"معاداة الإسلام السياسي".. كيف تنظر إسرائيل إلى انفصال منطقة القبائل؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

في خطوة كانت منتظرة، أعلنت حركة تقرير مصير منطقة القبائل استقلال الإقليم عن الجزائر، في وقت بدأت فيه بعض الأطراف الخارجية غير الرسمية في إظهار مواقف قد تؤثر في مسار هذا الإعلان ومستقبله.

وأعلنت "حركة تقرير مصير منطقة القبائل" (ماك)، في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2025، بالعاصمة باريس، الاستقلال وتشكيل "الجمهورية الاتحادية للقبائل" وانفصال منطقة القبائل عن الجزائر.

وقال زعيم الحركة، فرحات مهني، في كلمته: "أعلن رسميا استقلال منطقة القبائل، وأنه، ووفقا لدستورها، أصبحت القبائل من الآن فصاعدا جمهورية اتحادية ديمقراطية وعلمانية".

وحركة "ماك" هي منظمة سياسية أمازيغية، كانت تطالب بالحكم الذاتي لمنطقة القبائل في شمال الجزائر حتى عام 2013، لكنها بعد ذلك طالبت بحق "تقرير المصير" ودعت إلى الانفصال.

اعتراف دبلوماسي

في هذا السياق، رأى أستاذ العلاقات الدولية الإسرائيلي، إيمانويل نافون، أن "على إسرائيل تجاوز المراقبة الحذرة وتبني دعم سياسي مبدئي، يُفضي مع مرور الوقت إلى اعتراف دبلوماسي، باستقلال منطقة القبائل”.

جاء ذلك في مقال له نشره معهد “القدس للإستراتيجية والأمن”؛ حيث أكَّد على أن هناك أساسا إستراتيجيا يسمح لإسرائيل أن تبني عليه اعترافها بمنطقة القبائل.

وقال: "سعت إستراتيجية إسرائيل التاريخية المعروفة بـ(إستراتيجية الأطراف) إلى بناء شراكات مع دول غير عربية وجماعات أقليات جرى تهميشها في ظل أنظمة إقليمية مهيمنة".

ورغم أن اتفاقيات أبراهام عززت بدرجة كبيرة اندماج إسرائيل الإقليمي -وفق المقال- فإنها لم تلغ الأهمية الإستراتيجية للجهات الفاعلة الطرفية العلمانية والموالية للغرب والمعارضة للإسلام السياسي.

وتمثل منطقة القبائل -بحسب نافون- إحدى هذه الجهات الفاعلة في شمال إفريقيا؛ إذ تُعبّر قيادتها عن رؤية علمانية وديمقراطية، وترفض العنف السياسي، وأبدت تضامنها مع إسرائيل، لا سيما في أعقاب عملية 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

واستطرد: “كما أبدى ممثلو منطقة القبائل اهتماما بالمشاركة في إطار اتفاقيات التطبيع، مما يشير إلى توجه خارجي يتماشى مع التعاون الإقليمي بدلا من المواجهة الأيديولوجية”.

وبالتالي، فإن اعتراف إسرائيل بمنطقة القبائل سيُمثل -بحسب المقال- تكييفا معاصرا لإستراتيجية الأطراف، استجابة لواقع ما بعد اتفاقيات التطبيع، من دون إحياء الأطر السابقة بصورة آلية أو ميكانيكية.

ويرى نافون أن "التكاليف الدبلوماسية المرتبطة بدعم إسرائيل لقبيلة القبائل محدودة، فالجزائر تتخذ موقفا عدائيا تجاه إسرائيل، بما في ذلك في المحافل متعددة الأطراف، ولن يُغير الاعتراف بقبيلة القبائل هذا الوضع بشكل كبير".

تحديات إقليمية

وبحسب المقال، فإن موقف المغرب يتسم بقدر أكبر من التعقيد، فقد عملت الرباط على إدماج الهوية الأمازيغية ضمن إطار سياسي مركزي، مع الحفاظ على معارضتها الصريحة للنزعات الانفصالية، إلى جانب تنافسها الإستراتيجي مع الجزائر.

وبناء عليه، فإن أي انخراط إسرائيلي مع منطقة القبائل سيستلزم حوارا حذرا مع المغرب، غير أن التحفظ المغربي لا ينبغي افتراض أنه سيتحول إلى معارضة فعلية؛ خاصة في ضوء عمق التعاون الإستراتيجي القائم بين إسرائيل والمغرب. وفق تقييم نافون.

وتابع: "أما الموقف الفرنسي إزاء منطقة القبائل فيتحدد ضمن شبكة كثيفة من القيود التاريخية والداخلية والإستراتيجية".

ولفت نافون إلى أن "إرث حرب الاستقلال الجزائرية ما زال يلقي بظلاله على الخطاب السياسي الفرنسي، في حين تسهم الكتلة السكانية الكبيرة من أصول جزائرية داخل فرنسا في رفع منسوب الحساسية إزاء قضايا الهوية ومخاطر التطرف".

وأضاف: "كما أن التعاون الأمني الفرنسي مع الجزائر، لا سيما فيما يتعلق بمنطقة الساحل، إضافة إلى دور الجزائر في تنويع إمدادات الطاقة الأوروبية عقب الحرب في أوكرانيا، يعززان تفضيل باريس لنهج قائم على الاستقرار والحيطة".

وبناء على ذلك، تتعامل فرنسا مع منطقة القبائل بصفتها متغيرا سياسيا ينبغي احتواؤه أكثر من كونها قضية معيارية قائمة على حق تقرير المصير، وفق نافون.

فهي تتسامح مع أنشطة المجتمع المدني والنقاشات البرلمانية المتعلقة بحقوق القبائل، لكنها تتجنب أي خطوة قد تُفهم على أنها تأييد للاستقلال.

وأردف: "يعكس الاتحاد الأوروبي هذه المقاربة إلى حد كبير، فبينما تؤكد مؤسساته على حقوق الأقليات والاندماج الثقافي، تبقى متحفظة بنيويا إزاء الانخراط في مطالب تقرير المصير خارج حدود الدول القائمة".

ورأى نافون أن "هذا التحفظ يتعزز  بفعل التحديات الإقليمية الداخلية التي تواجهها أوروبا نفسها، من كتالونيا إلى إسكتلندا، وهو ما يثنيها عن إرساء سوابق قد ترتد عليها داخليا".

واستطرد: “عمليا، تعطي سياسات الاتحاد الأوروبي أولوية لتجنب الصراعات على حساب الانخراط المبدئي القائم على المبادئ”.

موقف واشنطن

وقال نافون: إن "الولايات المتحدة، بدورها، تتعامل مع مطالب تقرير المصير من خلال إطار براغماتي قائم على المصالح، لا عبر دعم قاطع أو رفض مبدئي مطلق".

وأوضح أن "السياسة الأميركية دأبت على تجنب تبني حق عام في الانفصال، مع الإقرار في الوقت ذاته بأن بعض الحالات الخاصة قد تستوجب دعما في ظل شروط وسياقات محددة".

ويعتقد الباحث الإسرائيلي أن "في حالة القبائل، من غير المرجح أن تقود واشنطن جهود الاعتراف بها. فالجزائر ليست خصما إستراتيجيا مركزيا للولايات المتحدة، لكنها في الوقت ذاته ليست شريكا أساسيا".

وأضاف "نتيجة لذلك، لا تحتل قضية القبائل موقعا متقدما على أجندة صانع القرار الأميركي. وعليه، فإن الموقف الأميركي يُفترض أن يميل إلى المراقبة أكثر من التدخل".

واستدرك: "غير أن ضبط النفس الأميركي لا ينبغي تفسيره بوصفه معارضة، فواشنطن دأبت عموما على الامتناع عن تثبيط جهود تقرير المصير السلمية القائمة على الأطر المؤسسية، لا سيما حين لا تنطوي هذه الجهود على صراع مسلح أو زعزعة للاستقرار الإقليمي".

فضلا عن ذلك "أبدت واشنطن تاريخيا تساهلا مع قرارات الاعتراف المبكرة التي تتخذها دول حليفة قريبة، متى صيغت هذه القرارات في إطار مبدئي وجاءت وفق تسلسل مدروس".

بالنسبة لإسرائيل، يُعد هذا التمييز مهما -وفق المقال- فالدعم الإسرائيلي لقضية القبائل، لا سيما إذا صيغ على نحو مرحلي ومشروط ومسنود بتبرير قانوني، من غير المرجح أن يثير احتكاكا جديا مع واشنطن.

وتابع: "بل على العكس، سيُفهم هذا النهج ضمن المنطق الأميركي المألوف القائم على التقييم حالة بحالة، لا بصفته تحديا لمعايير سلامة الأراضي".

وقال نافون: إن "اعتراف إسرائيل بمنطقة القبائل لا يتطلب موافقة أميركية ليكون ذا جدوى إستراتيجية، مع ذلك، سيستفيد هذا الاعتراف من التشاور المسبق والشفافية في طرحه".

وأفاد بأن "التركيز على إستراتيجية القبائل السلمية، وتطويرها المؤسسي، وتوجهها المدني، من شأنه أن ينسجم مع التوجهات المعيارية الأميركية".

إضافة إلى ذلك، فإن "وضع القبائل ضمن السياق الأوسع للتكامل الإقليمي في مرحلة ما بعد اتفاقيات أبراهام، بدلا من تصويرها كحالة انفصالية معزولة، سيتوافق مع الأولويات الإستراتيجية الأميركية التي تركز على الاستقرار والتطبيع ومكافحة الأيديولوجيات المتطرفة".

وعلى هذا، يرى نافون أن "السياسة الإسرائيلية تجاه إقليم القبائل ينبغي أن تمضي نحو هدف محدد ومعلن بوضوح. ويمكن أن تبدأ هذه السياسة بإصدار مواقف سياسية داعمة لحق القبائل في تقرير المصير، على أن تكون مشروطة بالالتزام بالنهج السلمي وبالحكم الديمقراطي".

"ثم، ومع استمرار وترسخ البناء المؤسسي، يمكن أن تتبع هذه الخطوات اعترافا دبلوماسيا رسميا". وفق توصية الباحث.

ورأى أن "من شأن سياسة كهذه أن تعزز السردية الإستراتيجية لإسرائيل بوصفها داعما للأقليات والشعوب غير العربية، وأن توفر في الوقت نفسه حوافز واضحة للسلوك السياسي السلمي وغير العنيف".