السعودية والإمارات بين الشراكة والتنافس.. صراع المصالح يرسم ملامح العلاقة المقبلة

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

من الحرب في اليمن، إلى النزاع في السودان، والعلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، وصولا إلى سباق التكنولوجيا والريادة الإقليمية؛ تتعدد أسباب التوتر بين السعودية والإمارات.

فتلك الملفات التي تتضارب فيها مصالح الطرفين، باتت، بحسب موقع "دويتش فيله" الألماني، “تثقل كاهل العلاقة بين البلدين، مما يطرح سؤالا: إلى أي مدى يمكن أن تصمد الروابط القديمة بينهما؟”

تطور طبيعي

واستهل الموقع تقريره مشيرا إلى ما وصفها بـ"الحرب الأهلية في السودان"، التي أصبحت وفق تقييمه “تلقي بظلالها على شبه الجزيرة العربية”؛ حيث “تهدد الخلافات بشأن دعم أطراف متباينة في الصراع، بتدهور العلاقات الدبلوماسية بين السعودية والإمارات”.

وتابع: "فبينما تدعم الرياض قوات الجيش السوداني، تتهم المنظمات الدولية والسعودية، الإمارات بدعم وتسليح الدعم السريع".

وفي تطور لافت، أفاد الموقع بأنه "خلال زيارته لواشنطن في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، قيل إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الضغط على أبوظبي للتخلي عن دعمها للدعم السريع".

وبحسب الموقع، تأتي هذه الخطوة السعودية بعد أن "تحولت الرياض من دعم القوات الحكومية الرسمية في بداية الحرب، إلى التركيز حاليا على لعب دور الوسيط بين الأطراف المتحاربة".

من جانبه، ذكر التقرير أن "الرئيس الإماراتي محمد بن زايد لم يعلق علنا على الطلب السعودي، بل أكد أن أبوظبي ليست طرفا في الحرب الدائرة في السودان".

وفي هذا السياق، قال الباحث البارز في معهد "ربدان للأمن والدفاع" في أبوظبي، كريستيان ألكسندر لـ"دويتشه فيله": إن "ما يحدث هنا هو تطور طبيعي لشراكة وثيقة بين قوتين إقليميتين تزدادان ثقة بأنفسهما".

وأضاف أن "كلا البلدين يسعى إلى تنفيذ خطط تحول وطنية طموحة ويتمتعان بقدر كبير من الاستقلالية الإستراتيجية، الأمر الذي يؤدي أحيانا إلى بروز خلافات واضحة في السياسات".

وتطرق الموقع إلى تاريخ العلاقة بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان قائلا: "عندما تولى ابن سلمان منصب وزير الدفاع في السعودية عام 2015 وهو في التاسعة والعشرين من عمره، كانت الإمارات قد أصبحت عمليا تحت قيادة محمد بن زايد البالغ آنذاك 54 عاما". 

في هذا الصدد، قالت الباحثة في شؤون الخليج لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، سينزيا بيانكو لـ"دويتشه فيله" إن "ابن زايد رأى في ابن سلمان فرصة لبناء تحالف إستراتيجي جديد بين السعودية والإمارات".

وأوضحت بيانكو أن "ابن زايد لم يكن يتقاطع كثيرا في المواقف مع الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، الذي توفي عام 2015، لذلك دعم ابن زايد صعود ابن سلمان إلى منصب ولي العهد ثم إلى موقعه كحاكم فعلي للمملكة عام 2018".

وأضافت: "عندما تُبنى علاقة قوية ووطيدة بهذا الشكل، يصبح من الطبيعي أن تبدو حتى الخلافات الصغيرة كبيرة".

وأشارت بيانكو إلى أنه "منذ 2018 رصدت عدة حالات ظهرت فيها اختلافات بين الجانبين، لكن كلما بدا أن الأمور تتجه نحو التوتر، كان الطرفان يعملان بجد لتجنب تحول الخلاف إلى أزمة كاملة".

ومن أبرز هذه التباينات بين الطرفين، ما حدث في قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، فبحسب التقرير، "عندما واجه ابن سلمان موجة انتقادات دولية واسعة عام 2018 إثر مقتل الصحفي السعودي خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، كان يتوقع دعما كاملا من الإمارات".

"لكن أبوظبي ترددت في تقديم ذلك الدعم خشية أن تتضرر أيضا سمعتها الدولية". بحسب قولها.

ثقب أسود

وأشارت بيانكو إلى أن "الوضع في اليمن شكل مثالا آخر على تباين المواقف، ففي عام 2015، وبعد عام من سيطرة الحوثي المدعومة من إيران على العاصمة صنعاء وإطاحة الحكومة، تدخلت السعودية عبر تحالف يضم تسع دول بينها الإمارات لإعادة الحكومة السابقة إلى السلطة".

واستدركت: "غير أن الإمارات لم تتبع الرياض بشكل أعمى، بل سارت وفق أجندتها الخاصة، حتى وإن أدى ذلك أحيانا إلى تقويض أهداف السعودية".

واستشهدت على ذلك قائلة: "بدأت أبوظبي بشكل خاص في دعم (المجلس الانتقالي الجنوبي) الذي يسعى إلى فصل جنوب اليمن عن شماله الخاضع لسيطرة الحوثيين".

وتابعت: "بينما تفضل السعودية بقاء اليمن موحدا، ولذلك أبدت في الآونة الأخيرة مرونة أكبر تجاه احتمال استمرار الحوثيين في حكم البلاد".

بدوره، عقب الموقع قائلا: "الوضع القائم معقد للغاية، فكل من المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية يقف ضد الحوثيين، لكن بالنسبة للإمارات فإن هذا صراع طال أمده كثيرا".

وأردف: "كانت أبوظبي ترغب منذ وقت طويل في الخروج منه، غير أن ذلك لم يتحقق بسبب المخاطر الكبيرة على سمعتها والخسائر المحتملة".

واستطرد: "بالنسبة للدولة الخليجية، فإن هذا الملف (ثقب أسود) تُضخ فيه أموال طائلة وتُستنزف فيه موارد ضخمة".

فيما يتعلق بالعلاقة بين أبوظبي والرياض، أشار الموقع إلى أن الحكومة اليمنية -المدعومة من السعودية- كثيرا ما كانت تعقد اتفاقيات هدنة مع الحوثيين دون إبلاغ المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو ما أثار استياء الإماراتيين".

وتابع: "تراكمت لدى الإمارات العديد من الملاحظات تجاه السعودية، لكنها تُعبر عنها بحذر شديد لتجنب تفاقم الأزمة، فمن جهة هناك إعادة توزيع لمناطق النفوذ، ومن جهة أخرى، تتمتع السعودية بموقع أفضل من الإمارات في التأثير على مسار الأحداث الإقليمية، بحسب رأي باحثين عرب".

وفي هذا السياق، استبعد الموقع "أن تحدث مواجهات مسلحة مباشرة بين وكلاء السعودية ووكلاء الإمارات، وأن الأمر سيقتصر على عمليات قتالية محدودة وبطيئة".

وحول أهداف الإمارات من التحرك الأخير في حضرموت، أشار الموقع إلى أن "الإمارات تسعى إلى ضمان السيطرة الإستراتيجية على مضيق باب المندب، وهو ما يفسر إنشاء قواعد لها على الضفة الأخرى في الصومال وتعزيز وجودها العسكري في السودان".

وتوقع أن "التصعيد الحالي لا يهدد فقط بمزيد من تفتيت اليمن إلى مناطق نفوذ متعددة، بل يقوض أيضا آخر الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية سلمية".

وتابع موضحا: "فالسعودية، رغم خلافاتها مع الإمارات، كانت حتى وقت قريب تسعى إلى حل دبلوماسي، لكن أي هجوم مباشر من المجلس الانتقالي الجنوبي على مناطق تخضع لقوى موالية للرياض قد ينسف هذه المبادرات ويعيد اليمن إلى مرحلة نشطة من الحرب الأهلية".

في هذا الإطار، رجح الموقع أنه "على المدى القصير قد يشهد اليمن تفاقم الفوضى والأزمة الإنسانية إلى جانب تصاعد التوتر بين الرياض وأبوظبي".

"كما قد يحدث إعادة توزيع للدعم العسكري والاستخباراتي، وهو ما قد تستغله إيران لتعزيز وجودها في اليمن وزيادة دعمها العسكري للحوثيين". وفق قوله.

وأردف: "وعلى المدى الطويل، قد يفتح ذلك الباب أمام دور أكبر لقوى خارجية أخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وربما الصين التي تبدي اهتماما بمسارات الملاحة في المنطقة".

واستطرد: "ورغم أنه إذا تمكنت الإمارات من السيطرة على حضرموت، فإنها ستضعف الحوثيين بشكل كبير عبر قطع طرق إمداد السلاح والمعدات الإيرانية، إلا أن أبوظبي قد تستغل هذا النفوذ للضغط على السعودية، وتعزيز موقعها التفاوضي، ودفع الرياض نحو إنهاء هذا الصراع الذي لا يحقق مكاسب حقيقية لأي طرف".

سيناريوهات مستقبلية

وبخصوص السيناريوهات المستقبلية، يقدر الموقع أن "الإمارات التي تتبنى سياسة متوازنة نسبيا، لن تدفع الأمور إلى تصعيد غير محسوب، وكذلك الرياض ليست بصدد ذلك".

على الصعيد الاقتصادي، أشار الموقع إلى أن "عام 2021 شهد خلافا جديدا بين البلدين داخل منظمة (أوبك)، حين رغبت الإمارات في زيادة إنتاجها النفطي، بينما دفعت السعودية باتجاه خفض الإنتاج ضمن سياسة المنظمة".

واستذكر الخبير في معهد "رابدان" للأمن والدفاع، كريستيان ألكسندر، تلك المرحلة قائلا: "كانت الخلافات قصيرة، وحُسمت عبر الحوار، ثم جرى حلها في إطار إدارة السوق المشتركة." 

وأردف الموقع: "ومنذ ذلك الحين، تعاون البلدان مرارا في عمليات خفض الإنتاج الكبرى، وهو ما يعكس أن التعاون في مجال الطاقة لا يزال أكثر أهمية من المنافسة".

من جانبها، استبعدت صحيفة "الغارديان" البريطانية "إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الاستقلال.

وقالت: "سيكون إعلان الاستقلال التام والفوري خطوة سياسية محفوفة بالمخاطر، نظرا لتجربة دول أخرى اختارت هذا المسار، بما في ذلك الصحراء الغربية، التي اعتقدت أنها تتمتع بدعم دبلوماسي للانفصال عن المغرب، لكنها وجدت أن هذا الدعم يتلاشى".

ورجَّحت الصحيفة أن "يعلن المجلس الانتقالي الجنوبي عزمه إجراء استفتاء حول الانفصال عن الشمال في المدى المتوسط، على أن يظل مستقبله مرهونا في نهاية المطاف بقرارات داعمه الأساسي؛ الإمارات".

وأشارت المحللة في مركز “صنعاء للدراسات الإستراتيجية”، ميساء شجاع الدين، للصحيفة البريطانية إلى أن "إعلان الاستقلال قد يقوض التحالفات الإقليمية والمحلية، وقد يؤدي إلى صراع بين الإمارات والسعودية".

وتوقعت أنه "في حال عقدت مفاوضات، سيتمكن المجلس الانتقالي الجنوبي من المطالبة بدرجة من الحكم الذاتي للجنوب، وستكون السعودية قلقة بشأن مستقبل مراقبة حدودها، بالنظر إلى هجمات الحوثيين السابقة على السعودية".

زاوية مشتركة

في مجال المنافسة الإستراتيجية بينهما لتحقيق الريادة الإقليمية، تناول الموقع دور "الإستراتيجيات الوطنية كمحرك رئيس للخلافات بين أبوظبي والرياض".

وقال: "إلى جانب الخلافات السياسية، وضعت كل من السعودية والإمارات أجندات إستراتيجية تهدف إلى إعداد بلديهما لمرحلة ما بعد النفط، عبر الاستثمار المكثف في التكنولوجيا وتحويلهما إلى مراكز إقليمية للذكاء الاصطناعي".

فقد أعلنت السعودية في أبريل/ نيسان 2016 عن "رؤية 2030" لتجديد اقتصادها ومجتمعها، فيما كشفت الإمارات في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عن "رؤية 2031".

وعقّب المستشار لشؤون الأمن في الشرق الأوسط لدى المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، مايكل ستيفنز: "المنافسة الاقتصادية بينهما قوية، لكنها لن تدفع أيا من البلدين إلى مواجهة مباشرة".

واستطرد: "فكلاهما يدرك أن المنطقة شديدة الاضطراب، وأن عليهما النظر إلى الأمور من زاوية مشتركة".

وتتفق معه الباحثة سينزيا بيانكو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، مؤكدة أن "الخلافات لا ينبغي أن تتحول إلى أزمة؛ لأن البلدين بحاجة إلى التكاتف في مواجهة قوى إقليمية أخرى مثل إيران، وأيضا إسرائيل التي يزداد حضورها في المنطقة".

وتابع الموقع: "ففي حين وقعت الإمارات عام 2020 اتفاق تطبيع بوساطة أميركية مع إسرائيل، فإن السعودية أوقفت مفاوضاتها للتطبيع بعد هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وما تبعه من حرب استمرت عامين في غزة".

وأضاف ستيفنز: "الإمارات لا ترغب في الانسحاب من هذا الاتفاق، بل تفضل أن تعود الأمور إلى بساطتها السابقة، وأن تستعيد نوعا من الاستقرار الطبيعي".

وأردف: "أما السعودية، فرغم الضغوط الأميركية التي تُمارس عليها من أجل استئناف مسار التطبيع، فإنها ترفض العودة إلى طاولة التفاوض ما دامت إسرائيل تستبعد بشكل قاطع حل الدولتين مع الفلسطينيين، وهو ما يرفضه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشكل قاطع".