تقرير إسرائيلي: النفوذ الإيراني في شمال إفريقيا يتصاعد وتونس محور القلق

حذّر معهد دراسات إسرائيلي من توسع النفوذ الإيراني في منطقة شمال إفريقيا، داعيا الولايات المتحدة الأميركية للضغط على النظام التونسي خصوصا ودفعه لإعادة تقييم علاقته مع طهران.
وقال “معهد دراسات الأمن القومي”: إن زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى تونس في 10 سبتمبر/ أيلول 2025، تشكل حلقة جديدة في سلسلة تحركات تهدف إلى توسيع النفوذ الإيراني في شمال إفريقيا.
وقد سبق هذه الزيارة قرار مشترك بين البلدين بإلغاء تأشيرات الدخول المتبادلة، وزيارة تاريخية للرئيس التونسي قيس سعيد إلى طهران في مايو/ أيار 2024، وهو ما يعكس رغبة واضحة من طهران في تعميق علاقاتها مع تونس وفتح آفاق جديدة للتعاون.
ومن منظور إستراتيجي، يرى المعهد أنه "بالنسبة للقيادة في طهران، تعد شمال إفريقيا منطقة جيوسياسية بالغة الأهمية، تتيح لإيران تحقيق مجموعة واسعة من الأهداف السياسية والاقتصادية والأمنية".
لذلك، وفي غياب تحرك دبلوماسي وسياسي يمنع سعي إيران من تحقيق أهدافها، يرجح أن يتسع هذ التوجه خلال السنوات المقبلة.

تعزيز الضغط
وترى القيادة الإيرانية أن توسيع نفوذها في شمال إفريقيا عامة، وفي تونس خاصة، يمثل هدفا إستراتيجيا ضمن سياستها الخارجية، انطلاقا من قناعتها بأن هذا التوجه يمكن أن يخدم مصالحها في مجالات متعددة.
ففي المجال الأمني، تقدر طهران أنّ "وجودها في تونس -وكذلك في الجزائر- يتيح لها فرصة لتعزيز الضغط الأمني على المغرب التي تعد في نظرها دولة متعاونة مع الولايات المتحدة وإسرائيل وتشكل التهديد الأكبر لحليفتها الإستراتيجية الجزائر".
"وبناء على هذا التصور تقدم طهران أيضا دعما عسكريا لجبهة البوليساريو التي تخوض صراعا من أجل الاستقلال في الصحراء الغربية، وهو ما يجعل من تعزيز العلاقات مع تونس هدفا يخدم هذا التوجه الإستراتيجي". بحسب المعهد.
إضافة إلى ذلك، تنظر طهران إلى وجودها في تونس، لا سيما قربها الجغرافي من القارة الأوروبية، على أنه "يخدمها في حال أرادت زيادة مستوى التهديد العسكري الموجه نحو أوروبا، خاصة تجاه الدول القريبة جغرافيا (من البلد المغاربي) مثل إيطاليا".
وتحدث المعهد عن التهديدات التي أطلقتها بعض الجهات الأمنية في إيران بشأن إغلاق مضيق جبل طارق، ورغبة البحرية الإيرانية في توسيع نشاطها بالبحر الأبيض المتوسط بما يتيح لها تهديد إسرائيل من الجهة الغربية.
وهي تهديدات "تجعل من تعزيز الوجود العسكري الإيراني المحتمل في تونس خطوة تسهم كثيرا في بناء قاعدة تمكن طهران من تحقيق هذه الأهداف". وفق تقديره.
إلى جانب ذلك أشار إلى أن "إيران ترى أن وجودا عسكريا قويا في تونس يمكن أن يشكل منصة انطلاق نحو توسيع نفوذها في ليبيا التي تبدي طهران أيضا اهتماما متزايدا بها".
كسر العزلة
في البعد السياسي، أفاد المعهد بأن إيران "تسعى إلى تعزيز حضورها السياسي في المؤسسات الإفريقية، وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي، بهدف التصدي للتحركات الإسرائيلية الرامية إلى توسيع نفوذها السياسي والأمني في القارة".
ووفقا له، "يعد التعاون الإيراني مع تونس إلى جانب تعاونها مع الجزائر وجنوب إفريقيا، ركيزة أساسية في هذا التوجه".
في السياق ذاته، لفت إلى أن "توسع إيران في علاقاتها الدبلوماسية يخدم رسالتها الموجهة إلى الداخل الإيراني وإلى المجتمع الدولي، ومفادها أن العزلة السياسية المفروضة عليها ليست فعالة، ويمكن كسرها بسهولة نسبية، والعلاقات المتنامية مع تونس تعد دليلا واضحا على ذلك".
علاوة على ذلك، تحتل إفريقيا مكانة محورية ضمن سعي إيران لتوسيع حضورها في ما يُعرف بـ"الجنوب العالمي" (إفريقيا وأميركا اللاتينية)، في إطار سياسة “التوجه شرقا” التي تهدف إلى مواجهة العزلة المتزايدة المفروضة عليها من خلال توجيه مواردها نحو هذه المناطق.
و"لذلك استثمرت إيران خلال السنوات الأخيرة كثيرا بالتقارب مع الدول العربية، بما فيها تلك التي كانت أو ما زالت تربطها علاقات مع إسرائيل".
وبيّن المعهد أن "إيران ترى في سلوك إسرائيل تجاه غزة ودعم أميركا لها أرضية خصبة لتعميق تعاونها مع الدول العربية، بما فيها دول شمال إفريقيا".
كما أن علاقات إيران الجيدة مع الجزائر التي تجمعها علاقات وثيقة بتونس، تسهّل على طهران التقرب من قيادة الأخيرة وتعزيز نفوذها هناك، وفق قوله.
فيما يتعلق بالقاهرة، يقدر أن إيران "صنفت مصر دولة محورية، لا سيما لقربها من ليبيا". ولهذا الغرض، تعمل طهران سياسيا على توسيع التعاون معها. وفق تقدير المعهد.
في هذا الصدد، اتخذت إيران "خطوة تاريخية" أخيرا بتغيير اسم شارع في طهران كان يحمل اسم خالد الإسلامبولي، الرجل الذي قتل الرئيس المصري أنور السادات، إلى اسم حسن نصر الله، الأمين العام السابق لحزب الله الذي اغتالته إسرائيل.
ورغم تحسن العلاقات بين البلدين يرى المعهد أن "مصر، شأنها شأن دول إفريقية أخرى، تعارض محاولات إيران لإحياء الانقسامات الطائفية أو نشر الفكر الشيعي داخل أراضيها". ويعد طرد الدبلوماسي الإيراني أمير موسوي من الجزائر عام 2018 بتهمة مماثلة مؤشرا على هذا الرفض.

توسيع النفوذ
على الصعيد الاقتصادي، ذكر المعهد أن إيران "تسعى إلى إيجاد شركاء يساعدونها في الالتفاف على نظام العقوبات المفروض عليها".
وكانت العلاقات الاقتصادية بين تونس وإيران محدودة في السابق؛ حيث بلغت قيمة الواردات التونسية من إيران 1.4 مليون دولار في عام 2022، بانخفاض من 4.8 ملايين دولار في عام 2015.
كما تراجعت الصادرات التونسية إلى إيران من 12.58 مليون دولار في عام 2014 إلى 80 ألف دولار فقط في عام 2023.
لكن المعهد يعتقد أن "إنشاء اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين التي تم الاتفاق عليها في أبريل/ نيسان 2025؛ يعكس رغبة إيران في الاستفادة من تونس لتوسيع علاقاتها الاقتصادية والالتفاف على العقوبات الغربية".
"أما في الجانب الديني، فرغم أن عدد الشيعة في تونس لا يتجاوز بضعة آلاف، فإن إيران ترى فيهم منصة لتعزيز نفوذها داخل البلاد". يقول المعهد.
ويضيف: "في المقابل، لا توجد جماعات شيعية مؤثرة في الجزائر وليبيا، مما يثير قلق طهران، خاصة في ظل احتمال حدوث تغييرات سياسية قد تؤثر على علاقاتها مع هذه الدول، لا سيما الأولى".
"لذلك، تسعى إيران إلى توطيد علاقاتها مع الطائفة الشيعية في تونس، بما يضمن لها نفوذا مستقلا عن هوية النظام الحاكم"، بحسب ما ذكره المعهد.
وأردف: "وفي سبيل ذلك، أنشأت إيران مراكز ثقافية في تونس، وتعمل على توسيع نشاط مؤسساتها الدينية، مثل مؤسسة أهل البيت، لتعزيز التواصل المباشر مع المواطنين الشيعة في البلاد".
تحديات متنامية
ويثير التوجه التونسي نحو إيران دهشة المعهد العبري، مبينا أن "تعزيز سلطة الرئيس التونسي قيس سعيد كان يتوقع أن يؤثر سلبا على العلاقات مع طهران بسبب تراجع نفوذ حركة الإخوان المسلمين (النهضة)، وتصاعد التوجه السلطوي تحت قيادته".
إلا أن "عداءه الشديد لإسرائيل، إلى جانب العلاقات الوثيقة التي تربط أخاه، نوفل سعيد، بإيران وبشكل خاص بالطائفة الشيعية (وسط شائعات بأنه هو نفسه شيعي)، فضلا عن التوترات في العلاقات بين تونس والمغرب بالسنوات الأخيرة؛ خلقت أرضية خصبة للنظام التونسي لتعميق التعاون مع طهران". وفق رأيه.
في السياق الإسرائيلي، يشير المعهد إلى أن زيارة عباس عراقجي إلى تونس "تمثل مثالا إضافيا على التحديات المتنامية التي تفرضها إيران، ليس فقط على المستوى الأمني، بل أيضا في ما يتعلق بالنشاط السياسي والديني الموجه".
وتابع: "فرغم التركيز التقليدي على التهديدات المباشرة التي تمثلها إيران لإسرائيل -مثل البرنامج النووي والصواريخ الباليستية ومحور المقاومة الإقليمي والوكلاء المسلحين- فإن هذا التوجه الإيراني الجديد في شمال إفريقيا يستحق الانتباه، خاصة بعد أن تصاعد بشكل ملحوظ خلال عام 2024".
في مواجهة هذا التطور المقلق في العلاقات بين تونس وإيران، يوصي المعهد أن تتحرك إسرائيل على عدة مستويات دبلوماسية.
وقال: "أولا، يجب أن تطالب تل أبيب الإدارة الأميركية باستخدام نفوذها لدى النظام التونسي للضغط عليه من أجل تقليص علاقاته مع طهران".
بالتوازي، يشدد المعهد على ضرورة "تعزيز التنسيق مع الدول العربية المعتدلة مثل مصر والإمارات والسعودية، وكذلك مع دول أوروبية لها مصلحة في استقرار شمال إفريقيا، مثل إيطاليا، والتي تبدي قلقا من توسع النفوذ الإيراني السياسي والأمني في المنطقة".
ووفقا له، فإن "الهدف من هذا التنسيق هو ممارسة ضغط جماعي على الرئيس قيس سعيد وفريقه لاتخاذ خطوات تحدّ من قدرة إيران على ترسيخ نفوذها داخل تونس، بما في ذلك مواجهة المؤسسات الإيرانية التي تهدف إلى بناء علاقات مباشرة مع الطائفة الشيعية في البلاد".

الوكيل الإسرائيلي
في هذا السياق، لفت المعهد العبري إلى "أهمية العلاقة التي تطورت خلال العقود الأخيرة بين إسرائيل والمغرب، الذي يقود جهود مكافحة التوسع الإيراني في شمال إفريقيا".
فالمغرب الذي طبع العلاقات مع إسرائيل عام 2020، “يقود جهودا إقليمية للحد من النفوذ الإيراني”. وفق المعهد.
وهو "ما يجعل من الضروري توسيع هذه العلاقة وتطوير إستراتيجية مشتركة، بالتعاون مع دول أخرى، لكبح جماح إيران في القارة الإفريقية عموما، وفي شمالها على وجه الخصوص".
وفي المرحلة الراهنة، أبرز المعهد "أهمية استغلال انتهاء الحرب في قطاع غزة، التي كانت تعيق التعاون بين إسرائيل والمغرب، من أجل تكثيف الجهود المشتركة بينهما ومع دول إفريقية أخرى".
وذلك "بهدف بناء إستراتيجية متكاملة لمواجهة التدخل الإيراني المتزايد في شمال القارة، وعلى رأسها تونس".
وفي ظل تصاعد التوتر بين إيران والغرب (خصوصا مع الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا بسبب الخلافات حول البرنامج النووي الإيراني)، يرجح المعهد أن "تسعى طهران لتوسيع نفوذها السياسي والأمني في مناطق جديدة حول العالم، مع تركيز خاص على إفريقيا".
















