عدالة مؤجلة.. لماذا تحوّل لبنان إلى محطة عبور لضباط نظام الأسد؟

مصعب المجبل | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، تتعاظم المطالب المحلية والدولية بملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة بحق السوريين، سواء عبر المحاكم الوطنية أو من خلال آليات قضائية دولية.

وتثار تساؤلات جدية حول مدى استعداد لبنان، بوصفه دولة مجاورة، للتعاون في تسليم ضباط محسوبين على النظام السوري السابق يُعتقد أنهم موجودون داخل أراضيه.

مذكرة تعقب

ورغم غياب تأكيدات موثقة حول أماكن وجود الضباط المطلوبين داخل لبنان، فإن جهات قضائية دولية أصدرت طلبات اعتقال وملاحقة بحق بعضهم. وقد شمل ذلك كلا من:

  • جميل الحسن الذي شغل منصب قائد المخابرات الجوية، وصدر بحقه أكثر من طلب توقيف دولي بتهم الجرائم ضد الإنسانية.
  • علي مملوك، مدير مكتب الأمن القومي، وأحد أبرز شخصيات أجهزة الأمن قبل سقوط النظام.
  • عبد السلام محمود، مدير فرع التحقيق في المخابرات الجوية، وهو متهم بارتكاب انتهاكات واسعة.

وتسلّمت السلطات القضائية اللبنانية مذكرة رسمية من الجانب الفرنسي تطلب تعقّب الضباط الثلاثة والتحقق من وجودهم داخل لبنان، وتسليمهم إلى القضاء الفرنسي، في ظل وجود ضحايا يحملون الجنسية الفرنسية من أصل سوري تعرضوا لانتهاكات على أيدي تلك الأجهزة. ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، عن مصدر قضائي لبناني بارز قوله: إن النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار تلقى استنابة قضائية بهذا الخصوص.

وأضاف المصدر أن الطلب الفرنسي تضمّن أرقام هواتف لبنانية يجرى التواصل من خلالها مع الضباط المطلوبين، بناءً على معطيات ناتجة عن مراقبة اتصالات، وأن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي وضعت هذه المعطيات قيد المتابعة. وتمثل هذه المعلومات إشارة مهمة قد تعزز فرضية وجود الضباط الثلاثة داخل لبنان أو تواصلهم من أراضيه.

كما يعد هذا أول اعتراف رسمي داخل لبنان ببدء تحقيق أمني محلي يتعلق بإمكانية تحول لبنان إلى ملاذ لضباط متورطين في جرائم بحق الشعب السوري.

وكانت فرنسا قد اتخذت خطوات مماثلة سابقا؛ إذ صدر في أبريل/نيسان 2023 قرار قضائي بمحاكمة علي مملوك، وجميل الحسن، وعبد السلام محمود، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية، على خلفية اعتقال وقتل المواطن الفرنسي مازن دباغ ونجله باتريك في سجن المزة العسكري عام 2013، وإعلان وفاتهما عام 2018.

الملاذ الحرج

وصلت إلى السلطات اللبنانية رسالة من الإنتربول تطلب توقيف جميل الحسن في حال ثبوت وجوده على الأراضي اللبنانية، وقد أكّدت الحكومة اللبنانية حينها أنها تتعاون مع هذا الطلب. ويُعتقد أن عددا من ضباط النظام الفارين بعد سقوطه عبروا إلى لبنان بحكم الارتباطات الوثيقة بينهم وبين جهات سياسية وأمنية لبنانية، بخلاف الحدود الأردنية الأكثر إحكاما.

وأكّدت مصادر قضائية لبنانية لوكالة رويترز في ديسمبر/كانون الأول 2024 وجود إشعارات موجهة للسلطات اللبنانية لتوقيف بعض هؤلاء حال العثور عليهم. كما تشير تقديرات قضائية وإعلامية إلى وجود عشرات من ضباط النظام داخل لبنان، يختلفون في الرتب والخلفيات.

وفي حادثة لافتة، ظهر اللواء بسام الحسن، مدير المكتب الأمني والعسكري في القصر الجمهوري السوري سابقا، في مقابلة سرية مع شبكة CNN من داخل شقة في بيروت. ووفق ما نُقل، فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (FBI) هو من سهل عودته إلى بيروت في أبريل/نيسان 2025 مقابل تقديمه معلومات حول فترة حكم الأسد.

كما ألقت السلطات اللبنانية القبض على لواء متقاعد من جيش النظام السابق يدعى (حكمت. ف. م) بعد دخوله لبنان خلسة، وكان بحوزته مبالغ مالية وذهب. وتم كذلك توقيف ضباط آخرين في مناطق بشمال لبنان، غير أن القضاء العسكري أفرج عنهم لعدم وجود ملفات أمنية بحقهم داخل لبنان.

وفي المقابل، تمكّن مسؤولون آخرون من مغادرة لبنان، بينهم رفعت الأسد الذي غادر إلى دبي، إضافة إلى أفراد من عائلة الأسد، وكذلك بثينة شعبان التي دخلت الأراضي اللبنانية بصورة شرعية ثم غادرتها لاحقاً.

تعاون محتمل

شهدت الفترة الماضية مباحثات لبنانية ـ سورية لإبرام اتفاقية تعاون قضائي قد تتيح تبادل المطلوبين بين البلدين وفق الأصول القانونية. وأعلن وزير العدل السوري مظهر الويس في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2025 إحراز تقدم في هذا المسار، خلال مؤتمر صحفي في بيروت بحضور وزير العدل اللبناني عادل نصار ونائب رئيس الحكومة طارق متري.

ويرى خبراء أن تعميق هذا التعاون قد يشكل مدخلا لتسليم ضباط مطلوبين دوليا، خصوصا إذا كانت مذكرات التوقيف صادرة عن الإنتربول.

وضمن هذا السياق، يؤكد رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية، العميد المتقاعد عبدالله الأسعد، لـ"الاستقلال" أن ما يجري حاليا "لا يقتصر على تبادل معلومات بين الدول وسوريا، بل يشكل إطار تعاون دولي منظم يهدف إلى ملاحقة مرتكبي الجرائم التي وقعت خلال الأعوام الأربعة عشر الماضية، بعد أن زوّدت دمشق عددا من الدول بأرشيفات ووثائق تتعلق بالمتورطين في جرائم حرب وانتهاكات إنسانية".

وأضاف الأسعد: "يبدو أن لبنان سيكون جزءا من هذا المسار، خصوصا أن الحكومتين اللبنانية والسورية وقعتا خلال السنوات الأخيرة اتفاقيات ثنائية تتعلق بمكافحة تهريب المخدرات والسلاح، ومنع تسريب الأسلحة إلى المليشيات داخل لبنان، وهي اتفاقيات تمهّد لتوسيع التعاون القضائي والأمني بين البلدين ليشمل ملفات المطلوبين قضائيا".

ولفت الأسعد إلى أن "ملفات الجنايات الموصوفة وجرائم الحرب تقع ضمن اختصاص الإنتربول الدولي الذي يملك صلاحية مخاطبة وزارات الداخلية في الدول الأعضاء من أجل تسليم الأشخاص المدرجين على النشرة الحمراء، ويأتي في مقدمتهم الضباط السوريون الثلاثة المطلوبون من قبل فرنسا: جميل الحسن، وعلي مملوك، وعبد السلام محمود، المتهمون بارتكاب جرائم واسعة ضد المدنيين والصحفيين، بينهم مواطنون فرنسيون".

ويرى الأسعد أن "ملف الضباط المطلوبين سيشهد توسعا خلال المرحلة المقبلة ليشمل أسماء جديدة لفرّارين دخلوا لبنان، بينهم ضباط ذوو خبرات تقنية وأمنية مثل العميد بسام حسن، وآخرون يُعتقد أنهم استقروا في مناطق حدودية لبنانية منذ انهيار النظام في دمشق".

وختم الأسعد بالقول: "لبنان سيتعاون مع سوريا في تسليم الضباط المطلوبين؛ لأن البلدين وقّعا اتفاقية قضائية مشتركة لملاحقة المجرمين، كما أن وجود هؤلاء يشكل خطراً على سوريا وعلى لبنان في آن واحد".

وكشفت صحيفة "نداء الوطن" اللبنانية، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2025، عن معلومات خطيرة تفيد بوجود شخصيات أمنية سورية سابقة متوارية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتحظى بحماية مباشرة من حزب الله، وذلك بعد فشلها في مغادرة لبنان إلى دول أخرى.

وسبق ذلك ما نشرته الصحيفة ذاتها في تقرير آخر بتاريخ فبراير/شباط 2025، نقلا عن مصادر خاصة، يؤكد أن العقيد علي أحمد الظاهر، رئيس فرع المداهمة (215) ومدير مكتب اللواء كفاح ملحم، والذي شغل سابقا منصب ضابط فرع الأمن في بيروت قبل سقوط نظام الأسد بأربعة أشهر إلى جانب المقدم غدير عبدالكريم سلوم، رئيس قسم الأمن العسكري في الغوطة الشرقية والمسؤول عن مجازر واسعة، والنقيب حسين عبدالكريم سلوم، مدير مكتب اللواء كمال الحسن، قد حصلوا جميعا على مواعيد لاستخراج جوازات سفر من السفارة السورية في بيروت بتاريخ 17 فبراير/شباط 2025.

وبحسب التقرير جرى ذلك بالتواطؤ مع القائم بالأعمال في السفارة السورية ببيروت، علي دغمان، الذي وفر لهؤلاء الضباط غطاءً دبلوماسياً وأمنياً مكّنهم من دخول مبنى السفارة عبر سيارات تابعة لها، مع تأمين الحماية الكاملة خلال وجودهم داخلها.

وتُعدّ هذه الواقعة مؤشرا على تورط محتمل لممثلين دبلوماسيين سوريين في مساعدة مطلوبين دوليا، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام مساءلة قانونية وفق اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، ويزيد من الضغوط الداخلية والدولية على الحكومة اللبنانية لتوضيح موقفها من أنشطة السفارة السورية داخل أراضيها.