لماذا تتحفظ السعودية والإمارات على المشاركة في إعادة إعمار غزة؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تسعى مصر وقطر لتكثيف الجهود لبدء المفاوضات بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” حول المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة والتي تتمحور حول عدة بنود، أبرزها مسألة نزع سلاح الحركة، وبدء إعادة إعمار القطاع.

في هذا السياق، توقع موقع "دويتش فيله" الألماني أن "تلعب كل من مصر وقطر دورا محوريا في مستقبل قطاع غزة، بصفتهما الدولتين الموقعتين على اتفاق وقف إطلاق النار".

في المقابل، تُبدي السعودية والإمارات اهتماما بالمشاركة، وإن كان ذلك بشكل أكثر تحفظا، بسبب حسابات تتعلق بمستقبل حركة حماس في قطاع غزة.

“انتصار مصري”

وأبرز الموقع الألماني في مستهل حديثه الدور الرئيس الذي لعبته القاهرة في وقف إطلاق النار بغزة؛ "حيث وُقع الاتفاق على أراضيها وعرض أمام الرأي العام العالمي".

ويقول تيموثي كالداس، الباحث في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، في حديثه إلى الموقع: "من خلال هذا الانخراط، أكدت الحكومة المصرية أهميتها الإستراتيجية لشركائها الدوليين، وستواصل القاهرة استعراض ثقلها الدبلوماسي في المنطقة".

وبحسبه، فإن "السلطات المصرية تحرص على التأكيد بأن انخراطها في ملف غزة يأتي دعما للشعب الفلسطيني، وليس كمساندة سياسية لصالح إسرائيل".

ويضيف كالداس: "يمكن لمصر أن ترى إسقاط فكرة التهجير القسري لسكان غزة إلى مصر والأردن -التي كانت مطروحة سابقا ضمن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب- انتصارا دبلوماسيا لها".

كما أشار إلى أن القاهرة "تسعى للمشاركة في جهود إعادة إعمار قطاع غزة؛ إذ تمتلك قدرات إنشائية كبيرة، لكنها تفتقر إلى التمويل الكافي".

وتابع: "سيرحب المصريون بالتأكيد إذا ما تولى طرف آخر تغطية تكاليف عمل شركاتهم في غزة".

في هذا الصدد، يشير الموقع إلى أن "تقديرات حديثة صادرة عن الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، كشفت أن إعادة إعمار غزة تتطلب نحو 70 مليار دولار، منها 20 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الأولى فقط".

ويعتقد كالداس أن "التزام مصر تجاه غزة سيُكلّل بالنجاح على الأرجح، لا سيما أن البلاد قد حققت بالفعل نجاحا كشريك سياسي واقتصادي مع دول أكثر ثراء".

ففي فبراير/ شباط 2024، وقعت الإمارات مشروعا إنشائيا ضخما في منطقة رأس الحكمة بالساحل الشمالي الغربي قرب مدينة الإسكندرية، بلغت قيمته نحو 35 مليار دولار أميركي.

وفي مارس/ آذار من عام 2025، أعلنت المفوضية الأوروبية عن تقديم قرض ومساعدات مالية لمصر بقيمة إجمالية تصل إلى 7.4 مليارات يورو، فيما تخطط ألمانيا بالتعاون مع القاهرة لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار قطاع غزة.

“قطر لا غنى عنها”

"أما قطر، فقد شاركت في دعم خطة ترامب، مدفوعة أيضا بجملة من المصالح الخاصة". بحسب تعبير الموقع الألماني.

ويقول كريستيان ألكسندر، الباحث في "أكاديمية ربدان" الإمارتية في حديثه إلى الموقع: "حرصت الدوحة على أن تظل لاعبا لا غنى عنه في الوساطة، وهو ما دفعها للمشاركة الفاعلة في جهود السلام".

في هذا السياق، أبرز الموقع علاقات قطر الوثيقة بالولايات المتحدة الأميركية، ففي عام 1996، افتتحت واشنطن أكبر قاعدة جوية لها في المنطقة، قاعدة العديد التي تقع على بعد نحو 30 كيلومترا جنوب غرب العاصمة الدوحة.

وفي عام 2022 صنفت الولايات المتحدة قطر كشريك رئيس من خارج حلف الناتو. 

وتابع: "ومنذ عام 2012، تستضيف قطر -بطلب أميركي- القيادة السياسية لحركة حماس، وتوفر لها قناة اتصال دائمة تتيح لها المشاركة في المفاوضات".

واستدرك: "لكن في مطلع سبتمبر/ أيلول 2025 أثار هجوم إسرائيلي استهدف القيادة السياسية لحماس في الدوحة شكوكا لدى القيادة القطرية بشأن مكانتها كحليف مفضل للولايات المتحدة، وكذلك حول دورها كوسيط في النزاع".

ومع ذلك، يرى الباحث بالمركز الإماراتي أن قطر "لا تستطيع ممارسة سوى ضغط محدود على حماس".

وزعم قائلا: "تقبل الدوحة فكرة أن على حماس في نهاية المطاف نزع سلاحها وتسليم السيطرة على غزة، لكن الضغط على القيادة السياسية للحركة لطردها فورا دون اتفاق شامل سيُفقد قطر ذلك النفوذ الذي يجعلها وسيطا محوريا".

بالإضافة إلى ذلك، أشار الموقع إلى أن "قطر تولي أهمية كبيرة لضمان أن تمنع الولايات المتحدة أي هجمات إسرائيلية محتملة مستقبلية على أهداف داخل الأراضي القطرية، ما يعزز من موقعها كوسيط آمن وقادر على إدارة الأزمة".

السعودية والإمارات

في المقابل، ذكر الموقع الألماني أنه "لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت دول الخليج الأخرى ستنخرط فعليا في دعم خطة ترامب، أو بأي شكل سيكون هذا الانخراط".

وعزا ذلك إلى ما كشفته صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية في السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الثاني 2025، من أن السعودية والإمارات والبحرين وجهوا تحذيرا إلى البيت الأبيض مفاده: "طالما أن حماس تحتفظ بسلاحها، فلن ندعم خطة وقف إطلاق النار وإعادة إعمار القطاع".

ورغم أن الإمارات ليست وسيطا مركزيا في الملف مثل قطر أو مصر، إلا أنها، بحسب الباحث كريستيان ألكسندر، "تقدم دعما دبلوماسيا وماليا مهما لخطة ما بعد الحرب".

"أما السعودية، القوة الإقليمية الكبرى، فمع أنها لم تكن في الصفوف الأمامية خلال توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في مصر، لكنها لعبت دورا حاسما وراء الكواليس". بحسب ما يقول سيباستيان سونز.

ويضيف أن "اتفاق وقف النار الحالي يمثل نجاحا دبلوماسيا غير مباشر للسعوديين أيضا؛ لأن الرياض تسعى لاستقرار غزة والمنطقة بأسرها".

وأردف: "هذا الاستقرار ضروري لمساعي السعودية الاقتصادية التي تعمل منذ سنوات على تنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد التقليدي على النفط".

"ورغم ذلك، لا تُظهر السعودية حتى الآن رغبة في الانخراط بشكل واسع في قطاع غزة". يقول الموقع.

ويكمل: "لكنها قد تبدي استعدادا لتدريب قوات فلسطينية بالتعاون مع مصر والأردن، بدلا من إرسال قواتها إلى القطاع".

وبحسب رأيه "تريد السعودية قبل كل شيء ضمان ألا تلعب حماس دورا كبيرا في غزة".

لكنها في الوقت نفسه "لا تعد السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس شركاء موثوقين بشكل خاص".

في سياق متصل، تحدث الموقع عن ملف التطبيع بين السعودية وإسرائيل قائلا: "يبقى السؤال مطروحا حول ما إذا كانت إسرائيل والسعودية ستستأنفان المحادثات التي تدعمها الولايات المتحدة بشأن تطبيع العلاقات، على غرار (اتفاقيات إبراهام)".

وتابع: "فقد توقفت الجولة السابقة من المفاوضات منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023".

وذكر أن السعودية "تشترط أن يمثل تطبيع علاقتها مع إسرائيل بداية مسار جدي نحو حل الدولتين، لإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، وهو ما أكّدته الرياض علنا مرات عديدة، ما يجعل من الصعب التراجع عن هذا الموقف دون خسارة وجه سياسي".

أما ترامب، فيرى الموقع أنه "لا يزال يؤمن بإمكانية التوصل إلى اتفاق سعودي إسرائيلي".

ففي مقابلة حديثة مع قناة "فوكس" الأميركية، قال: "آمل أن تنضم السعودية، وآمل أن تنضم دول أخرى أيضا".

واستدرك الموقع: "إلا أن الشرط الأدنى الذي تطالب به السعودية -وهو توفير منظور واقعي لإقامة دولة فلسطينية- ما زال مرفوضا بشكل صارم من الحكومة الإسرائيلية حتى الآن".