القواعد الجوية الليبية.. محور جديد للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط وإفريقيا

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

"إن أهم قاعدة لروسيا في الشرق الأوسط ليست حيث تظن".. هكذا عنوَن الباحث فرانك تالبوت مقالا له حول مستجدات القواعد العسكرية لروسيا في المنطقة بعد سقوط حليفها السوري بشار الأسد.

وقال الباحث في مقاله الذي نشره "المجلس الأطلسي": إن "نظام بشار الأسد عندما انهار في ديسمبر/كانون الأول 2024، توقع العديد من المحللين أن روسيا على وشك فقدان البنية التحتية العسكرية التي بنتها على مدى العقد الماضي".

وأضاف أن "وصول موسكو إلى قاعدة حميميم الجوية ذات الأهمية الإستراتيجية وقاعدة طرطوس البحرية بدا غير مؤكد، في ظل إعادة السلطات السورية الجديدة تقييم علاقاتها الخارجية".

استمرار الوجود

وأشارت تقارير إعلامية إلى أن روسيا تواجه قيودا جديدة وإعادة مفاوضات مع السلطات السورية الجديدة، مما حدّ من حرية تحركاتها.

وقال تالبوت الذي عمل سابقا في وزارة الخارجية الأميركية داعما لمبادرات تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: إن "هذا الأمر أثار مخاوف صانعي السياسات في الغرب من احتمال تحول روسيا نحو ليبيا؛ نظرا لعلاقتها القائمة مع قوات خليفة حفتر".

وعززت موسكو علاقاتها مع حفتر على مدى عقد تقريبا لتأمين وصولها إلى الأراضي الليبية الشرقية والبنية التحتية العسكرية، محولة ليبيا إلى مركز لوجستي لروسيا لبسط نفوذها في عمق إفريقيا.

وبعد مرور عام، يبدو وضع روسيا في سوريا أفضل مما توقعه الكثيرون في الأيام الأولى التي أعقبت سقوط الأسد -وفق المقال- فقد حافظت روسيا على وجود محدود ولكنه مستدام في سوريا.

وأكّدت اللقاءات رفيعة المستوى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره السوري أحمد الشرع دور موسكو في البلاد، كما التزم الشرع علنا باحترام الاتفاقيات العسكرية القائمة، والنتيجة هي وجود روسي في سوريا أكثر تقييدا، لكنه لا يمثّل خسارة إستراتيجية. بحسب تالبوت.

وتابع: "رغم أن خطتها البديلة في ليبيا لم تكن ضرورية، إلا أن روسيا أمضت عام 2024 في تعزيز شبكتها اللوجستية في شرق وجنوب ليبيا".

واستطرد: "وبصفتها مركز عبور، تمنح القواعد الجوية الليبية روسيا القدرة على التوغل عميقا في القارة الإفريقية؛ حيث تُؤجج حالة عدم الاستقرار بشحنات الأسلحة وأفراد فيلقها الإفريقي، وهو جماعة شبه عسكرية تابعة لوزارة الدفاع الروسية ووريثة مجموعة فاغنر".

وبحلول أواخر عام 2024، وقبل أن يتحدد مستقبل روسيا في سوريا ما بعد الأسد، كانت موسكو تبحث بجِد عن بدائل لعلاقاتها الإستراتيجية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ووردت تقارير عن رحلات جوية من سوريا إلى شرق ليبيا، وتحركات للأفراد والمعدات، وزيارات دبلوماسية أجراها مسؤولون روس إلى شرق ليبيا، في ظل تزايد مخاوف القادة الغربيين من قيام روسيا بإنشاء ميناء بحري في شرق ليبيا.

وبعد عام، لا تزال روسيا عاجزة عن تأمين ميناء في جنوب البحر المتوسط، ويرجح أن ذلك يعود إلى تردد سلطات شرق ليبيا في تعريض علاقاتها الآخذة في التحسن مع الولايات المتحدة وتركيا والشركاء الأوروبيين للخطر، عبر منح موسكو منشأة ساحلية كبرى.

وبدلا من ذلك، اتجهت روسيا إلى التوسع داخل العمق الليبي، وتعدّ قاعدة “معطن السارة” الجوية مثالا بارزا على هذا التوجه.

فهذه القاعدة، الواقعة في موقع إستراتيجي قرب الحدود مع تشاد والسودان، "تشكل نقطة انطلاق لعمليات روسيا المزعزعة للاستقرار في منطقة الساحل". وفق وصف تالبوت.

ويعود وجود القاعدة إلى ما قبل انهيار نظام الأسد، ويقال: إنها ممولة من الإمارات.

غير أنه بدءا من ديسمبر 2024، بدأت معدات روسية وعناصر عسكرية، إلى جانب مقاتلين سوريين مرتبطين بنظام الأسد، في الوصول إلى هذه القاعدة الجوية الصحراوية.

وتابع المقال: "رغم أن قاعدة معطن السارة تمثل موقعا محوريا في الوجود الروسي بجنوب ليبيا، فإن موسكو تعتمد على عدة مطارات وقواعد جوية أخرى ضمن ممر العبور الذي تستخدمه نحو منطقة الساحل".

وتشمل هذه القواعد قاعدة الخادم في شرق ليبيا، وقاعدة الجفرة وسط البلاد، وقاعدة براك الشاطئ قرب سبها، وقاعدة القرضابية جنوب سرت.

وتشكّل هذه المواقع مجتمعة شبكة عبور مرنة ومتماسكة تربط الوجود الروسي في سوريا بأنشطتها المتنامية في منطقة الساحل، بما يعزز قدرة موسكو على دعم انتشار "فيلق إفريقيا" وإمداد شركائها الأفارقة بالسلاح.

وبحسب المقال، تتمتع هذه الشبكة البرية الداخلية بعدة مزايا؛ إذ تخضع لقدر أقل من التدقيق الدولي، ولا تتطلب تنازلات سياسية كبيرة من السلطات الليبية، كما تتيح لروسيا الوصول إلى ممرات نائية تدعم تحركات لوجستية بعيدة المدى.

تقليص الأدوار 

وقال تالبوت: "لم يمرّ الوجود الروسي المتزايد في ليبيا خلال العام الماضي (2024) دون رادع، فقد سعت الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون الرئيسون إلى مواجهة الأنشطة والنفوذ الروسي". 

ففي فبراير/شباط 2025، أرسلت الولايات المتحدة طائرتين من طراز (B-52H ستراتوفورتريس) إلى الأجواء الليبية في إطار تدريب مشترك مع مراقبي العمليات الجوية التكتيكية التابعين للجيش الليبي.

وفي أبريل/نيسان 2025، نفذت البحرية الأميركية أول زيارة موانئ إلى ليبيا منذ أكثر من 50 عاما، شملت محطتين في طرابلس وبنغازي.

وفي الشهر نفسه، استضافت أنقرة زيارة لصدام، نجل خليفة حفتر، بينما أجرت البحرية التركية في أغسطس/آب زيارات إلى كل من طرابلس وبنغازي أيضا.

وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2025، استضافت الولايات المتحدة اجتماعا لكبار المسؤولين بشأن ليبيا، وشمل المشاركون ممثلين عن مصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وقطر والسعودية وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة.

وجرى التأكيد على أهمية التكامل الأمني ​​بين الشرق والغرب في ليبيا، وكذلك على أهمية تعديل حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني 2025، والذي يتيح التدريب المشترك والمساعدة التقنية لدعم هذا التكامل.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2025، أعلن نائب قائد القيادة الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، الفريق جون برينان، أن ليبيا ستشارك في استضافة جزء من مناورات "فلينتلوك" السنوية للجيش الأميركي في ربيع 2026.

وعلّق برينان قائلا: "لا تقتصر هذه المناورات على التدريب العسكري فحسب، بل تتعداها إلى تجاوز الانقسامات، وبناء القدرات، ودعم حق ليبيا السيادي في تقرير مصيرها".

وخلال الأسبوع الأول من ديسمبر 2025، التقى قائد (أفريكوم)، الجنرال داغفين أندرسون، في طرابلس مع نائب وزير الدفاع عبد السلام الزوبي، ورئيس الأركان الجنرال محمد الحداد، بالإضافة إلى لقاء مع حفتر ونجله صدام في بنغازي.

وتركزت هذه المباحثات على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ودعم الجهود الليبية لتوحيد المؤسسات العسكرية، والتعاون الأمني ​​الأميركي-الليبي، بما في ذلك مناورات (فلينتلوك 26).

وقال تالبوت: "رغم أن هذه الجهود التي تبذلها واشنطن وشركاؤها قد أسهمت على الأرجح في تعزيز التكامل العسكري بين الشرق والغرب في ليبيا، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الإستراتيجية قد حقّقت نجاحا يُذكر في مواجهة الأنشطة الروسية أو في فصل روسيا عن حفتر".

وبحسب الباحث، "قد لا تكون الحوافز، كالشرعية والتعاون الأمني، كافية وحدها لمحاولة إبعاد حفتر عن النفوذ الروسي. وقد يكون من الضروري أيضا اللجوء إلى أساليب اقتصادية ضاغطة، كالعقوبات الموجهة".

وأضاف أن "القضاء على استخدام روسيا لليبيا، أو تقليصه بشكل كبير، كمركز عبور لشحنات أسلحتها وتدفق الأفراد إلى منطقة الساحل، يُعد خطوة هامة نحو تعزيز الاستقرار وإنهاء الصراعات في القارة".

وأوضح تالبوت أن "هذا من شأنه أن يدعم أولويات بناء السلام التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي سعى إليها مستشاره البارز مسعد بولس".

وشدَّد على أنه "بعد مرور عام على سقوط الأسد، قد لا تكون أكثر قواعد روسيا أهمية في المنطقة هي قاعدة حميميم الجوية أو قاعدة طرطوس البحرية في سوريا، بل مجموعة من القواعد الجوية الصغيرة المنتشرة في أنحاء ليبيا، ويمثل هذا جبهة رئيسة في جهود واشنطن وحلفائها لمواجهة موسكو".