المغرب يعلن الحرب على مدريد بلعبة فيديو.. صحيفة إسبانية تكشف الحقيقة

“ما يراه جوردان تمرينا أكاديميا يراه عامة الناس محاكاة معقولة لصراع حقيقي”
تبدو "شفارين 2029"، في ظاهرها، مجرد لعبة فيديو تحاكي إستراتيجية عسكرية؛ لكن عندما تتحدث عن صراع يشنه المغرب على إسبانيا عام 2029، لن يتأخر البلد الأوروبي عن إطلاق صافرات الإنذار والبحث في هذه “الاستفزازات” على الفضاء الرقمي.
وقالت صحيفة "الإندبندينتي" الإسبانية: إن لعبة فيديو "شفارين 2029"، تحاكي تصاعد توترات بين إسبانيا والمغرب في مايو/ أيار 2029، ويصور المقطع أيضا اعتلاء ملك جديد سدة الحكم في المغرب، ويتميز بكونه "أكثر عدوانية".
وفيه أيضا أطلقت حركة تعرف باسم "الجبهة المناهضة للاستعمار"، بدعم من الحكومة المغربية، طائرات تجارية دون طيار فوق مدينتي سبتة ومليلية (شمال المغرب وخاضعتان للإدارة الإسبانية)، وأسقطت طلاء على منشآت عسكرية إسبانية.
لعبة عسكرية
وفي هذه المحاكاة يظهر المشهد "استفزازا" يؤدي إلى حرب تدور رحاها في جزر الجعفرية، أو جزر "إشفارن" حسب التسمية المحلية، في حركة تضاهي التوغل الذي حدث في جزيرة إيزابيل الثانية من قبل مؤثر مغربي في أغسطس/ آب 2025.
وتعيد هذا المشاهد حبكة، خيالية في الوقت الحالي، تحت مسمى "شفارين 2029"، وتصور إحدى المعارك التي يمكن النقر عليها في لعبة إستراتيجية عسكرية شهيرة.
وتجدر الإشارة إلى أن عملية التوغل التي حدثت في جزيرة إيزابيل الثانية من قبل مؤثر مغربي أثارت حفيظة وزارة الدفاع الإسبانية؛ حيث فتحت تحقيقا في الغرض.
وقد تمكن الشاب من الوصول إلى الجزيرة متجاوزا أنظمة المراقبة المفروضة، قبل أن يقوم بجولة داخل بعض المباني المهجورة وبقايا المنشآت العسكرية.
ونقلت الصحيفة أن "شفارين 2029" هو سيناريو متاح للعامة ضمن لعبة "القيادة: العمليات الحديثة"، وهي لعبة محاكاة إستراتيجية عسكرية آنية طورتها "وورفير سيمز" ونشرتها "ماتريكس غييمز /سليذرين".
ويتيح البرنامج للمستخدمين بناء عملياتهم العسكرية الحديثة بمستوى احترافي من التفصيل، بدءا من المناوشات الصغيرة ووصولا إلى الصراعات العالمية.
ويستخدم كأداة تدريب من قِبل كل من هواة الإستراتيجية العسكرية ومؤسسات الدفاع، من الجيوش إلى مراكز الأبحاث والأكاديميات، وحتى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفيما يتعلق بالسيناريو الذي يصور اشتباكا عسكريا في مضيق جبل طارق، أشارت مصادر من فريق سليذرين، استشارتها صحيفة "الإندبندينتي"، إلى أن مشاركتهم في التصميم كانت محدودة.
وأوضحوا أن "لعبة شفارين 2029 هي سيناريو جماعي، لم يشارك أي فرد من الفريق في إنشائها".
ونقلوا أن اللعبة تتيح لأي مستخدم تصميم سيناريوهاته الخاصة، أما لعبة "القيادة: العمليات الحديثة" فهي محاكاة تستخدمها أيضا المؤسسات العسكرية والأكاديمية.
ومع ذلك، فإن السيناريوهات التي ينشئها المستخدمون مجانية، ولا تعكس أي موقف رسمي أو سياسي لشركة سليذرين أو شركة ماتريكس غيمز".

مُبتكر المحاكاة
ويقف وراء تصميم “المعركة”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة غرناطة ومدير بودكاست “الإستراتيجية العالمية”، خافيير جوردان.
وأوضح جوردان في مقال يُفصّل السيناريو والسردية التي يستند إليها من منظور سياسي، يستند السيناريو إلى فرضية "ماذا لو" المتطرفة، والتي تعد مستبعدة للغاية حتى اليوم، ولكنه يتماشى مع استخدام المغرب لإستراتيجيات هجينة فيما يتعلق بسبتة ومليلية، مع سابقة أقل عدوانية ولكنها لا تزال خطيرة، مثل أزمة جزيرة ليلى في يوليو/ تموز 2002".
وتجدر الإشارة إلى أن أزمة جزيرة ليلى في يوليو 2002 أثرت على العلاقات الإسبانية المغربية، ولا يزال صداها يتردد حتى اليوم، رغم مرور 21 سنة على الحادثة.
وأوضح جوردان: "تشهد سنة 2028 تدهورا خطيرا في العلاقات بين إسبانيا والمغرب، وخلال هذا الوقت، يسعى الملك العلوي الجديد إلى ترسيخ مكانته من خلال الترويج للمطالبات المغربية بالأراضي الإسبانية في شمال إفريقيا".
وأضاف أنه في هذه المحاكاة العسكرية صعّد المغرب الصراع في المنطقة الرمادية بشأن سبتة ومليلية باستخدام الأدوات الهجينة المعتادة: ضغط الهجرة، والعزلة الاقتصادية، والحملات الإعلامية وحملات التواصل الاجتماعي.. وكان الحدث الرئيس الجديد متمثلا في إنشاء الحركة الاجتماعية "الجبهة المناهضة للاستعمار"، بدعم من جهات مغربية رسمية.
وفيما يتعلق بالجانب الإسباني تصور اللعبة أيضا التحديات التي يواجهها البلد الأوروبي، "حيث تغلق إسبانيا حركة الملاحة الجوية والبحرية في المضيق وبحر البوران، رغم وجود بعض السفن المدنية في المنطقة، وتجد حكومة مدريد نفسها أمام تحدي حل الأزمة بنجاح في أسرع وقت ممكن".
ومن هذا المنطلق، يخلق الأكاديمي سلسلة من الحوادث التي تغذي التصعيد، من حملة رحلات جوية لطائرات دون طيار تجارية فوق سبتة ومليلة، وإسقاط علب الطلاء على المنشآت العسكرية.
إلى خطاب الملك الذي أعلن فيه نهاية التاريخ الاستعماري الإسباني في إفريقيا، أو أسطول من ناشطي "الجبهة المناهضة للاستعمار" يهبط على أرخبيل إشفارن.

الطراز الرفيع
بعيدا عن كونه استفزازا، يُصوّر جوردان "شفارين 2029" كوسيلة تعليمية لمساعدة طلابه في العلوم السياسية على فهم كيفية تفاعل القدرات العسكرية مع القرارات السياسية.
وكتب: "تتميز الدراسات الإستراتيجية بتركيزها على القوة العسكرية كأداة سياسية".
وجادل قائلا: "لا يتعلق الأمر باكتساب المعرفة المهنية للضابط العسكري، بل بفهم الجوانب الأساسية لمختلف القدرات والعمليات العسكرية".
ونقلت الصحيفة أن لعبة "القيادة: العمليات الحديثة"، القادرة على نمذجة الرادارات والصواريخ والمنصات البحرية الحقيقية بدقة، تحاكي إعادة إنتاج مواقف الأزمات بمستوى من التفصيل لا تضاهيه إلا القليل من ألعاب الفيديو.
وفي "شفارين 2029" تنشر القوات المغربية فرقاطات فريم وسيغما، وصواريخ باراك 8 وهاروب، بينما تُفعّل إسبانيا غواصة إسحاق بيرال وعدة فرقاطات إف -100، فيما يجب على اللاعب ضمان إمداد الجزر في أقل من سبع ساعات دون إثارة حرب مفتوحة.
في الحقيقة، ما يراه جوردان تمرينا أكاديميا في الردع والتصعيد المتحكّم فيه، يراه عامة الناس محاكاة معقولة لصراع حقيقي.
وأكد المؤلف نفسه على حدود التجربة قائلا: "إن مجرد تخيل هذه الحرب كان كافيا لتداول السيناريو في المنتديات العسكرية وشبكات التواصل الاجتماعي".
وبعيدا عن هذه الحالة الخاصة، يُظهر "شفارين 2029" فائدة ألعاب الحرب في فهم حدود القوة العسكرية والتفاعل بين الإستراتيجية والسياسة.
وفي سياق التوترات المتقطعة بين مدريد والرباط، فيما يُطلق عليه الخبراء غالبا علاقة متوترة ومتعثرة، أصبح تخيّل أسوأ السيناريوهات، على نحو مُتناقض، خير وسيلة في تعليمنا كيفية تجنّبها.















