سياسي سوري: الأحزاب الوطنية قادرة على إنقاذ البلاد في هذه المرحلة (خاص)

"الأحزاب التي ستحمل العناوين الوطنية هي القادرة على استقطاب الناس"
أكد رئيس تيار سوريا الجديدة ياسر العيتي، ضرورة نشوء أحزاب سياسية خلال المرحلة الانتقالية، منعًا لتشرذم المجتمع أو تجمّع المواطنين حول عناوين ما دون وطنية.
وفي حوار مع "الاستقلال"، شدد العيتي على أن الأحزاب الوطنية قادرة على تفكيك النزعات الطائفية والمناطقية والعنصرية.
وقال العيتي: إنه لا يجوز التأخر في إصدار قانون الأحزاب في سوريا؛ إذ إن وجود هذا القانون من شأنه تشجيع الأحزاب على الانخراط في الحياة السياسية.
ونوّه إلى أهمية تشكيل حزب وطني له قواعد وامتدادات شعبية، يعمل بشكل مؤسساتي، ويُفرز قيادات، ويقدّم برامج ورؤى واضحة للناس.
وياسر العيتي طبيب وباحث وسياسي سوري، وُلد عام 1968، وهو مؤلف ومترجم، ومعارض بارز لنظام بشار الأسد المخلوع، ويشغل حاليًا رئاسة تيار سوريا الجديدة.
حصل العيتي على إجازة في الطب البشري من جامعة دمشق عام 1992، وعلى دبلوم في الأمراض الداخلية من جامعة لندن عام 2001.
ويُعرّف تيار سوريا الجديدة بأنه “كيان سياسي وطني محافظ، يلتزم بمبادئ العدل والحرية والكرامة التي قامت عليها الثورة، ويهدف إلى بناء دولة عصرية قائمة على أسس العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون لجميع مواطنيها، انطلاقًا من هوية المجتمع المحافظة”.

تنافس حزبي
بدايةً، حبذا لو تضعنا في صورة واقع الأحزاب في سوريا منذ عهد نظام حافظ الأسد وحتى سقوط حكم ابنه بشار؟
في عهد النظام البائد، لم تكن هناك أحزاب حقيقية، بل ما عُرف بـ“الجبهة الوطنية التقدمية” التي شكّلت واجهة شكلية للعمل الحزبي أو المعارض، وكانت جميع مكوناتها، بشكل أو بآخر، تابعة للنظام.
ويمكن القول إنه في عهد المقبور حافظ الأسد وابنه الفار بشار، سادت حالة من موت الحياة السياسية، وموت الأحزاب، مع وجود بعض التشكيلات الشكلية التي لم تمارس العمل السياسي الحقيقي، وإنما وُجدت للتظاهر بوجود تعددية سياسية.
وكان يُروَّج آنذاك لوجود أحزاب وتعددية، في حين كان حزب البعث، بوصفه “الحزب القائد للدولة والمجتمع”، المتحكم بكل مفاصل الحياة السياسية، وذلك بموجب الدستور السوري الذي جعله الحزب الوحيد الحاكم للبلاد.
سوريا الجديدة اليوم في انتظار قانون للأحزاب السياسية.. كيف، برأيك، ينبغي تنظيم عمل الأحزاب وطبيعة نشاطها؟ وماذا عن الأحزاب السابقة؟
لا شك أن سوريا القادمة، بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، ستشهد تعددية سياسية؛ لأن هذا هو أحد الأهداف الأساسية التي خرجت من أجلها الثورة السورية، والتي قامت لإنهاء الاستبداد، والاستبداد بطبيعته هو حكم الحزب الواحد.
اليوم، ضمن أنظمة الحكم المعروفة عالميًا، إما أن نكون أمام نظام الحزب الواحد والحاكم الواحد، كما هو الحال في بعض الدول القليلة، أو أمام أنظمة تعددية حزبية تتنافس فيها الأحزاب للوصول إلى السلطة وكسب ثقة الناس عبر صناديق الاقتراع.
ومن هنا، لا بد من وجود عمل حزبي منظم، وقانون للأحزاب ينظّم هذا العمل خلال المرحلة الانتقالية.
أما فيما يخص الأحزاب السابقة، فيجب أن يضع قانون الأحزاب الجديد معايير واضحة للعمل السياسي، بحيث تتقدم أي جهة حزبية، سواء كانت حديثة التشكيل أو قديمة، بطلب ترخيص وفق أحكام القانون الجديد، دون تمييز بين القديم والجديد.

المال السياسي
تلعب الأحزاب دورًا هاما في الحياة الاجتماعية والسياسية.. كيف يمكن الدفع نحو أحزاب سياسية على أساس وطني، وبعيدة عن المال السياسي أو الارتهان للخارج؟
إن غياب الأحزاب الوطنية يؤدي إلى تشرذم المجتمع، ويجعل الناس تجتمع حول عناوين ما دون وطنية، كالعناوين العشائرية أو الطائفية أو المناطقية.
وعندما توجد أحزاب وطنية حقيقية، يلتف الناس حول أفكار وطنية وبرامج سياسية، ويتنافسون عبر الرؤى والمشاريع، ويصبح هناك نقاش سياسي عام بعيد عن الخطاب الطائفي أو المناطقي أو العنصري.
أما فيما يتعلق بالمال السياسي أو الارتهان للخارج، فإن هذه المسائل تُعالج عبر قانون الأحزاب، كما هو معمول به في مختلف دول العالم، من خلال وضع معايير للشفافية والحوكمة، وآليات واضحة للرقابة على مصادر التمويل وأوجه الإنفاق.
ما تصورك لطبيعة الاستجابة الشعبية للأحزاب؟ وهل ستشهد سوريا إقبالًا على العمل الحزبي أم نفورًا منه؟
أتوقع أن تكون الاستجابة الشعبية في البداية ضعيفة، بسبب النفور العام من العمل الحزبي داخل المجتمع السوري، نتيجة غياب تجارب حزبية وطنية حقيقية، سواء في عهد النظام البائد أو حتى في تجارب المعارضة.
ولا توجد، حتى اليوم، نماذج حزبية مشجعة تدفع الناس إلى الانخراط في العمل السياسي، ما يستدعي ظهور تجارب وطنية جديدة ورائدة، تعمل بشكل مؤسساتي، وتملك قواعد شعبية، وتستطيع إقناع الناس بأهمية العمل الحزبي.
برأيك، هل تسهم الأحزاب التي ستتشكل بموجب قانون الأحزاب المرتقب في تفكيك النزعات الطائفية والمناطقية التي تهدد وحدة الدولة السورية؟
بالتأكيد، فلا شيء يسهم في تفكيك النزعات الطائفية والمناطقية والعنصرية مثل الأحزاب الوطنية؛ إذ تبتعد الناس من خلالها عن التجمع تحت عناوين ضيقة، وتلتف حول أهداف وطنية جامعة.
وتُعدّ الأحزاب السياسية بوتقة ينصهر فيها السوريون على اختلاف مناطقهم وطوائفهم وانتماءاتهم، لخدمة قضايا وأفكار مشتركة.
هل تتوقع أن تشهد سوريا حالة استقطاب سياسي وعودة للاصطفافات بعد إقرار قانون الأحزاب؟
تمر سوريا اليوم بمرحلة تشكّل سياسي جديدة، ومن غير المتوقع أن يكون للاصطفافات القديمة، القائمة على أسس أيديولوجية أو قومية، تأثير كبير في الشارع السوري.
وأعتقد أننا سنشهد بروز عناوين سياسية جديدة، تركز على خدمة الناس، وتتسم بطابع وطني جامع، بعيدًا عن الأدلجة الحادة، وستكون هذه الأحزاب الأقدر على استقطاب الشارع السوري.

عقبات وحياة سياسية
برأيك، هل توجد عقبات أمام إطلاق حياة حزبية تعددية في سوريا؟
العقبة الأولى تتمثل في غياب قانون للأحزاب؛ إذ إن وجود هذا القانون سيشجّع الأحزاب على الانطلاق في العمل السياسي المنظم.
أما العقبة الثانية، فهي ثقافة النفور من العمل الحزبي السائدة في المجتمع السوري، ما يستدعي جهودًا توعوية حقيقية إلى جانب الحاجة لظهور نموذج حزبي وطني ناجح يراه الناس بأعينهم.
هل تتوقع استثمار شخصيات من محيط النظام المخلوع المال السياسي لتشكيل أحزاب جديدة؟
إن قانون الأحزاب العصري الذي يناسب المرحلة المقبلة، هو الكفيل بمنع استغلال المال السياسي أو النفوذ السابق، عبر ضوابط واضحة ومحددة.
هل تتوقع صدور قانون الأحزاب خلال المرحلة الانتقالية المحددة بخمس سنوات؟
نتوقع صدور قانون للأحزاب، لا سيما أن المادة 14 من الإعلان الدستوري تنص صراحة على أن الدولة تضمن حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أساس وطني وفق القانون الجديد.
غير أن صدور هذا القانون يتطلب ضغطا حقيقيا من القوى السياسية والمهتمين بالشأن العام؛ لأن عملية تشكيل حزب وطني فاعل، ذي قواعد شعبية، ويعمل بشكل مؤسساتي، ويُفرز قيادات، ويقدّم برامج واضحة، تحتاج إلى سنوات من العمل والبناء.
ولهذا، لا يجوز التأخر في إصدار قانون الأحزاب؛ لأن المرحلة الانتقالية محدودة، وبعد أربع سنوات سيكون هناك استحقاق دستوري وانتخابات مباشرة، ما يستدعي الجاهزية بأحزاب سياسية فاعلة وقادرة على خوض هذا الاستحقاق.















