مع تراجع ترامب.. كيف تحولت إسرائيل إلى نقطة انقسام متصاعد داخل اليمين الأميركي؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

برزت دولة الاحتلال الإسرائيلي أخيرا كنقطة توتر رئيسة داخل المعسكر الجمهوري في الولايات المتحدة الذي كان متماسكا نسبيا خلف الرئيس دونالد ترامب.

وتتزايد الأصوات داخل الحزب التي تتساءل عما إذا كان استمرار دعم إسرائيل يتوافق مع سياسة خارجية تقوم على مبدأ "أميركا أولا".

قضية خلافية

وفي بعض الحالات البارزة، تداخل الجدل حول سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل مع الصور النمطية المعادية للسامية والاتجاهات الدينية في اليمين المسيحي، مما زاد من مخاوف اليهود الأميركيين.

غير أن هيمنة الرئيس ترامب على دوائر صنع القرار في الحزب الجمهوري وبين قاعدته الشعبية جعلت هذه المواقف الأقل ودية تجاه إسرائيل ذات تأثير محدود على قرارات السياسة الأميركية، وفق تقييم معهد “دراسات الأمن القومي الإسرائيلي”.

وأكد المعهد، في تقرير له، أن "على إسرائيل الاستعداد لواقعٍ يصبح فيه دعمها قضية خلافية في كلا الحزبين في الكونغرس".

وقال المعهد: "رغم أن النقاشات حول إسرائيل داخل اليمين الأميركي أصبحت أكثر حدة بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة، فإن أولى مؤشرات التوتر ظهرت قبل ذلك بعدة أشهر خلال الحرب مع إيران".

ففي الفترة التي سبقت الضربة الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية، تساءلت أصوات بارزة في اليمين السياسي والإعلامي الأميركي عمّا إذا كان الانجرار إلى حرب في الشرق الأوسط يخدم المصالح الأميركية، أو يعكس تدخلا غير مشروع من جانب إسرائيل في السياسة الأميركية.

وفي حينه، ردّ ترامب مباشرة على الانتقادات التي رأت أن انضمامه إلى إسرائيل في الحرب يتعارض مع مبدأ "أميركا أولا"، مؤكدا أن هذا المبدأ من بنات أفكاره، وأنه وحده من يحدد معناه.

غير أن هذا التصريح لم ينهِ الجدل الداخلي حول موقع إسرائيل داخل السياسة اليمينية، ففي فعالية عامة عُقدت أخيرا، وُجّه إلى نائب الرئيس جيه دي فانس سؤالا عمّا إذا كان ينبغي للولايات المتحدة أن تعد إسرائيل حليفا وثيقا.

وقد عبّر السائل عن شكوكه قائلا: “أنا مسيحي... أستغرب فكرة أننا مدينون لإسرائيل بشيء ما”، ولم يرفض فانس، وهو كاثوليكي صريح، منطلق السؤال، بل أقر بوجود خلافات دينية بين اليهود والمسيحيين، مؤكدا أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل مشروط بتقاطع مصالحها مع مصالح واشنطن.

وبهذا الموقف، أعاد فانس التأكيد على المقاربة الواقعية التي عبّر عنها سابقا فيما يتعلق بالعلاقة بين الطرفين.

وقال المعهد: إن "الأمر الأكثر إثارة للقلق من هذا الجدل هو موجة التصريحات المعادية لإسرائيل والمعادية للسامية التي صدرت أخيرا عن شخصيات بارزة في اليمين".

وأضاف "فقد هاجم علنا مقدم برنامج البودكاست الرائد في الولايات المتحدة، تاكر كارلسون، إسرائيل ودعْم الولايات المتحدة لها، بل وذهب إلى حد وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بأنه عدو للحضارة الغربية، مشبها إياه بالنازيين".

وقال كارلسون: "يقول نتنياهو إنه يدافع عن الحضارة الغربية. كلا، إنه عدوها، بل عدوها اللدود... لماذا النازيون أشرار؟ لأنهم قالوا إننا نحارب هؤلاء الناس بناء على هويتهم... ونتنياهو يؤمن بالشيء نفسه".

جاء ذلك بعد استضافته لـ"نيك فوينتيس"، وهو عنصري ومعاد للسامية ومتعاطف مع هتلر، وفق وصف المعهد.

وأفاد المعهد بأن "مثل هذه التصريحات كانت في الماضي تؤدي إلى نبذ من يروج لها، إلا أنها باتت شائعة بشكل متزايد بين المحافظين الشباب المهتمين بالسياسة".

تطورات مقلقة

وكشف تحقيق استقصائي حديث لصحيفة "بوليتيكو" عن مجموعة دردشة ضمّت قيادات "الشباب الجمهوريين" وهم شباب في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، وكانت مليئة بمنشورات معادية للسامية وعنصرية، بحسب وصف المعهد.

وعندما وُوجه قادة جمهوريون بارزون بهذه القصة، من بينهم نائب الرئيس، اختاروا التقليل من شأنها ومن أهميتها.

وبالمثل، بعد أن انتقد بعض الشخصيات المحافظة كارلسون لاستضافته "فوينتيس"، سارع رئيس مؤسسة التراث، كيفن روبرتس، للدفاع عن مقدم البودكاست الشهير.

وأعلن روبرتس أن "ولاءه كمسيحي وأميركي هو للمسيح أولا ثم لأميركا"، رافضا دعوات تهميش كارلسون.

وتعد مؤسسة التراث مسؤولة عن العديد من سياسات إدارة ترامب، بما في ذلك مكافحة معاداة السامية، بحسب المعهد.

وقد أدى الاعتراض على تصريح "روبرت" إلى جدل داخلي في المؤسسة، تَرَكز معظمه على ما إذا كان دعم العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل يتوافق مع مبادئ "أميركا أولا" والقيم المسيحية.

ويرى المعهد أن "التطورات المقلقة بشأن إسرائيل ومعاداة السامية في اليمين الأميركي مدفوعة بتطورات أيديولوجية ودينية وتكنولوجية".

أيديولوجيا، يرى الفصيل المعادي لإسرائيل في اليمين أنه يتبنى نهج "أميركا أولا" الذي تبنّاه الرئيس ترامب، وصولا إلى نتيجته المنطقية، فإذا كان ينبغي فحص جميع التحالفات من منظور المصالح الأميركية الضيقة، فلماذا تُعامل إسرائيل بشكل مختلف؟

وأوضح المعهد أن الكثيرين في المعسكر اليميني يعدون القيم المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة ضعيفة، بينما يشكك آخرون في وجودها أصلا.

ومن الناحية الدينية، تعززت مظاهر العداء داخل الحزب الجمهوري للتحالف الأميركي–الإسرائيلي بفعل النزعة القومية المسيحية التي تحرّك أجزاء من اليمين.

فبينما سعى بعض أنصار هذا التيار إلى إدراج اليهودية ضمن إطار أوسع لما يسمونه "الحضارة اليهودية–المسيحية"، عمد آخرون إلى وضع اليهودية خارج حدود الهوية الثقافية المسيحية الصلبة التي يسعون إلى ترسيخها.

كما أسهمت التحولات داخل المسيحية الأميركية في تصاعد النزعات المعادية للسامية والمواقف المناهضة لإسرائيل بشكل أكثر علنية، بحسب المعهد.

وحتى وقت قريب، كانت الجماعة الدينية المهيمنة داخل اليمين الأميركي هي الإنجيليين البيض، وكثير منهم يعرّفون أنفسهم بوصفهم "صهاينة مسيحيين".

أما اليوم، فقد بات المحافظون من الكاثوليك والمسيحيين الأرثوذكس الذين لا يشاطرون الإنجيليين التزامهم اللاهوتي بإسرائيل، يتمتعون بنفوذ متزايد داخل اليمين.

تقنيا، يشهد المشهد الإعلامي تحولا متسارعا، من ضمنه أخيرا التغييرات التي أُدخلت على خوارزمية منصة "إكس" (تويتر سابقا)، بما بات يكافئ المحتوى المثير للجدل ويُزيل القيود المفروضة على المحتوى.

تداعيات وخيمة

ونتيجة لذلك، أتاحت هذه التحولات لأصوات -كانت تجد صعوبة في السابق في الوصول إلى الجمهور- أن تصبح اليوم أكثر حضورا وقابلية للتطبيع، بحسب وصف المعهد.

وقال: "لقد تسارعت وتيرة هذه التوجهات الثلاثة بفعل الحرب الإسرائيلية على جبهات متعددة".

وتشير استطلاعات الرأي إلى تصاعد المشاعر السلبية تجاه إسرائيل بين الشباب الأميركي من مختلف الانتماءات الحزبية. 

ففي استطلاع حديث أجرته مؤسسة "بيو"، أعرب نصف الجمهوريين دون سن الخمسين عن رأي سلبي تجاه إسرائيل.

وقال المعهد: "في الوقت الراهن، يشكّل إحكام الرئيس ترامب قبضته على الحزب إلى جانب مواقفه المؤيدة لإسرائيل، سقفا يحدّ من الانعكاسات السياسية المباشرة لهذه التوجهات".

وأضاف "غير أن الجدل حول معنى (أميركا أولا) بالنسبة للتحالف الأميركي–الإسرائيلي، إلى جانب بروز خطاب معاد للسامية داخل اليمين الأميركي، يبدو أنه لن يُحتوى سريعا".

واستطرد: "فقد بدأت بالفعل مظاهر العداء العلني المصاحبة للابتعاد عن إسرائيل تثير قلقا عميقا داخل الجالية اليهودية الأميركية.

"وإلى ذلك، فإن تقدير ترامب نفسه للمصلحة القومية الأميركية قد يتغير في أي وقت، ومع خروجه مستقبلا من موقعه القيادي الحالي، يبرز عدد من أبرز المرشحين لخلافته من الجناح الأكثر تشككا في إسرائيل داخل الحزب".

ويرى أنه "عند وضع ذلك في سياق التراجع الحاد في دعم إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي، الذي ينزلق أحيانا هو الآخر إلى أنماط من الخطاب المعادي للسامية بطريقته الخاصة، تبدو التداعيات وخيمة".

ولا يعني ذلك -بحسب التقرير- أن معارضة إسرائيل أصبحت الموقف الافتراضي في الولايات المتحدة؛ إذ لا يزال السياسيون الأميركيون، في الغالب، يصوتون لصالحها.

"غير أن تراجع التعاون بين الحزبين، وتآكل الدعم لإسرائيل على الأجنحة الأيديولوجية لكليهما، سيجعل من الصعب مستقبلا الحفاظ على مستوى التأييد الذي اعتادت إسرائيل عدّه أمرا مسلّما به طوال العقود الماضية".