“فلنتجه شرقا”.. كيف كشفت حرب غزة هشاشة تحالفات إسرائيل الغربية؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

رأت مسؤولة إسرائيلية سابقة أن على دولة الاحتلال التوجه شرقا، والتقارب مع الهند، بعد أن تخلى عنها حلفاؤها القدامى في أوروبا.

جاء ذلك في مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية للعضو السابقة في الكنيست والخبيرة في العلاقات الدولية، غدير كمال مريح.

وقالت: إن "الحرب في غزة قدّمت درسا قاسيا لإسرائيل، وهو أن الصداقة ليست فلسفة مجردة، بل موقف عملي يتجسد في الحليف الذي يظل ثابتا حين ينفض الآخرون من حولك".

وأضافت: "كما يقال، فإن الصديق الحقيقي هو من يتقدم خطوة إلى الأمام عندما يتراجع الجميع. لم يكن هذا درسا نظريا بالنسبة لإسرائيل، بل تجربة مُعاشة كشفت بوضوح من هم الشركاء الحقيقيون في لحظات العزلة".

تغيير جذري

وبحسب مريح، فقد :فتحت الحرب في الوقت ذاته الباب أمام فرص ثمينة لتغيير جذري في السياسة الخارجية لإسرائيل قد يدوم لعقود".

وقالت: "بينما تخلّى حلفاء قدامى كألمانيا عن إسرائيل في منعطفات حاسمة رغم روابطهما التاريخية، وفرضت، ثم رفعت لاحقا، حظرا جزئيا على الأسلحة لتهدئة الضغوط الداخلية الناتجة عن تنامي ثقل الجاليات المسلمة، وقفت دولة واحدة ثابتة: الهند".

"فبينما كان الجيش الإسرائيلي يسابق الزمن لتعويض الصواريخ الألمانية المضادة للدروع ومحركات الدبابات، كانت الطائرات المسيرة الموسومة بعبارة (صنع في الهند)، من إنتاج مشروع (أداني-إلبيت) (Adani-Elbit) المشترك في حيدر آباد، تهيمن على أجواء غزة دون انقطاع"، وفق الكاتبة.

وأفادت بأن "الطائرات المسيّرة الهندية وفرت معلومات استخباراتية حيوية، وساهمت في تنفيذ ضربات دقيقة استهدفت مقاتلي حركة حماس".

وقالت: "لقد خدم التركيز الإسرائيلي التقليدي على الشركاء الغربيين، لا سيما أوروبا والولايات المتحدة، مصالحها على مدى عقود".

واستدركت: "غير أن انغماس أوروبا في مستنقع حرب أوكرانيا، إلى جانب أزمتها الداخلية التي فاقمتها سياسات الهجرة التي ارتدت عليها، يجعل من الضروري اليوم إعادة توجيه البوصلة نحو الشرق".

هنا تبرز الهند "كقوة صاعدة كبرى، تحتل المرتبة الثالثة عالميا بعد الولايات المتحدة والصين، وتتشابه في كثير من ملامحها مع التجربة الإسرائيلية نفسها، فهي دولة ديمقراطية محاطة بجوار صعب، مع خصوم مثل باكستان والصين"، بحسب تشبيه مريح.

وقالت: "يعكس الهجوم الإرهابي الأخير على (القلعة الحمراء) في نيودلهي، الذي أودى بحياة خمسة عشر شخصا في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، حجم التهديدات المشتركة التي تواجهها الدولتان".

وتابعت: "في المقابل، لا تقل نقاط القوة المشتركة وضوحا؛ فكلتاهما تمتلك اقتصادا حيويا ومتناميا، إذ سجل الاقتصاد الهندي نموا لافتا بلغ 8.2 بالمئة في الربع الممتد من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول 2025، إلى جانب قطاع تكنولوجي متقدم وديناميكي يفتح آفاقا واسعة للتكامل والتعاون بين الجانبين".

نقلة نوعية

وذكرت المسؤولة السابقة أن "الهند تُظهر تضامنا كبيرا مع إسرائيل، فحتى مع تأجيل الزيارة الرسمية المقررة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بسبب هجوم دلهي المأساوي، تبقى الهند القوة الكبرى الوحيدة، إلى جانب الولايات المتحدة التي توجه مثل هذه الدعوة".

ورأت أن هذه "بادرة تضامن في ظل الانتقادات الحادة التي تواجهها إسرائيل جراء الاحتجاجات المناهضة لها في العواصم الأوروبية".

وأشارت إلى أنه "إذا ما أُحسن التخطيط لهذه الزيارة، المقررة مطلع عام 2026، فقد تشكل نقطة تحول ذات دلالة إستراتيجية".

فوزير التجارة الهندي، بيوش غويال، الحليف المقرب لرئيس الوزراء ناريندرا مودي، يتبنى بقوة الدفع نحو اتفاقية تجارة حرة مع إسرائيل، وقد جرى توقيع الشروط المرجعية لهذه الاتفاقية قبل شهر واحد فقط.

ويأتي ذلك في وقت تتعثر فيه المفاوضات التجارية لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع نيودلهي.

وبالنسبة لإسرائيل، قد تُحدث اتفاقية التجارة الحرة نقلة نوعية، مثل خفض الرسوم الجمركية، وفتح سوقٍ تضم 1.4 مليار مستهلك، وتعزيز الصادرات في مجالات التكنولوجيا والزراعة والدفاع.

لكن التجارة ليست سوى البداية -وفق المقال- فقد سلطت حرب غزة الضوء على أولوية أخرى وهي تأمين طرق التجارة.

"فمع قيام الحوثيين بخنق حركة الملاحة في البحر الأحمر وتجفيف ميناء إيلات، في حين تفرض الشركات الصينية حظرا على الشحنات الإسرائيلية، تعلمنا، بعد تجربة قاسية، مدى أهمية ممرات التجارة الإستراتيجية"، بحسب الكاتبة مريح.

إمبراطورية أداني

ويبرز هنا الملياردير الهندي غوتام أداني، الذي تمتد إمبراطوريته لتشمل أكثر من 20 ميناء، بما فيها ميناء حيفا، بالإضافة إلى المطارات ومشروع الطائرات المسيّرة المشترك الذي نفّذ مهام رغم الانتقادات الدولية.

ويُعدّ أداني، المقرب من مودي، من بين أكثر قادة الأعمال نفوذا في العالم، وأحد شركاء إسرائيل الثابتين في وقت يتردد فيه الكثيرون، بحسب وصف الكاتبة.

وقالت إن "استحواذه على ميناء حيفا وتحديثه مقابل 1.2 مليار دولار ليس مجرد استثمار، بل هو ركيزة إستراتيجية لوجود الهند في البحر الأبيض المتوسط".

بالتوازي مع ذلك، أسهم المشروع المشترك بين "أداني-إلبيت" في تسريع قدرة الهند على تصنيع الطائرات المسيّرة، بينما أصبح النظام الأوسع لـ"أداني"، بمثابة بيئة تجريبية حقيقية للتكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلية.

مثال حديث على ذلك هو شركة "أوتاريو"، التي شاركت في تطوير مجموعة أداني للأمن السيبراني للمطارات (Airport Cyber Fusion Suite)، قبل أن تستحوذ عليها شركة "أرميس" في وقت سابق من العام 2025.

وأردفت أنه "في وقت يتردد فيه آخرون في الاستثمار فيما يسمونه (صهيون)، تشكل محفظة أداني العمود الفقري للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، بوصفه البديل الجاد الوحيد لمبادرة الحزام والطريق الصينية".

وتُصبح أصوله بسرعة محاور لا غنى عنها في بنية تجارية وأمنية جديدة مُتحالفة مع الهند، تمتد من بحر العرب إلى أوروبا، بحسب الكاتبة مريح.

وأشارت إلى أن “استثمارات أداني المحورية ودوره في الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا لم تمر دون أن تثير انتباه خصوم إسرائيل”.

وأفادت مريح بأنه “منذ توطيد العلاقات، واجه حملات تشويه في الولايات المتحدة وإسرائيل، بدءا من حملة مضاربة على المكشوف شنها بائعو أسهم ضد شركاته، وثبت لاحقا عدم صحتها، وصولا إلى لائحة اتهام من وزارة العدل الأميركية جرى تجميدها لاحقا”.

وأضافت: "في هذا المسعى المستمر ضد رجل الأعمال الهندي، تُروَّج أخيرا لرواية تزعم وجود صلة بينه وبين إيران، مدعومة بعروض رِشا مجهولة المصدر".

وختمت مريح بالقول: "بعد سنوات من سياسة متذبذبة تجاه الصين، وتجاهل الفرصة الهائلة في الهند، حان الوقت لاغتنام الفرصة. يجب أن نتجاوز التذمر من تراجع الدعم الأوروبي، وأن نحتضن هذا الشريان الحيوي الهندي. فلنتجه شرقا، نحو مصير مشترك يضمن لنا جميعا مستقبلا آمنا".