فرنسا تحاول استعادة نفوذها في ليبيا وسط انسداد سياسي وفشل لقاء باريس

عالي عبداتي | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

ما تزال فرنسا تحاول الإبقاء على موضع قدم لها في دول القارة الإفريقية ومنها ليبيا، وذلك تزامنا مع تحركات أممية ودولية متواصلة لإيجاد حل للأزمة الداخلية المستمرة ببلاد عمر المختار.

وفي هذا الصدد، بحث المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي بول سولير مع رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، في قصر الإليزيه بباريس تطورات المشهد السياسي، مستعرضا رؤية المجلس للدفع نحو مسار توافقي شامل ينهي حالة الانقسام.

لقاءات جديدة

ووفق ما نقل موقع "ليبيا الأحرار" في 17 ديسمبر/كانون الأول 2025، فقد أكد تكالة على "ضرورة دعم الجهود لإجراء الانتخابات وفق إطار دستوري وقانوني توافقي".

وأوضح الموقع أن الاجتماع تناول التحديات الأمنية وسبل بسط سلطة الدولة، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والحاجة لإصلاحات عاجلة تضمن العدالة في توزيع الموارد.

وفي سياق متصل بزيارته إلى باريس، أجرى تكالة جولة في معهد العالم العربي، التقى خلالها برئيس المعهد جاك لانغ؛ حيث ناقش الطرفان سبل تعزيز التعاون الثقافي ودور المعهد في نشر اللغة والثقافة العربية.

من جانبه، نقل المكتب الإعلامي لمجلس النواب تأكيد بول سولير خلال لقائه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في العاصمة باريس، دعم فرنسا لمجلس النواب الليبي ومساعيه لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة.

وأفاد الناطق باسم مجلس النواب، عبدالله بليحق، بأن المبعوث الفرنسي شدد على أن إجراء الانتخابات "خطوة أساسية نحو إنهاء المرحلة الانتقالية".

وأوضح أن المبعوث الفرنسي أشاد بمخرجات لجنة "6+6" المشتركة (6 ممثلين من مجلس النواب و6 من المجلس الأعلى للدولة)، وعدها خطوة توافقية مهمة في ما يتعلق بإعداد القوانين الانتخابية.

كما توقف عند "ضرورة استمرار اللجنة في أداء مهامها خلال المرحلة المقبلة، بما يسهم في تهيئة المناخ المناسب لإجراء الانتخابات وتحقيق الاستقرار السياسي في البلاد".

بدورها، وصفت السفارة الفرنسية لدى ليبيا زيارة عقيلة صالح وتكالة إلى باريس بأنها "مثمرة".

وذكرت السفارة أن اللقاءات شملت حوارا بناءً مع كل من رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية يائيل براون-بيفيه، ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه إلى جانب المبعوث سولير.

كما نقلت السفارة أن المبعوث سولير استقبل بباريس نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي عبد الله اللافي، في 17 ديسمبر 2025.

وأكدت السفارة أهمية اللقاء، والاتفاق المشترك بين الجانبين على ضرورة أن تتم العملية السياسية بقيادة ليبية ولصالح الليبيين، وأن تثمر عن انتخابات رئاسية وتشريعية، بالتعاون مع الأمم المتحدة وبدعم من المجتمع الدولي.

ومنذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، تعاني ليبيا من انقسام عميق أدى إلى ظهور مؤسسات منافسة، أبرزها مجلس الدولة وحكومة معترف بها دوليا في طرابلس، ومجلس للنواب وحكومة تابعة للجنرال الانقلابي خليفة حفتر في الشرق.

نفوذ ضائع

في تحليله لهذه التحركات، قال المحلل السياسي إبراهيم الأصيفر، إن الخطوة الفرنسية “لا يمكن وصفها بالمبادرة الدبلوماسية العقلانية كما تحاول باريس تصوير ذلك”.

وأضاف الأصيفر لـ"الاستقلال"، أن هذه الخطوة ”هي محاولة مكشوفة لإعادة تدوير نفوذ ضائع، تلطخه سنوات من الانحيازات الخاطئة وخيارات إستراتيجية فاشلة، أظهرت جهلا عميقا بمشهد سياسي ليبي معقد ومتعدد الأبعاد.

وأوضح أن “باريس تتصرف منذ 2011، كقوة تسعى إلى الهيمنة، لا كدولة تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية، وكل محطة مرت بها ليبيا بعد الثورة كشفت أنها لم تكن إلا لاعبا مرتبكا، أو في أسوأ الحالات، طرفا يغذي الانقسامات”.

ومن ذلك، يردف الأصيفر، أن دعم باريس خليفة حفتر سياسيا وعسكريا واستخباريا لم يكن بدافع إيمان بمشروع دولة، بل لرؤية نفوذ شخصي وتقديرات اقتصادية وأمنية ضيقة، في امتداد لنفوذ بدأ يتآكل في الساحل الإفريقي.

واسترسل: “إذ إن ظهور صواريخ جافلن الأميركية في مدينة غريان عام 2019 لم يكن حادثا، بل دليلا صارخا على أن فرنسا كانت جزءا من الحرب، زوّدت طرفا بالسلاح عبر قنوات غير مشروعة بينما كانت تدعي العمل على تسوية سياسية”.

وشدد المحلل السياسي الليبي على أنه "لا يمكن لأي قوة أن تسوّق لنفسها كوسيط محايد بعد مثل هذه الانحيازات".

ونبه إلى أن "الطموحات الفرنسية في ليبيا كانت دائما اقتصادية واضحة: توسيع نفوذ شركة توتال على حساب إيني الإيطالية، واستعادة ما فقدته باريس في الساحل الإفريقي".

وأردف، "كما تروم الولوج إلى حقول نفطية غنية مثل غدامس عبر تفاهمات فوقية تفرض نفسها على المشهد المحلي، بعيدا عن اتفاقات شرعية".

ورأى الأصيفر أن "لقاء باريس ليس خطوة نحو حل، بل محاولة لتثبيت قدم قبل أن يغلق الباب عليها نهائيا، ويكشف مشكلة بنيوية في العقل الإستراتيجي الفرنسي: الإصرار على إدارة الأزمة الليبية كما لو كانت ساحة نفوذ فرنسي، متجاهلة مجتمعا معقدا لا يخضع للهندسة الخارجية".

فشل اللقاء

رغم المساعي الفرنسية إلا أن باريس فشلت في عقد لقاء يجمع صالح وتكالة، بعد وصول التحضيرات إلى مراحل متقدمة.

وفي هذا الصدد، قال عضو مجلس الدولة عبدالله الكبير: إن الترتيبات الخاصة باللقاء كانت جارية بالفعل، وتم تحديد موقع انعقاده في باريس، ما عكس حينها وجود رغبة أولية في جمع الطرفين على طاولة واحدة لبحث عدد من الملفات السياسية العالقة.

وأوضح الكبير لموقع "ليبيا24" في 18 ديسمبر 2025، أن "اللقاء ألغي في اللحظات الأخيرة دون الإعلان عن أسباب واضحة أو تقديم توضيحات رسمية حول خلفيات هذا الإلغاء".

وأضاف أن "المستشار عقيلة صالح غادر الأراضي الفرنسية دون عقد اللقاء المنتظر مع تكالة". مشيرا إلى أنه "لا توجد، حتى الآن، أي معلومات مؤكدة حول ترتيبات مستقبلية لإعادة تنظيم هذا اللقاء أو تحديد موعد بديل له".

وأكد المسؤول الليبي أن "حالة الغموض ما زالت تحيط بمصير هذه المساعي، في ظل غياب بيانات رسمية من الأطراف المعنية".

وأشار إلى أن "المجتمع الدولي، ومن ضمنه فرنسا، يبدي اهتماما بدعم أي مبادرات تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، إلا أن نجاح هذه الجهود يبقى مرهونا بتوفر الإرادة السياسية الحقيقية لدى الأطراف المحلية".

وخلص الكبير إلى أن "فشل لقاء باريس يبقى مؤشرا جديدا على التحديات التي تواجه مساعي التوافق السياسي في ليبيا، في انتظار تحركات قد تعيد إحياء الحوار بين المؤسسات المتنازعة".

من الجانب الآخر في ليبيا، أرجع عضو مجلس النواب بالشرق، عبد الناصر النعاس، فشل انعقاد لقاء صالح وتكالة، إلى وجود خلافات سياسية وضغوط إقليمية متزايدة.

ودعا النعاس في تصريحات نقلها موقع "الساعة24" المحلي في 18 ديسمبر 2025، الطرفان إلى “تغليب المصلحة الوطنية العليا، والتنازل عن بعض المواقف لضمان إنجاح الانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.

وتابع: "نتوقع أن يقدم المستشار صالح إحاطة أمام البرلمان في الجلسة المقبلة، قد تسلط الضوء على أسباب فشل اللقاء والنتائج المحتملة لذلك".

من جهته، حمل عضو المجلس الأعلى للدولة أحمد همومة، عقيلة صالح مسؤولية فشل عقد اللقاء المشترك في باريس.

ورأى همومة لصحيفة "البوصلة" المحلية في 17 ديسمبر 2025، أن رفض عقيلة صالح عقد لقاء مع تكالة خلال وجودهما في باريس “يؤكد أن الخلافات ما زالت قائمة”.

وشدد على أن استمرار التواصل – حتى لو كان غير مباشر – قد يفتح الباب أمام تفاهمات جديدة إذا توفرت الإرادة السياسية.

وأشار همومة إلى أن التزامن بين زيارة الجانبين إلى فرنسا "لا يمكن عدّه مجرد صدفة سياسية، بل يأتي في إطار ترتيبات تهدف إلى دفع المجلسين نحو تجاوز الخلافات العالقة واستئناف العمل على الاستحقاقات المطلوبة منهما".

ويرى أن هذا التزامن "يعكس محاولة واضحة لتحفيز الطرفين على كسر الجمود السياسي الذي يعرقل الوصول إلى الانتخابات". 

ورأى أن المرحلة الحالية تتطلب "أقصى درجات المسؤولية" من المجلسين لإنجاز ما تبقى من مهام تمهيدا للوصول إلى اليوم الموعود والهدف المنشود وهو الانتخابات.

ونبه همومة إلى أن ليبيا لم تعد تحتمل المزيد من التعطيل، وأن أي تقارب بين المجلسين، مهما كان محدودا، يمكن أن يسهم في إحياء المسار السياسي وإعادة توجيهه نحو إنهاء المراحل الانتقالية المتكررة.

الأفق الفرنسي

فشل اللقاء الثنائي بين تكالة وصالح لا يعني نهاية الدور الفرنسي في الملف الليبي، ولذلك، يرى المحلل السياسي الأصيفر أن "باريس إذا أرادت استعادة موقع محترم في هذا الملف أو غيره من ملفات القارة، فإن عليها أولا مراجعة شاملة لسلوكها".

وأوضح لـ"الاستقلال"، أن “البداية من الاعتراف بأن دعم حفتر كان خطأ إستراتيجيا، وأن إدارة الملف بمنطق الشركات النفطية وليس الدولة مسؤولة هو ما قادها إلى خسارة النفوذ”.

ورغم المساعي الفرنسية، يؤكد الأصيفر أن “باريس تبدو اليوم مجرد لاعب ثانوي يحاول اللحاق بالركب، في ظل تحكم واشنطن بمفاتيح اللعبة، سواء من حيث العقوبات، ومؤسسات المال الليبية، ومسار النفط، وقرارات مجلس الأمن، وتوازن القوى الإقليمي”.

ولفت إلى أن “فرنسا في هذا الوضع أمام خيار واضح، وهو إما الاستمرار في لعبتها القديمة، القائمة على دعم محاور بعينها واقتناص حقول النفط دون احترام للسيادة الليبية، فتخرج من المشهد بالكامل”.

واسترسل: “أو الخيار الثاني وهو إعادة بناء علاقة جديدة مع ليبيا تقوم على الشفافية والاعتراف بالأخطاء، والتعامل مع جميع الليبيين كشركاء لا أدوات”.

وشدد الأصيفر على أنه “قد آن الأوان لباريس أن تدرك أن ليبيا ليست مجالا لإعادة بناء هيبتها المفقودة، وأن زمن فرض المسارات من باريس قد انتهى”.

وخلص إلى أن “باريس إن أرادت القيام بدور محترم في المستقبل، فعليها أن تتوقف عن التعامل مع ليبيا كمساحة نفوذ، وأن تبدأ بالتعامل معها كدولة تريد أن تستعيد سيادتها”.

الحوار المهيكل

يُذكر أن زيارة تكالة وصالح إلى باريس، تزامنت مع عقد بعثة الأمم المتحدة لأولى جلسات المشاورات العامة حول موضوعات الحوار المُهيكل، في 14 ديسمبر 2025.

وأكَّدت رئيسة البعثة الأممية هانا تيتيه، أن توحيد المؤسسات الليبية الأساسية يشكل الشرط الأساسي لإنهاء الأزمة في البلاد. 

وأشارت إلى ضرورة تشكيل حكومة موحدة مرتبطة بجدول زمني محدد، ومصرف مركزي واحد لإدارة الموارد المالية بشكل فعال.

وبحسب موقع "الجماهيرية" المحلي، فقد رأت تيتيه أن جاهزية الانتخابات تمثل جزءا أساسيا من بناء الحكومة، مع ضمان إجراء انتخابات شفافة وذات مصداقية لتعزيز الشرعية المؤسسية.

وأوضحت أن “أولويات السياسات تتضمن تحديد صلاحيات الحكومة القادمة ومهلها، واختيار السلطة التنفيذية بشفافية قبل بدء تنفيذ البرامج التنموية”.

وشددت على “أهمية وضع أجندة إصلاحية ترتكز على الحوكمة، والحد من تدخل التشكيلات المسلحة والفاعلين السياسيين في المؤسسات الاقتصادية، مع تعزيز الرقابة على الأداء المؤسس”.

وأكدت المسؤولة الأممية كذلك على وجوب الوصول إلى إدارة مالية موحدة وشفافة، وتعزيز الشفافية في قطاع النفط لضمان استقرار الإنتاج وتدفقات الإيرادات في ليبيا.

وتوقفت تيتيه عند أهمية نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإعادة دمجها، وإنشاء جيش وقطاع أمني موحدين تحت سلطة تنفيذية شرعية واحدة، إلى جانب دعم الأمن الانتخابي وتعهدات ما قبل الانتخابات من جميع الفاعلين، بما في ذلك التشكيلات المسلحة.