مبعوث ترامب بمرمى مليشيات إيران.. فصل جديد من معركة السيادة في العراق

يوسف العلي | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

في تطور جديد على المشهد العراقي، تشن المليشيات المرتبطة بإيران هجومًا حادًا على مبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق، مارك سافايا، وصل إلى حد التهديد المباشر، ما أثار تساؤلات واسعة حول دوافع هذا التصعيد ضد شخصية تمثل الولايات المتحدة الأميركية في مرحلة بالغة الحساسية.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد كلف سافايا، ذو الأصول العراقية الكلدانية، والبالغ من العمر 43 عامًا، بهذه المهمة في أكتوبر/تشرين الأول 2025، بعد أن برز كأحد أبرز أعضاء حملته الانتخابية في ولاية ميشيغان، فضلا عن دوره في المساهمة بالإفراج عن المختطفة الروسية–الإسرائيلية لدى المليشيات العراقية، إليزابيث تسوكوف.

"شاب مغمور "

في وقت ينشغل فيه قادة الإطار التنسيقي الشيعي بمحادثات اختيار رئيس الوزراء الجديد، تصعّد المليشيات الموالية لإيران هجومها على مبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق، مارك سافايا، محذّرةً القوى السياسية، لا سيما رجال الدين، من أي تواصل معه، بزعم أن "الشعب سيعاملهم على أنهم خونة وأدوات بيد ترامب".

وقال المتحدث باسم كتائب حزب الله العراقية، المعروف باسم "أبو علي العسكري"، في تدوينة نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول، إن "الشاب المغمور مارك سافايا، الغارق في السلوكيات المنحرفة، عيّنه ترامب مبعوثًا له في العراق، سعيًا وراء مكاسب ضيقة في ظرف إقليمي بالغ التعقيد تمر به المنطقة".

وأضاف العسكري، في لهجة تصعيدية: "لتفهم أيها النزق وسيدك الأحمق، أن العراق أكبر منكم؛ فهو بلد انهارت على عتباته أعتى الإمبراطوريات عبر مرّ التاريخ، وتهاوى فوق ترابه جيشكم المحتل، حتى غدا قادته الكبار من أمثال كيسي وبترايوس وأوديرنو أضحوكة للتاريخ".

وتابع أن “على أيدي رجاله سُحقت صنيعتكم الإجرامية داعش (تنظيم الدولة)، واندحرت أوهامكم واحدًا تلو الآخر”. وفق تعبيره.

وأشار المتحدث إلى أن “كتائب حزب الله لن تتصدى لك”. ويرى أن "فتية من هذا الشعب الغياري يكفون"، على حد قوله، ومضيفًا أنهم "كفيلون بإعادتك صاغرًا إلى حيث الانحطاط وتجارة الخمور والمخدرات".

كما رأى العسكري أن “الأجدر بالسياسيين والشخصيات العراقية، لا سيما من ارتدى منهم عمامة رسول الله، أن يتجنبوا التواصل مع هذا الخائن للعراق”. ملوّحًا إلى أن “الشعب سيعاملهم بوصفهم خونة وأدوات بيد المجرم ترامب”. بحسب تعبيره.

وقبل ذلك، وتحديدًا في 4 ديسمبر/كانون الأول، أطلقت مليشيا "النجباء" المقرّبة من إيران في العراق تهديدًا مباشرًا بحق مبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق، مارك سافايا، في تصعيد جديد يعكس تصاعد التوتر بين الفصائل المسلحة في العراق وواشنطن.

وقال زعيم مليشيا "النجباء"، أكرم الكعبي، في تدوينة نشرها عبر منصة "إكس"، إن ما وصفه بـ"التدخل السافر في الشأن العراقي من قبل الاستكبار العالمي الأميركي والصهيوني"، لا سيما عبر "ما يُسمى بمبعوث ترامب"، يمثل اعتداءً على سيادة العراق.

ووصف الكعبي سافايا بأنه "خائن لبلده، مرتم في أحضان محتليه"، ويرى أنه "جاء مستهترًا ومستهينًا بسيادة العراق"، وفق تعبيره.

وأضاف أن "ذراعي سافايا مشمّرتان لسرقة خيرات بلده، ووضعها في يد سيده الأميركي الأحمق (دونالد ترامب)"، معربًا عن استغرابه مما وصفه بـ"المواقف الخجولة والصامتة" إزاء هذه التدخلات، على حد قوله.

وتابع الكعبي أن هذه التصريحات والممارسات تمثل "تدخلًا سافرًا في الشأن العراقي الداخلي"، مؤكدًا أن استمرار الصمت حيالها يثير تساؤلات حول مواقف القوى السياسية العراقية.

وختم زعيم "النجباء" تهديده بالقول: "اعلموا، إذا لم تُسكتوه، فإن المقاومة الإسلامية ستلقمه حجرًا في فمه، وتعيده إلى أسياده الذين استعبدوه، فخان بلده ولم يكن وفيًا له"، بحسب تعبيره.

تهديد مباشر

وحول أسباب الهجوم على مارك سافايا وتوقيته، قال الباحث في الشأن العراقي، علي المساري، إن "تغريدة سافايا قبل أيام، التي أكد فيها استحالة تشكيل أي حكومة عراقية بوجود قوات خارج سيطرتها، كانت أحد أبرز دوافع هذا التصعيد".

وأضاف المساري، في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "الهجوم على سافايا تقوده فصيلان يُعدّان الأقرب إلى إيران، في حين أن عصائب أهل الحق، بزعامة قيس الخزعلي، ربما تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية والمشاركة في الحكومة المقبلة، وهو ما يفسر هجوم أبو علي العسكري عليها، وتحديدًا تحذيره الخزعلي، الذي يرتدي العمامة، من التواصل مع سافايا".

ولفت المساري إلى أن "توقيت استهداف سافايا يرتبط بمطالبته المتكررة بنزع سلاح المليشيات، وهو ما يجعلها خارج المعادلة السياسية العراقية، الأمر الذي يثير مخاوف حقيقية لدى هذه الفصائل من تحركاته والضغوط التي قد يمارسها على قوى الإطار الشيعي لإزاحتهم من المشهد".

وأشار الباحث إلى أن "التهديدات الصادرة بحق سافايا تعكس اعتقاد هذه المليشيات بأنها قادرة على ترهيبه ودفعه إلى التراجع عن مهمته أو عدم القدوم إلى العراق، وهو تصور ساذج، أو أنها تنفذ أوامر مباشرة من إيران لإيصال رسالة مفادها أنها ما تزال اللاعب الأبرز في الملف العراقي، وأن على الولايات المتحدة التفاوض معها أولًا في قضية نزع السلاح".

وبحسب المساري، فإن "إيران لا تزال تمسك بخيوط هذه المليشيات، وربما أصبحت عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي أقل انصياعًا للإرادة الإيرانية مقارنة بغيرها، في حين تتلقى كل من حركة النجباء وكتائب حزب الله أوامر مباشرة بالتنديد أو التهديد أو حتى المهادنة، ولا تملك القدرة على رفضها، حتى وإن كانت على حساب مصلحة العراق".

وفي السياق ذاته، قال السياسي العراقي ورئيس "منظمة المستقبل" في واشنطن، انتفاض قنبر: إن "ما صدر عن حركة النجباء لا يمكن عده مجرد خطاب إعلامي، بل يمثل تهديدًا مباشرًا من قائد مليشيا خاضعة بالكامل لإيران بحق ممثل رسمي للولايات المتحدة"، ويرى أن ذلك يشكل "اعتداءً على السيادة الدبلوماسية الأميركية".

وأضاف قنبر أن "استمرار الولايات المتحدة في اتباع سياسات مبهمة وغير حاسمة تجاه هذه المليشيات، أو السماح لها بالبقاء ضمن أي حكومة عراقية مستقبلية، أو التراجع أمام تهديداتها المتواصلة، سيؤدي إلى تقويض مشروع السلام في الشرق الأوسط، ويضع إرث الرئيس دونالد ترامب أمام مخاطر حقيقية".

وختم قنبر حديثه بالتأكيد على أن "على الولايات المتحدة اتخاذ موقف واضح وحازم ضد جميع المليشيات التابعة لإيران في العراق، وألا يُترك أي مبعوث أميركي أو مواطن أو شريك إستراتيجي وحيدًا في مواجهة هذه التهديدات"، بحسب ما نقل موقع "باسنيوز" العراقي في 4 ديسمبر/كانون الأول.

عزلة دولية

في الذكرى الثامنة لإعلان العراق النصر على تنظيم الدولة الإسلامية، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2025، أكد مبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق، مارك سافايا، أنه "لا يمكن لأي أمة أن تنجح في ظل وجود جماعات مسلحة تنافس الدولة وتقوّض سلطتها"، ويرى أن هذا الواقع أسهم في "إضعاف مكانة العراق على الساحة الدولية، وخنق اقتصاده، والحد من قدرته على حماية مصالحه الوطنية".

وقال سافايا، في تدوينة نشرها عبر منصة “إكس”: إن "العراق أثبت خلال السنوات الثلاث الماضية أن الاستقرار الحقيقي ممكن عندما تنتهج الحكومة مسارًا واقعيًا ومتوازنًا يُجنب البلاد الصراعات الإقليمية، ويعيد توجيه البوصلة نحو الأولويات الوطنية"، محذرًا من "عرقلة هذا المسار الناشئ".

وأضاف أن "تحقيق الاستقرار يتطلب قيادة مسؤولة، ووحدة في الهدف، والتزامًا راسخًا بتعزيز الدولة ومؤسساتها".

وتابع سافايا: "اليوم، وبينما يحتفل العراق بالذكرى السنوية الثامنة لانتصاره على داعش، ويُنهي بنجاح الانتخابات البرلمانية، تقع المسؤولية كاملة على عاتق القادة السياسيين والدينيين في البلاد"، لافتًا إلى أن قراراتهم المقبلة ستحدد ما إذا كان العراق "سيتقدم نحو السيادة والقوة، أم سينزلق مجددًا إلى التشرذم والتدهور".

وفي لغة فُهم منها تحذير مباشر للقوى السياسية العراقية، قال سافايا: إن "اختيارًا موحدًا وعقلانيًا سيبعث برسالة واضحة إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مفادها أن العراق مستعد لاستعادة مكانته كدولة مستقرة ومحترمة في الشرق الأوسط الجديد"، محذرًا من أن "البديل واضح بالقدر نفسه، ويتمثل في تدهور اقتصادي، واضطرابات سياسية، وعزلة دولية".

وختم سافايا بالتأكيد على أن "الولايات المتحدة، في ظل قيادة الرئيس دونالد ترامب، تقف على أهبة الاستعداد لدعم العراق في هذه المرحلة الحاسمة"، مضيفًا أن فريقه "ملتزم بالعمل عن كثب مع القادة العراقيين خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، للمساعدة في بناء دولة قوية، ومستقبل مستقر، وعراق ذي سيادة قادر على رسم مصيره بنفسه في الشرق الأوسط الجديد".

وفي 6 ديسمبر/كانون الأول، وجّه المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، انتقادات حادة للسياسات التي انتهجتها الإدارات الأميركية السابقة في العراق، معتبرًا أنها "قوّت إيران ومكّنتها من ملء الفراغ" الذي خلّفه الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

وقال باراك، خلال مقابلة مصوّرة مع صحيفة “ذا ناشيونال”: إن الإدارات الأميركية السابقة اعتمدت إستراتيجيات "أسهمت في صعود إيران إقليميًا"، مشيرًا بشكل خاص إلى ما وصفه بـ"فراغ السلطة" في العراق، الذي سارعت طهران إلى ملئه.

وأضاف: "لقد ارتكبنا خطأً فادحًا، انتهى بتوسيع نفوذ وامتيازات المليشيات المدعومة من إيران داخل البرلمان العراقي"، لافتًا إلى أن "النظام السياسي في بغداد لا يزال يعاني من التداعيات طويلة الأمد لتلك القرارات".

ووصف باراك الحكومة العراقية الحالية بأنها "نموذج فاشل"، ويرى أنها يجب أن تشكل درسًا لواشنطن في مقاربتها لملفات المنطقة.

وفي تعليقه على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قال باراك إن "السوداني رجل كفؤ، لكنه لا يمتلك سلطة فعلية"، عازيًا ذلك إلى "هيمنة قوات الحشد الشعبي وممثليها السياسيين داخل البرلمان"، ومضيفًا أن هذه الجماعات "تعرقل العملية السياسية، وتمنع رئيس الوزراء من بناء تحالفات حقيقية وقادرة على الحكم".

ويأتي حديث توم باراك عقب زيارة مفاجئة أجراها إلى العاصمة العراقية بغداد في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، التقى خلالها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، دون أن يصدر عنه بيان يوضح تفاصيل الزيارة أو مضامينها.

وفي سياق متصل، حققت المليشيات العراقية حضورًا لافتًا في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، إذ حصدت عبر قوائم انتخابية شاركت بها نحو 80 مقعدًا في البرلمان العراقي الجديد، وجميعها تندرج ضمن الإطار التنسيقي الشيعي، الذي يبلغ مجموع مقاعده نحو 170 مقعدًا من أصل 329.

وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول 2025، أعلن وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في مقابلة تلفزيونية، أن "واشنطن أبلغت بغداد بأنها لن تتعامل مع جماعات مسلحة مشمولة بالعقوبات"، في إشارة إلى تشدد أميركي متزايد إزاء دور الفصائل المسلحة في المشهد السياسي العراقي.