موقع روسي: الشرع ليس خاضعا لتركيا لكن أردوغان قد يؤثر عليه بشأن قواعد موسكو

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

قبل عام واحد فقط، شهد الشرق الأوسط حدثا مفصليا غيّر ملامح المنطقة بأكملها: ففي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 أعلنت المعارضة المسلحة في سوريا سيطرتها على دمشق، بينما فرَّ الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا. 

وبعد أشهر، وقع ما لم يكن أحد يتوقعه؛ إذ زار أحمد الشرع، زعيم جماعة "هيئة تحرير الشام" الذي أطاح بالأسد، أولا الكرملين ثم البيت الأبيض، بصفته الجديدة كزعيم سوريا.

وللوقوف على تأثير هذه التطورات على مكانة روسيا في الشرق الأوسط، وعما إذا كانت فقدت موسكو بالفعل نفوذها في سوريا، استطلع موقع "آر تي في" الروسي أراء عدد من الخبراء، في منطقة الشرق الأوسط وخارجها الذين أجمعوا على أن سقوط حكومة الأسد المفاجئ في أواخر 2024 غيَّر المشهد السوري بشكل جذري.

طرطوس وحميميم

وبحسب الموقع "يرى هؤلاء أن المهمة الأساسية لموسكو الآن هي الحفاظ على سيطرتها على قواعدها العسكرية: القاعدة البحرية  في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية، اللتين استأجرت روسيا حق استخدامهما لمدة 49 عاما في عهد الأسد".

مشددين على أنه "بالنسبة لموسكو، لا تمثل هذه القواعد مجرد نافذة على الشرق الأوسط، بل أيضا بوابة نحو إفريقيا".

ويقول نيكولاي سوخوف، الباحث البارز في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية: إن روسيا "تحاول تحويل وجودها العسكري -في طرطوس وحميميم- إلى ورقة سياسية".

فوفقا له، "لم تعد هذه القواعد مجرد أدوات ضغط، بل أصبحت حججا في المفاوضات، ورمزا لقدرة موسكو على ضمان قدر من الاستقرار ولو شكليا".

لكن مستقبل هذه القواعد، بحسب سوخوف، لا يزال غامضا ويخضع لمساومات مستمرة. 

فبحسب تقديره "تدرك موسكو أنها فقدت نفوذها الاحتكاري على دمشق، لكنها تسعى، في الوقت ذاته، إلى الحفاظ على دورها كضامن أمني ووسيط سياسي".

مضيفا أنه "منذ زيارة الشرع إلى موسكو في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، تراهن الدبلوماسية الروسية على صيغة متعددة الأطراف، مقدمة نفسها كمنسق في قضايا الأمن والبنية التحتية، من دون استعداد للاستثمار في الاقتصاد السوري".

“ليس خاضعا بالكامل لتركيا”

“لم تعد سوريا تلعب دور الحليف الإستراتيجي لروسيا؛ إذ بدأ أحمد الشرع الذي وصل إلى السلطة بعد سقوط نظام الأسد، في انتهاج سياسة خارجية متعددة الاتجاهات”.

هذا ما أكَّده في حديثه للموقع الروسي أركادي ميلمان، السفير الإسرائيلي السابق في موسكو ورئيس برنامج دراسة روسيا في معهد دراسات الأمن القومي العبري(INSS).

وأضاف: "الزعيم السوري الجديد، الذي كان يعدّ في الولايات المتحدة سابقا (إرهابيا شديد الخطورة)، تمكن خلال عام 2025 من إلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وعقد لقاءات مباشرة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحتى الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وتابع: "يحاول الشرع بناء علاقات مع الجميع، ولا يستبعد إمكانية التوصل إلى نوع من الاتفاق مع إسرائيل".

واستطرد: "من كان يصدق قبل عام أو حتى نصف عام أن أحمد الشرع سيصافح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض؟"

من جانبه، أوضح الباحث السياسي التركي كريم هاس أن الملف السوري ما زال "ساخنا جدًا" بين روسيا وتركيا العضو في الناتو، والتي تسيطر على جزء من شمال سوريا. 

وأشار إلى أنه "كما في حالة أوكرانيا، تعرض أنقرة على موسكو دور الوسيط، مستفيدة من علاقاتها الوثيقة مع السلطات السورية الجديدة".

موضحا أنه "ليس من قبيل الصدفة أن وزير الخارجية التركي ورئيس جهاز الاستخبارات السابق هاكان فيدان أكَّد أن الشرع تعاون بشكل وثيق مع الاستخبارات التركية قبيل الإطاحة بالأسد".

ويضيف هاس: "هذا لا يعني أن الشرع خاضع بالكامل لتركيا، لكنه يجد سهولة أكبر في التفاهم مع الأتراك". 

لافتا إلى أنهم "في روسيا، يأملون أن يتمكن أردوغان من التأثير إيجابا على الشرع في مسألة القواعد العسكرية؛ إذ إن الحفاظ عليها أمر بالغ الأهمية لموسكو؛ لأنها تمكنها من توجيه قوتها نحو القارة الإفريقية أيضا، سواء من الناحية اللوجستية أو في مجال نقل المعدات".

ويعتقد الخبير في الشأن الأوراسي أنه "قبيل سقوط نظام الأسد، توصلت موسكو وأنقرة إلى تفاهم غير معلن: القوات الروسية لن تعرقل بشدة تقدم المعارضة المسلحة نحو دمشق، مقابل أن تحتفظ موسكو بنفوذها الأساسي وقواعدها".

وأردف: "وعندما أدركت روسيا أن الأسد لن يتمكن من البقاء في السلطة، مضت نحو هذا التفاهم مع تركيا". 

وبحسبه، "الآن تنتظر موسكو من أردوغان أن يؤثر على السلطات السورية الجديدة".

موازنة نفوذ تركيا

في غضون ذلك، أفاد الموقع الروسي بأنه عندما سُئل نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين عما إذا كانت روسيا تواجه مشكلة في كون قواتها الجوية حاربت في سوريا جماعات كان ينتمي إليها الرئيس السوري الحالي، أجاب باختصار: "لا توجد مشكلة".

بل، وبحسب الموقع، "من المحتمل تدافع إسرائيل أيضا عن القواعد الروسية في سوريا، قد ظهرت تسريبات سابقة بهذا الخصوص، على سبيل المثال في وكالة رويترز".

في هذا السياق، يقول كريم هاس: "إسرائيل تريد بقاء القواعد الروسية في المنطقة لتوازن نفوذ تركيا".

متوقعا أنه "ربما تستأنف حتى الدوريات العسكرية الروسية في جنوب سوريا.

ويقدر أنه "ليست إسرائيل وحدها من تؤيد وجود القواعد الروسية في سوريا، بل حتى بعض الدول العربية مثل السعودية والإمارات أيضا معنية بألا تفرض تركيا نفوذا هائلا في سوريا".

ويضيف: "لا أعتقد أن روسيا في سوريا ما بعد الأسد ستتمتع بنفس النفوذ السابق، على الأقل في المدى القريب.

واستدرك: "لكن إذا نجحت في التوصل إلى اتفاق مع السلطات السورية الجديدة بشأن الاحتفاظ بالقواعد العسكرية، فسيكون ذلك مكسبا كبيرا لموسكو، وأرجّح أن هذا ما سيحدث بالفعل".

أما أركادي ميلمان، السفير الإسرائيلي السابق في موسكو، فيقول: "إذا سألتني هل تراجعت مكانة روسيا أم لا، فالجواب نعم".

وعزا ذلك قائلا: "الحليف الرئيس كان الأسد، ونظامه صمد بالدعم العسكري، عبر القواعد الروسية، وعبر مجموعات صغيرة منتشرة في أنحاء سوريا، وبالتعاون مع الإيرانيين".

ويتابع: "اليوم الوضع مختلف تماما. صحيح أن الشرع زار موسكو والتقى الرئيس بوتين، لكن الأجواء ليست كما كانت في عهد الأسد الأب أو الأسد الابن".

ومع ذلك، يرى ميلمان أيضا أن "موسكو ودمشق ستتوصلان إلى تفاهم بشأن القواعد".

ويختم بالقول: "النظام السوري بصيغته السابقة كحليف إستراتيجي لروسيا لم يعد موجودا، لكن روسيا ستبذل كل ما بوسعها للحفاظ على مواقعها في سوريا، والشرع على الأرجح لا يعارض ذلك".