من ملاذ آمن إلى "سلاح جيوسياسي".. ماذا يحدث في سوق الذهب عالميا؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

خلال السنوات الأخيرة، أثارت الحرب التي أشعلتها أميركا في أوكرانيا، وسياسات دونالد ترامب التخريبية داخل أميركا وخارجها، اهتمام الدول بالسيطرة على احتياطياتها من الذهب وزيادتها.

وعن الذهب، تقول صحيفة إلباييس الإسبانية: إنه يمثّل رمزا للثروة على مرّ آلاف السنين. ورغم استخدام البشرية لشتى أنواع العملات، إلا أنه لا يوجد أصل يضاهي أهميته التاريخية، في حين تزخر الثقافة الشعبية بالإشارات إلى هذا المعدن النفيس.

“سلاح جيوسياسي”

وحتى في عصر الآليات المستقبلية على غرار العملات الرقمية، يُؤكد المعدن النفيس على قوته، ليس فقط كأصل استثماري يوفر ملاذا آمنا في أوقات الأزمات المالية، بل أيضا بصفته "سلاحا جيوسياسيا".

ونوهت الصحيفة إلى أن شراء البنوك المركزية للذهب، والذي تسارع بسبب اندلاع الحرب في أوكرانيا سنة 2022، هو عنصر حاسم في شدة ارتفاع سعره، لدرجة أن ملكية السبائك والمكان المادي الذي يتم الاحتفاظ بها فيه تتخذ بعدا مختلفا.

وبشكل عام، يلعب النظام العالمي والتجاري الجديد الذي فرضه البيت الأبيض دورا كبيرا في ذلك أيضا.

وأشارت الصحيفة إلى أن السياسات الدولية المضطربة التي انتهجها دونالد ترامب، في مواجهة علنية مع الاتحاد الأوروبي، أثارت جدلا واسعا هذا العام، في دول مثل ألمانيا وإيطاليا، حول جدوى إعادة احتياطياتها الكبيرة من الذهب الموجودة في الولايات المتحدة. 

وفي العام الذي أعلنت فيه واشنطن حربا تجارية، استثنت سياسة التعريفات الجمركية الشاملة التي انتهجها البيت الأبيض الذهب، وهو أصل بالغ الحساسية بالنسبة لأكبر اقتصاد في العالم. 

ومع ذلك، أسهم مجرد التهديد بفرض تعريفات جمركية في ارتفاع الأسعار، ودفع إلى نقل استباقي لسبائك الذهب عبر المحيط الأطلسي من خزائن لندن إلى خزائن نيويورك. 

كما تُظهر الصين أهمية الذهب في الجغرافيا السياسية الراهنة: فبنكها المركزي من أكبر المشترين، بكميات يشتبه في أنها أعلى من الكميات المُعلنة رسميا. 

وعموما، يعدّ هذا النقص في الشفافية سمة مشتركة للأصول التي تكتسب أهمية جيوسياسية.

وتجدر الإشارة إلى أنه خلال فترة الكساد الكبير، لم يعد معيار الذهب مرجعا للعملات العالمية، وانتهى ربط الدولار بالذهب سنة 1971. ومع ذلك، لا تزال البنوك المركزية حول العالم تحتفظ باحتياطيات هائلة من المعدن؛ حيث ارتفعت قيمتها بشكل كبير بفضل ارتفاع الأسعار. 

وأوردت الصحيفة أن سعر الذهب ارتفع بنسبة 65 بالمئة سنة 2025، وهو أفضل عام له منذ سنة 1979، وارتفع بنسبة تقارب 140 بالمئة خلال السنوات الثلاث الماضية. 

وتجاوزت الولايات المتحدة، صاحبة أكبر احتياطيات من الذهب في العالم بواقع 8133 طنا، حوالي 850 مليار يورو لأول مرة. 

وكانت مشتريات البنوك المركزية عاملا أساسيا في الارتفاع المتواصل للذهب؛ حيث بلغ حجمها حوالي 32 ألف طن على مستوى العالم، بقيمة 3.84 تريليونات يورو.

تحول هيكلي

ونقلت الصحيفة أن الغزو الروسي لأوكرانيا، في فبراير/ شباط 2022، شكّل نقطة تحول في دور الذهب كملاذ آمن وفي بعده الجيوسياسي. 

وبحسب كيرستين هوتنر، المسؤولة في بنك فونتوبيل، "مثلت الحرب في أوكرانيا تحولا هيكليا في الطلب العالمي على الذهب. فعندما جمّدت الولايات المتحدة جميع الأصول الروسية المقوّمة بالدولار، انتاب القلق العديد من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة خشية اتخاذ إجراءات مماثلة ضدها في حال نشوب نزاع". 

ومن هذا المنطلق، قررت العديد من البنوك المركزية البحث عن بدائل للدولار في احتياطياتها، مفضلة شراء الذهب. 

ووفقا لكارستن مينكه، المسؤولة في بنك يوليوس باير، "تعد الحرب في أوكرانيا العامل الرئيس الذي أدى إلى تغيير دور الذهب كأصل جيوسياسي. ومن غير المرجح أن يتراجع هذا التغيير الهيكلي، حتى في حال التوصل إلى اتفاق سلام".

ونوهت الصحيفة إلى أن هناك عاملا آخر عزز المكانة الجيوستراتيجية التي اكتسبها الذهب أخيرا، ألا وهو اعتلاء ترامب سدة الحكم. 

في واقع الأمر، قوّض رئيس الولايات المتحدة الوضع الراهن للعلاقات الدولية القائمة على مرّ العقود السابقة، خاصة بهجماته المتواصلة على الاتحاد الأوروبي. 

كما زعزع قدوم ترامب استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، الحافظ لآلاف الأطنان من الذهب من البنوك المركزية الأوروبية، التي أودعت جزءا من احتياطياتها في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة.

وقد أعاد هذان العاملان إشعال النقاش مؤخرا في ألمانيا وإيطاليا، حيث تودع 37 بالمئة و43 بالمئة من احتياطياتهما من الذهب في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك على التوالي، حول إعادة هذا المعدن النفيس إلى الوطن. 

وتُعد ألمانيا وإيطاليا، بعد الولايات المتحدة، ثاني أكثر الدول امتلاكا للذهب في العالم: 3350.25 طنا في البوندسبانك الألماني و2451.84 طنا في بنك إيطاليا، وفقا لبيانات مجلس الذهب العالمي.

نهاية الحياد

في هذا السياق، توضح جوديث أرنال، الباحثة الاقتصادية الأولى في معهد إلكانو الملكي، أن "هناك توجها متزايدا نحو إعادة احتياطيات الذهب إلى الوطن، وهو توجه لا يرتبط كثيرا بالجوانب اللوجستية، بل يرتبط أكثر بالشكوك حول الأمن السياسي والقانوني للولايات المتحدة بصفتها جهة محايدة لحفظ هذه الاحتياطيات. 

ولا يعد هذا التوجه نزوحا جماعيا من بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، بل هو اتجاه هيكلي نحو الاحتفاظ بمزيد من الذهب في البلد نفسه أو في مناطق توفر ضمانات قانونية كاملة وتقلل من مخاطر تورط الاحتياطيات في عقوبات أو ضغوط سياسية أو تدخل من البنك المركزي الحافظ لها". 

عموما، يُعد الذهب، كأصل جيوسياسي، قضية حساسة بالنسبة للولايات المتحدة، وهو ما أظهرته سياستها الجمركية هذا العام. وقد أدى التهديد بفرض رسوم جمركية على المعدن النفيس إلى نقل استباقي لسبائك الذهب من خزائن لندن إلى خزائن نيويورك. 

وتلقى بنك إنجلترا، الذي تضم خزائنه جزءا كبيرا من الذهب الذي تحتفظ به المؤسسات المالية العالمية، طلبات قوية في شباط/ فبراير من التجار والبنوك لسحب حيازاتهم من الذهب، مفضلين نقلها إلى نيويورك. 

وبلغ تأثير التهديد بالرسوم الجمركية على الذهب ذروته في أغسطس/ آب، عندما أعلن ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 39 بالمئة على سويسرا، مما أضر أيضا بصناعة تكرير الذهب القوية فيها.

وبلغ متوسط ​​مشتريات السلطات النقدية السنوية من الذهب حوالي 500 طن بين عامي 2009 و2021، وتضاعفت منذ 2022. 

وتمتلك الصين سادس أكبر احتياطي من الذهب في العالم؛ حيث يبلغ 2279.56 طنا، وهو رقم ارتفع من 1948 طنا في 2021، وفقا لبيانات مجلس الذهب العالمي، وهو مصدر رئيس للمعلومات حول ملكية الذهب عالميا. 

أما بولندا التي تعيش حالة تأهب دائم منذ سنة 2022 بسبب قربها من روسيا، فقد زادت احتياطياتها من الذهب بشكل ملحوظ، من 230.84 طنا في سنة 2019 إلى 448.23 طنا في 2024.