خبراء إسرائيليون يحذرون.. إلى أين تتجه العلاقات بين تل أبيب وبكين؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على مدار العقد الماضي، تعالت أصوات العديد من الخبراء في أوساط الرأي العام الإسرائيلي، تُعرب عن شكوكها بشأن سياسة إسرائيل تجاه الصين.

وحذرت تلك الأصوات، بحسب صحيفة "زمان" العبرية، من النفوذ الواسع الذي تمارسه بكين داخل إسرائيل، وإلى تأثيرها في مجالات متعددة، خصوصا في البنية التحتية والنقل والتجارة.

كما طالبوا صناع القرار بـ"اختيار جانب" وصياغة سياسة حازمة وواضحة في مواجهة ما يُسمى بـ"التهديد الصيني".

البديل الصيني

وذكرت الصحيفة أنه "رغم هذه الدعوات، لم تُسارع إسرائيل إلى اتخاذ موقف محدد، بل على العكس، حاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استغلال الورقة الصينية لإرسال إشارة إلى الإدارة الأميركية غير المريحة بالنسبة له، مفادها أن لإسرائيل بدائل أخرى".

وبحسبها، "بلغت هذه السياسة ذروتها في يوليو/ تموز 2023، حين ظهر نتنياهو في مكتبه وهو يحمل كتابا للزعيم الصيني شي جينبينغ، أهداه له السفير الصيني، معلنا عزمه زيارة بكين قريبا".

وأوضحت أن ذلك "جاء في وقت كان الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن مترددا في دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض".

وتابعت: "وفي النهاية، جرى اللقاء في واشنطن، بينما الزيارة المقررة إلى الصين في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لم تتم بسبب اندلاع حرب غزة في السابع من ذلك الشهر".

ورغم كل ذلك، أكدت الصحيفة أن إسرائيل "لم تكسب بديلا صينيا حقيقيا على الإطلاق، وأن الطرف الذي اختار جانبا كانت بكين وليست إسرائيل".

وعزت ذلك قائلة: "فقد اتخذت بكين قرارها قبل السابع من أكتوبر، وظهر ذلك جليا في تصريحاتها الحادة ضد إسرائيل خلال عملية (حارس الأسوار) في مايو/ أيار 2021".

ووفق تقديرها "اعتمدت الصين هذه السياسة كجزء من تصعيد الصراع بين القوى العظمى، وسعيها لإبراز ما تعده الوجه المزدوج للولايات المتحدة التي لا تقدم الدعم للمسلمين عامة ولا للفلسطينيين خاصة".

وترى الصحيفة أن "حرب 7 أكتوبر عززت هذا الاتجاه بشكل كبير؛ حيث رفضت الصين إدانة حركة حماس، وتحولت إسرائيل إلى كيس ملاكمة".

وأضافت: "انزلق الخط المعادي لإسرائيل إلى تعبيرات معادية للسامية في الإعلام والأوساط الأكاديمية، التي يسيطر عليها جميعا الحزب الشيوعي".

وتوقعت الصحيفة أن "هذا الخط الإستراتيجي الذي اختارته بكين سيستمر، ما لم يظهر دافع صيني جوهري يستدعي تغيير هذه السياسة".

تراجع البريق

وهو ما يبرز سؤالين مهمين: “ما تلك المصلحة الصينية الجوهرية التي يمكن أن تدفع إلى تغيير السياسة؟ وأين تقف إسرائيل في هذا السياق؟”

وتابعت الصحيفة العبرية: "للإجابة على التساؤلات المطروحة، لا بد من العودة قليلا إلى الوراء".

وأردفت: "قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1992 وبعدها مباشرة، نظرت الصين إلى إسرائيل بصفتها أصلا فريدا وذا قيمة عالية في بناء قدراتها وتحديث جيشها".

واستطردت: "في تلك الفترة، باعت إسرائيل للصين تقنيات متقدمة، الأمر الذي أثار استياء الولايات المتحدة".

واسترسلت: "بعد نحو عقد، أدت أزمات (رادار فالكون) و(مسيرات هاربي) إلى توقف كامل في بيع التكنولوجيا والمعدات العسكرية، ما مثل تراجعا جوهريا في التعاون بين البلدين، وكذلك في النظرة الإستراتيجية الصينية لإسرائيل كأصل إستراتيجي".

وتعود أزمة "رادرات فالكون" إلى عام 2000، حين سعت إسرائيل إلى بيع الصين تكنولوجيا عسكرية متطورة، غير أن الضغوط الأميركية، خوفا من انتقال قدرات حساسة إلى بكين، دفعت تل أبيب إلى إلغاء صفقة الردارات.

ثم تفجرت أزمة جديدة عام 2004 عندما طلبت الصين تحديث مسيرات "هاربي" الإسرائيلية، ما دفع واشنطن إلى منع ذلك وفرض قيود مشددة على التعاون الدفاعي مع إسرائيل.

"ومع مرور قرابة عقد آخر، جاء (الربيع العربي) ليجعل الصين تعيد تقييم استقرار إسرائيل في الشرق الأوسط، وتعدها مصدرا لمعلومات ذات قيمة"، قالت الصحيفة.

وتابعت: "في الوقت ذاته، سعت بكين إلى التعرف على الابتكار ونقل التكنولوجيا المدنية المتقدمة من إسرائيل إلى الصين".

"كما وسعت الشركات الصينية، خاصة في مجالات البنى التحتية، نشاطها التجاري، بما في ذلك إنشاء وتشغيل موانئ بحرية جديدة في إسرائيل، ما أدى لطفرة في حجم التجارة، محولا الصين إلى ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل". وفق ما ذكرته الصحيفة.

واستدركت: "لكن في السنوات الأخيرة، وبشكل أوضح منذ حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، تراجع بريق إسرائيل وسمعتها".

وفسرت ذلك بالقول: "فمع التطور التكنولوجي السريع في الصين، لم تعد التكنولوجيا الإسرائيلية تتمتع بفرادة كما في الماضي".

ومع ذلك، أوضحت الصحيفة أن "الاهتمام التجاري الصيني بقطاعات البنية التحتية داخل إسرائيل استمر كما هو، مع إدراك أن السوق الإسرائيلي صغير مقارنة بالانتشار الصيني العالمي".

وأضافت أنه "من منظور بكين، تظل إسرائيل لاعبا مؤثرا في الشرق الأوسط بقدرات عسكرية لافتة، لكنها تُرى اليوم كعامل يغذي الحروب والدمار وانعدام الاستقرار".

وبحسب تقدير الصحيفة، فإن "هذه الرؤية الإستراتيجية لا يُتوقع أن تتغير".

ومع ذلك، ترجح أنه “إذا بدأ بالفعل مسار حقيقي لإعادة إعمار غزة، وانتقلت دول في الشرق الأوسط (بما فيها سوريا ولبنان) من مشاهد الخراب والموت إلى بناء استقرار منظومي وإقامة بنى تحتية لصالح المواطنين، فإن الصين ستسعى بلا شك إلى الانخراط في هذه العملية”.

وتابعت: "بما في ذلك المبادرات التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتحصيل مكاسب اقتصادية وسياسية".

لاعب حيوي

ورغم كل التعقيدات، شددت "زمان" على أن الصين "تبقى لاعبا عالميا قويا لا يمكن تجاهله".

وأشارت إلى أن "أي تصريحات إسرائيلية استثنائية ضد بكين أو مساس بمصالحها الجوهرية -مثل قضية تايوان- قد تُلحق بإسرائيل أضرارا مباشرة وغير مباشرة".

فعلى سبيل المثال، "يُعد استيراد السلع من الصين أمرا بالغ الأهمية للمستهلك الإسرائيلي؛ إذ يسهم في تخفيض تكاليف المعيشة المرتفعة أصلا". بحسب الصحيفة.

وتابعت: "وفي مجال البنية التحتية، في وقت تُطرح فيه مناقصات لبناء شبكة المترو، تحتاج إسرائيل إلى الشركات الصينية، سواء من حيث الخبرة أو الأسعار التنافسية".

في المقابل، أوضحت أن "البدائل، بما فيها الشركات الأميركية، فهي أكثر تكلفة بكثير، وفي كل الأحوال لا تُبدي استعجالا في الدخول إلى السوق الإسرائيلي".

وبالتالي، أكدت الصحيفة على "ضرورة الاستمرار في العمل مع الصين، مع الحفاظ على توازنات وضوابط دقيقة فيما يتعلق بالأمن القومي".

علاوة على ذلك، قدرت أنه "إذا نشأ مسار فعلي لتحقيق الاستقرار وبناء جسور سلام في الشرق الأوسط، وشاركت إسرائيل فيه بشكل مبادر وفاعل -عبر اتفاقيات تمتد من السعودية وصولا إلى غزة وسوريا- فسيكون بالإمكان محاولة إعادة بناء التعاون مع الصين، بما في ذلك إشراك شركاتها في مشاريع مختلفة مقابل سياسة أكثر توازنا".

ولتحقيق ذلك، دعت الصحيفة إلى تطوير "رؤية طويلة المدى تتضمن تصورا للسلام وشبكة علاقات إقليمية متينة".