هل أصبحت إسرائيل ولاية أميركية تحت وصاية ترامب؟ صحيفة عبرية تجيب

منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

وصفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إسرائيل بـ "الولاية الـ 51 للولايات المتحدة الأميركية"، متحدثة عن تحكم واشنطن بها بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة خلال أكتوبر/تشرين الأول 2025.

وأوضحت الصحيفة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الإمبراطور وأن مبعوثيه ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر هما "القنصلان الرومانيان"، أما إسرائيل فهي "التابعة"، وفق وصفها.

وأكدت أن ترامب أصبح العامل الحاسم في السياسة الإسرائيلية، "فهو يتخذ القرارات من وراء ظهرها، ويعاقبها إن لم تمتثل، مما يعني أن تل أبيب تفقد استقلالها بشكل تدريجي".

وشددت على أنه في محيط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يُنظر إلى هذا التعاون على أنه "يضاعف القوة"، لكن الواقع يكشف عن صورة أكثر تعقيدا.

فقد شهدت المرحلة الأخيرة توبيخات أميركية علنية، ولقاءات مباشرة بين مسؤولين أميركيين وحركة المقاومة الإسلامية حماس، وفرض اتفاقيات على إسرائيل، وإجبارها على تقديم اعتذارات، إلى جانب رقابة لصيقة على تحركاتها السياسية، وفق الصحيفة.

تحت الوصاية 

وانتقدت السياسة الخارجية لترامب قائلة: "في الأشهر الأخيرة، بدا أن الرئيس الأميركي يسعى لتوسيع حدود بلاده بشكل غير تقليدي".

فقد أعلن أن كندا ليست أكثر من مقاطعة، وعرض عليها الانضمام كولاية جديدة إلى الولايات المتحدة، كما أبدى اهتماما بضم جزيرة غرينلاند إلى بلاده.

"لكن في الواقع، يتجاهل ترامب أن هناك دولة أخرى في العالم تدار فعليا وكأنها تابعة للولايات المتحدة دون أن تكون جزءا رسميا منها، وهي إسرائيل"، تقول الصحيفة.

وتضيف: "نشهد حاليا ظاهرة غير مسبوقة منذ تأسيس دولة إسرائيل (1948)، فقد تحولت فعليا إلى دولة تحت الوصاية الأميركية، فيما أصبحت حكومة بنيامين نتنياهو بمثابة تابع شخصي للرئيس ترامب".

وترى أن "المؤشرات الأولى لهذا التحول بدأت عندما وقع ترامب، من خلف ظهر إسرائيل، اتفاقا أحاديا مع الحوثيين (يقضي بعدم استهداف السفن الأميركية)، دون أن يتضمن أي بند يطالبهم بوقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل".

"ثم تابع ذلك بإجراء مفاوضات مباشرة مع الرئيس السوري أحمد الشرع، ما أثار دهشة واستياء القيادة الإسرائيلية"، وفقا لها.

وترى الصحيفة أن "الأمور بلغت ذروتها في اليوم الأخير من حرب الـ12 يوما مع إيران (في يونيو/حزيران 2025)، حين وجه ترامب توبيخا علنيا لإسرائيل بسبب جرأتها على إرسال عشرات الطائرات لقصف أهداف إيرانية، ردا على خرق إيران لوقف إطلاق النار وإطلاقها ثلاثة صواريخ".

وتابعت: "حينها، عندما أصدر ترامب تعليماته، اضطرت إسرائيل إلى سحب طائراتها والاكتفاء بضربة رمزية استهدفت رادارا".

كما تجلى هذا النهج في رد ترامب على موقف حركة حماس من مقترحه لوقف إطلاق النار، حيث ردت الحركة بـ "نعم" غامضة مليئة بالتحفظات.

لكن الرئيس الأميركي عدها موافقة كافية للمضي قدما في خطته، مما أجبر إسرائيل على الالتزام بها رغم تحفظاتها، بحسب ما ذكرته الصحيفة.

وأشارت إلى أنه في حادثة أخرى، فوجئت تل أبيب عندما علمت أن آدم بوهلر مبعوث ترامب لشؤون الرهائن "عقد لقاء سريا مع قيادات من حركة حماس، في خطوة تتعارض مع السياسات الرسمية لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل".

إضافة إلى ذلك، "شهدت محادثات شرم الشيخ (خلال أكتوبر 2025) لقاء بين ويتكوف وكوشنر مع القيادي في حماس خليل الحية، حيث صافحوه وشاركوا في تقديم التعازي بمقتل نجله في غارة إسرائيلية على الدوحة" في سبتمبر من نفس العام.

وأردفت: "ولم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد، إذ تعرض نتنياهو لموقف محرج خلال مكالمة هاتفية مع رئيس وزراء قطر (الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني)، حضرها مسؤول قطري رفيع".

وأثناء لقائه بترامب في واشنطن، اتصل نتنياهو نهاية سبتمبر برئيس الوزراء القطري واعتذر له، متعهدا بالامتناع عن مهاجمة قطر مجددا.

واستطردت الصحيفة: "كما واصل ترامب احتضانه للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لا يتوقف عن التحريض ضد إسرائيل، ومن ثم تبين لاحقا أن واشنطن تدرس بيع طائرات إف-35 له".

واسترسلت: "بل إن الولايات المتحدة سمحت لهيئة الإغاثة الإنسانية التركية، المتهمة بالضلوع في حادثة سفينة مرمرة (عام 2010)، بإدخال مساعدات إنسانية إلى غزة والمشاركة في جهود إعادة الإعمار".

أما فيما يتعلق بوقف إطلاق النار بغزة، "فقد أصدرت واشنطن تعليمات مباشرة لإسرائيل بشأن وقف المساعدات الإنسانية وإغلاق المعابر، لتقلب الأخيرة موقفها بشكل مفاجئ وتعلن استئناف إدخالها ووقف القصف، مع الإبقاء على إغلاق معبر رفح حتى تُحسم قضية استعادة جثث القتلى".

ورغم إقرارها أن "الاتفاق الذي فرضته الولايات المتحدة أدى إلى استعادة 20 رهينة على قيد الحياة دفعة واحدة -وهو إنجاز يُحسب لترامب- فإن الاتفاق نفسه اتضح أنه مليء بالثغرات، بل وُصف بأنه مهمل إلى حد كبير".

فمن وجهة نظرها، "ترك اتفاق شرم الشيخ قضية استعادة الجثث غامضة، ولم يحسم مسألة نزع السلاح أو تحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح".

"وفي الوقت نفسه، تواصل حركة حماس التباهي والادعاء بأنها لا تعرف مكان الجثث، والمفارقة أن الإدارة الأميركية تصدق هذا الادعاء، رغم أن الاستخبارات الإسرائيلية تؤكد خلاف ذلك"، على حد قولها.

تبعية ورقابة

بناء على ذلك، تشير الصحيفة إلى "ضرورة الاعتراف بأن القرارات الجوهرية لم تعد تُتخذ في تل أبيب، بل في واشنطن".

وذكرت أن "قرارات الحرب والسلام، والإستراتيجيات الكبرى، وحتى التفاصيل التكتيكية المرتبطة بالعمليات العسكرية في غزة، أصبحت تقرر فعليا داخل البيت الأبيض، وبشكل مباشر من قبل ترامب".

وبحسب تقديرها، فإن "هذا الواقع الجديد يضع إسرائيل في موقع غير مسبوق من التبعية، حيث تتآكل تدريجيا فكرة الاستقلال السياسي، ويصبح واضحا للجميع أن زمام المبادرة بات في يد من هم على الضفة الأخرى من المحيط".

وقصدت الصحيفة مبعوثا ترامب، “ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر”، اللذين "بات يُنظر إليهما كقناصل رومانيين يُرسلون إلى المقاطعات البعيدة من الامبراطورية لحكمها باسم القيصر".

إذ ترى أنهما "يحددان متى يُسمح لإسرائيل بالرد العسكري على استهداف جنودها، ومتى يجب أن تتوقف"، مضيفة: "بل إنهما شاركا في اجتماعات الحكومة الإسرائيلية (في أكتوبر 2025)، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الدولة".

وأردفت: "مسؤولون أجانب يجلسون إلى جانب نتنياهو في اجتماعات مجلس الوزراء، ويُدلون بآرائهم ويعبرون عن مواقفهم خلالها، هو مشهد يعكس تآكلا واضحا في استقلال القرار الإسرائيلي، وتراجعا في قدرة الدولة على اتخاذ قرارات تخدم مصالحها الخاصة، لحساب قرارات تُرضي واشنطن أولا".

واستمرت الصحيفة في الهجوم على ترامب قائلة: "لم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ أرسلت الولايات المتحدة 200 جندي أميركي إلى إسرائيل، مهمتهم مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار من داخل الأراضي الإسرائيلية".

ووفقا لها، لن يدخل هؤلاء الجنود إلى غزة، بل سيعملون من داخل تل أبيب "ما يعني أنهم يراقبون إسرائيل نفسها".

وأردفت أن "الرسالة إلى العالم واضحة: رقابة لصيقة ومباشرة. ولهذا السبب تحديدا وصل مبعوثا ترامب (كوشنر وويتكوف) ونائبه جي دي فانس إلى البلاد (في أكتوبر 2025)".

وبحسب الصحيفة، تشير كل تلك المعطيات إلى أن "الأميركيين سيفعلون كل ما يلزم لضمان عدم انهيار هذا الاتفاق، وإذا تطلب الأمر إخضاع إسرائيل، فسيتم ذلك دون تردد".

وتشير "يديعوت أحرونوت" إلى أن إسرائيل "ليست الدولة الوحيدة التي تعاني من ذلك، فأوكرانيا أيضا تسير في طريق التحول إلى بيدق في يد الولايات المتحدة، ضمن صراع عالمي هدفه ترسيخ الهيمنة الأميركية وفي الوقت ذاته، تعزيز ثروات عائلة ترامب".

وعقبت قائلة: "إنها صورة قاتمة تحولت إلى واقع ملموس". ورغم اعتقادها أنها "لا تؤثر مباشرة على تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، لكنها تؤثر بشكل واضح على مستقبل الدولة ومسارها السياسي".

في هذا السياق، تساءلت: “هل يمكن أن نخرج من هذا الواقع الصعب بنتائج إيجابية؟ هل يستطيع ترامب فرض قرارات على إسرائيل تقودها نحو مستقبل أفضل؟”

وأكدت أن "الإجابة تعتمد على طبيعة تلك القرارات -التي تعكس أولا وقبل كل شيء مصالح ترامب الشخصية ثم مصالح الولايات المتحدة- وما إذا كانت ستعود بالنفع فعلا على إسرائيل".

ولفتت إلى أن هذا التحول ينبع من قناعة ترسخت داخل الإدارة الأميركية، وظهرت بوضوح في التصريحات الصريحة التي أدلى بها ويتكوف وكوشنر خلال مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" الأميركي (نهاية أكتوبر) بشأن الغارة الإسرائيلية على قطر.

"فقد خلص الأميركيون إلى أن نتنياهو فقد السيطرة، على حد تعبيرهم، وأنهم بحاجة إلى تولي زمام الأمور بأنفسهم"، وفقا لتقديرها.

نفي وتهوين

ورغم كل ذلك، تعتقد الصحيفة أنه "يمكن للبعض أن يرى في هذا الواقع جانبا إيجابيا، إذ يُقال إن الولايات المتحدة تنقذ إسرائيل من أخطاء جسيمة في تقدير المواقف، خاصة تلك التي تُنسب إلى نتنياهو وحكومته، بل وتحميها من تأثيرات وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير".

بمعنى آخر، "ربما يكون هناك أخيرا بالغ راشد يراقب نتنياهو ويوقفه عند اللزوم، وحتى إن لم يتمكن من منعه مسبقا -كما حدث في الهجوم على قطر- فإنه يعاقبه لاحقا".

لكن مع ذلك، تحذر من أن "هذا الوضع يحمل في طياته مخاطر جسيمة على الأمن القومي الإسرائيلي.

إذ قد يشجع أطرافا دولية على محاولة فرض تسويات على إسرائيل، وهو ما كانت تخشاه الدولة العبرية منذ سنوات طويلة.

وتخشى "يديعوت أحرونوت" من أنه "في مرحلة ما، قد تتضح الفجوة بين مصالح ترامب وتلك الخاصة بإسرائيل بشكل لا لبس فيه".

فهو يسعى للتقارب مع السعودية، و"بالأخص مع الأموال الطائلة التي تمتلكها ولا نمتلكها نحن"، ففي النهاية إسرائيل دولة صغيرة، وفق تعبيرها.

وأضافت: "صحيح أن هناك بعدا عاطفيا في العلاقة، فابنة ترامب وزوجها يهوديان، وهو يُبدي تعاطفا معها، لكن السؤال الجوهري: إلى متى سيصمد هذا التعاطف أمام مصالح إستراتيجية واقتصادية كبرى على الطاولة؟".

في المقابل، ذكرت الصحيفة أن "مقربين من نتنياهو رفضوا هذه الانتقادات جملة وتفصيلا". وقالوا: "كل الأمثلة المذكورة تؤكد العكس". 

وأضافوا: "فيما يتعلق بإيران، تبنت الولايات المتحدة الموقف الإسرائيلي الداعي إلى تنفيذ ضربة استباقية ضد منشآت نووية وبنى تحتية للصواريخ الباليستية، بسبب رفض طهران الانصياع لإملاءات ترامب".

ووفقا لهم، "قاد نتنياهو هذه الضربة المفاجئة بعلم الإدارة الأميركية التي انتظرت نتائجها، وعندما رأت نجاحها، انضمت إليها".

وردا على قرار ترامب بإعادة الطائرات الإسرائيلية أثناء توجهها لتنفيذ ضربة ردا على خرق إيران لوقف إطلاق النار، أوضحوا أن "ذلك كان قرارا تكتيكيا نابعا من حرص الإدارة الأميركية على الحفاظ على المكاسب الإستراتيجية المشتركة، وقد احترمت إسرائيل هذا التوجه".

وبحسب المصادر ذاتها، "فإن ما جرى في الأيام الأخيرة في غزة يشكل دليلا واضحا على حرية العمل الإسرائيلية".

فوفق وجهة نظرهم، "منحت إسرائيل حماس مهلة لتطبيق الاتفاق المتعلق بإعادة جثث الجنود، وعندما تباطأت الحركة، قرر نتنياهو تجميد تنفيذ البند الخاص بفتح معبر رفح إلى أن يطرأ تغيير في سلوكها، وقد دعمت الولايات المتحدة هذا القرار بالكامل".

وتابعوا: "عندما أُطلق النار على قواتنا في رفح، ردت إسرائيل بهجوم جوي مكثف استمر لثماني ساعات، أسفر عن تصفية قادة ومسلحين في عدة مناطق من القطاع، وقد دعمت الولايات المتحدة هذا التحرك، الذي كان محددا منذ البداية، ولم يُمارس أي ضغط لوقفه".

وترى المصادر المقربة من نتنياهو أن كل ذلك يؤكد أن "استقلال إسرائيل لم يتآكل، بل لا يزال راسخا كما كان دائما".

ووفق تقديرهم فإن "ما حدث هو تعزيز غير مسبوق للتعاون الوثيق بين البلدين، وهو ما يشكل قوة مضاعفة هائلة للمكانة الإسرائيلية في الساحتين الأمنية والسياسية".

وأوضحوا أن: "العالم كله أُعجب بالكلمة التي ألقاها الرئيس ترامب في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي خلال أكتوبر 2025) حول متانة العلاقات بين الدولتين".

أما عن زيارة ويتكوف وكوشنر وفانس فإنها، فهي تهدف إلى "ترسيخ هذا التحالف وتحقيق الأهداف المشتركة" وفق رؤيتهم.