أوزغور أوزيل يصعد وكليتشدار أوغلو على المحك.. معركة القيادة تتجدد داخل حزب أتاتورك

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

بينما يواجه حزب "الشعب الجمهوري" التركي قضايا تتعلق بالرشوة والفساد والاختلاس في ساحات القضاء، اختار أن يعقد مؤتمره العام تحت شعار "القدوم إلى السلطة"، وذلك في محاولة لمنح قواعده دفعة معنوية وإعادة تشكيل سرديته السياسية. 

ونشرت صحيفة "حرييت" مقالا للكاتب عبد القادر سيلفي، تحدّث فيه عن المرحلة التي يمر فيها الحزب المعارض؛ حيث تُعَدّ واحدة من أكثر المراحل تعقيدا، فأزماته القضائية تتقاطع مع تحوّلاته الداخلية الحادة. 

ذكريات مشابهة

ورغم الانتقادات التي شبّهت هذه الطموحات بـ"الصفير في الظلام"، فإن هذا التوجه أظهر قدرة الحزب على استخدام أدوات الاتصال السياسي لتثبيت صورة مختلفة عن واقع الضغوط التي يتعرض لها.

والمشهد الحالي للحزب يعيد ذكريات مشابهة من تاريخ اليسار التركي، مثل انهيار الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشعبي في فترة فضيحة "إسكي"، حين انهار الحزب انتخابيا وتراجع من 29 بالمئة إلى 21 بالمئة. 

وأضاف الكاتب التركي: "لقد تمكّن حزب الشعب الجمهوري هذه المرّة من تحويل الأزمة المرتبطة بقضية الفساد المحيطة بأكرم إمام أوغلو إلى ورقة قوة؛ إذ استطاع استثمار الضغوط القائمة لإعادة ترتيب صفوفه داخليا، الأمر الذي منحه تفوقا معنويا وفتح الطريق أمام صعود أوزغور أوزيل إلى رئاسة الحزب". 

واستطرد: “هذا التحول يعكس بوضوح كيف يمكن للأزمات، حين تُدار بمهارة سياسية، أن تتحول من تهديدات إلى فرص تعزز النفوذ داخل الحزب”.

على الجانب الآخر، يكشف موقف الرئيس السابق للحزب كمال كليتشدار أوغلو وجها مختلفا من المشهد. وفق سيلفي.

وأوضح أنه “رغم ابتعاد كليتشدار أوغلو عن تفاصيل ما يجري داخل أروقة الحزب، لم يُظهر سوى اعتراض واضح على ربط اسم حزب الشعب الجمهوري بالفساد والسرقة والرشوة، مطالبا بعملية تطهير ومحاسبة شاملة تعيد للحزب سمعته”. 

ورغم أنه تعرّض لانتقادات واسعة طوال فترة رئاسته، فإن كثيرين يعترفون اليوم بأنه كان سياسيا نظيفا لم يساوم على قضايا النزاهة، وأن استياءه من الزج باسم الحزب في قضايا فساد كان موقفا منطقيا ومفهوما.

لكن هذا الموقف الأخلاقي لم يمنحه أية حماية؛ بل وجد نفسه أمام موجة هجوم عنيفة وصلت أحيانا إلى مستوى الإهانة الشخصية. 

وكان أكثر الضربات قسوة تلك التي جاءت على لسان أوزغور أوزيل خلال خطابه في المؤتمر، حين تحدث عن ضرورة تطهير الحزب من "نهج" يبرر التعاون مع السلطة أو يبحث عن نفوذ خارج الهياكل الحزبية، في إشارة واضحة إلى كليتشدار أوغلو. 

وقد قرأ كثيرون هذه التصريحات بوصفها إعلانا مباشرا بأن القيادة الجديدة لم تعد ترى مكانا له داخل الحزب. 

لكن المفارقة الدرامية هي أن الشخص الذي يقف اليوم في مواجهته هو ذاته الذي بكى خلفه يوما ما أثناء إحدى محطات مسيرته السياسية، يقول الكاتب سيلفي.

أخطاء الماضي

وفي خضم هذه التحولات السريعة، بدا وكأن الحزب وجد "كبش الفداء" الذي يحمل وحده مسؤولية التراجع والاضطراب. 

فبدل التركيز على القضايا المرتبطة بشبكات الرشوة والاتهامات التي تنال فريق إمام أوغلو، تحوّل الاتهام بشكل غير مباشر نحو كليتشدار أوغلو، وكأنه هو من تسبب في تلطيخ صورة الحزب. 

وهذا يثير سؤالا سياسيا مهما: هل ما يجري محاولة حقيقية لمعالجة أزمة داخلية، أم هو إعادة توزيع محسوبة للمسؤوليات بهدف حماية أطراف أخرى داخل الحزب؟

وبحسب الكاتب التركي، فإن انتهاء المؤتمر لم يُنهِ الجدل الدائر، بل فتح فصلا جديدا يتعلق بمستقبل كليتشدار أوغلو نفسه. فالتاريخ الحزبي يعيد إلى الذاكرة ما حدث عام 1966 حين تحدث بولنت أجاويد عن “الأعداء الداخليين”، وما تبعه من انشقاقات كبيرة غيرت وجه الحزب. 

واليوم يبرز السؤال ذاته بصيغة جديدة: هل سيبقى كليتشدار أوغلو داخل الحزب ليخوض معركة داخلية جديدة؟ أم سيغادر ليؤسس كيانا سياسيا موازٍ؟ أم سيختار الانسحاب والصمت؟

الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد مستقبل موازين القوى داخل المعارضة التركية وتوجهاتها في المرحلة المقبلة.

وفي موازاة ذلك، يظل الجانب التنظيمي للمؤتمر مهما في قراءة التحوّل. فقد رسّخ أوزغور أوزيل حضوره بقوة، بينما واصل إمام أوغلو إدارة المشهد من موقعه، محافظا على نفوذ فريقه، ورافعا من حضور المؤسّسات المرتبطة به مثل “مكتب المرشح الرئاسي” و“مركز إنتاج السياسات”. 

ومع إدراج هذه الهياكل في النظام الداخلي للحزب، أصبحت الازدواجية القيادية شأنا مؤسسيا لا مجرد صراع شخصي، وهذا يثير تساؤلات حول تماسك الحزب، خاصة أنه كان دائما يدافع عن النظام البرلماني، لكنه الآن يتبنى نموذجا تنظيميا أقرب إلى منطق النظام الرئاسي.

ورغم اعتراضات نواب سابقين وشخصيات حزبية طالبت باستبعاد أسماء وردت في لائحة اتهام "المنظمة الإجرامية" التابعة لإمام أوغلو، إلا أن القيادة الجديدة تجاهلت تلك المطالب، بل وأعادت تثبيت تلك الشخصيات في مواقع متقدمة داخل الحزب. 

بذلك فإنّ هذا القرار يعكس رغبة واضحة في حماية شبكة النفوذ القائمة، بدلا من إعادة هيكلة الحزب وفق خطاب "التطهير" الذي يرفعه القادة الجدد.

وختم الكاتب مقاله قائلا: "يبدو أن حزب الشعب الجمهوري ماضٍ في مرحلة إعادة تشكيل عميقة، تتداخل فيها الحسابات الأخلاقية مع الحسابات السياسية، وتتصارع فيها شرعيات قديمة مع طموحات جديدة، وإن لم تُدَرْ هذه المرحلة بحكمة، فقد تتحول من فرصة للتجديد إلى بداية انقسام جديد يكرر أخطاء الماضي".