الذهب والسلاح والنفوذ.. كيف تشكل محور دارفور-بنغازي تحت رعاية الإمارات؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

كشف موقع ألماني عن تلقي مليشيات الدعم السريع دعما عسكريا من مليشيا اللواء الانقلابي الليبي خليفة حفتر في معركتها للسيطرة على مدينة الفاشر في إقليم دارفور السوداني.

ففي تطور لافت، تمكنت مليشيا الدعم السريع، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2025 من السيطرة على الفاشر، مُنْهية بذلك حالة جمود عسكري استمرت أكثر من عام ونصف العام في حربها ضد الجيش السوداني بالإقليم الواقع غرب السودان.

ولفت موقع "تاز" الألماني إلى أن هذا التطور يعني أن "الدعم السريع أصبح يسيطر على منطقة شاسعة تعادل مساحة فرنسا، ومليئة بالثروات الطبيعية".

وتتهم الحكومة السودانية دولة الإمارات بتقديم الدعم العسكري لمليشيات الدعم السريع عبر إمدادها بالذخائر والمركبات القتالية والمسيرات، فيما تنفي أبوظبي تلك الاتهامات.

من جانبه، يعتقد الموقع أن الثروات الهائلة التي يزخر بها إقليم دارفور من ذهب وأراضٍ خصبة جعلت من قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" حليفا مرغوبا لدى كل من الإمارات وحفتر، الذي يسيطر على شرق ليبيا.

وسلط الضوء على التقاطع الواضح في المسار السياسي والعسكري للطرفين، فكل من حميدتي وحفتر يخوضان حربا ضد الحكومات المعترف بها دوليا في بلديهما. وأكد أنه خلال صيف 2025 نفذ هذا التحالف خطة محكمة الإعداد انتهت بسيطرة الدعم السريع على مدينة الفاشر.

خطوط إمداد 

ونقل عن شهود عيان قولهم: إن "أرتالا ضخمة من العربات كانت -خلال الأشهر الماضية- تتحرك من مطار الكفرة جنوب شرق ليبيا باتجاه المثلث الحدودي الذي يربط بين ليبيا ومصر والسودان".

وبحسب الشهود، كانت تلك القوافل تضم سيارات "تويوتا بيك أب" حديثة الصنع ومدافع مضادة للطائرات، نُقلت جميعها بطائرات شحن من طراز "إليوشن-76" قادمة من دولة الإمارات.

وتابع الموقع: "رغم خلو تلك الطائرات العملاقة من العلامات الوطنية، فإن خبراء من موقع إيتال ميل رادار ItalMilRadar المتخصص في مراقبة الطائرات والسفن العسكرية في البحر الأبيض المتوسط والمناطق المحيطة به، ومنظمات حقوقية أخرى، أكدوا صحة هذه التقارير".

إذ أشاروا إلى أنهم "يتتبعون منذ سنوات الرحلات المنتظمة لتلك الطائرات بين دبي ومطارات في شرق ليبيا وتشاد، مما يعزز صحة هذه المعلومات".

بالتوازي مع ذلك، لفت الموقع الألماني إلى أن "مركز مرونة المعلومات (CIR)، المعني بكشف انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، كشف عن أدلة تؤكد وجود معسكر تدريب لمليشيا الدعم السريع قرب مدينة الكفرة".

وبحسب المركز البريطاني، فإن "تسجيلات مصورة لمقاتلين من الدعم السريع أظهرت استخدامهم لمركبات تدربوا عليها في جنوب ليبيا".

وقد شاركت هذه المركبات لاحقا في الهجوم على مخيم زمزم للنازحين على أطراف الفاشر في أبريل/نيسان 2025، في خطوة مهدت للسيطرة على المدينة. وأفاد بأنه "منذ ذلك الحين، يشن مسلحو الدعم السريع هجمات متكررة انطلاقا من الأراضي الليبية".

ولفت إلى أنه "منذ سيطرة الدعم السريع على الجانب السوداني من المثلث الحدودي منتصف يونيو/ حزيران 2025، أصبح النشاط على الحدود مع ليبيا -التي لا تظهر إلا على الخرائط دون وجود فعلي على الأرض- مكثفا بشكل ملحوظ".

إذ أفادت مصادر ليبية من مدينة الكفرة لموقع "تاز" بأن "اللواء حمدان الكجلي، مدير أمن حميدتي وعددا من كبار قادة المليشيا، يتنقلون منذ مطلع عام 2025 بانتظام بين ليبيا ودارفور".

وبحسب الموقع، يؤمن التحالف بين حفتر وحميدتي طريق إمداد إستراتيجي نحو غرب السودان، يطمح الأخير أن يبقى تحت سيطرته حتى بعد انتهاء الحرب.

أما الحلفاء الدوليون للطرفين -مصر وروسيا والإمارات- فيرى أنهم "باتوا يتمتعون من خلال هذا التحالف بإمكانية الوصول إلى ذهب المناطق الحدودية، فضلا عن أكبر احتياطيات النفط في إفريقيا الواقعة في منطقة الهلال النفطي جنوب غرب بنغازي، شرق ليبيا".

وبدوره، ينفي خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق وجنوب ليبيا، وجود أي تعاون بينه وبين حميدتي أو مليشيا الدعم السريع.

ويقدر الموقع أن هذا الإنكار "يعود إلى أن أحد أبرز حلفاء حفتر هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ حيث تقف القوات المسلحة المصرية إلى جانب الجيش السوداني الرسمي وتضطلع بتدريب ضباطه".

مع ذلك، يؤكد أن "شحنات الأسلحة الإماراتية التي وُثقت مرارا، والموجهة إلى مليشيا الدعم السريع عبر مطار الكفرة، وإلى جيش حفتر عبر مطار الخادم الذي يقع على بعد حوالي 170 كيلو مترا شرق بنغازي، تمثل انتهاكا مزدوجا لحظري السلاح المفروضين على كل من السودان وليبيا".

شريك إستراتيجي

وانتقد ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع أبوظبي، قائلا: "رغم التقارير الواردة بخصوص الدعم الإماراتي لمليشيا حميدتي، لا تزال الإمارات بمثابة شريك إستراتيجي لكل من برلين وعواصم غربية أخرى".

وعزا ذلك النفوذ الاستثنائي الذي تحظى به هذه الدولة الخليجية إلى عاملين رئيسين: أولهما تبني أبوظبي موقفا حازما ضد تيار الإسلام السياسي، وثانيا، تطبيع العلاقات مع إسرائيل من خلال اتفاقيات أبراهام.

وبحسب الموقع، لم تكتفِ الدول الغربية بغضّ الطرف عن الدعم الإماراتي لمليشيات الدعم السريع، بل شاركت هي كذلك في تسليح مليشيا حميدتي.

إذ أشار موقع "تاز" إلى أنه "في سياق التحقيق حول مصادر تسليح مليشيا الدعم السريع، كشف أحد العاملين في مركز مرونة المعلومات (CIR) عن العثور على أسلحة كندية ضمن الترسانة المستخدمة.

وأشار هذا المصدر إلى أن نصف صادرات كندا من الأسلحة عام 2024 توجهت إلى منطقة الخليج.

ونوه إلى أن هذا المصدر، شأنه شأن ناشطي حقوق الإنسان في جنوب ليبيا الذين تحدثوا إلى الموقع، يفضل عدم الكشف عن هويته.

علاوة على ذلك، كشف تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية أن أسلحة صُدرت من المملكة المتحدة إلى دبي عُثر عليها في مدينة أم درمان التي انسحبت منها مليشيا الدعم السريع أخيرا.

وأردف الموقع الألماني: "تصدر ألمانيا ودول أوروبية أخرى الأسلحة إلى الإمارات التي تقدم نفسها كحصن ضد الحركات الإسلامية".

حركة متبادلة 

ولا يقتصر نفوذ الشبكة الإماراتية-الليبية-السودانية على السيطرة على خطوط الإمداد الممتدة من بنغازي إلى دارفور، بل يمتد ليشمل حركة النقل في الاتجاه المعاكس أيضا؛ إذ "يُنقل الذهب من السودان إلى ليبيا على متن شاحنات تويوتا بيك أب، بينما تحمل شاحنات أخرى ماشية ومنتجات زراعية".

وذكر الموقع أنه "في المنطقة الحدودية الصحراوية بين ليبيا وتشاد، يعمل المهاجرون في حفر مؤقتة داخل مدن التنقيب عن الذهب التي نشأت هناك منذ عام 2014".

وتابع: "استُقدم خبراء سودانيون للعمل في تلك الأماكن نظرا لخبرتهم الطويلة في مناجم الذهب في دارفور التي باتت الآن تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع".

وتوقع أنه "إذا تمكنت مليشيا الدعم السريع من ترسيخ سيطرتها على دارفور بشكل دائم، فإن حفتر وحميدتي سيكونان قد بسطا نفوذهما على منطقتين مستقلتين شاسعتين".

ففيما يُعرف بـ "الهلال النفطي الليبي" جنوب غرب بنغازي، تقع بعض من أكبر احتياطيات النفط والغاز في إفريقيا، كما يُعتقد أن هناك العديد من مناجم الذهب غير المستغلة، على غرار تلك الموجودة في دارفور.

ونوه الموقع إلى أن "أهمية دارفور للإمارات لا تقتصر على مناجم الذهب، بل تمتد لتشمل أيضا الثروة الحيوانية وزراعة القمح؛ حيث تُصدر هذه المنتجات منذ عقود عبر ميناء بورتسودان إلى الأسواق العالمية".

وأضاف أنه "حتى في ظلّ الحرب الأهلية الحالية، تواصل شاحنات الماشية عبور خطوط القتال باتجاه بورتسودان".

في هذا السياق، تقول الصحفية يسرى الباقر من الخرطوم: "في الغرب، ينظر كثيرون إلى هذه الصور بصفتها مشاهد ذبح بدائية في حرب أهلية إفريقية".

واستدركت: "لكن الحقيقة أن هذا الصراع، وما يتخلله من تطهير عرقي في دارفور، هو نتيجة لإستراتيجية قوة باردة تهدف إلى السيطرة على مواقع إستراتيجية وموارد آخذة في التناقص، في منطقة تعاني بشدة من آثار تغير المناخ".

قاعدة عمليات

"وأدى هذا الثراء، الذي يُنظر إليه في الغرب على أنه صادر من منطقة هامشية، إلى نشوء تحالفات غير تقليدية".

ففي 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، هبطت طائرة عسكرية روسية في قاعدة الخادم الليبية، بعد أن أقلعت من قاعدة حميميم الجوية الروسية في مدينة اللاذقية السورية.

واستطرد الموقع: "منذ سنوات، تستخدم روسيا الأراضي الليبية كقاعدة لعملياتها في إفريقيا؛ حيث شاركت شركة فاغنر الأمنية في تحقيق أرباح من مناجم الذهب في جنوب ليبيا ودارفور".

فضلا عن ذلك، "تستخدم قوات حفتر أسلحة روسية، في خرق واضح لحظر السلاح المفروض على ليبيا، وهو أمر لطالما انتقده خبراء الأمم المتحدة، لكنه لا يلقى اهتماما يُذكر في أوروبا".

وحول تداعيات تلك التطورات على تدفق موجات اللاجئين إلى أوروبا، قال الموقع: "يعد حفتر أيضا أحد أبرز الشركاء في جهود التصدي للهجرة غير النظامية في شمال إفريقيا".

وتابع: "قبل نحو 10 سنوات، كانت مليشيا الدعم السريع في السودان هي من تتولى هذه المهمة"؛ إذ كانت آنذاك تعمل كقوة حدودية تابعة للنظام العسكري السوداني، وتغلق طرق الهجرة القادمة من القرن الإفريقي عبر السودان باتجاه ليبيا ثم البحر المتوسط، مقابل دعم مالي من الاتحاد الأوروبي.

"أما اليوم، فقد تسبب النزاع الذي تخوضه مليشيا الدعم السريع في تهجير ملايين السودانيين، وقد سجلت السلطات في مدينة بنغازي شرق ليبيا أكثر من مليون لاجئ سوداني".

وبحسب الموقع "تتولى قوات حفتر منع هؤلاء، ومعهم آلاف المصريين الباحثين عن مستقبل أفضل، من الوصول إلى أوروبا عبر البحر".

أما واشنطن، فهي تعول على حفتر كذلك؛ إذ تعده" شريكا في مواجهة تصاعد نشاط المليشيات الإسلامية في منطقة الصحراء الكبرى". وفق وصفه.