إيران وإسرائيل بين حسابات القوة وحدود الردع.. من يملك قرار الحرب؟

يوسف العلي | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي يتحدث فيه الإعلام العبري عن أن اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل وإيران بات “قريبا لا محالة”، مع استعدادات إسرائيلية لهجوم واسع النطاق، ترى الصحافة الإيرانية أن هذا الخيار تراجع بشكل ملحوظ، في ظل فقدان تل أبيب وطهران على حد سواء المقومات الحقيقية للذهاب إلى مواجهة عسكرية شاملة.

وفي 13 يونيو/حزيران 2025، شنت إسرائيل، بدعم أميركي، عدوانًا على إيران استمر 12 يومًا، استهدف مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية، إلى جانب اغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين. وردّت طهران حينها بضربات صاروخية غير مسبوقة، نالت مرافق حيوية داخل تل أبيب، في أخطر مواجهة مباشرة بين الطرفين.

حرب حتمية؟

بعد أن وضعت حرب الأيام الـ12 أوزارها بين إيران وإسرائيل، عادت الأسئلة الجوهرية لتفرض نفسها داخل الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية، وعلى رأسها: هل تلوح في الأفق حرب جديدة؟ وإذا كان ذلك محتملاً، فما طبيعة هذه المواجهة وحدودها؟ وهل لا يزال بالإمكان احتواؤها أو منع اندلاعها؟

في هذا السياق، يقول الخبير السياسي الإيراني منصور أنصاري: إن "السؤال الأكثر أهمية لا يتعلق فقط باحتمال اندلاع حرب جديدة — وهي حرب يصفها كثيرون، حتى داخل دوائر صنع القرار الإيرانية، بأنها حتمية — بل بما إذا كانت إيران قادرة على تحقيق مكسب فعلي منها". ويتساءل أنصاري عمّا إذا كان المشهد المقبل سيشهد حرباً فاصلة، أم مجرد سلسلة من العمليات الإيذائية الدقيقة والمتبادلة، بعيدة المدى، بين الطرفين.

ويرى أنصاري، في مقال نشرته صحيفة "هم ميهن" 15 ديسمبر/كانون الأول 2025، أن "السيناريو الأرجح لا يتمثل في حرب تقليدية ذات جبهات برية واضحة، بل في صراع جوي وغير مباشر، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول إدراج هذا النمط ضمن الحروب غير المتكافئة".

ويطرح الكاتب جملة من الأسئلة الإشكالية، قائلا: “في حال تجدد التصعيد، ما طبيعة الأهداف المحتملة؟ هل ستكون البنى التحتية الحيوية، وقطاعات الطاقة، والمراكز الاقتصادية ضمن دائرة الاستهداف، بما يعنيه ذلك من تحميل كلف الحرب مباشرة للمواطنين؟ وفي المقابل، إذا نُفذت ضربة رد، فما أولويات الأهداف حينها؟”

ويخلص أنصاري إلى أن «تقديم إجابات واضحة عن هذه الأسئلة، أو على الأقل طرحها بصدق وشفافية، يُعد شرطاً أساسياً للعقلانية في صنع القرار". 

ويضيف أن السؤال الذي لا يزال يخيّم على الرأي العام، رغم بساطته الظاهرية، يبقى ثقيلاً في مضمونه: “هل حرب أخرى تلوح في الأفق؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل ما زال هناك متسع لتفاديها، أم أننا أمام مسار لا مفر منه؟”

في المقابل، يتبنى الخبير السياسي مصطفى قرباني قراءة أكثر حذرا؛ إذ يرى في مقابلة نشرتها صحيفة «جوان» الأصولية في 13 ديسمبر/كانون الأول، أن «التوقعات التي سادت عقب وقف الأعمال العدائية بشأن اندلاع حرب جديدة لم تتحقق، رغم مرور قرابة ستة أشهر على تلك المرحلة».

ويشير قرباني إلى أن إسرائيل تعمل حالياً على إبقاء أجواء الحرب مشتعلة على المستوى الإعلامي والنفسي، في محاولة لبث القلق وإدامة التوتر، من دون امتلاك المقومات الفعلية للذهاب إلى مواجهة عسكرية جديدة.

ويعزو قرباني تراجع احتمالات الحرب إلى عدة عوامل، أبرزها اهتزاز الجبهة الداخلية الإسرائيلية، التي كانت تاريخيا بعيدة عن الاستهداف المباشر، بعدما نجحت الصواريخ الإيرانية خلال الحرب الأخيرة في تقويض شعور الأمن لدى سكان الأراضي المحتلة، ما شكّل ضربة إستراتيجية للعقيدة الإسرائيلية القائمة على "نقل الحرب إلى أرض العدو".

كما لفت إلى تراجع هامش التفوق الجوي الإسرائيلي في مواجهة تطور القدرات الدفاعية والهجومية الإيرانية، الأمر الذي أفقد تل أبيب أحد أهم عناصر قوتها. ورأى أن "رهان إسرائيل انتقل من الحسم العسكري إلى محاولة زعزعة الجبهة الداخلية الإيرانية عبر إثارة الفوضى، إلا أن هذه المحاولة فشلت؛ حيث أسهمت الحرب في تعزيز التماسك والوحدة الوطنية داخل إيران بدل إضعافها".

وختم قرباني بالقول: إن "أذرع المقاومة الإقليمية لم تُهزم كما كان مأمولا إسرائيليا، كما أن تنامي مستويات التعاون الدولي مع إيران بعد الحرب يمثل عامل ردع إضافيا"، مستنتجا أن “احتمال اندلاع حرب جديدة يبقى ضعيفا، وإن كانت طهران مطالبة بالحفاظ على أعلى درجات الجاهزية تحسبا لأي مفاجآت مستقبلية”.

حدائق خلفية

في مقابل القراءات الإيرانية المتباينة لاحتمالات اندلاع حرب جديدة، كشف الجانب الإسرائيلي عن ملامح مقاربته للصراع مع طهران، سواء على المستوى الأمني أو الإستراتيجي. فقد صرّح رئيس جهاز "الموساد" ديفيد برنيع، في 17 ديسمبر/كانون الأول، بأن “إيران لم تتخلَّ عن طموحها لتدمير إسرائيل»، مؤكداً أن هذا التوجه "لا يزال يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الإسرائيلي”.

وأضاف برنيع، خلال مراسم تكريم لعناصر من الجهاز في القدس المحتلة، أن "مسؤولية الموساد والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية تتمثل في ضمان عدم عودة إيران إلى استئناف برنامجها النووي". مشددا على أن «إسرائيل ستواصل اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمنع طهران من امتلاك قدرات نووية عسكرية".

وأكد أن الأجهزة الأمنية تتابع التحركات الإيرانية "عن كثب"، وأن هذا الملف سيظل أولوية قصوى خلال المرحلة المقبلة.

في السياق ذاته، حذّرت صحيفة «إسرائيل هيوم» العبرية، في تقرير نشرته بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني، من تزايد احتمالات المواجهة العسكرية، وترى أن «الجهود الدبلوماسية وصلت إلى طريق مسدود»، وأن خطر اندلاع حرب جديدة «أقسى وأكثر عنفاً من السابق» آخذ في الارتفاع.

وأشار التقرير إلى أن الطرفين خرجا من حرب الأيام الـ12 وكلٌّ منهما يعلن «النصر»: فإسرائيل ترى أنها نجحت في إضعاف القدرات النووية الإيرانية، بينما ترى طهران أن صمودها وقدرتها على تعويض القادة الذين اغتيلوا خلال 24 ساعة يشكل إنجازاً ورسالة قوة.

وأضافت الصحيفة أن فشل المفاوضات النووية وعودة عقوبات مجلس الأمن عبر «آلية الزناد» في 27 سبتمبر/أيلول جعلا إيران أقل قلقاً من احتمال الحرب، بالتوازي مع تركيزها على تعزيز قدراتها الصاروخية وتطوير دفاعاتها الجوية، مع التلويح بإمكانية تنفيذ ضربة وقائية.

ولفت التقرير إلى أن إسرائيل استفادت في الحرب السابقة من عنصر المفاجأة والدعم الأميركي غير المسبوق، إلى جانب منظومات عسكرية متطورة، إلا أن حصولها على المستوى ذاته من الدعم في أي حرب مقبلة يبقى موضع شك. ورأت الصحيفة أن ارتفاع الجاهزية الإيرانية إلى جانب الغموض المحيط بالموقف الأميركي، قد يضع إسرائيل أمام تحديات أكثر تعقيداً، ليبقى السؤال المركزي: «ما الهدف الذي يمكن أن تحققه الحرب المقبلة؟»

أما صحيفة “معاريف” العبرية، فسلّطت الضوء على ما وصفته بالتحضيرات الإسرائيلية لحرب محتملة مع إيران عبر إنشاء "حدائق خلفية" إقليمية، تمنح تل أبيب هامشاً أوسع للمناورة، وتتيح لها الاعتماد على مطارات بديلة لتقليل الخسائر في حال تعرضت قواعدها لهجمات صاروخية.

وأفادت الصحيفة، في 17 سبتمبر/أيلول، بأن التحالف مع اليونان وقبرص يُعد تحالفا إستراتيجيا، مشيرة إلى أن اليونان تمتلك قوة جوية متطورة تضم طائرات F-35 وF-16، ما يوفر لإسرائيل إمكانات لوجستية وعسكرية يمكن التعويل عليها في أي صراع محتمل مع إيران. أما قبرص، فرغم امتلاكها قوة جوية أصغر، فإنها تتمتع بقدرات قتالية ومهارات نقل جوي تجعلها بمثابة «حاملة طائرات» متقدمة بالنسبة لإسرائيل.

وخلال حرب الأيام الـ12، تحولت مطارات قبرص واليونان إلى قواعد بديلة للطائرات المدنية الإسرائيلية، فيما أجرى سلاح الجو الإسرائيلي تدريبات على استخدام مدارج مطارات قبرص كقواعد إنزال احتياطية في حال تعطلت مدارج قواعده الرئيسة بفعل هجمات صاروخية إيرانية.

وكانت "معاريف" قد أكدت في تقرير سابق نشرته في 8 سبتمبر/أيلول أن الحرب بين إيران وإسرائيل "قادمة لا محالة، عاجلاً أم آجلاً"، وترى أن «الملف الإيراني لم يُغلق بعد"، وأنه "ينبغي مواصلة توجيه ضربات إسرائيلية عنيفة إلى المؤسسات الإيرانية كافة، إلى جانب استمرار استهداف رؤوس القيادة".

طوارئ صامتة

حول مدى واقعية الحديث عن تراجع احتمالات اندلاع حرب جديدة، كما تروّج له بعض وسائل الإعلام الإيرانية، يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط بهاء الدين البرزنجي أن هذا الاحتمال "قائم بالفعل، لكن ليس للأسباب التي يوردها الإعلام الإيراني". ويرى أن تلك القراءات “لا تخلو من مبالغات، لا سيما في ما يتعلق بتقدير قدرات إيران وأذرعها الإقليمية، التي تراجعت فاعليتها بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023”.

ويقول البرزنجي في حديث لـ"الاستقلال": إن “الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو العامل الحاسم في كبح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استئناف الحرب مع إيران"، مرجعاً ذلك إلى رغبة واشنطن في إنجاح ما يصفه بـ"السلام المزعوم” بين غزة وتل أبيب، وفي المنطقة عموما.

ويضيف أن “خيار الحرب مع طهران ليس بيد إسرائيل وحدها، بل بيد الولايات المتحدة الأميركية". موضحاً أن تل أبيب لا تُقدم على أي مواجهة واسعة مع إيران من دون ضوء أخضر أميركي ودعم مباشر، وأن "غياب هذا الغطاء يجعل إسرائيل أكثر تردداً في خوض معركة محفوفة بالمخاطر”.

ويلفت البرزنجي إلى أن “إيران تراهن في المقابل على إحداث اختراق في علاقتها مع الولايات المتحدة، والتوصل إلى تفاهمات تتعلق ببرنامجها النووي، بما يضمن تقليص احتمالات تعرضها لهجوم إسرائيلي”.

في المقابل، يقدّم الكاتب الأردني عدنان الروسان قراءة أكثر تشاؤما؛ إذ يرى أن “الهدوء الذي يلف أجواء الإقليم ليس سوى هدوء حذر، وربما خادع، وقد يكون مشبعاً بالمفاجآت”.

ويقول، في مقال نشره على حسابه في موقع “فيسبوك” بتاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول: إن "طبول الحرب تُقرع بقوة، رغم محاولات التقليل من شأنها خلال الأسابيع الماضية".

ويعتبر الروسان أن المشهد الإقليمي يعيش حالة “طوارئ صامتة”. مشيرا إلى أن إيران، وكذلك إسرائيل، تستعدان لأسوأ السيناريوهات. 

ويضيف أن طهران تتصرف “وكأن الحرب قد تبدأ في أي لحظة”، من خلال إجراء مناورات عسكرية في مياه الخليج، وتشديد الإجراءات الأمنية الداخلية، لا سيما تجاه الفئات التي تتهمها بالضلوع في شبكات تجسس، إلى جانب فرض رقابة صارمة لتفادي تكرار الخروقات الأمنية التي شهدتها المرحلة الماضية.

ويرى الكاتب الأردني عدنان الروسان أن "الحرب المقبلة ستكون مختلفة كلياً عمّا سبقها، حرب كسر عظم بكل المقاييس"، مؤكداً أن هذا الإدراك حاضر بقوة لدى إيران وحزب الله، وهو ما يفسّر ـ بحسب تعبيره ـ حجم التحركات والنقاشات التي تجرى في "الغرف المغلقة"، والتي تختلف كثيرا عمّا يظهر إلى العلن في الخطاب الإعلامي والسياسي.

ويضيف الروسان أن «الحسابات الإسرائيلية تبقى تكتيكية ومحدودة الأفق، بل وخاوية من المضمون الإستراتيجي بالنسبة لمعظم الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها"، معتبراً أن تل أبيب تسعى إلى جولة حرب جديدة أساساً لاستعراض قوة اليمين الإسرائيلي أمام الدول العربية، لا لتحقيق أهداف إستراتيجية قابلة للاستدامة. ويشدّد في المقابل على أن واشنطن "لن تغامر بالانجرار خلف الرغبات الإسرائيلية إذا ما تعارضت مع مصالحها الأوسع في المنطقة".

ويخلص الكاتب الأردني إلى أن “احتمال اندلاع الحرب يبقى مرتفعاً”، مرجّحاً أن تكون المواجهة “قد اقتربت أكثر من أي وقت مضى”، في ظل استمرار الاستعدادات الصامتة والتصعيد غير المعلن بين أطراف الصراع.