"قانون تجريم الاستعمار".. هل يعيد توتير العلاقات الجزائرية الفرنسية؟

عالي عبداتي | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

صادق البرلمان الجزائري بالإجماع على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر ويصفه بأنه "جريمة دولة" ويطالب باريس باعتذار رسمي، في مقابل موجة غضب شديدة عبّرت عنها أوساط اليمين الفرنسي المتطرف، في وقت يؤشر فيه هذا القانون إلى استمرار حالة التأزم السياسي والدبلوماسي بين البلدين.

وتقدّم رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، بمقترح القانون، يوم السبت 20 ديسمبر/كانون الأول 2025، أمام نواب المجلس. مؤكدًا أن الخطوة تندرج ضمن فعل سيادي ذي بعد تاريخي، يعبّر عن إرادة الدولة الجزائرية في صون ذاكرتها الوطنية والدفاع عن كرامة شعبها.

وشدد بوغالي، خلال الجلسة، على أن المقترح يعكس موقفًا أخلاقيًا واضحًا، وتمسكًا ثابتًا بحق الدولة غير القابل للتصرف في حماية الذاكرة الجماعية، والدفاع عن كرامة الأمة الجزائرية، بعيدًا عن أي حسابات ظرفية أو تقديرات سياسية آنية.

وأوضح أن عرض هذا المقترح يمثل لحظة وعي ووفاء، ومحطة فارقة في مسار الجزائر الحديثة، تجدّد من خلالها المؤسسة التشريعية التزامها تجاه التاريخ الوطني وضمير الأمة، مؤكدًا أن هذه الخطوة تنطلق من مسؤولية تاريخية لا تقبل التردد أو المساومة.

وأشار بوغالي إلى أن قضية تجريم الاستعمار الفرنسي تمثل قضية وطنية جامعة، تتجاوز الانتماءات السياسية والاختلافات الأيديولوجية، بصفتها مرتبطة بتضحيات الشهداء وكرامة الشعب الجزائري، لافتًا إلى أن الثقة التي منحها له النواب تعكس إدراكًا جماعيا لأهمية وحدة الصف في القضايا المصيرية.

وبيّن رئيس المجلس أن مقترح القانون يتضمن تحديدًا دقيقًا لجرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، مع تحميل الدولة الفرنسية مسؤوليتها القانونية عن ماضيها الاستعماري، وإقرار آليات للمطالبة بالاعتراف الرسمي والاعتذار الصريح إلى جانب إدراج أحكام جزائية تُجرّم تمجيد الاستعمار أو الترويج له.

وشدد بوغالي على أن هذا التوجه لا يستهدف أي شعب، ولا يرمي إلى الانتقام، بل يستند إلى مبدأ قانوني وأخلاقي راسخ، مفاده أن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن تبريرها أو طمسها تحت أي ذريعة.

وتطرق رئيس المجلس إلى الطبيعة الحقيقية للاستعمار الفرنسي، معتبرًا إياه مشروعًا متكاملًا للاقتلاع والتجريد، قائمًا على اغتصاب الأرض ونهب الثروات، وإقصاء الجزائريين وتجريدهم من حقوقهم، فضلًا عن سياسات ممنهجة للتجويع والتهميش ومحاولات طمس الهوية الوطنية.

كما ذكّر بسياسات التهجير القسري، والمجازر الجماعية، وممارسات التعذيب داخل السجون والمعتقلات، إضافة إلى التفجيرات النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية، وما خلّفته من آثار صحية وبيئية خطيرة ما تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم. مؤكدًا أن هذه الجرائم لا تقبل النسيان ولا تسقط بالتقادم.

رسالة سياسية

ورأى بوغالي أن مقترح قانون تجريم الاستعمار يمثل وفاءً لتضحيات الشهداء وصونًا لكرامة الأمة، ورسالة سياسية واضحة مفادها أن الذاكرة الوطنية الجزائرية ليست محل مساومة، وأن بناء المستقبل لا يمكن أن يتم من دون مواجهة الماضي بالحقيقة والإنصاف.

وفي ختام عرضه، أكد رئيس المجلس أن الجزائر تجدد، من خلال هذه المبادرة، التزامها بعلاقات دولية قائمة على الاحترام المتبادل والندية، مع رفضها القاطع لأي محاولات لإنكار الجرائم أو طمس الحقائق، مشددًا على أن المصالحة الحقيقية لا تقوم إلا على الاعتراف والاعتذار وتحمل المسؤولية.

وكان رؤساء المجموعات البرلمانية بالمجلس الشعبي الوطني قد عقدوا اجتماعًا، يوم الإثنين 15 ديسمبر/كانون الأول 2025، بمقر المجلس، أعلنوا خلاله اتفاقهم بالإجماع على تفويض إبراهيم بوغالي لعرض مشروع قانون تجريم الاستعمار باسم جميع الكتل السياسية.

وأكدت المجموعات البرلمانية، في بيان مشترك، أن المشروع سيُقدَّم باسم كل الكتل الممثلة في المجلس، بصفته مطلبًا وطنيًا جامعًا يسمو فوق التقديرات السياسية والحزبية، ويجسد وحدة الصف البرلماني حول الثوابت الوطنية.

وأضاف البيان أن المشروع يعكس الإرادة الصادقة للنواب والتزام العهدة التشريعية التاسعة بحفظ الذاكرة الوطنية، والدفاع عن تاريخ الجزائر ونضالها التحرري بكل حزم ووضوح.

ويأتي القانون في سياق فتور العلاقات الجزائرية-الفرنسية، الذي تفاقم بفعل أزمة دبلوماسية مستمرة منذ صيف عام 2024، لا سيما بعد إعلان باريس دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لحل نزاع الصحراء الغربية.

في المقابل، تواصل الجزائر دعم جبهة البوليساريو، وتستضيف على أراضيها مخيمات اللاجئين الصحراويين، فضلًا عن دعمها قيادة الجبهة سياسيًا ودبلوماسيًا.

الضفة الفرنسية

وعلى الضفة الأخرى، ورغم غياب أي تعليق رسمي من السلطات الفرنسية على القانون، تناولت وسائل إعلام فرنسية متفاعلة هذا التطور، وترى أنه يأتي في سياق شديد التأزم بين البلدين، ووجّهت انتقادات لإدارة الرئيس إيمانويل ماكرون للعلاقات الثنائية.

وفي هذا السياق، ذكر موقع bvoltaireالفرنسي، بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2025، أن الرئيس ماكرون يتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية في هذا التدهور. مشيرًا إلى تصريحات سابقة أدلى بها في فبراير/شباط 2017، عدّت آنذاك مشجعة للطرح الجزائري بشأن الذاكرة الاستعمارية.

وأوضح الموقع أن الجزائر لا تسعى اليوم إلى اعتذار شفهي فقط، بل تطالب باعتراف سياسي ودبلوماسي وقانوني ومالي بما تعده جرائم فرنسية ارتُكبت على أراضيها خلال فترة الاستعمار.

وبناءً على ذلك، يرى المصدر أن القانون ليس مجرد نص رمزي، خاصة أنه يصنف الاستعمار بوصفه "جريمة دولة"، ويطالب بالاعتراف والاعتذار والتعويض.

وأضاف الموقع أن النص قد يمنع أي خطاب يتحدث عن "إيجابيات" مزعومة خلفها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، مثل البنية التحتية والموانئ وشبكات الطرق.

وخلص إلى احتمال وجود ارتباط بين إثارة هذا المشروع في هذا التوقيت، وبين إعلان منظمة القبائل المعروفة اختصارًا بـ"ماك" استقلالها عن الجزائر، وإعلان قيام جمهورية فيدرالية قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، ويرى أن الجزائر تسعى إلى تأكيد وحدتها الداخلية في ظل هذه التطورات.

كما توقفت إذاعة "مونت كارلو الدولية" عند سياق المشروع، موضحة أنه يأتي في مرحلة شديدة الحساسية بين الجزائر وفرنسا، على خلفية ملفات قضائية وإعلامية ساهمت في تجدد التوتر بين الطرفين.

وأشارت الإذاعة، في تحليل نشرته بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول 2025 إلى أن المشروع طُرح بعد فترة وجيزة من التهدئة النسبية التي أعقبت الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال، غير أن العلاقات سرعان ما عادت إلى التوتر عقب الحكم الاستئنافي القاضي بسجن الصحفي الرياضي الفرنسي كريستوف غليزيس سبع سنوات، وهي قضية أثارت ردود فعل واسعة في الأوساط الإعلامية والسياسية الفرنسية.

وأضافت الإذاعة أن ملف الهجرة غير النظامية يشكل عامل توتر إضافيًا، في ظل رفض الجزائر استقبال عدد من المرحّلين من فرنسا، معتبرة أن بعض إجراءات الترحيل لا تستوفي الشروط القانونية والإدارية المتفق عليها بين البلدين.

وخلصت إلى أن تراكم هذه الملفات أسهم في تعقيد الحوار بين الطرفين، في وقت ما تزال فيه الاتصالات الثنائية صعبة، وهو ما ينعكس سلبًا على مجمل العلاقات الجزائرية- الفرنسية.

دلالات تاريخية

من زاوية أخرى، رأى موقع lematindalgerie، بتاريخ 20 ديسمبر/كانون الأول 2025، أن الجزائر وباريس دخلتا مرحلة جديدة من التوتر بعد شروع البرلمان في مناقشة مشروع القانون. مشددًا على أن "الخطوة ذات دلالات تاريخية قوية تثير تداعياتها الدبلوماسية تساؤلات عدة".

ونقل الموقع عن وزير شؤون المجاهدين وذوي الحقوق، عبد الملك تشريفت، تأكيده أن الفظائع التي ارتُكبت خلال أكثر من 132 عامًا من الحكم الاستعماري، من إعدامات وترحيل وتعذيب ممنهج ومصادرة للأراضي ومحاولات طمس الهوية الوطنية، تُعد جرائم لا تسقط بالتقادم بموجب القانون الدولي.

وأكد الوزير أن هذه الجرائم لا يمكن نسيانها أو التقليل من شأنها، مشددًا على أن الذاكرة تشكل ركنًا أساسيًا من أركان السيادة الوطنية.

بدورها، قالت المحامية والمؤرخة الجزائرية فاطمة بن براهم: إن التاريخ المشترك بين الجزائر وفرنسا لا بدّ من مواجهته، ولا يجوز تجاهله.

وأضافت، في تصريح لموقع rfiالفرنسي بتاريخ 21 ديسمبر/كانون الأول 2025، أن الجزائريين ينظرون إلى الاستعمار كسلسلة متواصلة من الجرائم، وترى أن الاستعمار جريمة ضد الإنسانية يجب الاعتراف بها ومعاقبة مرتكبيها.

وأكدت أن هذا النص يحمل أهمية بالغة للشعب الجزائري، بصفته قانونًا تاريخيًا يعيد التقدير لكرامة الجزائريين، ويعترف بقيمة نضالهم الممتد من عام 1830 إلى 1962.

ويُذكر أن وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف كان قد دعا، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، إلى "تجريم الاستعمار في إفريقيا". مؤكدًا أن هذا الاستعمار شنّ حروب إبادة ضد السكان الأصليين ونهب مواردهم.

وقال عطاف، خلال افتتاح مؤتمر دولي حول الجرائم الاستعمارية في إفريقيا بالعاصمة الجزائرية: إن الوقت قد حان لتجريم الاستعمار برمته، بدل الاكتفاء بإدانة بعض ممارساته وآثاره.

وبحسب رئيس الدبلوماسية الجزائرية، فإن لإفريقيا الحق في المطالبة بالاعتراف الرسمي والصريح بالجرائم المرتكبة ضد شعوبها خلال الحقبة الاستعمارية، والمطالبة بتعويض عادل واستعادة الممتلكات المنهوبة.

خطوة رمزية

في المقابل، يرى المحامي الجزائري إسماعيل معراف أن قانون تجريم الاستعمار، رغم ما يحمله من دلالات سياسية قوية، يظل أقرب إلى خطوة رمزية منه إلى إجراء قانوني قابل للتنفيذ العملي.

وأوضح معراف، في تصريح لـ"الاستقلال"، أن نصًا مشابهًا طُرح خلال عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن يتم التراجع عنه عقب مراجعات قانونية خلص إليها خبراء مختصون، مفادها أن مثل هذا التشريع لن يفضي إلى نتائج ملموسة.

وأرجع ذلك إلى الإطار القانوني الحاكم للعلاقات الجزائرية-الفرنسية، لا سيما اتفاقيات إيفيان الموقعة عام 1962، التي أنهت الحرب رسميًا وألغت أي إمكانية للمساءلة القانونية عن الأفعال التي ارتكبها الجنود الفرنسيون آنذاك، وهو ما يشكل، برأيه، عائقًا بنيويًا أمام فتح ملفات قضائية بأثر رجعي.

وأشار إلى أن ملف التعويضات الذي يُعد من أكثر القضايا حساسية بالنسبة للجزائريين، يبقى خارج نطاق التطبيق العملي، في ظل غياب استعداد فرنسي للاستجابة لمطالب مماثلة، سواء تعلق الأمر بضحايا الحقبة الاستعمارية أو بملف التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية وما خلّفته من أضرار صحية وبيئية مستمرة.

وبناءً على هذه المعطيات، يرى معراف أن القانون يندرج أساسًا ضمن ردود فعل سياسية رمزية، أكثر من كونه أداة قانونية قادرة على فرض اعتراف رسمي أو انتزاع تعويضات ملموسة.

في المقابل، يرى الخبير الدستوري موسى بودهان أن الجزائر، من خلال قانون تجريم الاستعمار، تضع المنتظم الدولي أمام مسؤولياته الأخلاقية والقانونية، وتطالبه بالإنصاف.

وأضاف بودهان، في تصريحات صحفية، أن القانون من شأنه تحديد الجرائم مكتملة الأركان التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر، ومنها الإبادات الجماعية.

وأوضح أن النص يتضمن أيضًا أحكامًا ثانوية تتعلق بتثبيت مسؤولية فرنسا عن هذه الجرائم، وآليات المطالبة بالاعتراف والاعتذار والتعويض، فضلًا عن إدراج عقوبات جزائية على ترويج الاستعمار أو تمجيده.

وشدد على أن جرائم الاستعمار لا تسقط بالتقادم، وأن هذا القانون يمكن أن يفتح المجال أمام مقاضاة دولة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية. مشيرًا إلى أن التنسيق مستمر بين مختلف مكونات المجتمع الجزائري لتمرير قانون تجريم الاستعمار.