"خيوط ارتباطات استخباراتية" تضيق الخناق على أكرم إمام أوغلو.. ما القصة؟

"مع استمرار غياب المعلومات الكاملة حول محتوى الملفات، تبقى القضية مساحة مفتوحة للتحليل والافتراض"
بصورة لافتة، تشهد قضية "التجسس السياسي" المتهم فيها رئيس بلدية إسطنبول الكبرى المعزول أكرم إمام أوغلو تطورات متلاحقة أعادت اسمه إلى واجهة المشهد السياسي والقضائي في تركيا.
وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة “حرييت” التركية مقالا للكاتب التركي “نديم شينير” ذكر فيه أن تركيا تعيش في السنوات الأخيرة حالة استقطاب سياسي حادّ يجعل من كل ملف قضائي أو أمني جزءا من الجدل الداخلي، لا سيما حين يكون متّصلاً بشخصيات ذات وزن سياسي كبير.
وفي هذا المناخ المتوتر برزت قضية “حسين غون”، وما ارتبط بها من اتهامات بالتجسس وعلاقات خارجية، لتتحول إلى محور نقاش وطني واسع، خصوصا بعدما امتدت تداعياتها لتشمل رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ومستشاره "نجاتي أوزكان".
وتأتي قوة هذه القضية من أنها تجمع بين عناصر الأمن الرقمي والحملات الانتخابية والتدخلات الخارجية المزعومة، مما يمنحها طابعا مركبا يتجاوز حدود التحقيقات الجنائية المعتادة.

مناخ متوتر
بدأت القضية مع اعتقال حسين غون في يوليو/ تموز 2025، وهو اعتقال أعقبه فحص شامل لهواتفه المشفرة وبياناته الرقمية من قبل جهاز الاستخبارات التركي.
ومع انتشار تفاصيل الإفادة التي قدمها لاحقا في أكتوبر من العام نفسه، بدا واضحا أن القضية تتجاوز شخص غون لتلامس محيط إمام أوغلو، المرشح الأبرز بين قادة المعارضة.
وقد منح هذا التداخل بين الأمن والقضاء والسياسة الموضوعَ طابعا خاصا؛ إذ اختلطت الحقائق التقنية بالتأويلات الإعلامية، وبدأت الاتهامات تتخذ طابعا سياسيا ينعكس على الخطاب العام.
وتكشف الرسائل التي استُخرجت من هاتف حسين غون عن مراسلات بينه وبين شخصيات من حملة أكرم إمام أوغلو خلال انتخابات إسطنبول 2019.
في حين بقيت الملفات المرفقة بعنوان "مشروع أي كي إي" غير متاحة، ولم تُضمّن أيضا في نص الإفادة، وهو ما زاد الغموض حول طبيعتها.
وقد أظهرت المراسلات المشفّرة أيضاً أن حسين غون كان قد أصدر تعليمات لنجاتي أوزكان بجمع معلومات استخباراتية رقمية.
كما أشار غون إلى أن هاتف مراد أونغون كان قد تم اختراقه باستخدام برنامج تجسس يتيح التنصّت عن بُعد. وبناءً على ذلك، طُلِب من أونغون عدم حمل هاتفه خلال الاجتماعات الحساسة الخاصة بحملة إمام أوغلو الانتخابية.
لاحقا، أوضح غون أنه نقل هذه المعلومات إلى نجاتي أوزكان، وأن الاجتماعات "الحساسة" المقصودة هي تلك المتعلقة بحملة إمام أوغلو.
بالإضافة إلى ذلك، تتضمن رسائل أخرى عبر تطبيق "ويكر" مرفقات جديدة من "مشروع أي كي إي"، وصورة قال غون: إنها ستُستخدم في إنتاج مادة "ديب فيك".
وفي رسالة بتاريخ 17 حزيران/يونيو، تحدث عن تشغيل "جيش رقمي" يعمل بالذكاء الاصطناعي، لمعالجة مشكلة مرتبطة بقاعدة بيانات بلدية إسطنبول، رغم اعترافه بأن استخدام هذه الأدوات "غير مرخص رسميا".
كما أكدت التحقيقات أن حسين غون ونجاتي أوزكان تعاونوا خلال حملة الانتخابات المحلية عام 2019؛ حيث قاموا بتسريب وبيع معلومات سرية عن الناخبين، وإعداد ملفات حول الناخبين ووضع إستراتيجيات، ومشاركة هذه المعلومات مع أجهزة استخبارات أجنبية، وذلك في إطار أعمال تجسس واسعة.

قراءة في لغة الرسائل
وأشار الكاتب التركي إلى أن إحدى النقاط التي غذّت الجدل كانت علاقة حسين غون بآرون بار، الذي يُشار إليه كأحد مديري وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابقين.
فقد أسّس الاثنان شراكة في شركة متخصصة بالاتصال الرقمي عام 2018، ما أضفى على القضية بُعدا دوليا حساسا.
ورغم أن وجود علاقة مهنية مع شخصية عملت سابقا في المجالات الاستخباراتية لا يشكل دليلا على نشاط تجسسي، فإن السياق السياسي التركي يجعل هذه المعلومة كافية لإشعال نقاش واسع، خصوصا في ظل حساسية الرأي العام تجاه أي إشارات لدور أميركي في ملفات الأمن الداخلي أو الحملات الانتخابية.
ولفت الكاتب إلى أنه بسبب أن أكرم إمام أوغلو يشكل أحد أبرز وجوه المعارضة، فإن أي قضية تُثار حوله سرعان ما تتحول إلى جزء من المعركة السياسية الأكبر.
فالقضية وإن بدت تقنية في ظاهرها، إلا أنها تمسّ بشكل مباشر هيكل الحملة الانتخابية لإمام أوغلو، وكذلك شبكة مستشاريه.
وهذا ما جعل التساؤلات تتكاثر حول دوافع التحقيق، وما إذا كان جزءا من صراع سياسي على مستقبل الرجل الذي يُنظر إليه كمرشح رئاسي محتمل.
وتقدم المراسلات المنسوبة لغون وأوزكان انطباعا عن وجود منظومة رقمية متقدمة تتعلق بإدارة الحملات الانتخابية.
حيث تتضمن الرسائل تحليل بيانات، وكشف برامج تجسس على أجهزة مسؤولين، واستخدام أدوات ذكاء اصطناعي، ووجود ما يُطلق عليه "جيش رقمي".
وبصرف النظر عن مدى صحة هذه الادعاءات، فإنها تكشف انتقال الحياة السياسية التركية إلى مرحلة جديدة تتداخل فيها التقنيات الرقمية مع الخطاب الانتخابي، وتصبح فيها الحملات الرقمية جزءا حاسما من المنافسة السياسية.
كما أن استخدام تطبيقات مراسلة مغلقة يزيد من ضبابية الصورة، ويجعل كل تسريب أو رواية محل جدل واسع.
وقال حسين غون في إفادته: إن كلمة "أي كي إي" ليست سوى طريقة نطق أجنبي لاسم "أكرم إمام أوغلو"، لكنّ هذا التفسير بدا غير منسجم مع ظهور الاسم الحقيقي لإمام أوغلو بشكل واضح في رسائل أخرى.
ويشير ذلك إلى أن العنوان ربما كان اسما رمزيا لمشروع محدد، وليس مجرد اختصار لاسم شخص.
وتستند هذه المعطيات إلى ما تم التوصل إليه بعد فك تشفير الرسائل الموجودة في هواتف حسين غون.
غير أن نص الإفادة لا يتضمن أي معلومات عن محتوى ملفات "مشروع أي كي إي"، ما يترك الباب مفتوحا لاحتمال ظهورها لاحقا ضمن لائحة الاتهام وملاحقها، أو بقائها طيّ الكتمان إلى الأبد.
ومع ذلك، فإن متابعة علاقات أكرم إمام أوغلو ومسار خطابه السياسي توحي، لدى بعض المراقبين، بأن الأمر قد يرتبط بمشروع واسع النطاق تُطرح حوله تساؤلات تتعلق بدور قوى خارجية واحتمال تورط جهات استخباراتية فيه.
تعكس قضية "مشروع أي كي إي" مزيجا معقدا من الأمن الرقمي والصراع السياسي والخطاب الإعلامي.
ومع استمرار غياب المعلومات الكاملة حول محتوى الملفات، تبقى القضية مساحة مفتوحة للتحليل والافتراض؛ حيث يملأ الإعلام والسياسة الفراغ المعلوماتي المتروك من التحقيقات الرسمية، يختم الكاتب التركي.













