"اتفاقات أبراهام" بعد 7 أكتوبر.. إعادة تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط

يوسف العلي | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

ما إن وضعت حرب الإبادة أوزارها في قطاع غزة، حتى عادت قضية "الديانة الإبراهيمية" أو مشروع "اتفاقات أبراهام" إلى الواجهة مجددا، والحديث عن مدى تمكن الغرب وإسرائيل من فرض دين جديد على المنطقة، يهدف إلى التعايش مع الاحتلال والتطبيع معه.

وجاءت عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بمثابة الصفعة بوجه مساعي التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وافتتاح الإمارات في 16 فبراير من العام نفسه، ما يسمى "بيت العائلة الإبراهيمية".

وفي عام 2020 وخلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ذهب العديد من الدول العربية إلى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وهي: المغرب والإمارات والبحرين والسودان، ووقعت تلك الدول ما بات يُعرف باتفاقيات أو مشروع "أبراهام".

انضمام جديد

وفي آخر تطور بمسار التطبيع، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال استضافته لقمة زعماء خمس دول من آسيا الوسطى في البيت الأبيض، أن كازاخستان وافقت رسميا على الانضمام إلى اتفاقات التطبيع مع إسرائيل.

وكتب ترامب على حسابه في منصة "تروث سوشيال" في 7 نوفمبر، أن "كازاخستان أول دولة في ولايتي الرئاسية الثانية تنضم إلى اتفاقيات أبراهام، والأولى من بين العديد من الدول القادمة.. المزيد من الدول تتجه نحو تبني السلام والازدهار من خلال اتفاقات أبراهام".

وفي اليوم نفسه، نقل موقع ""يورونيوز" عن مسؤول أميركي (لم يسمه) أن "كازاخستان تربطهما علاقات دبلوماسية كاملة منذ أكثر من 30 عاما، إلا أن هذه الخطوة تهدف إلى تنشيط الاتفاقيات الإبراهيمية كإطار تقوده الولايات المتحدة لتعزيز التعاون بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية".

وذكرت القناة 12 العبرية في 7 نوفمبر، أن انضمام كازاخستان التي تربطها علاقات دبلوماسية بإسرائيل منذ أكثر من 3 عقود "يسعى إلى توطيد علاقاتها الاقتصادية مع واشنطن وتأكيد التزامها بالتسامح الديني والحوار".

ونقلت القناة عن مسؤولين أميركيين (لم تسمهم)، أن الخطوة تهدف إلى "إحياء اتفاقيات أبراهام وتعزيز التعاون بين إسرائيل والعالمين العربي والإسلامي برعاية واشنطن".

وأضاف أحد هؤلاء المسؤولين، أن الإعلان يُعد "خطوة رمزية نحو إنهاء الحرب في غزة وإعادة بناء مكانة إسرائيل في المنطقة".

وفي 9 أكتوبر، أعلن ترامب توصل إسرائيل و"حماس" لاتفاق على المرحلة الأولى من خطته لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى، إثر مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين بمدينة شرم الشيخ، بمشاركة تركيا ومصر وقطر، وبإشراف أميركي.

وتابعت القناة العبرية، أن ترامب يعتزم إقامة حفل توقيع رسمي في ديسمبر المقبل بمشاركة كازاخستان وإسرائيل وربما دول أخرى، دون تسمية بلد بعينه، لافتة إلى أن فريق الأخير "يطمح إلى توسيع اتفاقيات التطبيع لتضم دولا جديدة مثل السعودية، رغم أن اتفاق سلام شامل معها لا يبدو وشيكا".

وكانت السعودية تجري محادثات مع واشنطن بشأن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، لكنها تراجعت بعد اندلاع طوفان الأقصى. وتؤكد أن أي تطبيع محتمل لا يتم إلا في حال إحراز تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو موقف يعارضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ويبدي ترامب تفاؤلا بشأن احتمال انضمام السعودية إلى الاتفاقيات أخيرا منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة مطلع 10 أكتوبر، في وقت يتوقع أن يزور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان البيت الأبيض في 18 نوفمبر.

مشروع اقتصادي

وبخصوص مدى تمكن الولايات المتحدة وإسرائيل من تطبيق "أبراهام"، قال الكاتب والمحلل السياسي، عبد الباقي شمسان، إن "مشروع أبراهام أو الديانة الإبراهيمية، نظريا صعب التحقق في المدى القريب، وعمليا أكثر صعوبة، لأنه ثمة قضايا مركزية".

وأوضح شمسان لـ"الاستقلال" أن "القضايا التي تعيق تطبيقه، هي: القضية الفلسطينية والاحتلال والتراكمات والمشروع الصهيوني القائم على التهام الدولة الفلسطيني برمتها، إضافة إلى تقويض مشروع حل الدولتين، هذه كلها عناصر معيقة جدا لترجمة مشروع أبراهام على أرض الواقع".

وتساءل الباحث، قائلا: “هل مشروع أبراهام، هو موضوع إستراتيجي مرتبط بالولايات المتحدة الأميركية، أم أنه خاص بالإدارة الأميركية الحالية برئاسة دونالد ترامب، والتي ستنتهي مدتها بعد ثلاث سنوات؟”

وتوقع شمسان أن "يتم استثمار (أبراهام) من الكثير من الدول المتدافعة للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، والتي ستحاول التحرك لإقامة علاقات اقتصادية وأمنية سياسية مع  الاحتلال من منفذ هذا المشروع".

وأوضح الباحث أن "أبراهام" مرتبط بمشروع اقتصادي بالمرور الدولي أو الطريق البري الممتد من الهند إلى الإمارات والموانئ الإسرائيلية وصولا إلى أوروبا، وذلك مرورا بالسعودية والأردن وغيرهما.

وتوقع شمسان فشل تطبيق "أبراهام"، في حال عدم وجود حل عادل للقضية الفلسطينية، وأن الاعتراف بالدولتين، لن يترجم على أرض الواقع بسهولة، لأنه ثمة تقويضا والتهاما لمقومات الدولة الفلسطينية المحتلة، وذلك من قبل المشروع الصهيوني الذي يديره نتنياهو وكل الجماعات السياسية الإسرائيلية سواء المتطرفة أو غيرها.

وتابع: "لذلك فإن المشروع قد يترجم في جزء منه عبر التعاون والمشاريع الاقتصادية مع الدول المطبعة، لكن فرص نجاحه ومفتاحه الرئيس هو القضية الفلسطينية، وداخل هذا الأمر صراع شديد يتعلق بأن إسرائيل تريد أن تهيمن على المنطقة".

وأكد شمسان أن "المنطقة العربية لن تكون لاعبا أساسيا لأنها تحتاج خلال هذه المرحلة إلى عقد أو عقدين لإعادة بناء هويتها ومقومات اقتصادها، وأقصد هنا الكثير من الدول التي شهدت اقتتالا داخليا وصراعا بين الأطراف السياسية، مثل: اليمن، العراق، سوريا، ليبيا، السودان".

و"هناك ضعف عربي، وديون مترتبة على مصر، وتناقضات دول الخليج، ومشاريع متضاربة تجعل من الشركات متعددة الجنسيات وإسرائيل لاعبا رئيسا ومهيمنًا"، وفقاً للباحث.

وربما تستثمر الولايات المتحدة وإسرائيل وضع المنطقة العربية في هذا التوقيت في الضغط لتحقيق "أبراهام" وبناء المشروع السياسي والاقتصادي، وهذا سيكون منفذا للتطبيع فقط من الدول الطامحة للانخراط في "أبراهام" للاستفادة من المنافع السياسية والاقتصادية والأمنية، حسب شمسان.

وخلص إلى أنه "ثمة تحوّل على مستوى القضية الفلسطينية، وأن هناك وعيا لما يحدث لأنه يوجد جيل عربي فاجأ السياسيين التقليديين بأنه يدرك ويتعامل مع تدافع المعلومات كونيا، بالتالي إذا تم مشروع أبراهام، فإنه سيكون منفذا للتطبيع والاستفادة لبعض الدول التي تبحث عن مبررات لدمج إسرائيل بالمنطقة على حساب قضايانا العربية والقومية".

"دين جديد"

ويرتبط مصطلح "الإبراهيمية" ورواجه أخيرا، بتوقيع الإمارات والبحرين اتفاق تطبيع مع إسرائيل في 13 أغسطس/ آب 2020، وهو "الاتفاق الإبراهيمي"، الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها، دونالد ترامب، ومستشاره جاريد كوشنير.

وفي نص إعلان الاتفاق، المنشور على صفحة وزارة الخارجية الأميركية، يرد ما يلي: "نحن نشجع جهود دعم الحوار بين الثقافات والأديان للدفع بثقافة سلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث والإنسانية جمعاء".

هذه الفقرة، هي منطلق ومركز مبادرات كثيرة صاحبت اتفاق التطبيع وتبعته، فتطبيع العلاقات مع إسرائيل لم يكن صفقة سياسية أو اقتصادية بحتة وإنما انعكس على جوانب ثقافية في حياة كل الأطراف.

وهكذا بدأ الترويج عما يعرف بالتسامح والتواصل والحوار بين البلدان والشعوب والملل والأديان ليتحول، فيما بعد إلى حديث عما يعرف بـ"الديانة الإبراهيمية الموحدة".

وفي وقتها، أعلن ترامب، أن اتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات سمي بـ"‏الاتفاق الإبراهيمي"، فيما أوضح سفير واشنطن لدى دولة الاحتلال، ديفيد فريدمان، ‏أن سبب التسمية جاء لأن "النبي إبراهيم ‏(عليه السلام) هو أبو الديانات الثلاث، فهو يمثل القدرة على التوحيد بين الديانات العظيمة ‏الثلاث".‏

كما أن دولةَ يهود تطلق على هذه المعاهدة اسم "اتفاقيات ‏أبراهام" نسبة إلى النبي إبراهيم عليه السلام، ‏بوصفه شخصية محورية في الأديان السماوية الثلاث، الرئيسة في العالم، وهي ‏الإسلامُ والنصرانية واليهودية.

وقد ورد النصُ على ذلك في البندِ السادس من ‏الاتفاق المذكور: "التفاهم المتبادل والتعايش: يتعهد الطرفان بتعزيز التفاهم ‏المتبادل والاحترام والتعايش وثقافة السلام بين مجتمعيهما بروح سلفهم المشترك ‏إبراهيم".

وفي هذه الصدد، تقول الباحثة المصرية هبة جمال الدين: إن "استخدام الإبراهيمية ‏وفقا لجامعة (هارفارد) جاء ليكون مدخلا لقبول التطبيعِ، الذي فشلت فيه ‏إسرائيل منذ إعلانِ وجودها عام 1948م، فالمصطلح لم يكن استهلاكا لفظيا ‏بابويا، بل إنه هوية سياسية جديدة للدبلوماسية الأميركية والإسرائيلية في ‏المنطقة".

ولفتت الباحثة خلال دراستها المنشورة في موقع "فيزت" في 9 يناير/ كانون الثاني 2021 إلى أن هذه الهوية "روّج لها وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري عام 2013، وهي ‏تأصيل سياسي له امتداد جغرافي وديني وتاريخي قاعدته الأساسية هي: "خريطة ‏أرض إسرائيل الكبرى".

وشددت الباحثة على أن أنها "تعد مدخلا للدبلوماسية الروحية التي تقوم على ‏الجمع بين رجال الدين والدبلوماسيين والساسة للتفاوض من الكتب المقدسة، ‏والوصول إلى المشترك الديني لوضعه على الخريطة السياسية لإعطاء الحق ‏للشعوب الأصلية".

ويرتبط مصطلح "الإبراهيمية" ورواجه أخيرا، بتوقيع الإمارات والبحرين اتفاق تطبيع مع إسرائيل في 13 أغسطس/ آب 2020، وهو “الاتفاق الإبراهيمي” الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها، دونالد ترامب، ومستشاره جاريد كوشنر.