لماذا سافر الرئيس الإندونيسي إلى روسيا للمرة الثانية في عام واحد؟

"ليس من المعقول أن تسافروا إلى الهند فقط"
في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول 2025 استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين رئيس إندونيسيا برابوو سوبيانتو.
وتعد هذه زيارته الثانية لروسيا خلال عام 2025؛ إذ كان قد حضر في يونيو/ حزيران إلى سانت بطرسبورغ حيث وقع مع بوتين إعلان الشراكة الإستراتيجية وشارك معه في الجلسة العامة لمنتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي.
كما التقى الزعيمان مجددا في سبتمبر/ أيلول 2025 خلال العرض العسكري في بكين بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية.
هذه المرة، أوضح برابوو أن الهدف الأساسي من الزيارة هو إجراء مشاورات، من دون تقديم تفاصيل إضافية.
كما وجّه دعوة إلى بوتين لزيارة إندونيسيا في عامي 2026 أو 2027، مرفقا الدعوة بعبارة مازحة (ليس من المعقول أن تسافروا إلى الهند فقط!)، ليرد بوتين بأنه سيقبل الدعوة.
وكانت آخر زيارة للرئيس الروسي إلى إندونيسيا في عام 2013، حين شارك في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في جزيرة بالي.
وأوضحت صحيفة "فيدوموستي" الروسية، أنه "في مستهل كلمته، قدّم بوتين تعازيه للرئيس الإندونيسي بسبب الخسائر البشرية والدمار الذي خلفه الفيضان الذي ضرب إندونيسيا مطلع ديسمبر/كانون الأول 2025".
حيث أعلنت السلطات أن عدد الضحايا بلغ أكثر من 1000 شخصا، فيما لا يزال أكثر من 250 في عداد المفقودين، وجرى إجلاء نحو مليون شخص.

نمو لافت
وعند الحديث عن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، أشار بوتين إلى نمو حجم التبادل التجاري في عام 2025، لكنه أوضح أن نسبة النمو بلغت 17 بالمئة خلال الأشهر التسعة الأولى، مقارنة بـ40 بالمئة في الأشهر الأربعة الأولى من العام ذاته.
أما في عام 2024 فقد بلغ حجم التبادل التجاري 4.3 مليارات دولار، شكّلت المنتجات الصناعية 40 بالمئة منه.
في غضون ذلك، وعلى هامش قمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في مدينة سان بطرسبورغ الروسية، والتي تعقد بمشاركة زعماء الدول الأعضاء في الاتحاد، وقع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي اتفاقية تجارة حرة مع إندونيسيا.
وحول التعاون في مجال الطاقة، ذكرت الصحيفة أن "الرئيس الروسي أكد أنه لدى موسكو وجاكرتا (آفاقا جيدة جدا في مجال الطاقة، بما في ذلك الطاقة النووية)".
مضيفا: "أعلم أن لديكم مثل هذه الخطط، ونحن، إذا رأيتم من المناسب الاستعانة بخبرائنا، فنحن دائما في خدمتكم".
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعلن في الصيف عن استعداد بلاده للمساعدة في بناء محطة نووية في العاصمة الإندونيسية الجديدة نوسانتارا.
يُذكر أن إندونيسيا قدّمت في ربيع 2025 طلبا لإنشاء أول محطة نووية في البلاد تضم مفاعلين معياريين بقدرة 250 ميغاواط لكل منهما، وذلك في جزيرة كايلاسا التابعة لمقاطعة بانكا-بليتونغ.
كما جرى مرارا الحديث عن إمكانية نقل تكنولوجيا المفاعلات الصغيرة المعيارية إلى إندونيسيا بمشاركة شركة "روس آتوم".
وفيما يخص العلاقات بين البلدين في المجال الزراعي، أشار بوتين إلى إن العلاقات الزراعية بين البلدين تُظهر "فائضا لصالح إندونيسيا"، لكنه أكد أن روسيا "لا تتحفظ على ذلك".
وثمة زيادة ملحوظة في واردات موسكو من زيت النخيل الإندونيسي مطلع عام 2025، بعد سنوات من تقليص المشتريات من أكبر منتج عالمي لهذه السلعة.
في المقابل، أشار بوتين إلى تراجع صادرات القمح الروسي إلى جاكرتا، وهو موضوع كان مطروحا للنقاش خلال المفاوضات، بحضور وزيرة الزراعة أوكسانا لوت.
في المجال العسكري، وصف بوتين إندونيسيا بأنها (شريك تقليدي) في مجال التعاون العسكري التقني، لكنّه اكتفى بالإشارة إلى أن طلابا إندونيسيين يدرسون في الأكاديميات العسكرية الروسية، وأن موسكو مستعدة لمواصلة استقبالهم.
ومن الجدير بالذكر، أن ممثلي شركة "روسوبورون إكسبورت" -الوكالة الحكومية الروسية الحصرية المسؤولة عن تصدير واستيراد الأسلحة والتقنيات العسكرية الروسية- قد عرضوا في وقت سابق على جاكرتا شراء مقاتلات الجيل الخامس "سو-57"، والعودة إلى ملف صفقة "سو-35" التي تعطلت بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا بموجب قانون "CAATSA".
وأشارت الصحيفة إلى أنه "إلى جانب لافروف ووزيرة الزراعة أوكسانا لوت، شارك في المفاوضات عدد من كبار المسؤولين الروس".
بينهم النائب الأول لرئيس الوزراء دينيس مانتوروف، ومستشار الرئيس يوري أوشاكوف، ورئيسة البنك المركزي إلفيرا نابيولينا، ورئيس الهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري-التقني دميتري شوغاييف، ونائب وزير الدفاع فاسيلي أوسماكوف.

مفاوضات غير معلنة
ولفتت الصحيفة إلى أنه "لم يتم طرح قضية أوكرانيا في الجزء العلني من المحادثات، رغم أن برابوو سوبيانتو، حين كان وزيرا للدفاع في عام 2023، اقترح تثبيت مناطق السيطرة القائمة بين الطرفين، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول خط التماس، وإجراء استفتاءات جديدة في المناطق الروسية المستحدثة تحت إشراف الأمم المتحدة".
وأوضحت أنه "خلال عامه الأول في الحكم، واجه الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو في بلاده ليس فقط الكوارث الطبيعية التقليدية مثل الفيضانات، بل أيضا موجات احتجاج جماهيرية واسعة".
ونوّهت إلى أن "قراره الأخير بمنح صهره والرئيس الأسبق سوهارتو -الذي بدأ حياته السياسية في ظله- لقب (بطل قومي)، أثار جدلا كبيرا وقوبل بردود فعل متباينة داخل المجتمع الإندونيسي".
أما في السياسة الخارجية، فيسعى برابوو -وفقا لها- إلى "بناء علاقات متوازنة مع مختلف مراكز القوة العالمية.
واستدلت على ذلك بما حدث "في أكتوبر/تشرين الأول 2025، حين تسرب إلى الإعلام تسجيل لمحادثة بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، طلب خلالها برابوو ترتيب لقاء مع نجل ترامب، إريك".
في هذا السياق، يرى نائب مدير مركز الدراسات الأوروبية الشاملة في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، ألكسندر كوروليف أن إندونيسيا "مهتمة بتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي مع روسيا".
ويعتقد أن "هناك حاليا مجالا لمفاوضات غير معلنة بين موسكو وجاكرتا حول الطاقة النووية والتعاون العسكري-التقني".
كما يرى أن برابوو "يظهر اهتماما كبيرا بالواردات الغذائية من روسيا، بدءا من القمح وصولا إلى لحوم الأبقار".

تعزيز الشعبية
ويقدر كوروليف أن "زيارة برابوو الحالية تهدف أيضا إلى معالجة بعض مشاكله الداخلية عبر تحويل اهتمام الرأي العام الإندونيسي، فهو يسعى من خلال الاتفاقيات مع روسيا لتعزيز شعبيته".
وذلك على الرغم من أن "الوضع الداخلي لا يبدو مهددا للرئيس؛ إذ إن المعارضة في إندونيسيا ما تزال متفرقة وضعيفة التنظيم". وفق تحليله.
ويضيف كوروليف أن "العلاقات بين موسكو وجاكرتا وصلت إلى أفضل مستوياتها منذ عقود، وأن الزيارة الثانية للرئيس الإندونيسي إلى روسيا خلال عام واحد تؤكد التوجه نحو شراكة إستراتيجية حقيقية".
"لكنه يشير أيضا إلى أن الحكومة الإندونيسية تسعى إلى تنويع علاقاتها الخارجية، بما في ذلك تعزيز الروابط مع الصين والولايات المتحدة". بحسب ما ذكرته الصحيفة.
من جانبه، يقول دميتري موسياكوف، مدير مدير مركز دراسات جنوب شرق آسيا وأستراليا وأوقيانوسيا بمعهد الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم: إن "رابطة آسيان تحتاج في ظل الصراع بين الولايات المتحدة والصين إلى قوة ثالثة تساعدها في صياغة ترتيبات أمنية جديدة، وهذه القوة هي روسيا".
ويعتقد الخبير الروسي أن "العنصر الأساسي في السياسة الروسية بالمنطقة هو القدرة على (تسويق الأمن).
وأشار إلى "وجود طلب واسع على الحضور الروسي في جنوب شرق آسيا، بما يعزز استقرار الأنظمة السياسية المحلية".
ووفقا له "يبرز هذا، ليس فقط من خلال الزيارة الثانية لبرابوو سوبيانتو إلى موسكو خلال عام واحد، بل أيضا عبر زيارات قادة آخرين من دول آسيان، مثل رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم".















