تركيا تسعى لإحياء سكة حديد الحجاز مع السعودية.. هل يسمح لها الغرب؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تُعد منطقة غرب آسيا إحدى أهم العقد الحيوية في شبكة التجارة العالمية، وعنصرا أساسيا لا يمكن الاستغناء عنه في مستقبل الاقتصاد الدولي. 

وانطلاقا من هذه المكانة، تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين إلى تعزيز نفوذها الإستراتيجي في المنطقة.

وفي الوقت ذاته، تعمل دول غرب آسيا على تحديث بِنْيتها التحتية بما يتماشى مع التحديات الراهنة وطموحاتها الإقليمية. 

وفي هذا السياق، تبرز تركيا بمشروعها الطموح لإحياء خط سكة حديد الحجاز، ذلك الخط التاريخي الذي كان يربط أنقرة بالمدينة المنورة مرورا ببلاد الشام.

وبحسب موقع "تيليبوليس" الألماني، فإن إنشاء هذا الطريق قد يُحدث "ثورة في حركة التجارة ورحلات الحج، محذرا في الوقت نفسه من أن "الغرب قد يقف حجر عثرة أمام هذا المشروع".

مشروع استثنائي

في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، أطلق سلطان الدولة العثمانية عبد الحميد الثاني مشروعا استثنائيا تحت اسم سكة حديد الحجاز.

"ورغم أنه بدا في ظاهره مشروعا للبنية التحتية، فإنه حمل دلالات رمزية حول الوحدة إسلامية، فقد كان هدفه الحفاظ على وحدة الإمبراطورية العثمانية في وقت كانت فيه السيطرة على الأراضي العربية تتراجع تدريجيا". يقول الموقع.

ويتابع: "انطلقت سكة الحجاز من دمشق، التي كانت محطة رئيسة للحجاج في طريقهم إلى مكة والمدينة، وقد أسهم الخط في تقصير زمن الرحلة البرية بشكل ملحوظ، مما عزز وحدة المسلمين تحت راية الخلافة العثمانية في إسطنبول".

"امتد الخط على طول 1,322 كيلومترا، رابطا بين ولايات عثمانية متفرقة، كما كان يُنتظر أن يحسن من القدرات اللوجستية العسكرية للدولة". وفق الموقع.

وقد تولى مهندسون ألمان تصميم المشروع الذي دخل الخدمة رسميا في الأول من سبتمبر/ أيلول 1908.

واستدرك: "لكن عمر المشروع كان قصيرا؛ إذ تسارع انهيار الدولة العثمانية مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، ومع انطلاق الثورة العربية التي دعمتها بريطانيا بقوة، أصبحت سكة الحجاز هدفا رئيسا لعمليات التخريب التي حظيت بدعم حاسم من لندن".

وأضاف: "مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، طُمرت سكة حديد الحجاز تحت رمال الصحراء، وبموجب اتفاقية سايكس بيكو، كانت فرنسا وبريطانيا قد اقتسمتا بالفعل الجزء الغربي من غرب آسيا فيما بينهما".

عودة بين 100 عام

واليوم وبعد قرابة 100 عام على انهيار المشروع العثماني، تشهد المنطقة تحولات جديدة، ويعود الاهتمام بسكة الحجاز إلى الواجهة؛ إذ ذكر التقرير الألماني أنه "يجري حاليا إحياء هذا المشروع الطموح للسكك الحديدية بالتعاون المشترك بين تركيا وسوريا والأردن والمملكة العربية السعودية".

ففي سبتمبر/ أيلول 2025، أعلن وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو خلال اجتماع في عمّان أن أولى الخطوات العملية لإعادة تشغيل سكة الحجاز قد بدأت بالفعل.

وبحسب الموقع، اتفقت تركيا وسوريا والأردن على استكمال الجزء الناقص من الخط، والذي يبلغ طوله 30 كيلومترا داخل الأراضي السورية، والعمل معا على تحسين الربط مع شبكات النقل الدولية. 

وأردف: "المشروع يركز بشكل خاص على الوصول لمدينة العقبة، الميناء الأردني على البحر الأحمر، الواقع بجوار مدينة إيلات الإسرائيلية".

وأوضح التقرير أن "مثل هذا الربط سيُحسن وصول أنقرة إلى الأسواق الإفريقية، بينما يمنح الأردن وسوريا عبر تركيا طرقا أقصر نحو الممرات الأوروبية والآسيوية".

حيث أفاد بأن أنقرة "تخطط لدمج أجزاء من خطوطها الحديدية القائمة ضمن المسار الجديد".

وتوقع التقرير أن "يمتد الممر الكامل بين إسطنبول والمدينة المنورة يوما ما لمسافة تقارب 3,200 كيلومتر".

وذكر أنه "في المرحلة الأولى من المشروع، يُخطط لبناء نحو 1,700 كيلومتر، على أن يبدأ التنفيذ عام 2026".

واستطرد: "أما الجزء الممتد من الأردن إلى المدينة المنورة، فيجري إعداد بروتوكول منفصل بشأنه بالتنسيق مع السعودية".

في الوقت ذاته، رأى الموقع الألماني أن "هناك بعض النقاط لا تزال غير واضحة، كمسألة التمويل وآلية إشراك أطراف أخرى".

وتابع: "أما على أرض الواقع، فلا يُعرف حتى الآن أين سينتهي الخط الجديد، فإسطنبول تُعد نقطة انطلاق طبيعية، بينما المدينة المنورة، على الرغم من مكانتها الروحية كأقدس مدينة بعد مكة، لا تمتلك ميناء، ولم تعد الرحلات البرية للحجاج ذات أهمية تُذكر".

في المقابل، يقدر الموقع أن "جدة تبدو خيارا أكثر منطقية؛ إذ تقع على بعد 80 كيلومترا من مكة وتتمتع بمنفذ مباشر إلى البحر الأحمر".

"ومن هناك، يُمكن لميناء بورتسودان، المقابل تقريبا على الضفة الأخرى من البحر الأحمر، أن يشكل بوابة نحو القارة الإفريقية". وفق قوله.

مع ذلك، أقر التقرير أنه "مجرد حتى التخطيط أفرز نتائج إيجابية، فقد اتفقت تركيا وسوريا والأردن على أسس تعاون شامل في مجال النقل".

واستطرد: "كما أُعيد بعد 13 عاما تشغيل حركة الشاحنات بين تركيا والأردن عبر الأراضي السورية".

وبالتالي، خلص الموقع إلى أن "إعادة بناء سكة حديد الحجاز ليست مجرد حنين للماضي، بل قد يتحول المشروع إلى استثمار إستراتيجي يُعيد رسم مستقبل البنية التحتية الحديثة في المنطقة".

طموحات تركية سعودية

وسلط الموقع الضوء على أهمية هذا المشروع لتركيا قائلا: "تحمل سكة حديد الحجاز بالنسبة لأنقرة دلالات أيديولوجية عميقة؛ فهي ترمز في آن واحد إلى العثمانية الجديدة والوحدة الإسلامية، وتُعزز مطالبة أنقرة بدور القوة الإقليمية الأولى في غرب آسيا".

وتابع: "أما السعودية، فهي بدورها تُبدي طموحات مشابهة، ما يجعلها معنية بالمشروع أيضا".

وحول العقبات التي قد تحول دون إتمام المشروع، قال التقرير: "أكبر العقبات التي تواجه إعادة بناء سكة الحجاز تكمن في الوضع السوري، فبعد عقد من الحرب، دُمرت البنية التحتية للسكك الحديدية في البلاد".

 أما التحدي الثاني فيرى الموقع أنه “سياسي؛ إذ لا يزال من غير المؤكد هل ستنجح القيادة الجديدة في دمشق في تأسيس جمهورية موحدة، أم ستظل البلد عرضة لمزيد من الانقسام؟”

فضلا عن ذلك، لفت الموقع إلى أن "مصير المشروع يعتمد بالأساس على قدرة الأطراف المعنية على توفير التمويل الدولي".

"هذا، إلى جانب عقبات تقنية مثل اختلاف مقاييس السكك الحديدية، وأنظمة الإشارات، ومعايير القاطرات".

لكن بحسب تقديره، فإن العائق الأكبر يتمثل في الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل؛ إذ رجح أن "تواجه الخطة معارضة قوية من واشنطن وتل أبيب، فيما يُستبعد أن يبدي الاتحاد الأوروبي دعما يذكر لهذا المشروع".