عبر تركيا والسعودية وإسرائيل.. هكذا "تمنع" أميركا ظهور قوة إقليمية مهيمنة

"النموذج المفضل لدى الولايات المتحدة يقوم على هيكل متوازن للقوة بين تركيا والسعودية وإسرائيل"
"الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة في السياسة الدولية تقوم على الحفاظ على الهيمنة واستمراريتها من خلال منع ظهور قوى إقليمية مهيمنة"
وفي ضوء ذلك يرى موقع "الدبلوماسية الإيرانية" أن "ميزان القوى في الشرق الأوسط بعد طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 خاصة بعد الحرب التي استمرت 12 يوما مع إيران، قد مال لصالح إسرائيل".
واستدرك: "إلا إن النموذج المفضل لدى الولايات المتحدة في المنطقة يقوم على هيكل متوازن للقوة بين تركيا والسعودية وإسرائيل".
وأوضح أنه “في هذا المثلث، تؤدي إسرائيل دور القاعدة؛ إذ تتمتع بتفوق أمني وعسكري على السعودية وتركيا، لكن هذا التفوق يجب ألا يتحول إلى هيمنة”. على حد قوله.

عقيدة أميركا
في هذا السياق، أوضح الموقع أنه يمكن تفسير النهج الأميركي تجاه السعودية من منظور "التوازن الخارجي" أو ما يعرف بنظرية "توازن القوى"، فيما يمكن تفسير مقاربة الرياض تجاه واشنطن من زاوية "سياسة التحوط".
وأضاف أن الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أخيرا إلى واشنطن تكتسب دلالاتها العميقة في إطار افتتاح فصل جديد من العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وتابع أن الإستراتيجية الأميركية تعتمد على مفهوم "التوازن الدائم" في النظم الفرعية والمناطق المختلفة.
وأشار إلى أن "تحقيق هذا التوازن يتم أحيانا بشكل مباشر وأحيانا بشكل غير مباشر وعن بُعد عبر حلفاء الولايات المتحدة".
ولفت إلى أن "القوة المهيمنة لا تفرق بين أي لاعب، إذ تعمل على كبح جماح أي جهة تسعى للهيمنة على المستوى الإقليمي عبر تقوية منافسها لمنع هيمنتها، حتى لو كان هذا اللاعب إسرائيل، الحليف الأقرب للولايات المتحدة والمدعوم من لوبيات يهودية قوية داخل أميركا".
وضرب مثالا على ذلك قائلا: "خلال حرب 1973 بين العرب وإسرائيل، منعت الولايات المتحدة إسرائيل من توجيه الضربة الأخيرة لمصر".
وتابع: “حيث صرح موشيه دايان، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، قائلا: (كنا على وشك توجيه الضربة النهائية لمصر واحتلال القاهرة، لكن (وزير الخارجية هنري) كيسنجر فرض علينا سلاما كان لصالح العرب)”. على حد زعمه.
ويرى الموقع أن "المنطق الأميركي حينها كان واضحا: إسرائيل يجب أن تكون آمنة، وأن تنتصر في النزاعات الإقليمية، لكنها لا تملك حق الهيمنة على الشرق الأوسط".
وأضاف أن "الأمر ذاته ينطبق على بريطانيا وألمانيا وفرنسا في أوروبا، حيث ترى واشنطن أن هذه الدول يجب أن توازن بعضها بعضا ضمن توزيع غير متكافئ للقوة، وكذلك الحال في مناطق أخرى من العالم".

الأعمدة الثلاثة
انطلاقا من هذه النظرية، تسعى واشنطن إلى كبح محاولات إسرائيل فرض هيمنتها على الإقليم، وذلك في أعقاب حروبها الأخيرة ضد قطاع غزة الفلسطيني وإيران ولبنان، فضلا عن تدخلاتها العسكرية في سوريا واليمن وقطر.
وقال الموقع: "من وجهة نظر الإستراتيجيين الأميركيين، فإن ميزان القوى في الشرق الأوسط بعد أحداث 7 أكتوبر، خاصة بعد الحرب التي استمرت 12 يوما مع إيران، قد مال لصالح إسرائيل".
واستدرك: "إلا إن النموذج المفضل لدى الولايات المتحدة في المنطقة يقوم على هيكل متوازن للقوة بين تركيا والسعودية وإسرائيل".
وأوضح أنه "في هذا المثلث، تؤدي إسرائيل دور القاعدة؛ إذ تتمتع بتفوق أمني وعسكري على السعودية وتركيا، لكن هذا التفوق يجب ألا يتحول إلى هيمنة".
وتابع: "لذلك تسعى واشنطن إلى تعزيز موقع السعودية في الشرق الأوسط لتحقيق عدد من الأهداف، على رأسها منع إسرائيل من التحول إلى قوة مهيمنة في المنطقة".
في الوقت ذاته، تريد واشنطن أن "تضمن اصطفاف العالم العربي خلف الولايات المتحدة عبر السعودية بصفتها الدولة العربية المحورية".
بالإضافة إلى ذلك، ترغب أميركا في "الحفاظ على أمن الطاقة في الخليج والسيطرة عليه، والحصول على الدعم السياسي والمالي السعودي لتنفيذ خطة السلام في غزة وتطبيقها على الأرض، وتعزيز مشروع (اتفاقيات إبراهيم) عبر انضمام الرياض إليه".
وتابع الموقع: "كما تسعى واشنطن إلى تأمين النظام الإقليمي الخارجي في الخليج والحفاظ عليه، بما يضمن مشاركة السعودية في أي حرب محتملة ضد إيران أو في جهود احتوائها".
في المحصلة، يمكن القول إن التعزيز الأميركي لدور الرياض يهدف إلى "إشراك السعودية في صياغة النظام الإقليمي المستقبلي إلى جانب إسرائيل وتركيا، وترسيخ (عقيدة الأعمدة الثلاثة) التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب، في إطار مثلث يضم إسرائيل وتركيا والسعودية".
بالنسبة للداخل الأميركي، ترغب واشنطن في "الاستفادة من القدرات المالية والاستثمارية السعودية لدعم الاقتصاد الأميركي".

التحوط الإستراتيجي
في المقابل، "تقوم سياسة السعودية في علاقاتها مع الولايات المتحدة، لا سيما مع ترامب، على أساس سياسة (التحوط) أو (التأمين السياسي)، وهي سياسة تهدف إلى تقليل المخاطر وضمان بقاء النظام السعودي في بيئة إقليمية ودولية مضطربة"، وفقا للموقع.
في هذا الإطار، لفت الموقع الإيراني إلى أنه "رغم سعي الرياض منذ عام 2010 إلى تنويع علاقاتها مع القوى الكبرى، فإنها لا تزال تعد الولايات المتحدة الركيزة الأساسية لضمان بقائها واستقرارها".
مع ذلك، تخشى السعودية “السعي الإسرائيلي نحو الهيمنة الإقليمية”؛ إذ ترى أنه "يمثل تهديدا وجوديا للدول العربية على المدى الطويل".
وبحسب تقييمه، "ترى الرياض أن الحرب الأميركية ضد إيران تهدد استقرار المنطقة، وأن تغيير النظام في طهران ليس بالضرورة في صالح المصالح العربية على المدى الطويل".
لذلك، يعتقد الموقع أن السعودية "تفضل بقاء جمهورية إسلامية ضعيفة ومقيدة يمكن التنبؤ بسلوكها، على انهيار كامل للنظام الإيراني، وتسعى عبر دبلوماسية غير معلنة إلى منع إسرائيل من شن حرب ضد إيران".
بالتوازي مع ذلك يرى أن "الهجوم الإسرائيلي على قطر شكل إنذارا للسعودية وبقية الدول العربية، خاصة في ظل تجربة تخلي واشنطن عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وكذلك موقفها السلبي تجاه الهجوم على منشآت أرامكو".
ووفقا له، "دفعت هذه الأحداث السعودية إلى البحث عن ضمانات أمنية أكثر صلابة واستدامة من الولايات المتحدة".
في هذا الصدد، "تبرز زيارة محمد بن سلمان الأخيرة إلى واشنطن، حيث تفاوض على شراء معدات عسكرية متطورة مثل طائرات (إف-35)، وتعزيز البرنامج النووي السعودي مقابل استثمارات ضخمة تصل إلى 600 مليار دولار مع وعود بزيادتها إلى تريليون دولار".
إلى جانب ذلك، ذكر التقرير أن السعودية "تسعى إلى إيجاد موقع مناسب لها في النظام الإقليمي المقبل وفي النظام الدولي الجديد الذي يتشكل، بما يمنحها وزنا أكبر في المعادلات السياسية والاقتصادية".
وأردف: "تعزيز العلاقات مع واشنطن يمنح الرياض قدرة أكبر على المناورة في مواجهة الحلفاء والخصوم الإقليميين مثل تركيا وإيران وإسرائيل وقطر، كما يعزز موقعها التفاوضي أمام القوى الكبرى الأخرى كالصين وروسيا وأوروبا".
واستطرد: "ترى السعودية أن حالة (اللا حرب واللا سلم) بين إيران وإسرائيل ظرفية ومؤقتة، ولذلك ترسم سيناريوهات متعددة لبقائها، وترى أن ضمان استمرارها في أي سيناريو مرهون بتعزيز روابطها السياسية والأمنية مع الولايات المتحدة".
في النهاية، يشير الموقع الإيراني إلى أن "تحركات السعودية تنبع من رغبتها في لعب دور محوري داخل (النظام الثلاثي) الذي طرحه ترامب، والقائم على شراكة بين إسرائيل وتركيا والسعودية".
غير أنه يقدر أن "هذا النظام لا يزال هشا وغير واضح المعالم، وأن المواجهة المحتملة بين إيران وإسرائيل قد تكون عاملاً حاسماً في انهياره أو تثبيته".















