أميركا تراهن على قطر للوصول لاتفاق عاجل بين المغرب والجزائر.. ما القصة؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

بدأت قطر مسيرتها في التحكيم بين الخلافات حول العالم من خلال تحرير جنود مغاربة من أيدي جبهة البوليساريو التي تطالب بحق تقرير المصير للشعب الصحراوي، مدعومة من الجزائر. 

وقبل أن يرتبط اسمها بأكبر الملفات الدبلوماسية على مستوى عالمي، كانت قطر قد تركت بصمتها في أحد الصراعات الشائكة والصامتة في المغرب العربي. 

وقد كان ذلك في أوائل الألفية الثالثة، عندما تدخلت الدوحة كوسيط لتحرير حوالي 100 أسير حرب مغاربة محتجزين في مخيمات الصحراويين في تندوف، بالجزائر. 

وقد كللت الجهود القطرية آنذاك، في فبراير/ شباط 2004، بنقل الجنود المغاربة السابقين إلى أغادير المغربية؛ ولم تسهم في تخفيف حدة أزمة إنسانية طويلة الأمد فحسب، بل كشفت أيضا عن قدرة الإمارة الصغيرة على العمل بحذر في بيئة يسودها انعدام الثقة التاريخي، والتنافسات الإقليمية، والصمت الدبلوماسي.

وأشارت صحيفة الإندبندينتي الإسبانية إلى أن هذه الحلقة التي باتت اليوم هامشية في صراع الصحراء الغربية، عززت مكانة قطر كلاعب قادر على الجلوس على الطاولة مع جميع الأطراف، ومنحتها أحد مفاتيح الوساطة التي مارستها باستمرار منذ ذلك الحين في قطاع غزة وأفغانستان واليمن، وأخيرا في كولومبيا. 

“اتفاق عاجل”

وبعد عقدين من الزمن، وفي ظل سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إبرام اتفاق عاجل وغير مؤكد بين المغرب والجزائر، وبقاء مستقبل الشعب الصحراوي عالقا بين قرارات لم تنفذ وصيغ مفروضة، يعود السؤال إلى الواجهة: هل تستطيع قطر أن تلعب دور الوسيط مرة أخرى في نزاع لم يُحسم أبدا؟

بشكل عام، لا تعد الوساطة وليدة الصدفة في السياسة الخارجية القطرية، بل هي جزء لا يتجزأ من بنيتها المؤسسية. 

وتنص المادة السابعة من دستور الإمارة على تعزيز الحل السلمي للنزاعات الدولية كمبدأ توجيهي. 

وانطلاقا من هذا المبدأ، رسّخت الدوحة، منذ سنة 2004، نهجا دبلوماسيا يركز على "إدارة الأزمات، والتهدئة التدريجية، والاتفاقات الجزئية، بدلا من الحلول النهائية"، وذلك وفقا لمصادر قطرية استشارتها صحيفة الإندبندينتي.

وأوردت الصحيفة أن قطر لعبت دور الوساطة في النزاعات بين الدول وفي سيناريوهات تضم دولا وجهات فاعلة غير حكومية. 

وبحسب المصدر القطري كانت جهات الاتصال التي اختارتها قطر متمثلة أيضا في "الجهات المستعدة للحوار"؛ مما أسهم في تسهيل وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وإطلاق سراح الرهائن، وعمليات الحوار الوطني، والاتفاقيات الإنسانية في مختلف أنحاء العالم. 

وقد أضيف طابع مؤسسي على هذه التجربة منذ سنة 2023، عندما أنشأت وزارة الخارجية القطرية مناصب وزارية جديدة مخصصة للوساطة، ووسعت شبكة مبعوثيها الخاصين، وهي خطوة تتناقض بشكل صارخ مع حجم البلاد، وعدد سكانها الضئيل. 

وتشير مصادر لهذه الصحيفة إلى أن البلاد ملتزمة حاليا بدور الوساطة بشكل مباشر في أكثر من 12 نزاعا دوليا.

كما عززت الدولة، بقيادة الأمير تميم بن حمد آل ثاني منذ سنة 2013، مكانتها من خلال اتفاقيات تعاون مع دول مثل السويد والنرويج وفنلندا، وتحافظ على علاقات ثنائية تركز على تبادل المعرفة في مجال حل النزاعات. 

ومع ذلك، هناك شرط واحد لا تقبل الدوحة المساومة فيه: وهو أن تتدخل فقط عندما تقبل جميع الأطراف المعنية دورها صراحة.

“لم يطلب منا التدخل”

وفيما يتعلق بحالة المغرب، وجبهة البوليساريو والجزائر، لم تتلق قطر بعد استدعاء في الغرض؛ على  الأقل بشكل رسمي. 

وقد أكد ذلك ماجد الأنصاري المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، وإحدى الشخصيات الرئيسة في الوساطة، في حديث مع صحيفة الإندبندينتي؛ حيث أفاد بأن "الجزائر والمغرب أشقاء قطر، ونحافظ على علاقات طيبة للغاية مع كلا الطرفين، لكن لم يطلب منا التدخل في هذا النزاع. ونعتقد أنهما قادران على حلّه فيما بينهما".

وقد بددت هذه الرسالة جميع التكهنات حول أي وساطة جارية، وتتوافق أيضا مع تحليل راشد المهندي، نائب رئيس مركز أبحاث السياسات الدولية، وهو وكالة حكومية قطرية.

ووفقا للمهندي، لا يزال الصراع مستقرا عسكريا، ويخاض في المقام الأول على الساحة السياسية وعلى مستوى الرواية الخاصة بالصراع.  

وفي جميع الأحوال، تؤكد قطر أنها تحافظ على علاقات ممتازة مع كل من المغرب والجزائر، حيث تعد مستثمرا رئيسا. 

وكشفت مصادر استشارتها هذه الصحيفة أن قطر "بصدد بناء أحد أكبر مصانع إنتاج الألبان في الجزائر. وتربطها علاقات جيدة جدا بالبلدين".

وقد مثّلت هذه الوساطة التي دشّنت عقدين من العمل المكثف كوسيط في النزاعات حول العالم، نهاية لفصل من الحرب بين المغرب والبوليساريو الذي كان نشطا منذ سنة 1975. 

ونقلت الصحيفة أن قطر قد تعود الآن لتلعب دور الوسيط في المفاوضات التي كانت مستحيلة حتى الآن، وهي المفاوضات التي يسعى قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 31 أكتوبر/ تشرين الأول إلى إحيائها بنص يُعطي الأولوية لمقترح الحكم الذاتي المغربي الغامض، دون استبعاد الخيارات الأخرى، مع الاعتراف بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، والحث على إجراء مفاوضات دون شروط مسبقة. 

وجاء التصويت عقب بيان أثار شكوكا أكثر من الحماس. ففي مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" التلفزيوني، أكد المبعوث الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف، أن فريقه يهدف إلى التوصل إلى "اتفاق سلام" بين المغرب والجزائر في غضون 60 يوما".

من جانبها، أقرت مصادر جبهة البوليساريو التي استشارتها هذه الصحيفة، بإمكانية بدء مفاوضات مباشرة في الأسابيع المقبلة، لكنها وضعت خطوطا واضحة لا يمكن تجاوزها. 

وصرحت قائلة: "نرحب بأي مساهمة تحترم طبيعة النزاع وتحافظ على حياد الأطراف". إلا أنها رفضت أي دور قد تلعبه الولايات المتحدة، قائلة: "لا نعتقد أن إدارة ترامب وسيط نزيه أو متوازن".

شكوك ومخاوف

من جانبه، يرى عالم السياسة الأميركي يحيى زبير أنه لا توجد حلول سريعة. ويتذكر أن قطر حاولت سابقا، دون جدوى، تسهيل الوساطة بين المغرب والجزائر. 

ومن جهته، عبّر ريكاردو فابياني، المدير المؤقت لبرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، عن "شكوكه في الوساطة الإقليمية؛ لأن الجزائر وجبهة البوليساريو ليستا ميالتين لقبولها. ومن الصعب إيجاد وسيط خارج الأمم المتحدة يحظى بالثقة". 

ومع ذلك، يُقر فابياني بأنه إذا كان هناك مرشح إقليمي، فسيكون قطر. 

عموما، في ظلّ مغرب عربي ممزق، وبحدوده المغلقة، وخطوط أنابيب الغاز المعطلة، وتعثر التكامل الإقليمي؛ تبقى الوساطة أقرب إلى الطموح منها إلى الواقع. 

تمتلك قطر رأس المال الدبلوماسي، والشبكة الواسعة، والخبرة الفنية اللازمة للقيام بهذا الدور. لكنها تفتقر حاليًا إلى دعوة رسمية، وإلى الحد الأدنى من التوافق بين الأطراف. 

قد تكون الدوحة وسيطا محتملا. مع ذلك، وطالما بقي الصراع الصحراوي عالقا بين قرارات غير منفذة، وحلول غير مقنعة، وانتهاكات مستمرة للقانون الدولي، ستبقى قطر، قبل كل شيء، وسيطا محتملا في أحد أكثر النزاعات استعصاء في شمال إفريقيا، وهو نزاع يمسّ إسبانيا ومصالحها وديونها بشكل مباشر.