مجلس الأمن يدعم الحل المغربي للصحراء.. ما موقف الجزائر والبوليساريو؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

نجح المغرب في استصدار “قرار تاريخي” من مجلس الأمن الدولي، يعترف بمقترحه لحل قضية الصحراء الغربية، ويجعله أرضية النقاش بين الأطراف المعنية بالنزاع.

إذ اعتمد مجلس الأمن في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2025 قرارا ينص على أن منح الصحراء الغربية "حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية قد يكون الحل الأنجع" للقضية.

وصوتت لصالح القرار 11 دولة من الدول الـ15 الأعضاء بمجلس الأمن، في حين امتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت، ولم تشارك الجزائر، أحد الأطراف المرتبطة بالنزاع في العملية.

ويدعو القرار جميع الأطراف إلى الانخراط في المفاوضات بناءً على خطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب لأول مرة إلى الأمم المتحدة عام 2007. كما جدد مجلس الأمن مهمة حفظ السلام في الصحراء الغربية "مينورسو" لمدة عام واحد.

وتنص خطة الحكم الذاتي المغربية على إنشاء سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية محلية للصحراء ينتخبها سكانها، في حين تُسيطر الرباط على الشؤون الدفاعية والخارجية والدينية. 

وبدلا من ذلك، تريد جبهة "البوليساريو" الانفصالية، إجراء استفتاء مع وضع الاستقلال ضمن الخيارات، وهو طرح تدعمه الجارة الجزائر.

Capture d’écran 2025-11-01 152846.png

خطاب ملكي

ومباشرة بعد التصويت، ألقى العاهل المغربي محمد السادس خطابا، وصف فيه القرار بأنه "فتح جديد في مسار ترسيخ مغربية الصحراء، والطي النهائي لهذا النزاع المفتعل، في إطار حل توافقي، على أساس مبادرة الحكم الذاتي".

وأضاف: “نعيش مرحلة فاصلة ومنعطفا حاسما في تاريخ المغرب الحديث. فهناك ما قبل 31 أكتوبر 2025، وهناك ما بعده”. مشددا أنه "حان وقت المغرب الموحد الذي لن يتطاول أحد على حقوقه وحدوده التاريخية".

وأكد أن المغرب دخل "مرحلة الحسم على المستوى الأممي؛ حيث حدد قرار مجلس الأمن المبادئ والمرتكزات الكفيلة بإيجاد حل سياسي نهائي لهذا النزاع، في إطار حقوق المغرب المشروعة".

واستدرك: "رغم التطورات الإيجابية التي تعرفها قضية وحدتنا الترابية، يبقى المغرب حريصا على إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف".

ونوه إلى أن "المغرب لا يعد هذه التحولات انتصارا ولا يستغلها لتأجيج الصراع والخلافات".

وتابع: "نوجه نداء صادقا، لإخواننا في مخيمات تندوف (الخاصة بالجبهة في أقصى جنوب غربي الجزائر)، لاغتنام هذه الفرصة التاريخية، لجمع الشمل مع أهلهم، وما يتيحه الحكم الذاتي، للمساهمة في تدبير شؤونهم المحلية، وفي تنمية وطنهم وبناء مستقبلهم، في إطار المغرب الموحد".

كما دعا "الرئيس عبد المجيد تبون، لحوار أخوي صادق، بين المغرب والجزائر، من أجل تجاوز الخلافات، وبناء علاقات جديدة، تقوم على الثقة، وروابط الأخوة وحسن الجوار".

وجدد التزام الرباط بمواصلة العمل، من أجل إحياء الاتحاد المغاربي، على أساس الاحترام المتبادل، والتعاون والتكامل، بين دوله الخمس (المغرب، الجزائر، ليبيا، تونس، موريتانيا).

بداية للتفاوض؟

ويرى أستاذ العلاقات الدولية خالد شيات، أن "القرار رقم 2797 قد حدد الإطار العام للحل النهائي لقضية الصحراء المغربية بشكل واضح ومحدد وهو إطار الحكم الذاتي المغربي".

وأوضح شيات لـ "الاستقلال" أن "هذا القرار يتيح إمكانية إيجاد تصورات أو حلول موازية داخل هذا الإطار العام، مما يفتح الباب أمام الدول الأخرى، بما في ذلك البوليساريو لتقديم مقترحاتها بشأن تصور الحل النهائي".

وأضاف أن مجلس الأمن تبنى الحل الذي عدّه مناسبا لهذه القضية على المستويين التطبيقي والواقعي. مشيرا إلى أن القرار حاز على أغلبية داخل مجلس الأمن، كما أنه حظي بدعم واسع على مستوى الحكم الذاتي وأيضا مواقف الدول الثنائية وعلى المستوى الدولي.

وأشار أستاذ العلاقات الدولية إلى أن خطاب الملك محمد السادس جاء في إطار فتح المجال أمام التفاوض مع الأطراف الأخرى، ضمن سقف واضح وهو احترام رموز السيادة الوطنية.

وخلص شيات إلى أن دعوة الملك لهرم السلطة السياسية في الجزائر إلى الدخول في مسار جديد، يتيح لهذه المنطقة التنمية والتقدم والاندماج والتكامل الاقتصادي، وهي أمور تنسجم مع تطلعات الشعوب المغاربية.

وعلى مستوى التفعيل، عد أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، محمد زكرياء أبو الذهب، أن هذا المسار لن يكون سريعا بالضرورة.

وأضاف في تصريح للقناة المغربية الثانية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2025، "الأمر قد يستغرق عاما إضافيا على الأقل لإنهاء الإطار التفاوضي ثم فتح مرحلة التنفيذ".

وأشار إلى أن هذا المسار يَعرض خيار العودة إلى السلاح أو التصعيد خارج الإطار الدولي إلى عزل دبلوماسي كبير، ما يمنح المغرب الشرعية اللازمة للتصدي لأي تهديد أو عمل عدائي خارج إطار القانون الدولي.

وشدد أبو الذهب على أن الدعوة التي وجهها الملك إلى أخيه الرئيس الجزائري بفتح حوار شفاف وجاد بخصوص كل القضايا الثنائية ستظل مفتاحا نحو بناء مغاربي موحد، قادر على تجاوز إشكالات الماضي وتأسيس شراكة تنموية وإستراتيجية قائمة على الاحترام المتبادل.

وتفاعل مع القرار الأممي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر محمد المختار الشنقيطي، قائلا: إنه "خبر طيب وخطوة جدِّية لحل القضية وحل يفوز فيه الجميع".

وأضاف الشنقيطي في تغريدة عبر منصة إكس، أن القرار "يحفظ وحدة الدولة المغربية ويُنهي معاناة الصحراويين، ويصلح بين الشقيقتين الكبيرتين الجزائر والمغرب، تمهيدا لاتحاد مغاربي متين الأركان، وهذا هو الحل الذي  كنا ندعو له من سنين".

وعلى المستوى المغربي، دعا حزب العدالة والتنمية الإسلامي، ساكنة مخيمات تندوف إلى "اغتنام هذه الفرصة التاريخية للم شمل أبناء وبنات الوطن الواحد، تحت سقف الوحدة الوطنية والترابية".

كما دعا إلى "الانخراط في هذا الزخم الأممي الإيجابي للوصول إلى حل سياسي توافقي ونهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل. حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف".

وخاطب "الأشقاء في الجزائر لاستحضار المصالح المشتركة لبلداننا ومنطقتنا وأمَّتنا العربية والإسلامية، والتجاوب مع اليد الممدودة لأشقائهم في المغرب، ملكا وشعبا، لطي صفحة الخلاف والتنافر غير النافع، وفتح صفحة جديدة وواعدة للدولتين وللشعبين وللمنطقة برُمَّتها".

وعلى المستوى المجتمعي، عبرت "حركة التوحيد والإصلاح" الدعوية، في بيان عن اعتزازها بهذا الإنجاز الدبلوماسي، وعن أملها في أن يكون هذا القرار فاتحة خير وبركة على المغرب والمنطقة المغاربية جمعاء.

كما أكدت أملها في أن "يسهم القرار بتجاوز المشاكل والخلافات التي استنزفت جهود الجميع، وأخّرت البلدان المغاربية عن ركب التعاون والوحدة والتقدّم والازدهار الذي يليق بها وبطموحات شعوبها".

موقف البوليساريو والجزائر

وبدورها، قالت جبهة "البوليساريو": إنها "أحاطت علما ببعض العناصر الواردة في قرار مجلس الأمن، والتي تهدف إلى محاولة الدفع نحو انحراف خطير وغير مسبوق عن الأسس التي اعتمدها (الأخير) في تناوله للقضية طبقا للمبادئ الأساسية المُكرسة في ميثاق الأمم المتحدة".

وأضافت الجبهة في بيان نشرته "وكالة الأنباء الصحراوية" أن القرار "ينتهك الوضع الدولي للصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار وتُقوّض أسس عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة وتُحبط جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي".

وعدّت جبهة البوليساريو نفسها "الممثل الشرعي والوحيد وصوت الشعب الصحراوي"، معلنة تمسكها بتقرير المصير والاستقلال.

وأكدت أنها لن تكون طرفا في أي عملية سياسية أو مفاوضات تقوم على أي "مقترحات" تهدف إلى "إضفاء الشرعية" على الاحتلال العسكري المغربي غير الشرعي للصحراء الغربية. وفق تعبيرها.

وقالت الجبهة: إن "المقاربات أحادية الجانب التي تسعى للتضحية بسيادة القانون والعدالة والسلام من أجل تحقيق مآرب سياسية قصيرة الأجل لن تؤدي إلا إلى تفاقم النزاع وتعريض السلم والأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها للخطر".

وردا على بيان الجبهة، قال رئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية محمد الطيار، إن إعلانها وبشكل رسمي رفضها لقرار مجلس الأمن يمثل تحديا مباشرا للشرعية الدولية، ويعني أنها خرجت رسميا من المسار السياسي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة.

وشدد الطيار لموقع "أنفاس بريس" في 31 أكتوبر، على أن الجبهة برفضها قرارا أمميا ملزما، تفقد آخر مبرراتها كطرف سياسي، لتتحول إلى جماعة متمردة تعمل خارج القانون الدولي.

ورأى المتحدث ذاته أن "استمرار الجبهة في استخدام العنف وتهديد المدنيين، ورفضها الانخراط في الحل السياسي، يضعها ضمن المعايير التي تعتمدها الأمم المتحدة لتصنيف التنظيمات الإرهابية".

واسترسل: "بما أن البوليساريو تتحرك فوق التراب الجزائري، فإن رفضها للقرار يضع الجزائر في موقع الدولة الراعية لكيان مسلح متمرد، وهو ما سيزيد من الضغوط الدولية عليها".

على مستوى الجزائر، فقد وجه مندوبها لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، انتقادات للنص المعتمد، مؤكدا أن صيغته النهائية تعاني من نواقص.

وأوضح بن جامع أن "النص دون مستوى التطلعات والطموحات المشروعة للشعب الصحراوي، الممثل من قبل جبهة البوليساريو"، وفق ما نقل موقع "الخبر" الجزائري، 31 أكتوبر 2025.

وأضاف: "فالإطار الضيق للمفاوضات المقترحة الذي يعطي الأفضلية لخيار على حساب الخيارات الأخرى، يحدّ من الإبداع والمرونة اللازمين للتوصل إلى اتفاق حرّ ومستقل، ينسجم مع عقيدة الأمم المتحدة في مجال تصفية الاستعمار".

"علاوة على ذلك، فإن النص يُحدث اختلالا في التوازن بين الطرفين المتنازعين، إذ يسلّط الضوء على الطموح الإقليمي لأحدهما، ويتجاهل في المقابل تطلعات الآخر"، وفق تقديره.

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة روجرس الأميركية عبد الحميد صيام، إن الوثيقة المقدمة لمجلس الأمن حذفت مقترحات البوليساريو التي قدمتها للأمين العام، وجرى الاكتفاء بالمبادرة المغربية.

وأوضح صيام لموقع "الجزائر الآن"، مطلع نوفمبر أن "هذا الحذف يمثل انحيازا واضحا في القرار، ويتناقض مع مبدأ التفاوض بين طرفين متساويين".

ويرى أنه لا يمكن تحقيق تقرير مصير الشعب الصحراوي والسيادة المغربية على الصحراء في نفس الوقت، واصفا قرار مجلس الأمن بأنه غير واقعي على الإطلاق. وفق تعبيره.

أفق مستقبلي

في المقابل، أكد الدبلوماسي الجزائري السابق والناشط السياسي والحقوقي محمد العربي زيتوت، أنه من الجيد الوصول إلى حل نهائي لهذه القضية، التي تُستخدم من طرف النظام الجزائري لتهديد الشعب وتخويفه من توسع المغرب.

وشدد زيتوت في تفاعل نشره عبر حسابه على فيسبوك، 31 أكتوبر،  أن "الجميع رابح من حل القضية، الشعب المغربي والجزائري وشعوب الدول المغاربية كلها، وسكان مخيمات تندوف".

ونبه إلى أن انتهاء هذه القضية ينهي تخصيص ميزانيات كبيرة للدفاع وتكديس الأسلحة، وتخويف الشعبين من بعضهما البعض، معبرا عن أمله في عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها قريبا.

ويرى البرلماني السابق والأستاذ الجامعي عبد العزيز أفتاتي لـ "الاستقلال"، أن مسار الحسم النهائي لنزاع الصحراء واضح وأمده غير بعيد، لكنه يتطلب إشراكا ديمقراطيا واسعا وشفافا لمكونات الشعب المغربي برمته في مواكبة المراحل المقبلة

وذلك بالعمل المتواصل من أجل التحييد النهائي لأجندة الانفصال وبؤرها، وهو ما سيتطلب مجهودا جبارا، ولكنه في المتناول بالتعبئة الوطنية الشاملة والواعدة لمجموع مكونات الأمة دون أي إقصاء، وفق تقديره.

وتحدث عن ضرورة تعزيز علاقة الثقة وتعميقها مع الأشقاء من أبناء الصحراء الموجودين خلف الجدار، والحرص على كل ما يؤكد القناعة الراسخة في الاستيعاب المتبادل والتام على أسس الأخوة والانتماء الواحد والمصير المشترك.

ودعا إلى "ترصيد المصداقية الديمقراطية في الانتخابات التشريعية لعام 2026، والتي سيتابعها العالم على أساس كونها أنموذجا عمليا للتعاطي مع الإقرار بالحق في التدبير الديمقراطي الحر لعموم الشعب المغربي الموحد".

ونبه أفتاتي إلى ضرورة استكمال فتح المشاركة السياسية لتستوعب الجميع، لكي لا يُحرم المغرب من مساهمة أي فصيل أو حساسية، في توجهه لمغرب المستقبل، وهو يعد العدة اللازمة لأرحب استقبال وأتم عودة وأشملها إلى الوطن الواحد.

ونبه البرلماني السابق إلى وجوب "التوجه بشكل لا رجعة فيه نحو حسم الخيار الديمقراطي، والقطع مع أي تردد بخصوصه، وتجسيد الملكية البرلمانية والقضاء على منابع الفساد.".

ودعا إلى الإسهام في بعث واستنهاض الاتحاد المغاربي، والتعامل النشط في مختلف دوائر الانتماء العربية والإسلامية والإفريقية وفضاءات التعاون الأممي المشترك.