تفكيك شبكة نفوذ عائلة الأسد.. بداية التحول أم صدام قادم؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بلا هوادة، تشن قوات الأمن السورية حملة أمنية تهدف لملاحقة فلول النظام السابق وتفكيك شبكات المخدرات والسلاح؛ حيث ألقت القبض على نمير بديع الأسد، شقيق وسيم الأسد، مع شركاء آخرين، في ريف محافظة اللاذقية.

وسلط موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي الضوء على هذه الحملة، ويرى أن ما جرى “مجرد بداية”.

وجاء في بيان وزارة الداخلية السورية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2025 أن "وحدات الأمن المختصة في مديرية الأمن الداخلي بمدينة القرداحة، بالتعاون مع فرع مكافحة الإرهاب، تمكنت من إلقاء القبض على نمير بديع الأسد وعصابته الإجرامية".

سلسلة عمليات

وأفاد مسؤولون بأن المحبوسين أُحيلوا إلى مديرية مكافحة الإرهاب لاستكمال التحقيقات قبل عرضهم على القضاء المختص. 

وأوضح البيان أن هذه الخطوة تأتي في إطار حملة الحكومة الانتقالية الجديدة لملاحقة فلول النظام السابق وتطبيق القانون دون استثناء.

وقال الموقع: "تشكل هذه الاعتقالات جزءا من سلسلة عمليات أُطلقت بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024".

وأشار المسؤولون إلى أن هذه الإجراءات الأخيرة تعكس عزم السلطات على مساءلة الشخصيات القوية في المجالات الاقتصادية والعسكرية على حد سواء، بما في ذلك شبكات يُزعم تورطها في تهريب المخدرات والأسلحة.

وتشير التقييمات الدولية إلى أن النظام الذي أُطيح به كان يسيطر على حصة كبيرة من سوق الكبتاغون، وأن أفراد عائلة الأسد استفادوا مباشرة من هذا النشاط غير المشروع.

الكبتاغون الذي كان يُنتج في الأصل كمنشط صيدلاني في الستينيات، أصبح اليوم يُشير إلى أقراص مقلدة تحتوي على مواد شبيهة بالأمفيتامين، غالبا ما تكون مزيجا من الأمفيتامين والكافيين.

وأكدت التقارير أن مراكز الإنتاج تقع بشكل واسع في سوريا ولبنان، بينما تتركز أسواق الاستهلاك الرئيسة في شبه الجزيرة العربية، وقد أصبح هذا من أكثر الصادرات غير القانونية ربحية في المنطقة، بقيمة تقدر بمليارات الدولارات سنويا.

ويقدّر الخبراء أن قيمة تجارة الكبتاغون في سوريا تصل إلى نحو 10 مليارات دولار سنويا، فيما كانت تصل حصة عائلة الأسد منها إلى حوالي 2.4 مليار دولار.

وفي حديثه للموقع الأميركي، قال المستشار السابق في المحكمة العليا السورية، القاضي مروان اليوسف: إن "اعتقال نمير ووسيم الأسد يمثل خطوة مهمة نحو بناء العدالة الانتقالية؛ إذ يثبت أن القانون يمكن أن يصل حتى إلى أولئك الذين كانوا يعدون شخصيات نافذة داخل النظام السابق".

وأضاف أن "القانون السوري الجديد يسمح بمحاكمة أي شخص متورط في أنشطة غير قانونية أو تمويل جرائم منظمة خلال فترة النظام السابق، بما في ذلك تورطه في الشبكات الاقتصادية والأمنية التي أثرت على المجتمع".

وأوضح القاضي أن "هذه التوقيفات تُشير إلى أن عصر الإفلات من العقاب قد انتهى، وأن سيادة القانون ستُطبق بغض النظر عن الانتماءات العائلية أو السياسية".

جدية السلطات 

من جانبه، قال خبير التحقيقات الجنائية، العقيد المتقاعد سامر ديب: إن "التحقيقات الأولية تشير إلى أن شبكة نمير الأسد اعتمدت على أساليب معقدة، بما في ذلك الممرات الجبلية والموانئ، لتسهيل تهريب المواد غير القانونية، مع استخدام عناصر من الأجهزة الأمنية السابقة كغطاء".

وأضاف ديب لـ"ذا ميديا لاين" أن "القبض على قائد ما يُعرف بـ(لواء الجبل) يعكس الطبيعة العسكرية والأمنية لهذه الشبكات؛ إذ كانت تحمي عمليات التهريب وتضمن استمرار أنشطتها ضمن المناطق الساحلية السورية".

وأشار خبير التحقيقات الجنائية إلى أن "الاعتقالات السريعة لكل من وسيم (في يونيو/ حزيران 2025) ونمير الأسد تعكس جدية السلطات الجديدة في ملاحقة جميع الفاعلين الذين كانوا جزءا من الهيكل السابق للسلطة، سواء في القطاعات العسكرية أو الاقتصادية".

ويرى مراقبون أن توقيف اثنين مقربين من بشار الأسد يشكل تحولا كبيرا في السياسة القضائية والأمنية بعد سقوط النظام، ويمهّد الطريق أمام عملية مساءلة قد تشمل محاسبة المسؤولين عن الجرائم الاقتصادية والأمنية المرتبطة بالنظام السابق.

فضلا عن تقديم العدالة لضحايا الفساد والعنف على مدى العقود الماضية، وإعادة بناء الثقة العامة في المحاكم وأجهزة الأمن.

وأشارت مصادر قضائية إلى أن وزارتي العدل والداخلية تجمعان ملفات عن شبكات الفساد والنفوذ السابقة لإحالتها إلى هيئات متخصصة، لضمان إجراءات عادلة وشفافة.

ومن بين الأسماء التي يُراجع وضعها، وفق ما أعلنته الحكومة، شخصيات يُزعم تورطها في جرائم حرب أو فساد، مثل سهيل الحسن، وقادة محافظات سابقين، لا سيما في دمشق.

وخلال حكم الأسد، كان أفراد الأسرة وأجهزة الأمن يتمتعون بنفوذ كبير، مشرفين على شبكات تهريب المخدرات والأسلحة في المحافظات الساحلية والحدودية. 

وقد عملت هذه الشبكات تحت غطاء رسمي، ما جعل ملاحقتها القضائية صعبة في ذلك الوقت.

وأشارت تقارير حقوقية ومصادر إقليمية منذ سنوات إلى وجود تداخل بين السلطة العسكرية والاقتصادية داخل دائرة النظام؛ حيث اعتمد أفراد الأسرة وأجهزة الأمن على الثروات غير المشروعة لتمويل أنشطتهم السياسية والأمنية.

وفي السنوات الأخيرة، نفذت دول مجاورة عمليات عابرة للحدود لوقف شحنات الكبتاغون القادمة من الأراضي السورية.

ويضفي هذا التاريخ أهمية إضافية على الاعتقالات الأخيرة، التي تشير إلى جهود لتفكيك الشبكات القسرية وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والقضائية على أسس قانونية أوضح. بحسب التقرير.

وبموجب قانون المخدرات السوري (القانون رقم 2 لعام 1993)، تُعاقب عمليات تصنيع وتهريب المخدرات بعقوبات صارمة تشمل السجن لفترات طويلة، وفي الحالات المشددة تصل العقوبة إلى الإعدام.

آليات أوسع

وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا: إن "الاعتقالات الأخيرة تأتي في إطار جهود الدولة لضمان سيادة القانون وملاحقة جميع الأشخاص الذين شاركوا في أنشطة إجرامية أو أثروا على الأمن العام خلال فترة النظام السابق".

وأكد البابا للموقع الأميركي أن "هذه الإجراءات ستضمن تطبيق العدالة دون استثناء، بما يعكس التزام الحكومة الجديدة بمحاسبة كل المخالفين وفق القانون".

وأضاف أن :وسيم ونمير الأسد وأعضاء شبكاتهم سيخضعون لتحقيق قضائي كامل مع ضمان حقوقهم القانونية"، واصفا هذه الخطوة بأنها "أول محطة عملية ملموسة في مسار العدالة بعد سقوط النظام".

وبحسب التقرير، تشير الاعتقالات المتزامنة لنمير ووسيم الأسد إلى عزم السلطات على ملاحقة صانعي النفوذ السابقين ومحاسبة المتورطين في الجرائم الاقتصادية والأمنية، كما تمهد الطريق لآليات أوسع للمساءلة عن الفساد والعنف على مدى العقود الماضية.

ويتوقع المحللون أن تشمل المرحلة التالية ملاحقة أوسع للشخصيات الأمنية والعائلية السابقة التي أسهمت في ترسيخ النفوذ غير القانوني، وإصلاح الأجهزة الأمنية والقضائية لضمان استقلاليتها وفاعليتها، بالإضافة إلى برنامج للمصالحة والعدالة يوازن بين المساءلة وحقوق الضحايا.

وختم الموقع تقريره قائلا: "عموما، تُعد هذه الإجراءات نقطة تحول بعد انهيار النظام السابق؛ حيث تتقاطع فيها عناصر القانون والسياسة والأمن لبدء مرحلة أكثر استدامة من سيادة القانون".