أعلنت استعدادها لنشر قوة عسكرية كبيرة.. ما الذي تبحث عنه إندونيسيا في غزة؟

"مساهمة إندونيسيا في (اليوم التالي) ستظل محدودة"
قبل نحو خمس سنوات فقط، ومع توقيع "اتفاقيات أبراهام"، بدأت إندونيسيا تبرز في “الوعي الإسرائيلي” كلاعب محتمل في الشرق الأوسط.
ومنذ ذلك الحين، ومع سعي الولايات المتحدة لتوسيع دائرة التطبيع مع إسرائيل، عاد اسم إندونيسيا للظهور بين الحين والآخر كمرشحة محتملة أحيانا، إلى جانب السعودية.
ومع بداية الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، واندلاع العدوان على قطاع غزة، ارتبط اسم إندونيسيا بشكل أعمق في الوعي العام بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.
فقد طُرح اسمها في وسائل الإعلام كإحدى الوجهات المحتملة لفكرة "الهجرة الطوعية" لسكان غزة، رغم أن الحكومة الإندونيسية سارعت إلى نفي ذلك بشكل قاطع، ورفضت الفكرة تماما.

تقوية العلاقات
وترى صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية أنه "في الأسابيع الأخيرة، ارتفع حضور إندونيسيا في الخطاب السياسي كطرف ذي صلة بما يُعرف بـ(اليوم التالي) للحرب".
فوفقا لها، "لفت الرئيس برابوو سوبيانتو الأنظار بخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ إذ نجح في إظهار مزيج من الاهتمام إزاء تعقيدات الصراع -من دون أي نبرة كراهية- مقدما تصوره حول إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مع التأكيد على ضرورة ضمان أمن إسرائيل ضمن أي تسوية مستقبلية".
كما أعلن الرئيس الإندونيسي عن استعداده لإرسال قوة عسكرية كبيرة للمشاركة ضمن قوة دولية لحفظ السلام في قطاع غزة، مؤكدا وقوف بلاده إلى جانب الجهود الأميركية لإنهاء الحرب.
بل إن التوقعات ارتفعت لساعات قليلة بشأن احتمال قيامه بزيارة تاريخية إلى إسرائيل، قبل أن تسارع جاكرتا إلى نفي ذلك تماما.
في هذا السياق، تحدثت الصحيفة العبرية عن دوافع إندونيسيا في الانضمام إلى الجهود الأميركية لإنهاء الحرب في غزة، مبرزة تبنيها "منهج الإسلام المعتدل ومكافحة التطرف من خلال تعزيز القيم الإسلامية المعتدلة".
وأشارت إلى أن انخراط إندونيسيا في الجهود الأميركية لإنهاء الحرب في غزة ينبع من عدة دوافع إستراتيجية.
أولها، "تنامي النشاط في سياستها الخارجية بقيادة برابوو، بهدف تعزيز مكانة جاكرتا الدولية ومكانته الشخصية بين قادة العالم".
وتابعت: "ثانيا، سعيها لتقوية علاقاتها مع الإدارة الأميركية الحالية، وثالثا، رغبتها المتزايدة في لعب دور سياسي في الشرق الأوسط، تعبيرا عن التزامها بدعم قيام دولة فلسطينية مستقلة".
ولفتت الصحيفة إلى أن "هذا التوجه لم يكن وليد اللحظة، بل بدأ يتبلور منذ نحو عقدين، حين نجحت إندونيسيا في الانتقال من حكم سلطوي إلى ديمقراطي".
وبحسبها، انعكست هذه التجربة على سياستها الخارجية التي قالت: إنها "أصبحت أكثر ديناميكية وطموحا، مدفوعة برغبة في تعزيز الاستقرار والمصالحة الإقليمية، والحد من التطرف الديني، خشية أن تمتد تداعياته إلى الداخل الإندونيسي".
وأضافت: "اعتمدت جاكرتا سياسة تشجع الإصلاحات الديمقراطية في المنطقة والعالم الإسلامي، مؤكدة أن الديمقراطية قابلة للتطبيق في الدول ذات الغالبية المسلمة".
تحديات وتحفظات
وأوضحت "إسرائيل هيوم" أن "إندونيسيا، مع انطلاق الربيع العربي، حاولت دعم مصر وتونس في مسارات التحول الديمقراطي، دون أن يؤدي فشل تلك التجارب إلى تراجع حماسها".
"بل إنها، مع انهيار نظام بشار لأسد وغموض مستقبل سوريا، شددت على أن الحل لا يكون إلا عبر انتقال سلمي وشامل نحو الديمقراطية". وفق ما ذكرته الصحيفة.
وأردفت: "كما تبنت إندونيسيا هدفا إضافيا في سياستها الخارجية يتمثّل في مكافحة التطرف الديني من خلال الترويج لقيم الإسلام المعتدل، فيما يُعرف بـ (دبلوماسية القوة الناعمة)".
وأشارت الصحيفة إلى أنّ "هذه السياسة تستند إلى حركتين مدنيتين بارزتين في المجتمع الإسلامي الإندونيسي: (نهضة العلماء) و(المحمدية)، وهما من أبرز القوى التي أسهمت في ترسيخ الديمقراطية وصياغة نموذج إسلامي معتدل يدعو إلى التسامح والحوار بين الأديان".
ولفتت إلى أن "جهود حركة نهضة العلماء تبرز بوضوح على الساحة العالمية، بصفتها الأكبر بين الحركتين، من خلال مشروع "إسلام نوسانتارا (إسلام الأرخبيل الإندونيسي)"، الذي يسعى منذ قرابة عقد إلى تقديم نموذج إسلامي معتدل موجه أيضا إلى منطقة الشرق الأوسط".
"ورغم أن الحديث عن مساهمة إندونيسية في (اليوم التالي) للحرب غالبا ما يتركز على إرسال قوات لحفظ السلام أو تقديم مساعدات إنسانية، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في ما هو أقل وضوحا وأكثر صعوبة: دعم الإصلاحات الديمقراطية، وقيادة مشاريع لتعزيز التسامح الديني ومكافحة التطرف داخل المجتمعات المحلية". تقول الصحيفة.
وتابعت: "ومع ذلك، لا يبدو أن جاكرتا تطرح هذه المسارات ضمن رؤيتها لـ (اليوم التالي)".
وزعمت أن ذلك "قد يكون بسبب إدراكها أن ذلك لا يخدم مصالحها المباشرة في التنافس على قيادة المبادرة الأميركية إلى جانب دول عربية وازنة".
وتابعت موضحة مقصدها: "فالفكرة الديمقراطية لا تزال تثير تحفظا، بل ورفضا، لدى بعض الأنظمة في المنطقة".
وأردفت: "أما رسائل الإسلام المعتدل ومكافحة التطرف، فهي تحظى بتفهم أكبر من جانب دول المعسكر السني المعتدل في الشرق الأوسط".

موقف صارم
ومع ذلك، نوَّهت الصحيفة العبرية إلى أن "بعض المفكرين داخل التيار الإسلامي الإندونيسي يطرحون تساؤلات حول مدى واقعية تصدير نموذج الإسلام السني الإندونيسي إلى قلب العالم الإسلامي".
ويعود هذا التساؤل إلى اعتقادهم أن هذا "النموذج نتاج لبيئة سياسية واجتماعية وثقافية مختلفة تماما، بل وهامشية وغريبة على المجتمعات في الشرق الأوسط".
وتابعت الصحيفة: "فرغم أن إندونيسيا تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، إلا أن بنيتها الفكرية تُصنف كدولة علمانية أو محايدة دينيا، فالإسلام لا يتمتع بوضع دستوري مميز مقارنة بخمس ديانات أخرى معترف بها رسميا".
ورغم رغبة جاكرتا في المساهمة في مرحلة "اليوم التالي" لما بعد الحرب في غزة، إلا إن "إسرائيل هيوم" أشارت إلى "عقبة رئيسة تمنع انخراط إندونيسيا في خطة ترامب للسلام، وتتمثل في غياب العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل".
وتابعت: "فرغم رغبتها الواضحة في دعم المبادرة الأميركية، والتوصل إلى حل سياسي للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني؛ فإن موقفها الرسمي لا يزال صارما: لا علاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة، أو وفقا لتعبير رئيسها الحالي (قبل اعتراف إسرائيل بهذه الدولة المستقلة)".
ولفتت إلى أن "هذا الموقف يستند إلى إجماع واسع داخل المجتمع الإندونيسي، ويستمد قوته من شعور عميق بالتضامن الإسلامي، خاصة بين الأغلبية المسلمة".
وترى أنه "رغم إمكانية أن تُبدي جاكرتا مرونة مستقبلية في هذا المبدأ، فإن ذلك مشروط بتحقيق تقدم حقيقي نحو تسوية سياسية".
وبالتالي، خلصت إلى أن "مساهمة إندونيسيا في (اليوم التالي) ستظل محدودة ما لم تُبن علاقات رسمية مع إسرائيل، تتيح التعاون المباشر معها".
وتوقعت أنه "في حال تقدمت الخطة الأميركية وفق المأمول، فقد تشهد إندونيسيا تغيرات جوهرية تدفعها إلى إعادة النظر في سياستها، بما يتيح لها الإسهام بشكل فعلي في جهود إعادة إعمار غزة والمنطقة".















