاء الاتفاقيات، أو تعليق الإنتاج بسبب اضطرابات محلية أو صراعات على السلطة، فضلا عن صعوبة ضمان أمن العاملين والمنشآت".

ساحة مواجهة

في المحصلة، يرى الموقع الروسي أن "كل هذه العوامل لا تزال تثني بعض المستثمرين عن الدخول في السوق الليبي، وتسهم في نشوء سوق نفطية موازية، وتزايد نشاط الشركات الأمنية الخاصة في البلاد".

وتابع: "ورغم أن توقيع عقود جديدة، وجذب شركات النفط الأجنبية، وإعلان أول مناقصة منذ سنوات أشياء تدل على تحسن المسار السياسي ويزيد من اهتمام الدول الأوروبية والأميركية بالسوق الليبي، وتعكس استعادة جزئية للثقة في السوق الليبية؛ لكنه في الوقت ذاته يؤدي إلى اشتداد المنافسة على الموارد والنفوذ داخل البلاد".

وحذر الموقع من أن "استمرار الانقسام السياسي وضعف المؤسسات الحكومية يُعزز الصراع على الموارد والبنية التحتية ومسارات التصدير".

ورجح أن "ليبيا ستبقى ساحة مواجهة محتدمة بين شركات الطاقة الكبرى، والدول، والكيانات غير الرسمية".

وأردف: "فحروب النفط بين الشركات لم تعد مجرد نظرية، بل واقع ملموس يتجلى في العقود، وحماية المنشآت، ودور الوسطاء، والصفقات غير الرسمية".

ويعتقد أنه "لكي تتمكن ليبيا من تحقيق تعافى مستدام، لا يكفي فقط زيادة الإنتاج، بل يتطلب الأمر توحيد المؤسسات، وتعزيز الشفافية في الإدارة، وتقليل الاعتماد على القوى الخارجية. 

واختتم الموقع متوقعا أن "تتحول التجربة الليبية إلى نموذج لصراعات مستقبلية في مناطق أخرى غنية بالطاقة لكنها تعاني من هشاشة سياسية".