المحور التركي القطري.. لماذا تعده إسرائيل قوة مهيمنة تهدد أمنها وتعزز وجود حماس؟

منذ ١١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

لا يزال العديد من الأوساط الإسرائيلية رافضة لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة؛ إذ حذرت بعض الصحف العبرية من أن الاتفاق "يرسخ المحور القطري التركي كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط". 

وأشارت إلى أن "هذه القوة تعيد رسم ملامح المنطقة بما يتناقض مع مصالح إسرائيل وعدد من الدول الإقليمية، وتعزز حضور حماس في المشهد الفلسطيني، وتمهد الظروف لإقامة دولة فلسطينية".

عامل حاسم

واستهلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريرها مشيرة إلى التحول الجذري الذي حدث في ملف المفاوضات بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”؛ حيث كانت ترفض إسرائيل، خلال العامين الماضيين، أي تدخل تركي في مفاوضات وقف إطلاق النار مع حماس.

لكن أنقرة دخلت أخيرا من الباب الرئيس للمفاوضات، لتصبح، حسب تعبير الصحيفة، "طرفا فاعلا في الاتفاق الذي أنهى الحرب، وتثبت دورها كوسيط رئيس وفاعل ميداني في غزة، وذلك رغم كونها من أبرز الداعمين لحماس".

وذكرت أن "أنقرة، بسبب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لعبت دورا محوريا في المفاوضات التي أفضت إلى وقف إطلاق النار؛ حيث يُنظر إلى الضغط التركي، المدعوم من واشنطن، على أنه العامل الحاسم في إنجاح الاتفاق".

ولفت التقرير إلى أن "هذا النفوذ التركي المتزايد في ملف غزة، لم يمنع أنقرة من التمسك بخطابها ومواقفها الحادة تجاه إسرائيل".

واستدل على ذلك بما حدث في قمة شرم الشيخ؛ حيث أفادت تقارير إعلامية تركية بأن "أردوغان هدد بالانسحاب من القمة والعودة إلى بلاده إذا شارك بنيامين نتنياهو فيها".

في هذا السياق، قالت باحثة الشؤون التركية في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، غاليا ليندنشتراوس: إن "إسرائيل اضطرت بقبول الدور التركي بسبب ضغط ترامب، الذي يثق في أردوغان ليعيد بعض النظام إلى الشرق الأوسط".

وأوضحت أن "الدعم الذي تقدمه أنقرة لحماس من خلال استضافة قيادتها، والدعم اللوجستي والمالي الذي تقدمه لها رفقة قطر؛ منحت أردوغان نفوذا لإقناع الحركة بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار".

ثمن باهظ

وتعتقد ليندنشتراوس أن "تركيا تعد هذه التطورات إنجازا مهما لطالما سعت إليه".

وتابعت: "وعلى النقيض، تنظر إسرائيل للأمر كأحد الأثمان التي اضطرت أن تدفعها مقابل الصفقة".

وأضافت ليندنشتراوس: "بالنسبة لتل أبيب، فإن دخول أنقرة كلاعب رئيس في مرحلة ما بعد الحرب تطور سلبي".

كما لفتت إلى المفارقة التي أحدثها اتفاق شرم الشيخ، فقالت: "فبينما بذلت إسرائيل جهودا حثيثة لمنع التدخل التركي في جنوب سوريا، تجد نفسها اليوم تسمح لأنقرة بالتحرك في غزة".

من جانبه، يرى الباحث في معهد دراسات الأمن القومي والمتخصص في الشأن التركي، رامي دانيال، أن "التدخل التركي كان حاسما في الوصول إلى الاتفاق، بغضّ النظر عن المواقف تجاهه".  

وأضاف: "صحيح أن تركيا لم تكن جزءا من الوساطة منذ البداية، لكن أردوغان كان يسعى لأن يكون طرفا فاعلا ومؤثرا في هذا الملف".

ولفت إلى أن "تركيا قدمت في السابق مساعدات ضخمة لغزة، وكانت لفترة الدولة الأكثر دعما لها".

وأشار إلى أن "أردوغان حاول أن يكون نموذجا في معارضته لإسرائيل، ولم تذهب أي دولة بعيدا كما فعلت تركيا".

ويرى دانيال أن "نقطة التحول الحقيقية في المفاوضات، هي استعانة ترامب بتركيا وقطر معا لإقناع حماس بقبول الصفقة".

قوة مهيمنة

من جانبها، ترى صحيفة "إسرائيل هيوم" أن إسرائيل عالقة في "مأزق إستراتيجي عميق".

وأوضحت مقصدها بالقول: إن "انتهاء الاشتباكات العسكرية يمهد الطريق لإطلاق عملية دولية لا تشارك فيها إسرائيل، والتي ستعيد تشكيل الواقع وقواعد اللعبة في الشرق الأوسط".

وأضافت: "نقف اليوم على أعتاب حقبة جديدة في الشرق الأوسط، يبرز فيها المحور التركي القطري كقوة مهيمنة في تشكيل المنطقة".

ووفق تقديرها، فإن "هذا المحور يعمل بمثابة الممثل الإقليمي للقوة العظمى العالمية، الولايات المتحدة، ويعيد صياغة الترتيبات الإقليمية وفقا لمصالحها البعيدة المدى، مستفيدا بذكاء من محدودية الرؤية الأميركية في المنطقة".

وتابعت محذرة: "إن القوة الإقليمية التركية، المدعومة بعمق اقتصادي قطري وبشبكة التأثير والإعلام التي بنتها الدوحة في العالم الغربي خلال السنوات الأخيرة، تمكّن هذا المحور من صياغة شرق أوسط جديد".

وهي رؤية ترى الصحيفة أنها "يجب أن تثير القلق، ليس لدى الإسرائيليين فحسب، بل ولدى السعوديين والإماراتيين والمصريين واليونانيين كذلك".

وأردفت: "فتركيا عضو في حلف الناتو، وقطر ترتبط باتفاقية أمنية إستراتيجية مع الولايات المتحدة، دون أن يمنعهما ذلك من نشر خطاب معادٍ لإسرائيل في العالمين الإسلامي والغربي".

وبحسب رأيها "لا يحتاج هذا المحور إلى امتلاك سلاح نووي في المدى القريب؛ إذ يستند إلى دعم نووي غير مباشر من خلال القدرات النووية الباكستانية، ما يمنحه غطاء دفاعيا إستراتيجيا".

الدولة الفلسطينية

في سياق متصل، أشارت الصحيفة إلى أن "هذا المحور سيضغط لتحقيق هدف إقامة دولة فلسطينية، لا سيما أنه يرتكز حاليا على عدة إنجازات جوهرية عززت الرؤية نحو استقلال فلسطين، كنتيجة مباشرة للطريقة التي اختارت بها إسرائيل إدارة نهاية الحرب في غزة".

وانتقدت الصحيفة "توضيح الحكومة الإسرائيلية -التي تُعد الأكثر يمينية في تاريخ البلاد- في نهاية الحرب، أنها لا تنوي فرض السيادة على الضفة الغربية، ولا حتى على مناطق رمزية مثل توسيع حدود القدس لتشمل مستوطنة (معاليه أدوميم)، وقبولها دون اعتراض (توصية) أميركية بعدم فرض السيادة في لحظة تاريخية كانت الأنسب لاتخاذ هذا القرار، خاصة أنه يمكن تسويقه كردّ على هجوم حماس".

وبهذا "تحول موضوع فرض السيادة إلى نقاش سياسي عقيم لا يحمل أي جدوى عملية".

وتابعت: "وعندما لا يكون هناك طرف إسرائيلي يطالب بهذا الحق، يبرز طرف فلسطيني تركي قطري يطالب بالسيادة".

علاوة على ذلك، تعتقد الصحيفة أن إسرائيل "خسرت في هذه العملية الإنجاز الدبلوماسي الرئيس لاتفاقيات أوسلو، الذي حظي بتأييد المجتمع الدولي، والذي نص على أن الأطراف هم من سيحددون التسوية الدائمة بينهم عبر المفاوضات".

وتابعت: "اليوم، تعترف دول مثل بريطانيا وفرنسا وكندا، وجزء متزايد من الغرب، بدولة فلسطين دون اشتراط إجراء مفاوضات بين الطرفين".

بل ولم تستبعد الصحفية أن تنضم الولايات المتحدة إلى هذا التوجه بعد انتهاء ولاية الرئيس ترامب، خاصة في ظل الضغط التركي القطري المتزايد.

فضلا عن ذلك، ترى أنه "من خلال تبني خطة ترامب، أُجبرت إسرائيل على التخلي عن عقيدة الفصل بين غزة والضفة الغربية".

ونوَّهت صحيفة "إسرائيل هيوم" إلى أن "هذا الفصل كان الأداة الأساسية التي منعت عمليا إقامة دولة فلسطينية، أما الآن، وفي إطار الاتفاقات التي صيغت، تم التوافق على خطة لإنشاء كيان حاكم فلسطيني موحد تدريجيا".

وهكذا خلصت إلى أن "حماس تحت غطاء موافقة أميركية ضمنية، تعيد ترسيخ وجودها في قطاع غزة، بداية على المستوى المدني، وربما لاحقا على المستوى الأمني".

وتوقعت الصحيفة أن "المحور القطري التركي، تحت رعاية نموذج هجين يجمع بين الحركة والسلطة الفلسطينية، سيعمل على خلق ظروف مثالية لترسيخ سيطرة حماس بصيغة محدثة في أراضي غزة والسلطة".

في هذا الصدد، ترى أن "إطلاق سراح 2000 سجين من السجون الإسرائيلية خلق قيادة جديدة لحماس، تهدف في المقام الأول إلى تحقيق سيطرة فعالة على جميع الأراضي الفلسطينية لأول مرة منذ سنوات طويلة".

وحذَّرت الصحيفة من أن "إطلاق سراح مروان البرغوثي في المستقبل سيؤدي إلى تشكيل قيادة فلسطينية موحدة تحظى بدعم جميع الفصائل الفلسطينية".

وأشارت إلى أن "المظلة التركية القطرية ستعمل على تهيئة الظروف اللازمة لتحقيق هذا الهدف".

وفي ختام تقريرها، انتقدت الصحيفة إسرائيل قائلة: "كل هذه التحولات تجرى دون طرح أسئلة، دون وضع خطوط حمراء، ودون نقاش عام شفاف".

ووصفت الوضع قائلة: "إنها ليست هزيمة عسكرية، ولا ضعفا سياسيا، بل حالة من التبلد الإستراتيجي أمام تغييرات جذرية قد تعيد تشكيل المنطقة لعقود قادمة".