قوة حفظ السلام بغزة.. ماذا عن مهمتها وصلاحياتها والدول المشاركة؟

خالد كريزم | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تسود حالة من الغموض بشأن الخطط المطروحة لتشكيل قوة دولية تتولى حفظ الأمن والاستقرار في قطاع غزة بعد الحرب؛ إذ لم تتضح بعد طبيعة هذه القوة ولا الجهة التي ستشرف عليها أو آليات عملها. 

ويزيد هذا الغموض من حدّة الخلاف بين إسرائيل التي تسعى لسيطرة أمنية كاملة على قطاع غزة، وبين حركة المقاومة الإسلامية حماس التي ترى أن مهمة القوة المفترضة يجب أن تقتصر على الحدود لا الوجود داخل الجيب المحاصر.

المهمة والنطاق

وحسب البند 15 في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، ستعمل الولايات المتحدة "مع الشركاء العرب والدوليين لإنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة للانتشار في غزة على الفور".

والقوة الدولية ضمن بنود المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار الذي رعته قطر ومصر وتركيا والولايات المتحدة، والتي تتضمن أيضا انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، لكن لم يبدأ التفاوض بشأنها حتى الآن.

كما تشمل هذه المرحلة نزع سلاح "حماس" (وهو أمر ترفضه الحركة حتى الآن)، وإنشاء جهاز إدارة مؤقت تابع للهيئة الانتقالية الدولية الجديدة في غزة يُسمى "مجلس السلام" برئاسة ترامب.

وفي ظل الغموض حولها، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في 24 أكتوبر: إن القوة الدولية التي ستنتشر في غزة ما زالت قيد التشكيل، وإن دولا عديدة تُبدي اهتماما بالمشاركة، دون تقديم تفاصيل أخرى.

ونقل موقع أكسيوس الأميركي في 30 أكتوبر أن مسؤولين في إدارة ترامب يجرون محادثات مع عدة دول بشأن إنشاء قوة دولية ستشمل وحدات من الشرطة الفلسطينية ونشرها في غزة، مبينا أن القيادة المركزية الأميركية تعمل على صياغة خطة بهذا الشأن ستقدم خلال أسابيع.

وقالت القناة الإسرائيلية الثانية: إن واشنطن تسعى إلى تسريع تشكيل القوة المتعددة الجنسيات في غزة، الأمر الذي يثير خلافا بين واشنطن وتل أبيب.

وفي 26 أكتوبر، قال رئيس حماس في غزة خليل الحية خلال مقابلة مع قناة "الجزيرة" القطرية: إن حركته ترحب بجهات عربية وإسلامية لتكون ضمن القوات الأممية التي جرى التوافق عليها.

وأكد أن "المهمة المركزية لهذه القوات هي حفظ وقف إطلاق النار ومراقبته وحفظ الحدود، وليس لها عمل في داخل قطاع غزة".

وحسب خطة ترامب “ستتمثل مهمة هذه القوة بتدريب قوات الشرطة الفلسطينية المعتمدة في غزة وتقديم الدعم لها، والتشاور مع الأردن ومصر اللتين تتمتعان بخبرة واسعة في هذا المجال”.

كما تشمل مهمتها العمل مع تل أبيب والقاهرة "للمساهمة في تأمين المناطق الحدودية".

وبدوره، أكد رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن قطر تعمل مع الولايات المتحدة على تحديد صلاحيات واضحة للقوات الدولية التي ستشارك في اتفاق السلام في غزة، “لضمان أمن الجميع الفلسطينيين والإسرائيليين دون أن يشكل أي منهما تهديداً للآخر”.

وشدد آل ثاني في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية، على أن الشرطة والسلطة الفلسطينيتين يجب أن تتوليا شؤون قطاع غزة والضفة الغربية، مشيرا إلى أن أي قوة عربية أو إسلامية لن تطلق النار على الفلسطينيين.

وبدورها، أكدت صحيفة التلغراف البريطانية في 31 أكتوبر أن دور قوة حفظ السلام لا يزال قيد النقاش وأنه ومن غير الواضح ما إذا كانت ستتولى مسؤولية نزع سلاح حماس أم ستكتفي بحفظ الأمن في غزة بعد تخلي الحركة عن سيطرتها.

وقال الحية في التصريحات المشار إليها سابقا: "نحن شعب تحت الاحتلال، ومن حقنا بالقانون الدولي أن نواجهه".

وأضاف: "سلاح الفصائل مرتبط بوجود الاحتلال والعدوان، فإذا انتهى هذا الاحتلال وأقيمت لنا دولة فلسطينية، سيتحول السلاح وحاملوه إلى الدولة".

وعن موقف تل أبيب، قالت المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية شوش بيدروسيان، في 27 أكتوبر 2025: إن تفاصيل القوة الدولية ما زالت قيد البحث، وسيتم الإعلان عنها لاحقًا، بعد الانتهاء من هذه التفاصيل"، مؤكدة أن تل أبيب "تعمل من أجل سيطرة أمنية شاملة" على قطاع غزة.

ولم تحدد بيدروسيان، طبيعة هذه السيطرة أو آليات تنفيذها، ما يثير مخاف فلسطينية من تكريس الاحتلال بصيغة أمنية جديدة عبر قوة شكلية تتحكم إسرائيل بتشكيلها والدول التي تتشكل منها.

التفويض والمشاركون

وبينما تطالب السلطة الفلسطينية وعدة دول بإقرار نشر قوة حفظ السلام والاستقرار عبر مجلس الأمن الدولي، ترفض إسرائيل هذا الأمر، كما تتحفظ على مشاركة دول بعينها في القوة المذكورة.

وطالب كل من الأردن وألمانيا، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2025 بحصول القوة الدولية على تفويض من مجلس الأمن وذلك خلال منتدى "حوار المنامة" في العاصمة البحرينية.

وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي: "كلنا متفقون على أنه من أجل أن تتمكن قوة الاستقرار من أن تكون فاعلة في أداء مهمتها، يجب أن تحصل على تفويض من مجلس الأمن".

فيما أعرب نظيره الألماني يوهان فاديفول عن دعم برلين أيضاً لمنح القوة الدولية في غزة تفويضاً أممياً، ورأى أنها ستكون “بحاجة إلى سند واضح في القانون الدولي”.

وأقر بأن ذلك "يكتسب أهمية بالغة بالنسبة للدول التي قد تكون مستعدة لإرسال قوات إلى غزة، وللفلسطينيين". وأضاف: "ترغب ألمانيا أيضا في أن ترى تفويضا واضحا لهذه القوة".

فيما قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في 3 نوفمبر: إنّ القوة الدولية المزمع نشرها لمراقبة الأوضاع وتثبيت وقف إطلاق النار في غزة، بحاجة إلى صدور قرار أممي حول شكلها وماهيتها تتحدد طبيعة المشاركة الدولية فيها.

وجاءت تصريحات فيدان في مؤتمر صحفي عقده عقب اجتماع وزاري إسلامي ضم: قطر والسعودية والإمارات والأردن، وإندونيسيا وباكستان.

ولكن، أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن تل أبيب لديها تحفظات على إنشاء القوة الدولية في قطاع غزة عن طريق مجلس الأمن، على غرار قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك العاملة في لبنان وسوريا.

كما شددت على أنها تعارض مشاركة قوات تركية ضمنها، في الوقت الذي يصر فيه ترامب على دور تركي في القطاع سواء عبر المشاركة بالقوة المذكورة أو في إعادة الإعمار.

وفي 22 أكتوبر، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال استقباله جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي بالقدس، عن رفضه نشر قوات تركية في غزة، مبينا أن لديه “آراء قاطعة” في هذا الشأن.

فيما صرح دي فانس أن أنقرة سيكون لها "دور بناء" مع الدخول في المرحلة التالية من الاتفاق، لكنه شدد على أن دخول أي قوات أجنبية، بما في ذلك التركية، سيتطلب موافقة صريحة من إسرائيل.

وعاد نتنياهو وأكد في 26 أكتوبر خلال اجتماع مجلس الوزراء أن “إسرائيل دولة مستقلة وسياستنا الأمنية في أيدينا"، مضيفا: "نحن من سيقرر هوية القوات الدولية المقبولة لدخول غزة بعد الحرب”.

من جانبها، تشدد أنقرة على أنها ستشارك في القوة وأن قواتها المسلحة يمكنها أن تعمل بصفة عسكرية أو مدنية وفق ما تقتضيه الحاجة.

وبعد وقف إطلاق النار، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: إن بلاده يمكنها أن تقوم بدور "ميداني" في غزة، دون تفصيل.

وإلى جانب تركيا، قالت صحيفة جيروزاليم بوست: إن إسرائيل ترفض بشكل قاطع مشاركة قطر بالقوة، كون الدولتين تربطهما علاقات دبلوماسية بحماس.

وأضافت نهاية أكتوبر أن قطر وتركيا “تأسستا على مبادئ جماعة الإخوان المسلمين، وهي نفس الجذور الإسلامية المتطرفة لحماس”. وفق تعبيرها.

وبدورها، نقلت صحيفة التلغراف عن مصادر دبلوماسية قولها: إن الجنود المنتشرين في غزة ضمن قوة حفظ السلام سيقتصرون على المسلمين.

وتكهّن بعض المحللين بأنّ إندونيسيا، التي خفّفت من حدة موقفها تجاه إسرائيل في الأشهر الأخيرة، ستلعب دورًا في هذه القوة، وفق جيروزاليم بوست.

وتوقعت أيضًا أن تُسهم مصر والإمارات العربية المتحدة في هذه القوة، في وقت نفى الأردن على لسان وزير خارجيته مشاركتها بها.

فيما قالت مصادر لموقع أكسيوس: إن إندونيسيا وأذربيجان ومصر وتركيا أظهروا استعدادهم للمساهمة بقوات في القوة الدولية المقرر نشرها في قطاع غزة.

ثغرات وصعوبات

ويوضح مدير الشؤون القانونية والسياسات في منظمة سكاي لاين الدولية لحقوق الإنسان محمد عماد أنه “من ناحية قانونية بحتة، يجري إنشاء مثل هذه القوة بقرار من مجلس الأمن طبقا للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة لتثبيت وقف إطلاق النار أو الفصل السابع عبر فرضها بالإجبار”

وأردف في حديث لـ"الاستقلال": “بغض النظر عن المواد القانونية، بعد إنشاء القوة بقرار مجلس الأمن، فإن سلطتها تتبع للأمين العام للأمم المتحدة ويتضمن ذلك اختصاصها والحصانة الممنوحة لها وسلطاتها العسكرية والميدانية”.

وذكر أنه “عادة، يأخذ تشكيل القوة في الحسبان طبيعة الأوضاع الميدانية في المكان التي ستنشر فيه بشكل عام”.

ولكن “قطاع غزة عبارة عن بيئة معقدة قانونيا وسياسيا وميدانيا للتعامل مع القوة وذلك لعدة تقديرات”، وفق عماد.

أولها أن القطاع يخضع لسلطة الاحتلال وإن كان بشكل غير مباشر منذ ما قبل الحرب، إذ إن "إسرائيل تتحكم بالمجال البحري والجوي والبري”.

وثانيا، التعقيدات الميدانية بوجود فصائل فلسطينية مسلحة، في أمر لا يتماشى مع الجهات القانونية الدولية التي ترفض ذلك.

كما أن “إسرائيل تضع العراقيل باشتراطات معينة وترفض وجود قوات من دول معينة مثل تركيا".

وبالتالي يرى أن “الأمر لن يكون سهلا، خاصة مع تعنت تل أبيب أصلا بتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار وعدم التزامها بالجداول الزمنية”.

ورابعا، تحدث عماد عن الضبابية القانونية في كيفية تشكيل القوات والصلاحيات الممنوحة.

وأكد أنه على مدار تاريخها في لبنان وبعض الدول الإفريقية، كان يقتصر عمل قوات حفظ السلام الدولية على المراقبة فقط دون أي دور حقيقي.

وهنا طرح سؤالا بالقول: حتى إذا جرى تشكيلها بقرار من مجلس الأمن، هل ستكون القوة قادرة على لجم إسرائيل ووقف انتهاكاتها؟

وهل تستطيع الدول المشاركة ضمان حماية المدنيين وإيصال المساعدات التي نصت عليها اتفاقية وقف إطلاق النار أم أن الأمر سيكون مجرد وجود صوري؟

وتابع عماد: "كلها نقاط يجري إثارتها ولا يوجد أي قانوني يمكن أن يقدم إجابة في هذه المعطيات السياسية المتغيرة والحساسة".

ورأت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن إحلال السلام يتطلب من إدارة ترامب الشروع فوراً في مبادرة دبلوماسية جادة رفيعة المستوى، لإنشاء ونشر قوة دولية في غزة.

وأوضحت الصحيفة في 27 أكتوبر أن "من شأن هذه القوة أن تُهيئ الظروف لملء الفراغ الأمني ​​المتزايد في غزة، والسماح للفلسطينيين بالحكم الذاتي، وضمان عدم تعرض إسرائيل للتهديد، ولاحقاً يمكنها معالجة المسائل السياسية الشائكة في خطة السلام، مثل كيفية نزع سلاح حماس".

وتحدثت عن طرح وزير الخارجية الأميركي مشروع قرار في الأمم المتحدة يجيز إنشاء قوة دولية في غزة، مطالبة بالإسراع في التفاوض عليه وتمريره من قبل مجلس الأمن الدولي.

واقترحت الصحيفة أن تتم الاستفادة من بعض بنود الخطة التي وضعها وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، بشأن إدارة غزة وتأمينها. 

كما اقترحت تفويض بلير بالعمل مع القيادة المركزية الأميركية لتحديد الأهداف العسكرية وقواعد الاشتباك للقوة الدولية.

وطرحت جاكرتا كمرشح أمثل لقيادة القوات، واحتمال مشاركة القاهرة وباكو فيها، مبينا أنه يمكن نقل مركز التنسيق المدني العسكري الذي أُنشئ أخيراً في إسرائيل إلى مصر.