تكسير عظام متصاعد بأكبر أحزاب المعارضة التركية.. ما القصة؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

دخل حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، بعد انتهاء مؤتمره العام، مرحلةً سياسية حساسة، تتجاوز مجرد تغيير في المناصب لتصل إلى إعادة تشكيل عميقة في موازين القوى الداخلية. 

فالمؤتمر الذي أفضى إلى بروز تحالف ثنائي بين رئيس الحزب أوزغور أوزيل ورئيس بلدية إسطنبول المسجون أكرم إمام أوغلو، كشف أيضا، بحسب اللكاتب التركي "عبد القدير سيلفي"، عن حجم التباينات والانقسامات داخل الحزب، لا سيما بعد أن وجد عدد كبير من النواب أنفسهم خارج دائرة التأثير.

إعادة تموضع 

وأوضح الكاتب التركي في مقال بصحيفة "حرييت" التركية  أن حزب الشعب الجمهوري يمتلك 139 نائبا، إلا أن 23 نائبا فقط تمكنوا من الحصول على مواقع داخل المجلس الحزبي الجديد، الأمر الذي أثار قلق 116 نائبا آخرين.

لا سيما أن المجلس الحزبي هو الجهة المخوّلة بالمصادقة على قوائم مرشحي الانتخابات المقبلة. 

وقد أدى ذلك إلى شعور واسع بين النواب بأنهم باتوا خارج المشهد الجديد أو على أقصى تقدير في موقع هامشي.

وهو ما خلق لديهم هواجس تتعلق بمستقبلهم السياسي وخوفا من استبعاد أسمائهم من القوائم القادمة، إضافة إلى دفع بعضهم للتفكير في إيجاد مسارات أو خيارات سياسية جديدة تضمن بقاءهم.

فالسياسي، وخاصة النائب البرلماني، لا يستطيع العمل بثقة حين يشعر بأن موقعه مهدد، ولهذا يبدو من الطبيعي أن يشهد الحزب تحركات مضادة أو عمليات إعادة تموضع من جانب بعض النواب، بما يعكس المقولة التي تشير إلى أنهم "إما أن يجدوا طريقا أو يصنعوا واحدا".

وبالرغم من أن المؤتمر بدا ظاهريا خطوة تنظيمية، إلا أن نتائجه أحدثت حالة من القلق؛ إذ يدخل الحزب الانتخابات المقبلة اعتمادا على قوائم يحددها هذا المجلس، ما يعني أن استبعادهم من داخله يمهّد لاستبعادهم من البرلمان أيضاً. 

وهكذا تغلغلت مخاوف “التصفية السياسية” داخل الكتلة البرلمانية التي أخذ أفرادها يشعرون بأن مستقبلهم السياسي مهدد بصورة مباشرة.

ورغم أن الفريق المقرّب من أكرم إمام أوغلو حافظ على مواقعه، فإن أغلب المناصب الأخرى شغلها أشخاص اختارهم أوزغور أوزيل حصرا، الأمر الذي جعل قطاعات واسعة من كوادر الحزب تشعر بأنها مستبعدة بشكل متعمّد. 

ويبدو أن القيادة الجديدة لم تتبع أسلوب الاحتواء الشامل، بل حافظت على توازن يعكس شراكة بين قيادتين، مع تهميش الأطراف الأخرى التي تتبنى رؤى مختلفة، سواء كانت من تيار كليتشدار أوغلو السابق أو من المستقلين داخل الحزب. وهذا الأسلوب يزيد من التوترات الداخلية، خصوصا في حزب يقوم تقليديا على تعددية داخلية واسعة وحساسيات سياسية متراكمة.

إن أحد أبرز نتائج المؤتمر كان ظهور فريق اقتصادي جديد يميل بوضوح نحو السياسات الليبرالية، مما شكّل تحوّلاً ملموساً في محور توجهات الحزب الاقتصادية، لا سيما بعد اختيار أسماء مثل أويا كِزيل أونلو التي عملت سابقاً كمساعدة لكمال درويش، بالإضافة إليها تمّ اختيار كريم روطا، وسيركان أوزجان، وغولدم أتاباي، ويالتشين قاراته. 

يعكس هذا الفريق نهجا اقتصاديا أقرب إلى توجهات السوق، وهو خروج واضح عن السياسات الاقتصادية التقليدية للحزب. وإنّ المفارقة هي أن الحزب نفسه، الذي طالما اتهم العدالة والتنمية بـ"انزياح المحور"، بدأ الآن بتغيير محوره الاقتصادي الداخلي بشكل ملحوظ.

“عاشق لجلاده”

وفي موازاة ذلك، انفجرت سجالات حادة بين حزب الشعب الجمهوري وحزب المساواة وديمقراطية الشعوب، وذلك بعد تصريحات أوزغور أوزيل التي شبّه فيها الحزب الكردي بأنه “عاشق لجلاده”. بحسب الكاتب التركي.

وتابع: أعادت الردود الصادرة من قادة حزب المساواة وديمقراطية الشعوب فتح ملفات تاريخية مثل أحداث الشيخ سعيد، ومجازر درسيم، والانتهاكات في فترة الحكم الأحادي، ثم ملفات المفقودين وجرائم التسعينيات التي كان الحزب شريكا في الحكم خلالها. 

وهكذا عاد التاريخ بكل ثقله إلى الواجهة، ووجد حزب الشعب الجمهوري نفسه أمام تساؤل حساس؛ فحين يطلق زعيم الحزب وصف “الجلاد”، من يقصد بالضبط؟ 

هل يقصد الحكومات التاريخية لحزبه؟ أم الدولة التركية؟ أم فترة معينة؟ هذه الأسئلة كشفت هشاشة الخطاب السياسي حين يصطدم بإرث تاريخي معقّد.

وبينما كان الحزب يحاول إعادة ترتيب صفوفه، عاد إلى الساحة خطاب كان قد تسبب سابقا في ابتعاد قطاعات واسعة من المواطنين عنه، وهو خطاب التحقير والنظرة الفوقية للناخبين. 

فقد سبق أن وُصف مؤيدو الأحزاب المحافظة بأنهم “من يحكّون بطونهم”، أو “ذوو الرؤوس الفارغة”، أو أشخاص يبيعون أصواتهم مقابل كيس معكرونة. 

وقد ظن البعض داخل الحزب أن هذه العقلية انتهت، لكنّ تصريحات أوزغور أوزيل الأخيرة عن “الرجل ذو البيجاما” الذي يقضي يومه على الأريكة أمام التلفاز أعادت إنتاج هذا الخطاب من جديد، ما قد يخلق فجوة أكبر بين الحزب و جمهور أوسع يسعى لاستقطابه.

وأشار الكاتب إلى أنه بهذه الصورة، يبدو أن حزب الشعب الجمهوري لا يواجه فقط تحديا تنظيميا، بل أزمة هوية وتوجه. 

فالصراع بين الأجنحة، ومخاوف النواب من التصفية، والتحولات الاقتصادية، والسجالات الحادة مع القوى السياسية الكردية، وعودة الخطاب الفوقي تجاه الشعب، كلها مؤشرات على مرحلة مضطربة قد تمتد آثارها إلى الانتخابات المقبلة. 

وإذا لم يتخذ الحزب خطوات جادة لاستيعاب هذه التوترات، فقد يجد نفسه أمام رد فعل شعبي وسياسي مشابه لما حدث في محطات كثيرة من تاريخه، حيث عبّر الناخبون عن رفضهم داخل صناديق الاقتراع بوضوح لا لبس فيه.